87
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- It's the first time for both of us
- 87 - الوقت يمضي لذا أنا أنمو (٣)
بعد بضعة أيام، ذهبتُ للبحث عن تانيا.
“تانيا.”
“آنسة مارييت!”
استقبلتني تانيا بحماسٍ، وهي تربط شعرها الأزرق الفضيّ بإحكامٍ.
“يا له من مشهدٍ مزعج.”
كنت سعيدةً برؤية تانيا، لكن هيلا، الذي جاء معي، بدا مستاءًا تمامًا.
بشكلٍ أدق، منذ لقائنا الأول في النُّزل قبل ثلاث سنوات، لا يزال هيلا يحمل ضغينةً تجاه تانيا.
السبب؟ لأن تانيا لم تعتذر أبدًا عما حدث آنذاك، مما زاد من استياء هيلا.
المشكلة أن تانيا لم تشعر أبدًا بالحاجة للاعتذار وكانت تتجاهل تذمر هيلا تمامًا.
ونتيجةً لذلك، كنتُ مضطرة دائمًا لمشاهدة التوتر المستمر بينهما.
“إذا كان الأمر مزعجًا، فأغمض عينيك. لماذا هما مفتوحتان؟”
ردّت تانيا بحدة.
رأيتُ مشهدهما معًا وهززتُ رأسي بيأس.
“عند النظر إلى الغيوم، يبدو أن المطر سيتساقط قريبًا. لذا، آنستي، لنقضِ حاجتنا بسرعة ونعود.”
تجاهل هيلا تانيا تمامًا وتحدث إليّ مباشرة.
“نعم، لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.”
[يبدو أن لديهما طاقةً لا تنتهي.]
كانت تانيا تفهم كلام كوهن. وعندما لا أكون متاحة، كان كوهن ينقل رسائلي إليها أحيانًا.
بصراحة، كنتُ أخشى أن يشعر هيلا بالتجاهل بسبب هذا، لذا كنتُ أميل إلى دعمه أكثر.
“لكن، لماذا أتيتِ اليوم؟ ليس يوم التدريب.”
“سأذهب إلى فيرزيوم.”
“العاصمة؟ لكن المكان هنا آمن.”
بدت تانيا غير مستوعبةٍ للأمر.
“لديّ الكثير من الأمور التي يجب أن أنجزها في العاصمة، لذلك أريدكِ أن تأتي معي.”
“إذا كنتِ ستذهبين، فسأتبعكِ. هذا هو السبب الذي جعلني أبقى هنا. لكن… هل سيذهب هذا أيضًا؟”
“نعم. ولهذا السبب، عندما لا أكون معكما، عليكما أن تتصرفا كحبيبين.”
“……ماذا؟”
اتسعت عينا تانيا من الصدمة.
كنتُ قد ناقشتُ الأمر بالفعل مع هيلا، لكن هذه كانت المرة الأولى التي أخبر بها تانيا.
أحد الأسباب التي جعلتني أتمكن من مقابلة تانيا بسهولةٍ هو أننا استخدمنا حجة أن هيلا بدأ علاقةً رومانسيةً وكان يأتي لرؤية حبيبته.
“وأيضًا، عندما نصل إلى العاصمة، عليكِ تناول هذا الدواء، لذا احرصي على الاحتفاظ به معكِ.”
أريتها الدواء الذي يخفي الطاقة السحرية.
“لا مشكلة لديّ في تناول الدواء، لكن… هل علينا حقًا فعل ذلك؟”
“أنا أيضًا لا أحب الفكرة. أفعل هذا فقط من أجل آنستي ولا يعني هذا أن لديّ مشاعر خاصة نحوكِ، وأقول ذلك فقط حتى لا يحدث سوء فهم.”
“ومن قال إنني أسأت الفهم؟”
بدأت معركةٌ جديدة بينهما مرة أخرى. رفعتُ يديّ بسرعة لإيقافهما.
