10:مخيف لكنه ارنب 5
كان رمح ضخم يطير كالسهم نحو إيلينا.
يُقال إن الإنسان يرى شريط حياته يمر أمام عينيه قبل الموت.
تمامًا كما في الأفلام، بدا الرمح وهو يقترب منها كأنه في مشهد بطيء الحركة.
(هل… سأموت؟ مرة أخرى؟)
مرة أخرى؟
في اللحظة القصيرة التي ارتبكت فيها إيلينا من الفكرة التي خطرت لها،
صرخ أحدهم:
“احذري!”
اندفع حصان أسود ضخم نحوها، وعلى ظهره رجل صدّ الرمح بمهارة مدهشة.
كآآآآآآآآآآآآآنغ—!
دوّى صوت الحديد وهو يصطدم بالحديد، شاقًا الهواء.
أن يصد رمحًا مندفعًا بتلك السرعة بيد واحدة… لقد كانت قوة هائلة بالفعل.
“يا كاهنة!”
حدث كل شيء بسرعة خاطفة.
هرع أندريه نحوها مذعورًا، بينما كانت إيلينا تكتفي بالرمش فقط كي لا تُظهر ارتباكها.
كان وجهه، الذي كان دائمًا مريحًا للنظر، قد شحب تمامًا.
“يا إلهي، ما هذا! هل أنت بخير؟”
“أه…”
“هل أصبتِ بشيء؟”
“… لا.”
“يبدو أنكِ ارتعبتِ.”
أيقظها الصوت البارد من شرودها.
رفعت رأسها فرأت “الملك الأسود” جالسًا بفخامة على ظهر جواده الأسود.
ارتجف الحصان الحساس من الضجيج، لكن الملك الأسود ثبته بقبضته القوية على ساقيه، ثم اقترب من إيلينا.
كلما اقترب، شعرت أكثر بضخامته.
كان عليها أن ترفع رأسها تمامًا لترى وجهه فوق صهوة جواده.
ركض الفرسان المتدربون متأخرين.
“نحن، نحن آسفون! لقد كان خطأ أثناء التدريب…!”
كان الرجل الذي رمى الرمح هو من قال ذلك، وقد بدا مرتبكًا للغاية.
كان رجلاً ضخمًا مثل دب.
“خطأ، إذن.”
قال الملك الأسود بصوت بارد لدرجةٍ أربكت الجميع.
“لقد أخطأت!”
هتف الرجل بصوت عسكري مشدود، دون أن يحاول التذرع بأي عذر.
نزل الملك الأسود من حصانه بحركة أنيقة، وتقدّم نحوه ببطء.
شدّ الرجل أسنانه ووضع يديه خلف ظهره وكأنه استعدّ لشيءٍ ما.
ثم—
صفع الملك الأسود وجهه بلا تردد.
كانت الصفعة عنيفة لدرجة أن الرجل الضخم تمايل جانبًا، لكنه ما لبث أن استعاد وقفته العسكرية بشدة وانضباط.
“آآآآه!”
كان الصارخ هو أندريه، لا الرجل!
احتضن إيلينا بسرعة وكأنه يحاول حمايتها من الشر ذاته.
(… أنا بخير، في الحقيقة.)
فكرت إيلينا بلا مبالاة وهي في حضنه.
جزء من برودتها كان سببه فقدان الحماسة والاكتئاب.
لكنها في الأصل كانت باردة الأعصاب ولا تعرف الخوف.
كان جدها، المؤسس الأول، يمدحها دومًا لأنها تشبهه أكثر من باقي أحفاده بتلك الصفات.
(لكن لا فائدة من ذلك الآن.)
ابتسمت بسخرية وهي تستحضر الذكريات.
(في الجيش، الانضباط أهم شيء. خصوصًا في بلد مهدد بالغزو بسبب المناجم مثله.)
نظر الملك الأسود إلى إيلينا بعد سماع صرخة أندريه.
بينما كان أندريه يرتعش، بقيت هي بلا تزعزع.
(حقًا، لا تعرف الارتباك.)
أعجب بها في داخله رغم أنه لم يُظهر شيئًا أمام الآخرين.
