تجسدت لكني مكتئبة 2
بمجرد أن تجسدت، اجتاحني احتراق داخلي شديد.
«فقط… أريد أن أستسلم.»
لا تكيف ولا شيء، إذ تمددت إيلينا على السرير مثل كومة هلامية.
دواء الاكتئاب عادةً ما يجب أن يؤخذ لفترة لا تقل عن ستة أشهر إلى سنة كاملة، مع تقليل الجرعة تدريجيًا.
لكنها توقفت فجأة عن تناوله دفعة واحدة، فما إن مرّت عدة أيام حتى اجتاحها خمول رهيب لا يُحتمل.
في كوريا، اعتادت أن تعيش على خمس ساعات نوم فقط، مقسمة يومها إلى فواصل من عشرين دقيقة.
أما الآن، فالنوم لا يفارقها.
تنام اثنتي عشرة ساعة يوميًا، ورغم ذلك يبقى جسدها خاملاً ومرهقًا.
رأسها فارغ، بلا أفكار.
«فلأرتح قليلًا فقط…»
وربما كانت ترغب دائمًا بهذا منذ البداية.
مستسلمة لتلك الفكرة، جلست إيلينا بكتفين متدلّيين على السرير تحدق عبر النافذة.
السماء مغطاة بالغيوم الرمادية الثقيلة، والمطر الخفيف يتساقط متفرقًا.
«قلبي كان دائمًا هكذا… فلماذا إذن كنت أعيش بتلك المشقة؟»
رؤية الطقس وهو يعكس مشاعرها الدفينة، التي لطالما أنكرت وجودها، جعلت مرارتها تتضاعف.
“سيدتي إيلينا! جئت فور سماعي الأخبار. هل أنتِ مريضة؟!”
دخل شيخ تبدو على وجهه عبارة «أنا طبيب» واضحة المعالم.
“غريب… لا يوجد ما يثير القلق.”
وهو يتحسس نبض معصمها، هزّ رأسه مستغربًا.
«بالطبع… فالمشكلة ليست جسدية.»
لم تقل شيئًا، بل تمتمت داخليًا بخمول.
أما الزوار الذين جاؤوا لعيادتها، فقد اكتفوا بهتافات جوفاء:
“سيدتي إيلينا! تماسكِي!”
“اصمدي وتغلّبي على الأمر سريعًا!”
«يقولونها بسهولة… لكن كيف يُفعل ذلك أصلًا؟»
في الروايات، عادة ما يتقبل البطل فجأة حقيقة أنه تجسّد في عالم غريب، ثم يكافح للبقاء، أو للانتقام، أو حتى لإنقاذ العالم الجديد.
«صحيح… عليّ أنا أيضًا أن أتماسك قليلًا.»
فالبطلة لا يجب أن تنهزم أمام اختبار بهذا المستوى. لا بد أن لديها قوة خفية وإرادة تليق بمقامها.
وهكذا، عقدت إيلينا عزمًا صارمًا، وحشدت كل ما تبقى لها من طاقة—
لتنقلب فقط على جنبها، قائلة في نفسها: «هيا…»
«هاه… الأمر مرهق جدًا…»
حتى هذا بدا متعبًا ومرهقًا.
راودها خاطر بأنها بصفتها كاهنة يجب أن تعتني بالطقس، لكنه تلاشى سريعًا.
لماذا عليّ أن أنقذ عالمًا لا أعرفه حتى؟ وأنا لا أعرف حتى معنى حياتي بعد.
سقطت ذراعها من السرير بخمول.
الوضعية الأريح هي الاستلقاء فقط.
لم تشأ أن تفكر في شيء.
جسدها بلا دواء، خاوٍ من أي طاقة، ورأسها كأن الضباب يملأه.
«لم أعد… قادرة على بذل أي جهد.»
—
ومضت ثلاثة أشهر منذ أن التصقت الكاهنة بالسرير مثل طفيلي.
“لم يظهر قرص الشمس منذ ثلاثة أشهر كاملة! منذ أن ظهرت الكاهنة قبل عشر سنوات وأوقفت الاضطراب المناخي، لم يشهد مملكة مانوا مثل هذا من قبل!”
صرخ أحد النبلاء ذي لحية بيضاء أنيقة، وهو ينفخ صدره.
في قاعة الاجتماع الكبرى، اجتمع ملك الشمال وولي العهد مع نبلاء المملكة، يسود بينهم توتر ثقيل.
“إن استمر الوضع، فسيهلك الحصاد وتعم المجاعة، وسيموت الكثيرون جوعًا!”
“أشجار الغابات الاستوائية بدأت تتعفن بلا ضوء الشمس.”
“والثمار أيضًا! إنها أساس غذاء أهل الجزر. لكنها لم تنضج بسبب غياب الشمس.”
لم يردّ الوزراء سوى بأنباء مشؤومة.