“توقفا! إذا واصلتما هذا، سأذهب بمفردي. هل ستفعلانها أم لا؟”
“سأفعل.”
“كنتُ سأوافق على أيّ حال.”
لم يتردد أيٌّ منهما في الإجابة. شعرتُ بالفخر، فمسحتُ أنفي بإصبعي.
“رائع. إذًا، سأذهب لأحصل على إذنٍ من أبي ثم أعود. هل هذا جيد؟”
* * *
بعد أن أخبرتُ تانيا، عدتُ إلى المنزل وأخذتُ أتنقل بالقرب من مكان وجود أبي.
بما أنه كان سيغيب لمدة يومين لتفقد الإقطاعية، كان اليوم هو الفرصة المثالية.
لأجذب انتباهه، جلستُ على الأريكة، ونفضتُ يدي، وتحركتُ بلا توقف.
لقد قرأ رسالتي بالتأكيد، لكنه لم يقل شيئًا. لا رد، ولا كلمة.
بعد أن تململتُ قليلًا، لم أعد أستطيع التحمل، فاستدرتُ إليه مباشرة.
“أبي… هل أنت مشغول؟”
“نعم.”
أجاب دون أن يرفع عينيه عن الأوراق.
هل هو مشغولٌ حقًا؟ لم يرفع رأسه حتى.
نفختُ خديّ بضيقٍ وسألته مجددًا.
“حقًا؟”
“نعم.”
“أبي، هل أساعدك إذًا؟”
ضحك بصوتٍ خافت.
“هل تستطيعين؟”
قفزتُ واقتربتُ منه.
“طبعًا! أنا في العاشرة الآن، أستطيع فعل أيِّ شيء!”
حتى بعد سماع ذلك، لم يحرك سوى حاجبه قليلًا.
“إذا ساعدتِني، فلن يكون لديكِ وقتٌ كافٍ لحزم أمتعتكِ.”
“هاه؟”
ماذا؟
حدّقتُ إليه بدهشة.
“قالت كالبين إن لديكِ الكثير من الأشياء الثمينة، لذا عليكِ أن تساعديهم في توضيبها. أو يمكنكِ أن تأخذي دميتكِ فقط وتذهبي.”
فهمتُ حينها ما كان يعنيه، فأمسكتُ بذراعه بسرعة.
“أبي! هل ستأخذني إلى العاصمة حقًا؟ هل تسمح لي؟”
“نعم. وعدتُ بذلك، أليس كذلك؟”
“واو! أبي، أنت الأفضل!”
إذًا، كان قد قرر بالفعل! حتى إنه أخبر كالبين! ومع ذلك، تظاهر بعدم المعرفة!
بدا أن أبي أصبح أكثر مكرًا مع مرور الأيام.
‘ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟’
مجرد التفكير في أن خطتي بدأت تتحرك جعلني أشعر بالحماس.
وبينما كنت أمسك بذراعه، انحنيتُ سريعًا وطبعْتُ قبلةً على خده قبل أن أهرب.
كانت أشبه بصدمةٍ خفيفة أكثر من كونها قبلةً حقيقية.
“أبي، شكرًا لك!”
آه، كم هذا محرج!
لقد فعلتُ هذا لوالدتي آلاف المرات، لكن هذه كانت المرة الأولى التي أعبر فيها عن مشاعري لوالدي. كنتُ أريد أن أختفي من شدة الإحراج.
قبل أن يتمكن من الرد، فتحتُ الباب بسرعةٍ وهربتُ إلى غرفتي.
* * *
ظلّ كالين متجمّدًا في مكانه لفترةٍ طويلة بعد القبلة التي تلقاها من مارييت، وكأنه تمثال.
لوّح دانتي بيده أمام وجهه.
“سيدي؟ هل أنت بخير؟”
أخيرًا، استعاد كالين وعيه والتقط أوراقه مجددًا وكأن شيئًا لم يكن.
نظر إليه دانتي بابتسامةٍ دافئة.
