لكن لحسن الحظ، طالما بقيتُ مُلتصقةً بأبي، لم يجرؤ أحدٌ على الاقتراب مني.
رغم ذلك، لم تتوقف النظرات المُلاحقة لي أبدًا.
“هل أحضرُ لكِ بعض الفاكهة؟”
“هم؟ لا، لا داعي. لا يزال هناك الكثير مما أحضره الخدم. لكن على أيِّ حال، كانت الكعكة التي أحضرتها أنتَ هي الألذ.”
ارتعشت زوايا شفتيّ أبي قليلًا، كما بدا أنفُه وكأنه قد اتَّسع قليلاً.
“بمجرد أن أنهي عملي، سنغادرُ فورًا. فقط تحمَّلي قليلًا.”
ربتَ على رأسي وهو يتحدث. أومأتُ برأسي بينما وضعتُ قطعة بسكويتٍ في فمي.
‘متى سيظهرُ الإمبراطور الذي أرسلَ الدعوة؟’
حتى لو كان البطل دائمًا آخر من يظهر، فقد كانت المأدبة تصل إلى أوجها بالفعل.
وكلما زادَ شربُ الناس للكحول واشتدَّت مشاعرهم، زاد احتمال ظهور مَن يُضايق أبي.
‘أوه، هذا أسوأ ما قد يحدث.’
وضعتُ قطعةً من الفطيرة المغطاة بهلامٍ لزجٍ في فمي وأنا أتأمل. ( مارييت جاية لحتى تأكل تمثل بعض الناس )
قالوا إن الأمير سيظهر اليوم. أتساءل إن كان آروميا قد تغيّر ولو قليلًا خلال هذه الفترة.
لقد بدا ضعيفًا للغاية، كما لو كان على وشك الإنيهار في أيِّ لحظة. كنتُ آملُ أن تكونَ صحّته قد تحسّنت، ولو قليلًا.
بدأتُ أقلق إن كانت عيناه لا تزالان متورمتين ومُلتهبتين.
لم يَمض وقتٌ طويل حتى جاءَ مساعدُ الإمبراطور يبحثُ عن أبي.
“سعادتك، يرغبُ جلالةُ الإمبراطور في رؤيتك على انفراد. سيكونُ قداسة البابا حاضرًا أيضًا.”
كما توقَّعت تمامًا.
لا يُعقل أن يدعُو الإمبراطورُ وأبي لحضورِ المأدبة ثم لا يستدعِيه، خاصةً بعد أن حضرَ أخيرًا لأول مرة منذ سنواتٍ عديدة.
“سأذهبُ لمقابلته.”
انحنى أبي قليلًا ليُخاطبني.
“ابقي هنا وانظري حولكِ قليلًا، لن أتأخرَ طويلًا.”
أومأتُ برأسي.
“حسنًا، كن حذرًا، أبي!”
“احرصوا على حماية مارييت.”
“نعم، سننفِّذ الأمر.”
حتى بعد أن أصدر أبي أوامره، لم يغادر فورًا، بل مدّ يده وربَّت على رأسي مرةً أخرى.
“كوني فتاةً مهذَّبةً وانتظريني.”
ابتسمتُ وأومأتُ برأسي.
“حسنًا! عد بسرعة.”
“سأفعل.”
غادرَ أبي مع المساعد.
ولكن ما إن اختفى من قاعة الولائم، حتى شعرتُ بثقلِ نظراتِ الآخرين عليّ يزداد.
“يا آنستي، تبدينَ وحيدةً حقًا. أين ذهبَ الدوق تاركًا إياكِ هنا وحدكِ؟”
اقتربت مني مجددًا تلك الفتاة التي كانت مهتمّةً بي وبأبي أكثرَ مما ينبغي.
كانت ابنةَ مركيز إيلين، أليس كذلك؟
تراجعتُ خطوةً إلى الوراء وقلتُ.
“لقد ذهب لمقابلة جلالة الإمبراطور، لكنه سيعودُ قريبًا.”
“أوه، يا لكِ من فتاةٍ لطيفةٍ تخبرينني بذلك. بدلًا من الجلوس هنا وحدكِ، ماذا لو جئتِ وتحدَّثتِ معي هناك؟”
كدتُ أتنهدُ بسخرية.
من الواضح أنها تُريدُ سؤالي عن أبي. كان الأمر واضحًا للغاية.
“لا، شكرًا لكِ.”
“أوه، لا تكوني هكذا. دعينا نبحثُ عن شيءٍ مشتركٍ بيننا. أنا أحبّ الأطفال كثيرًا، أتعلمين؟ هناك الكثير مما يمكننا التحدّث عنه، مثل الأشياء التي يحبّها الدوق ….”
عندها تدخَّل آرون.
“هذا يكفي، يا آنسة. سيدتي ليست مرتاحة.”
وضعت الفتاة يدها على فمها وكأنها مصدومة.
“أوه، لم أقصدْ أن أُشعرها بعدم الارتياح. إن كنتِ قد شعرتِ بذلك، فأنا أعتذرُ بشدة، يا أميرة مارييت. أتمنى أن نتمكنَ من الحديثِ لاحقًا.”
كادت أن تُطرد من قِبَل آرون وهي تتراجعُ بخطواتٍ بطيئة.
كنت أراقبُها وهي تبتعد، ثم تحركت لا إراديًا للاختباءِ خلف آرون.
كونُ أبي شخصًا رائعًا إلى هذا الحد أمرٌ مُرهقٌ حقًا.
وجوهٌ غريبةٌ لا حصرَ لها.
مكانٌ لم أزرهُ من قبل.
رغم أن بين وآرون كانا معي، إلا أن النبلاءَ لم يتوقفوا عن النظر إليّ كأنني فريسة، مترصّدين الفرصة ليقتربوا مني ويلقوا التحية.
والآن، بعد أن غادر أبي للقاء الإمبراطور، اجتاحتني موجةٌ من القلق الشديد.
لم أشعر بمثل هذا التوتر من قبل.
رغم وجود بين جانبي، وحراسة آرون لي، لم أستطع منعَ نفسي من الشعور بالاضطراب.
كنت أرغب في العثور على مكانٍ هادئٍ للاختباء.
‘أريدُ الخروج. على أيِّ حال، لا توجدُ أحجارُ كشفِ السحر في القصر الإمبراطوري، صحيح؟’
كنت قد تناولت دواءً احتياطيّا، لكن إن استخدمت قُدراتي، فكلّ ذلك سيكون بلا جدوى.
لكن في النهاية، تغلَّبت رغبتي في الهروب على صوت العقل.
فقط لفترةٍ قصيرة، هذا كلّ شيء.
استغللتُ اللحظةَ التي كان الجميعُ فيها مُنشغلين، وتسللت من خلفِ الستائر، ثم انزلقتُ بهدوءٍ عبر باب قاعة الولائم المفتوح.
التعليقات لهذا الفصل " 95"