حتى عندما كان الرمح يتجه نحوها، وحتى الآن، لم يتغير وجه الكاهنة.
وجهها الجميل المتعب دائمًا…
لماذا يجعل صدره يضطرب كلما نظر إليه؟
ربما لأنها الوحيدة التي لا تخفض نظرها عند مواجهته، على عكس الجميع.
قال الملك الأسود بنبرة باردة وهو يحدق بها:
“لا أريد أن أُلوث أعين الحاضرين هنا، لذلك سأؤجل العقوبة.”
“نعم!”
“مئة دورة حول ساحة التدريب. نفّذ.”
“نفّذ!”
(… مئة دورة ليست عقوبة؟ هل الجميع هنا مجانين في هذا الطقس؟)
حتى إيلينا نظرت إليه مذهولة قليلًا.
رغم الغيوم، كان الجو استوائيًا رطبًا خانقًا.
لكن الرجل الضخم أدى التحية وركض فورًا.
وسرعان ما تبعه باقي الفرسان وهم في غاية الانضباط.
لابد أن العقوبات المعتادة أشد قسوة بكثير.
(كما توقعت من الملك الأسود… شريرٌ حتى النخاع، تمامًا كالأصل.)
“جيد، جاء الأمر في وقته.”
تمتم وهو يربّت على عنق حصانه الداكن.
(ها هو مجددًا… كم يبدو متحللاً ومثيرًا للغيظ. ثم ماذا؟ لا يمكنك لمسي أصلًا.)
فكرت إيلينا وهي تنظر إليه ببرود.
“لابد أن عينيك تعافت الآن.”
تأملها بعينيه الباردتين.
(عيناي؟ آه، بسبب ما حدث البارحة. وهل شفاء جرح بسيط من البصل يُعد تعافيًا؟)
كان في الشرير هذا جانب غريب من الرقة أحيانًا.
اكتفت إيلينا بالإيماء.
فاستدار وقال ببرود:
“إذن اتبعيني.”
—
هذه المرة… هل هي جلسة تعذيب؟
قادها الملك الأسود إلى “قصر الشمس” حيث يقيم.
(هل يوجد هنا قبو مخصص للتعذيب؟)
فكرت وهي تحدق بكتفيه الواسعين أمامها.
لا يجب أن تخدعها وسامته.
إنه مثل أفعى سامة مختبئة تحت رمال الصحراء، تلدغ بمجرد أن تغفل عنها.
(حتى البطل اللطيف صعقني بالكهرباء منذ البداية… فهل سيكون الشرير أقل قسوة؟)
في الواقع كما في الروايات، الناس دائمًا قساة على الضعفاء.
والملك الأسود لم يكن استثناءً، كما ظهر حين صفع الرجل الضخم لتوه.
لا ثقة، لا عاطفة، لا إظهار للضعف.
هكذا ذكّرت نفسها مرارًا وهي تتبعه.
(لو أغضبته، سينزل صاعقة برق فوق رأسي… وإن تجرأ على إيذائي، فلنمُت سويًا إذن.)
لكن بدل غرفة التعذيب، وصلوا إلى مكتبه.
كان المكتب يشبه شخصيته تمامًا:
جدران قاتمة الألوان، أثاث ضخم من الماهوغاني.
ما كان غير متوقع هو وجود كلب بني ضخم نائم بسلام تحت المكتب.
كان ممتلئ الجسد، واضح أنه ليس كلب صيد.
(لم أتخيل أنه يربي حيوانًا أليفًا. غريب.)
ثم وقع نظرها على الطاولة…
كومة هائلة من الملفات والأوراق تغطي المكتب وتمتد إلى الأرض.
(لماذا كل هذه الأوراق؟)
لا يبدو كسولًا، بل ربما يقوم بكل العمل بنفسه؟
لكن عمل شخص واحد على كل شيء غير فعّال.
(هناك خدم في القصر الملكي بالتأكيد. لماذا لا يوزع الأعمال؟ لو أنشأ نظامًا إداريًا منظمًا لكان أكثر… لا، لا! مجددًا!)
هزّت رأسها بعنف.
(كاد أن يجرّني للجدية من جديد. خطير… كنت على وشك العودة إلى حياتي السابقة.)