“آنستي الصغيرة أصبحت في العاشرة الآن. لقد كبرت، وأصبحت أطول وأكثر نضجًا، لكنها لا تزال تتصرف أمامك تمامًا كما كانت عندما كانت طفلة صغيرة.”
وضع كالين أوراقه جانبًا.
“هل مضى كل هذا الوقت بالفعل؟”
“بالطبع. عندما أرى كيف تتعامل مع الخدم هذه الأيام، أستطيع أن أرى بالفعل ملامح سيادتك فيها. وأحيانًا، أشعر حتى ببعض الكاريزما منها. أنا متحمسٌ جدًا لرؤية كيف ستصبح بعد عشر سنوات.”
تخيّل كالين كيف ستكون مارييت بعد عشر سنوات.
فكرة أن تكبر الطفلة كانت تُسعده، لكنه في الوقت نفسه لم يكن يحب فكرة الاضطرار إلى تركها تذهب عندما يحين ذلك الوقت.
حتى أنه فكر في أنه قد يكون من الأفضل لو بقيت كما هي.
“أتمنى لو تبقى كما هي دائمًا.”
تمتم كالين.
“أليس هذا طلبًا أنانيًا جدًا؟”
“اخرس.”
* * *
“بمجرد أن نتجاوز هذا المكان، سيكون هيل هناك.”
تمتمت كيسي، وهي تشدّ قبعتهها أكثر لتغطي وجهها.
“ماذا لو لم يكن هو من استدعانا؟”
كانت رونيا لا تزال تتحدث بنبرةٍ مليئةٍ بالقلق.
“هيل يُفكر بعمق. لن يفعل شيئًا بلا داعٍ. حتى لو لم يكن هو من أرسل الأعشاب الطبية، وغضب منا وأمرنا بالرحيل، فلن يكون لدينا ما نقوله. لم نعد كما كنا من قبل.”
أومأت كيسي برأسها.
“أنا أخبركما، هيل هو من يبحث عنا. لقد رأيته. كان مع طفلة.”
عند كلمات كيسي، اتّسعت عينا رونيا.
لطالما تجنبت التحقق من أيِّ رؤى إلا فيما يخص العمل.
فالرؤى تتأثر بوعي الشخص الذي يستدعيها. لا يمكن لأحدٍ، مهما بلغت قوته، أن يرى كل شيءٍ أو يعرف كل شيء، لذا لا يمكن التنبؤ بالمستقبل بدقةٍ مطلقة.
ولكن منذ أن قرروا البحث عن أخيهنّ، كان تركيز كيسي منصبًّا بالكامل على بيرجي.
وبسبب ذلك، بدأت ترى رؤى تتعلق بهيلا بشكلٍ طبيعي.
“هل أنجب هيل طفلًا؟”
رمقتها كيسي بنظرةٍ حادة.
“هل جننتِ؟ ليس هذا ما أعنيه. فقط تعالِ وانظرِ بنفسكِ. لا أستطيع حتى أن أقولها لأنني ما زلت لا أصدق ذلك.”
ما رأته كيسي كان صعب التصديق.
طفلةٌ صغيرة، تبدو وكأنه دمية، لكنها تستخدم السحر، بل يُقال إنها سليلة الساحرة العظمى.
ولكن إن كانت الرؤية صحيحة، فلا بد أن الأمر حقيقي. وهذا يُفسر سبب بحث أخيهم عنهم.
كانت كيسي بحاجةٍ لرؤية ذلك بعينيها، كيف تتمكن هذه الطفلة الصغيرة، التي بالكاد تصل إلى خصرها، من استخدام عدة قدرات دفعةً واحدة.
“اتجها إلى الغرب قدر الإمكان. هناك عددٌ أقل من رجال المعبد في ذلك الاتجاه.”
أشارت كيسي غربًا، حيث رأت في رؤيتها أنه الطريق الأكثر أمانًا.
“لهذا قلت إن علينا تحضير الدواء أولًا.”
تذمرت رونيا.
