الفصل الثامن
بسبب مقابلته للملك، بل وحتى لولي العهد، كان “إيدن” منهكاً بشكل غير معتاد عند حلول المساء.
ومحاولاً تهدئة عقله المرهق، توجه إلى مقهى <حديقة الظهيرة>، المعروف بأنه المكان الذي زاره شقيقه الراحل قبل وفاته.
حين اقترب من المكان، كان لون الغروب الأحمر قد بدأ يتسلل إلى السماء بهدوء. وبما أنه كان يعرف أن المقهى يغلق أبوابه في مثل هذا التوقيت، أسرع قليلاً في خطواته.
وعند وصوله إلى البوابة الأمامية، وقعت عيناه على مشهد خروج الزبائن جماعاتٍ جماعات، كما توقع.
“سأنتظر قليلاً في الجوار، وحين يفرغ المكان من الناس، سأقابل صاحب المقهى.”
إلا أنّ خطته لم تدم طويلاً. فما إن لمح الزبائن وجهه حتى تعرّفوا عليه فوراً.
“يا إلهي! إنه دوق هيل!”
“أليس هذا دوق إيدن هيل؟ ما الذي جاء به إلى هنا؟”
حتى وإن كان “إيدن” يتجنب محافل المجتمع المخملي، إلا أنه كان مضطراً لحضور الحفل التنكري السنوي الذي يقام في قصر آل هيل مرة كل عام.
وبفضل ذلك، أصبح وجهه معروفاً ليس للنبلاء فحسب، بل وللسيدات من عائلات الجنتري أيضاً. لقد كان مظهره الفاتن حديث الجميع على الدوام.
بل إن الوضع ازداد وضوحاً مؤخراً، إذ عاد ذلك السيد المثقف الذي كان يُظن أنه سيبقى للأبد في الجامعة الإقليمية، ليصبح فجأةً ربّ الأسرة، ويقيم في العاصمة بعد حادث مؤسف.
ولذلك، كان من الطبيعي أن تزداد قلوب الفتيات – لا سيما اللواتي في سن الزواج – اضطراباً واهتماماً به.
“سيدي الدوق، أنا الآنسة بلينم. لقد أرسلتُ عرض زواج رسميّاً، لكن… ربما لم تطّلع عليه بعد؟”
“مهلاً، أنا أيضاً أرسلت! لكن… الأمر ليس بالأسبقية، أليس كذلك؟”
اندلعت موجة من الضحكات بين الحشد بسبب جرأة بعض الفتيات على البوح بمشاعرهن. إلا أنّ بينهن من لم يستطع إخفاء جديته وشغفه.
أطرق “إيدن” برأسه تحيةً بأدب، ثم حرّك شفتيه اللتين كانتا متيبستين بخط مستقيم.
“أعتذر، لكن لا أفكر في الزواج. وسأحرص على الرد على رسائل عروض الزواج التي وصلتني بالشكل اللائق.”
وما إن أنهى كلامه حتى صدرت تنهيدات من هنا وهناك، تلتها أسئلة للتأكد مما قال، بل وتوسلات كي يعيد التفكير، مما جعل قدميه تثبتان في مكانهما.
في تلك اللحظة، كانت “أوكتافيا” تراقب المشهد من عند الباب إلى جانب صديقتها “برييل”، قبل أن تعلن فجأة:
“عليّ أن أذهب.”
“هكذا فجأة؟”
“أما سمعتِ للتو؟ لقد أعلن دوق إيدن هيل أنه لن يتزوج! هذه مادة حصرية للصحيفة.”
وأضافت بلهجة جازمة: “هذا يصلح ليكون على الصفحة الأولى من <تايمز بيركشاير>.”
قطّبت “برييل” حاجبيها بغضب وهي تمسك بذراع صديقتها.
“لكننا اتفقنا أن نتناول العشاء معاً الليلة. وهناك أمور أردت سؤالك عنها…”
“آه، صحيح! لكن لا بأس، سأذهب وأعود سريعاً. أنا جادة، كل الاهتمام في مملكة بيركشاير الآن منصبّ على هذا الدوق الوسيم. ومن المؤكد أن تصريحه سيثير ضجة.”
“لكن لماذا كل هذا الاهتمام به؟ بسبب حادثة أخيه؟”
ارتسمت على وجه أوكتافيا ملامح الاستغراب، ثم أشارت بإصبعها نحو “إيدن هيل”، الذي كان محاطاً بالنساء على بُعد.
“ليس بسبب الحادثة… انظري بنفسك. أليس لديكِ عينان؟ ذلك الرجل بذلك الجمال الفاتن، ومع قدراته المميزة، بل وأصبح سيد أسرة دوقية… ومع ذلك ما زال أعزباً!”
التفتت برييل ببطء إلى الجهة التي تشير إليها صديقتها. وهناك، وسط عشرات الأشخاص، لاحت لها هيئته أخيراً بوضوح.
لقد بدا أطول قامة من الجميع. شعره الداكن المصفف بدقة أظهر جبهته وجسر أنفه بوضوح أكبر. عيناه، بلونهما البندقي، كانتا عميقتين وطويلتين. تقاطيعه البارزة، بما فيها شفاهه، رسمت وجهاً آسراً بحق.
“لون بشرته مميز… لا أدري أهو لونه الطبيعي أم أنه نتيجة نشاطه الدائم في الهواء الطلق. لكن بشرته أغمق قليلاً من بقية النبلاء.”
فالرجال من النبلاء الذين عرفَتهم برييل – مثل والدها اللورد تايلور أو شقيقها أوستن – كانوا جميعاً يتمتعون ببشرة باهتة بيضاء، يتفاخرون بها بوصفها رمزاً لعدم معاناتهم أو كدّهم.