ملامح الخوف بادية في وجوههم.
جزيرة ماي، ذات المناخ الاستوائي، كانت أرضًا مباركة لا تحتاج جهدًا كبيرًا؛ فالشمس الحارقة تكفي لإغراقها بالمحاصيل والثمار.
لكن قبل عشرة أعوام، اجتاح الجزيرة اضطراب مناخي مفاجئ.
ولحسن الحظ، ظهر في مملكة مانوا الشمالية آنذاك كاهنة قادرة على التحكم بالطقس، فنجت المملكة من الكارثة.
أما باقي الممالك فقد تحولت إلى خراب.
الوزراء الآن يخشون أن يجتاح الخلل حتى الشمال.
“هممم…”
على العرش، جلس الملك مستندًا إلى ذقنه، يستمع بملامح ملل.
“وماذا تفعل الكاهنة إذًا؟”
سؤاله بدا مستهترًا بشكل لا يليق بملك.
الكارثة التي اجتاحت الجزيرة منذ عشر سنوات غيّرت حتى طبع الملك الودود سابقًا، وجعلته باردًا لامباليًا.
“في الحقيقة… منذ مدة والكاهنة تتصرف بغرابة. لم تعد قادرة على التحكم بالطقس، وكأنها تحولت لشخص آخر.”
أحد الوزراء، بعد أن لمح ضجر الملك، أسرع بالرد.
فالتفت الملك نحو الرجل الجالس بجانبه:
“ألم يكن لقوى الكاهنة علاقة بمشاعرها؟ ولي العهد، هل حدث خلاف بينك وبين خطيبتك؟”
“مطلقًا! أقسم بالرب آوفوس أن شيئًا لم يحدث!”
قفز ولي العهد فريدهن من مقعده منكرًا، بعينين حمراوين وشعر ذهبي يتلألأ كالشمس، ووجه وسيم كأنه منحوت.
تمامًا كأبطال الروايات.
“صحيح ما يقوله سمو الأمير. طوال الأشهر الثلاثة الماضية، بذل الأمير كل ما يستطيع لإرضاء الكاهنة، لكن دون جدوى.”
والحقيقة أن ولي العهد لم يزر خطيبته قط، لكن أحد النبلاء من عائلة والدته سارع للدفاع عنه.
“هممم… إذن لعلها مجرد وعكة صحية. وماذا يقول الأطباء؟”
“لا يرون أي خلل.”
“اشرحوا أكثر.”
فلما عبس الملك، أشار أحد النبلاء مسرعًا إلى الخادم قرب الباب.
“لقد استدعينا طبيبها الخاص سلفًا إلى قاعة الاجتماع.”
دخل الشيخ الطبيب الذي فحص إيلينا.
كان الملك معروفًا بتقلب مزاجه، وبأنه يعاقب بقسوة أي أحد متى ساءت حالته النفسية.
ارتجف الطبيب، ابتلع ريقه، ثم تحدث بحذر:
“من الناحية الجسدية، لا مشاكل لدى الكاهنة. لكن…”
“لكن ماذا؟ تكلم بسرعة.”
قال الملك بملامح سئمة.
“قد تكون… مصابة بمرض في قلبها (يقصد: النفس).”
“مرض… في القلب؟ ما هذا؟”
“هل يعني مرضًا قلبيًا جسديًا؟”
عمّت الهمهمة في القاعة.
“يمكن تشبيهه بالزكام… لكنه يصيب الروح. إنها وعكة نفسية مؤقتة.”
فسّر الطبيب، فبدا الارتباك على الجميع.
“هل مرت الكاهنة بمصيبة حزينة إذن؟”
“إن كان كذلك، لكانت تبكي! لكنها لا تبكي.”
“لكنها لا تضحك أيضًا.”
فرد الطبيب مكملاً:
“حتى البكاء يتطلب قدرًا من طاقة الروح. الكاهنة الآن في حالة… لنقل إنها خمول شديد.”
“خمول؟ لماذا فجأة؟”
“كيف يمكن لكاهنة أن تكون ضعيفة الإرادة هكذا…”
“عجيب! ليست وحدها المتألمة، كلنا كذلك!”
بدأ النبلاء يثرثرون بلا مبالاة، يراقبون ملامح الملك.
كلماتهم الجاهلة كشفت جهلًا تامًا بمعنى الاكتئاب.
أما الملك وولي العهد فقد تبادلا نظرة غامضة.
وبينما ينهالون بالانتقاص من خطيبته، صمت ولي العهد طويلًا… ثم نطق فجأة:
“إذن… ماذا عن هذا الحل؟”
“أي حل؟”
“أن نلجأ إلى صدمة علاجية.”
“صدمة؟”
سأل الملك بنبرة لا مبالية. لكنها لم تكن رفضًا.