كانت معتادة على تحليل المشاكل وحلها حتى دون طلب.
لكن ثمن ذلك في حياتها السابقة كان الإفراط في العمل، الأرق، الاكتئاب… ثم تعذيب البطل لها بالكهرباء.
أقسمت مجددًا:
(في هذا العالم المعقد، سأعيش بكسل وراحة.)
قال الملك الأسود وهو يشير إلى الأريكة:
“اجلسي.”
جلست بصمت مقابله وهي متوترة.
(ما الذي يدبّره؟)
لكن المدهش أنه، بوجهه المهيب الجاد، أخذ يُرتّب الكعك على الطاولة.
“أندريه، حضّر الشاي.”
أمره بصوت جاد كأنه يصدر توجيهات عسكرية.
بعد قليل، كان أمامها إبريق شاي ينبعث منه البخار، وكعك رتّبه الملك الأسود بنفسه بيديه الكبيرة بعناية.
كانت الأواني الخزفية دقيقة وجميلة، من الواضح أنها من مقتنيات القصر.
حدقت إيلينا في الكعك المرتب بلطف على الطبق، ثم تمتمت بجفاف:
“… كعكات بمربى الفراولة.”
تمامًا كما فعلت عندما قالت: (… منديل مطبوع عليه أرنب).
“…”
تجمد الملك الأسود لوهلة كأنه فقد الكلمات.
بالطبع، ظلّت ملامحه الجادة والساخنة كما هي.
(لماذا لا يتكلم؟ ما الذي ينوي قوله حتى يتأخر هكذا…؟)
نظرت إليه إيلينا بوجهٍ ما زال متحفّزًا ولم تفقد حذرها، ثم سألته:
“لم تستدعني لمجرد شرب الشاي. لماذا طلبتني إذن؟”
“……أسرع مما توقعتِ في طباعك. خذي بعض الكعك أولًا.”
أسند ذراعه على الأريكة ورفع فنجان الشاي ليرتشفه ببطء.
وعندما رفع ذراعه، انكشف جزء من عضلات بطنه بسبب لباس الجنوب الذي يكشف الكثير.
عضلات بطن بارزة كأنها منحوتة من الرخام.
كان المشهد أقرب إلى رجل في مطعم فاخر يطل على منظر ليلي وهو يحتسي نبيذًا أو ويسكي، يفيض أجواءً مترفة متحللة…
لكن الواقع أمامها كان مجرد كعكات صغيرة بمربى الفراولة وشاي أسود مرتب بلطف.
… والغريب أن الأمر بدا مناسبًا له على نحوٍ عجيب.
(هل الوسامة هي المفتاح لكل شيء فعلًا؟)
خارجًا، حافظت إيلينا على برود ملامحها، أما في داخلها فكانت تفكر بسخف، ثم أخذت كعكة والتهمتها على سبيل المجاملة.
“لذيذة.”
قالت ذلك ببرود، فارتفع جانب شفتي الملك الأسود قليلًا بابتسامة باهتة.
“……حقًا؟ كنت أخشى أن تكون حلوة أكثر من اللازم.”
خائف؟
“بل إنها تناسب الشاي المر تمامًا.”
“همم. فهمت. حسنًا، ليس بالأمر المهم كثيرًا.”
“صحيح.”
ردّت إيلينا ببرود.
(المشكلة ليست إن كانت الكعكة حلوة أو لا. قد يكون مصيري كله على المحك هنا.)
في تلك اللحظة، بدا الملك الأسود وكأنه قد أحبط قليلًا.
محبط؟! كيف يمكن أن يخطر في بالها أن هذا الرجل الشبيه بالفهد الأسود قد يُظهر مثل هذا الوجه…؟
(ما بالي منذ قليل؟)
ضحكت إيلينا لنفسها بسخرية من أفكارها غير المعقولة.
“……السبب في أنني استدعيتك.”
خفض جفونه الطويلة وقالها بوقار.
يبدو أن ذلك الوجه المحبط قبل قليل كان مجرد وهم.
“هو أن أسألك بشأن أمر الكاهنة.”
(ها قد جاء ما لا مفر منه.)
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"