لكن أكثر ما شدّ انتباهها لم يكن وجهه فحسب.
“هل يمارس الرياضة؟” تساءلت في نفسها.
من لون بشرته وبنيته القوية، بدا أنه يواظب على التنس أو الغولف… وربما التجديف؟
“هذه ليست نظرة إعجاب بوجه وسيم… أنتِ تحللينه مجدداً، أليس كذلك؟”
نطقت أوكتافيا بسرعة وقد رصدت بمهارة نظرات برييل المتفحّصة. ثم، من دون أن تنتظر إجابة، تحركت مغادرة.
“على كل حال، سأعود بعد قليل. انتظريني.”
“حسناً.”
أجابت برييل بهدوء، مائلة رأسها قليلاً. لم تكن تدرك أن ذلك “الدوق الجديد” قد أصبح حديث المجتمع لدرجة أنه دفع أوكتافيا الكسولة إلى التحرك مرتين في يوم واحد.
“ترى… ما رأيه في قضية أخيه؟”
وبينما تابعت بعينيها أوكتافيا وهي تبتعد مسرعة، تذكرت برييل حادثة “برادلي هيل”، شقيق إيدن.
فقد أُطلق عليه الرصاص من لصّ، وقيل إنه توفي بعد أيام قليلة من إصابته. إلا أن الجاني لم يُلقَ القبض عليه حتى الآن.
“في الأساس، لا يملك الكثيرون في بيركشاير أسلحة نارية. لذا كان يجب أن يُقبض على المجرم بسرعة.”
لقد ظنت أن الشرطة ستتحرك فوراً لحل القضية، خصوصاً وأنها تخصّ وفاة دوق. لكن، وبشكل غريب، ظلّت القضية تراوح مكانها دون أي نتائج واضحة.
الأمر بدا مريباً من عدة نواحٍ: أن يُقتل دوق عظيم برصاصة لص تافه، وأن تفشل الشرطة حتى الآن في التوصل لأي شيء.
“يُقال إن الدوق الجديد كثير اللقاء بالملك… هل ينوي طمس قضية مقتل أخيه هكذا؟”
سُلطت نظرات برييل المليئة بالريبة نحو ذلك الرجل الضخم، الذي ما زال محاطاً بالنساء.
“شخص يبعث على الريبة…” تمتمت بشفتيها.
لكن ما إن رأت إيدن يستأذن من النسوة ويتجه نحو المقهى، حتى أسرعت لتدير ظهرها. أو كادت تفعل، لولا صوتٌ كان قد نُسي وجوده، فأوقفها في مكانها.
“هاه؟ أين اختفت زهرتنا الصغيرة الذهبية؟”
“…آه، السلام على سموّكم. لم تذهبوا بعد إذن.”
لقد كان الأمير الثاني عشر لمملكة بيركشاير، “برنارد ألين والتر”. فقد ظنّت برييل أنه غادر منذ وقت، لكنه كان يبحث عن أوكتافيا بملامح حائرة.
وحين أخبرته برييل أن “زهرتكم الذهبية عادت إلى المنزل للتو”، ارتسمت على وجهه الحسن ملامح تكاد تبكي.
“ماذا؟ رحلت دون أن تودعني؟! لا أصدق أن ملاكي الحلو قد نسي أمري!”
“هذا…”
لم تجد برييل ما تقوله، واكتفت بحكّ خدها بتوتر.
“في الحقيقة… لقد تركتك من أجل السبق الصحفي. بل إنها لم تذكر اسمك أصلاً.”
وعلى الرغم من مشاعرها السلبية تجاه العائلة الملكية، إلا أنها لم تستطع قول الحقيقة لهذا الأمير ذي الملامح الحزينة. شعرت وكأنها ستغدو شريرة إن فعلت.
وبينما كانت تتردد، انغمس برنارد في مونولوغه الدرامي:
“لا، لا بد أنكِ مخطئة! سأقف هنا مثل هذه الشجرة، أغرس جذوري وأنتظر الآنسة وود حتى تعود إليّ. حتى تزهر الأزهار وتذبل وتثمر…”
فلم يعد بمقدور برييل تحمّل المزيد، فتدخلت قائلة:
“أليست أوكتافيا شمس سموّكم؟ من دون الشمس، لن تستطيع الشجرة أن تنبت جذوراً ولا أن تزهر أصلاً. أليس الأفضل أن تعودوا الآن؟”
“آه… هذا صحيح. لكن، ماذا لو عادت أوكتافيا تبحث عني ولم تجدني، ألا يخيب أملها؟”
“أليست أوكتافيا إلهتكم؟ والإلهة كائن رحيم لا حدّ لرحمته… لذا فلن تخيب ظنها!”
لم تكن تدري حتى ما الذي تقوله، لكنها راحت تتحدث عفوياً، تردّ عليه بعبارات رسمية تعلمتها بطريقة مغلوطة من النبلاء.
وبشكل غير متوقع، نجحت خطتها. فقد أقرّ برنارد بصحة كلامها، وغادر بخطوات حزينة، بينما أسرع حرّاسه الذين كانوا يترقبون قرب المقهى في تتبعه.
وما إن ابتعدت العربة الملكية مثيرة الغبار، حتى أدركت برييل أن المكان قد خلى بشكل مبالغ فيه من الضجيج. فأدارت رأسها بحذر.
“ماذا؟ أين ذهب الجميع؟”
لقد اختفت جميع النساء، وبقي “إيدن” وحده واقفاً بعيداً، ينظر مباشرة نحوها.
وما هي إلا لحظة حتى مرّت نسمة باردة بينهما، كما لو كانت تفصل المسافة الفاصلة بين الاثنين.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"