فأجاب ولي العهد بثقة:
“هذا ما يُسمى خمولًا؟ هراء. ما أصابها إلا بسبب حياة بلا أحداث. لقد تهاونت وتكاسلت.”
“إذن تريد أن نصدمها؟ وكيف؟”
“لنرَ… مثلًا…”
تظاهر ولي العهد بالتفكير، ثم قال ما كان يخطط له مسبقًا.
—
“لا يمكن! حتى أمراض النفس أمراض حقيقية! لا يجوز أن نعامل المريضة بتلك القسوة! هذا أمر لا أسمح به كطبيب!”
“وقاحة! أتجرأ أيها الطبيب التافه أن تقول لي ـ أنا ولي العهد ـ لا تسمح؟!”
وصل الصوت الصاخب من خارج الغرفة.
إيلينا، التي كانت مستلقية بخمول على السرير، فتحت عينيها ببطء.
إحدى الأصوات كان للطبيب العجوز الذي رأته أكثر من مرة، أما الصوت الآخر، صوت رجل شاب، فلم تعرفه.
«وهل يهمني ذلك أصلًا؟ … كل شيء مزعج.»
في تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة بقوة.
دون طرق أو استئذان، اقتحم رجل غريب الغرفة.
إيلينا أدارت رأسها فقط وهي على السرير، تنظر إليه بلا حيلة.
«أوه… وسيم.»
حتى وهي في قمة الخمول واللامبالاة، لم تستطع عينيها أن تتجاهلا وسامته.
شعر ذهبي يلمع، وعينان حمراوان.
وسامة غير واقعية، لم تر مثلها قط في حياتها السابقة.
«آه… واضح. هذا هو البطل الذكري.»
بعد أن أعادت قراءة الروايات مرارًا، بات بإمكانها تمييز البطل فورًا.
لكن لماذا جاء الآن فقط؟
حدقت إيلينا به باستغراب.
في الأصل، كان من المفترض أنه خطيبها الذي نشأ معها منذ الطفولة.
ومع ذلك، طوال الأشهر الثلاثة الماضية، لم يزرها ولا مرة واحدة لعيادتها.
اقترب الرجل بخطوات عريضة، ثم أمسك جسدها المرهق وأجلسها بعنف.
جسدها، الذي ضعف كثيرًا بعد ثلاثة أشهر من فقدان الشهية، ارتجّ في قبضته وهو يصرخ في وجهها:
“إيلينا! إيلينا… إيلينا! ما الذي يحدث لك فجأة؟!”
“اااه…”
همهمت بصوت ضعيف، بينما رأسها يدور من الدوار.
رؤيتها تشوش، تدور من حولها.
«ما هذا؟ ماذا يحدث؟ ولماذا يتصرف البطل مع البطلة بهذا الشكل الوقح؟»
لكن عقلها لم يستطع متابعة التفكير. رأسها أثقل من أن يركّز.
تذكرت فجأة ما قاله الطبيب النفسي في حياتها السابقة:
> “إن لم تتناولِ الدواء، فسينخفض تركيزك وذاكرتك، وستتراجع وظائف الدماغ.”
«هل هذا بسبب الاكتئاب؟ لأنني توقفت فجأة عن الدواء؟»
ومع كل هزّة عنيفة لجسدها، زاد تشوش رأسها، وصعب التركيز أكثر.
صرخ الرجل، وقد فقد أعصابه:
“لقد كان موقعي مستقرًا فقط لأن خطيبتي هي الكاهنة… ثم تصابين فجأة بخمول كهذا؟! أهذا معقول؟!”
وفجأة، أطلق ضحكة باردة قاسية.
“كنتِ مرتاحة أكثر من اللازم. نعم… لذلك. لقد شبعتِ.”
قبض بقسوة على معصمها، ثم جرّها بعنف من السرير، مرددًا بصوت مظلم:
“هيا.”
“لـ… لما تفعل هذا؟ إلى أين تأخذني؟”
حاولت إيلينا المقاومة بضعف، لكن عيناه الحمراوان لمعَتا بغضب، وهو يشدها أقوى.
“ما تحتاجينه الآن هو صدمة. … كل هذا من أجلك. كما كان دائمًا. إيلينا، أنت تعرفين ذلك، أليس كذلك؟”
«ما هذا بحق السماء؟»
غمرها الارتباك من غرابة الموقف.
أليست هي البطلة في رواية رومانسية؟ وهو، أليس من المفترض أن يكون الحبيب اللطيف البطل الذكري؟
لكن ولي العهد جرّها بلا رحمة نحو الأسفل، إلى أعماق القصر.
كلما نزلوا على الدرج المظلم، انخفضت درجة الحرارة أكثر، حتى بدأ جسدها يقشعر بردًا وخوفًا.
وفجأة، فتح الرجل بابًا حديديًا ضخمًا بعنف، ثم دفعها إلى الداخل.
“…ما هذا المكان؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"