لو صنعوا وتناولوا الدواء الذي يخفي طاقتهم السحرية، لما اضطروا إلى اتخاذ هذا الطريق الملتوي.
“كيف لنا أن نصنع الدواء؟ هل أنتِ غبية؟ ثم إننا لا نملك الوقت. علينا أن نتحرك بأسرع ما يمكن.”
قامت كيركي بتهدئة رونيا بينما تبعت كيسي.
كانوا يقتربون أكثر فأكثر من وجهتهم.
* * *
منذ الأمس، والمطر لم يتوقف عن الهطول.
بعد أن وافق أبي على ذهابي إلى العاصمة، كنت متحمسةً جدًا وبدأت في حزم أمتعتي، لكن فجأةً ملأت الغيوم الداكنة السماء وبدأ المطر يهطل ولم يتوقف منذ ذلك الحين.
لم يكن مجرد طقسٍ غائم، بل كانت السماء مغطاةً بسحبٍ سوداء كثيفة.
يبدو أنه سيستمر حتى الغد.
يبدو أن فصل الربيع يُعلن عن قدومه بشكلٍ كبير.
“ما هذا…”
شعرت بالكآبة، وظللت أحدّق من النافذة بلا هدف.
وما زاد من سوء الأمر أن اليوم كان الموعد المحدد لنشر الأعشاب الطبية عند الحدود. لسنوات لم نصل لأيّ نتائج، لكن لم يكن بوسعنا التخلي عن الأمل.
إذا تمكنت ساحرةٌ واحدةٌ فقط من العثور على الأعشاب وفهمت معناها، فسيكون ذلك كافيًا لإبقاء الأمل حيًا لدينا.
مؤخرًا، بدأنا في وضع ختمٍ صغير لعائلة ديكارت على الأعشاب حتى يتمكن من يجدها من الوصول إلينا بسهولة.
بعد سنواتٍ من نشر الأعشاب، تأكدنا من أنه طالما تعبر رسائلنا الحدود بأمان، فلن نواجه أيِّ مشاكل مع رجال المعبد.
‘رجاءًا حتى ولو ساحرةً واحدة فقط…’
شعرت بالإحباط، فحوّلت نظري عن النافذة ونظرت إلى كوهن.
كان كوهن ممددًا في منتصف سريري، نائمًا بعمق.
في الآونة الأخيرة، بدأ يحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ بين الخادمات، وكنّ يعشقنّه.
حتى بين، التي كانت تمنعه دائمًا من الصعود إلى السرير، أصبحت الآن تلاطفه كلما رأته.
إذا سمعت بين كوهن يتكلم، فمن المؤكد أنها ستُصدم.
وفجأةً، انتفض كوهن الذي كان نائمًا بعمقٍ وقفز واقفًا.
“ما بك؟”
[طاقةٌ شيطانية!]
“ماذا؟ أيُّ طاقة؟”
في تلك اللحظة، انفتحت النافذة فجأةً من تلقاء نفسها.
لم تكن هناك رياحٌ قويةٌ حتى.
أدركت فورًا أن هذا ليس مجرد حدثٍ طبيعي، فتراجعت إلى الخلف مستعدةً لإلقاء الستارة.
بينما كنت أنظر إلى النافذة بتوتر، بدأت سحابةٌ رماديةٌ صغيرة تتجمع على إطار النافذة في دوامة.
لم أضيع أيّ وقت، وألقيت الستارة فورًا لحمايتي أنا وكوهن.
داخل الستارة، كنت أملك الأفضلية.
سرعان ما تحوّلت السحابة الرمادية إلى جروٍ صغيرٍ برأسين وقرنين.
لم يكن مجرد جروٍ بقرونٍ أمرًا غريبًا فحسب، بل كانت عيناه حمراوين بشكلٍ غير طبيعي.
ثم وقف هذا المخلوق الغريب بثباتٍ على أقدامه الأربعة وحدّق في وجهي مباشرةً.
[يُتبع في الفصل القادم …. ]
– ترجمة خلود