بسبب مقابلته للملك، بل وحتى لولي العهد، كان “إيدن” منهكاً بشكل غير معتاد عند حلول المساء.
ومحاولاً تهدئة عقله المرهق، توجه إلى مقهى <حديقة الظهيرة>، المعروف بأنه المكان الذي زاره شقيقه الراحل قبل وفاته.
حين اقترب من المكان، كان لون الغروب الأحمر قد بدأ يتسلل إلى السماء بهدوء. وبما أنه كان يعرف أن المقهى يغلق أبوابه في مثل هذا التوقيت، أسرع قليلاً في خطواته.
وعند وصوله إلى البوابة الأمامية، وقعت عيناه على مشهد خروج الزبائن جماعاتٍ جماعات، كما توقع.
“سأنتظر قليلاً في الجوار، وحين يفرغ المكان من الناس، سأقابل صاحب المقهى.”
إلا أنّ خطته لم تدم طويلاً. فما إن لمح الزبائن وجهه حتى تعرّفوا عليه فوراً.
“يا إلهي! إنه دوق هيل!”
“أليس هذا دوق إيدن هيل؟ ما الذي جاء به إلى هنا؟”
حتى وإن كان “إيدن” يتجنب محافل المجتمع المخملي، إلا أنه كان مضطراً لحضور الحفل التنكري السنوي الذي يقام في قصر آل هيل مرة كل عام.
وبفضل ذلك، أصبح وجهه معروفاً ليس للنبلاء فحسب، بل وللسيدات من عائلات الجنتري أيضاً. لقد كان مظهره الفاتن حديث الجميع على الدوام.
بل إن الوضع ازداد وضوحاً مؤخراً، إذ عاد ذلك السيد المثقف الذي كان يُظن أنه سيبقى للأبد في الجامعة الإقليمية، ليصبح فجأةً ربّ الأسرة، ويقيم في العاصمة بعد حادث مؤسف.
ولذلك، كان من الطبيعي أن تزداد قلوب الفتيات – لا سيما اللواتي في سن الزواج – اضطراباً واهتماماً به.
“سيدي الدوق، أنا الآنسة بلينم. لقد أرسلتُ عرض زواج رسميّاً، لكن… ربما لم تطّلع عليه بعد؟”
“مهلاً، أنا أيضاً أرسلت! لكن… الأمر ليس بالأسبقية، أليس كذلك؟”
اندلعت موجة من الضحكات بين الحشد بسبب جرأة بعض الفتيات على البوح بمشاعرهن. إلا أنّ بينهن من لم يستطع إخفاء جديته وشغفه.
“أعتذر، لكن لا أفكر في الزواج. وسأحرص على الرد على رسائل عروض الزواج التي وصلتني بالشكل اللائق.”
وما إن أنهى كلامه حتى صدرت تنهيدات من هنا وهناك، تلتها أسئلة للتأكد مما قال، بل وتوسلات كي يعيد التفكير، مما جعل قدميه تثبتان في مكانهما.
في تلك اللحظة، كانت “أوكتافيا” تراقب المشهد من عند الباب إلى جانب صديقتها “برييل”، قبل أن تعلن فجأة:
“عليّ أن أذهب.”
“هكذا فجأة؟”
“أما سمعتِ للتو؟ لقد أعلن دوق إيدن هيل أنه لن يتزوج! هذه مادة حصرية للصحيفة.”
وأضافت بلهجة جازمة: “هذا يصلح ليكون على الصفحة الأولى من <تايمز بيركشاير>.”
قطّبت “برييل” حاجبيها بغضب وهي تمسك بذراع صديقتها.
“لكننا اتفقنا أن نتناول العشاء معاً الليلة. وهناك أمور أردت سؤالك عنها…”
“آه، صحيح! لكن لا بأس، سأذهب وأعود سريعاً. أنا جادة، كل الاهتمام في مملكة بيركشاير الآن منصبّ على هذا الدوق الوسيم. ومن المؤكد أن تصريحه سيثير ضجة.”
“لكن لماذا كل هذا الاهتمام به؟ بسبب حادثة أخيه؟”
ارتسمت على وجه أوكتافيا ملامح الاستغراب، ثم أشارت بإصبعها نحو “إيدن هيل”، الذي كان محاطاً بالنساء على بُعد.
“ليس بسبب الحادثة… انظري بنفسك. أليس لديكِ عينان؟ ذلك الرجل بذلك الجمال الفاتن، ومع قدراته المميزة، بل وأصبح سيد أسرة دوقية… ومع ذلك ما زال أعزباً!”
التفتت برييل ببطء إلى الجهة التي تشير إليها صديقتها. وهناك، وسط عشرات الأشخاص، لاحت لها هيئته أخيراً بوضوح.
لقد بدا أطول قامة من الجميع. شعره الداكن المصفف بدقة أظهر جبهته وجسر أنفه بوضوح أكبر. عيناه، بلونهما البندقي، كانتا عميقتين وطويلتين. تقاطيعه البارزة، بما فيها شفاهه، رسمت وجهاً آسراً بحق.
“لون بشرته مميز… لا أدري أهو لونه الطبيعي أم أنه نتيجة نشاطه الدائم في الهواء الطلق. لكن بشرته أغمق قليلاً من بقية النبلاء.”
فالرجال من النبلاء الذين عرفَتهم برييل – مثل والدها اللورد تايلور أو شقيقها أوستن – كانوا جميعاً يتمتعون ببشرة باهتة بيضاء، يتفاخرون بها بوصفها رمزاً لعدم معاناتهم أو كدّهم.
لكن أكثر ما شدّ انتباهها لم يكن وجهه فحسب.
“هل يمارس الرياضة؟” تساءلت في نفسها.
من لون بشرته وبنيته القوية، بدا أنه يواظب على التنس أو الغولف… وربما التجديف؟
نطقت أوكتافيا بسرعة وقد رصدت بمهارة نظرات برييل المتفحّصة. ثم، من دون أن تنتظر إجابة، تحركت مغادرة.
“على كل حال، سأعود بعد قليل. انتظريني.”
“حسناً.”
أجابت برييل بهدوء، مائلة رأسها قليلاً. لم تكن تدرك أن ذلك “الدوق الجديد” قد أصبح حديث المجتمع لدرجة أنه دفع أوكتافيا الكسولة إلى التحرك مرتين في يوم واحد.
التعليقات لهذا الفصل " 8"