الفصل السادس
بعد ساعة تقريبًا من تسللت برييل إلى الداخل، وصل البارون سَتِن إلى القصر.
وحين عمّت الضوضاء في الطابق السفلي، قام العشيق فليتشر بدفع الخزانة التي كانت تغطي الفتحة بشكل طبيعي، ولم ينسَ حتى أن يبادل غلوريا قبلة وداعية متكلفة.
كان ذلك أفضل ما يمكن أن يحدث لبرييل؛ إذ سرعان ما تسللت عبر الفتحة، ثم ألقت بمعطفها الذي كانت قد خلعتْه مسبقًا فوق وجهي الحبيبين المتلاصقين. وما هي إلا لحظات حتى بدأ الاثنان يتخبطان بلا جدوى، ثم فقدا وعيهما تمامًا.
(ناما قليلًا فقط).
كان تأثير المخدّر الذي رشّته برييل على بطانة المعطف يدوم قرابة العشرين دقيقة، وخلال هذا الوقت كان عليها أن تتعامل مع البارون سَتِن.
قامت بربط العشيقَين بالحبال ثم دفعت بهما بقدمها لتخفيهما في الغرفة المجاورة، وأعادت الخزانة إلى مكانها لتغطي الفتحة. وفي تلك اللحظة بالذات، دخل البارون سَتِن إلى الغرفة. لم يكن هناك وقت للتردد.
– “ماذا! من أنـ… كَهـك!”
ما إن لمح الدخيل، حتى هوت برييل عليه بالمِدلك (عصا فرد العجين) كما علمتها مولي، مصيبةً نقطة ضعفه بدقة. سقط البارون أرضًا فورًا.
– “أوه، هذا رائع. لا عجب أن خبرة الكبار لا تقدر بثمن.”
كان لديها بعض المخدر الإضافي، لكنها لم تنوِ أن تجعله ينام براحة منذ البداية. ضغطت مرة أخرى على موضع ضعفه بطرف المِدلك، ثم فتشت عند خصره حتى وجدت حزمة المفاتيح.
قيل إن البارون سَتِن يحتفظ بكل وثائقه المهمة داخل خزانته الحديدية في الغرفة. وما إن فتحت برييل الخزانة حتى ارتسمت على وجهها ابتسامة مشرقة.
فالخزانة كانت مكتظة بالوثائق التي تحمل كل أدلة فساده وخياناته.
—
في صباح اليوم التالي، احتل البارون سَتِن الصفحة الأولى من صحيفة “بركشاير تايمز”، ولم يكن يرتدي سوى قطعة من الملابس الداخلية.
لقد كانت المقالة تاريخية، إذ للمرة الأولى تنشر الصحيفة “صورة فوتوغرافية”، فكان العالم مصدومًا من كون أول صورة في الجريدة هي لجسد البارون العاري. وما زاد الطين بلة أنّ على بطنه الدائري المشعِر قد كُتبت العبارة التالية:
«بما أنني مطلّق، فلا بد أن أعود إلى مظهري ما قبل الزواج.»
وفي اليوم التالي أيضًا، تصدرت أخبار البارون الصفحة الأولى والرابعة من الصحيفة.
ففي الصفحة الأولى نُشرت الفضيحة الكبرى: أنه تلاعب بالسجلات الطبية لطليقته ليحصل على حكم الطلاق. وقد أُشير في الهامش إلى أنّ أحد المخبرين المجهولين أرسل المستندات التي سمحت بكتابة التقرير. ولم يلبث الأمر طويلًا حتى انكشف فساد القاضي الذي تغاضى عن الأمر، فأُجبر هو الآخر على التنحي.
أما الصفحة الرابعة فقد ضمّت مقالة أقرب إلى الثرثرة، جاء فيها أن أول ما رآه البارون حين استعاد وعيه هو غلوريا مع عشيقها ممدّدين على السرير، وأن خدمه انفجروا ضاحكين حين راح يركض عاريًا كالمجنون.
في النهاية، أُلغي طلاق البارون، واستعادت الليدي دايان منصبها كزوجة البارون، فعادت إلى منزلها. استقبلها الخدم بدموع وتصفيق حارّ، معتبرين أن سيدتهم الحقيقية قد عادت أخيرًا.
وبطبيعة الحال، لم يجتمع الاثنان تحت سقف واحد من جديد، إذ أُودع البارون السجن بتهم الاحتيال والفساد. فانتقلت إدارة الثروة تلقائيًا إلى زوجته.
وبينما كانت دايان تقرأ المقالة التي تروي خبر غلوريا وعشيقها، كانت تلمس بحنان خاتم الألماس الذي ورثته عن أمها، والذي عاد إليها بفضل الأحداث. في الحقيقة، كانت قد تسلمت الخاتم سرًا في فجر ذلك اليوم المشهود، مرفقًا بمذكرة قصيرة جاء فيها:
«عسى أن تعيشي حياتك المقبلة قادرة على حماية ما هو عزيز عليك بنفسك.»
(بلى، سأفعل ذلك حقًا.)
بفضل هذا البطل المجهول استعادت دايان إرادة الحياة. قرأت المقالة الممتعة مرة أخرى، ثم ألقت نظرة على إعلان أسفلها.
– “مقهى بحديقة… مميز فعلًا. ربما حان الوقت للقاء بعض الصديقات.”
ارتسمت على وجه دايان ابتسامة صافية، كانت أول ابتسامة صادقة منذ زمن بعيد.
—
بعد حادثة البارون سَتِن، وحين تكرر أمر مشابه للمرة الثالثة، جاءت أوكتافيا صباحًا إلى مقهى برييل.
– “انظري إلى هذه المقالة! أليست رائعة؟”
وإذا بها تلوّح بنسخة من “بركشاير تايمز” أمام عيني برييل التي لم تستفق بعد من النوم. بل إنها أمسكت بيدها لتريها أن الصحيفة ما تزال ساخنة، إذ خرجت تواً من المطبعة.
– “هااام… أظنها دافئة فقط لأنك تركتِها على مقعد عربتك الفاخر المزوّد بالتدفئة.”
– “تملكين دقة مملة كالعادة. يكفي هذا، انظري سريعًا! لترَي عبقرية طاقم التحرير عندنا!”
اضطرت برييل أن تفرك عينيها على مضض، ثم وجّهت بصرها إلى الصفحة الأولى.
– “هم؟ (اللص الشبح مِدلك)…؟ ما هذا؟”
– “ما هذا؟ إنه أفضل اسم يمكن منحه للّص النبيل!”
وبينما لم تُبدِ برييل أي انفعال يُذكر، قرأت أوكتافيا بنفسها مقطعًا من المقالة:
«هذا اللص المجهول يحظى بتأييد الشعب، لأنه لا يستهدف سوى النبلاء المتورطين في الفضائح. …وبما أنه لا يستخدم العنف الجسدي إلا لإسقاط خصمه بالمدلك، فقد قررت جريدتنا أن تطلق على هذا اللص الشريف اسم: “اللص الشبح مِدلك”.»
وبعد انتهائها من القراءة، تلاشى أثر النعاس كليًا من عيني برييل الزرقاوين المخضرتين. أزاحت رأسها جانبًا وزفرت بهدوء:
– “هاه… من الذي اختار هذا الاسم؟”
– “طبعًا أنا! أوكتافيا وود، وريثة مستقبل بركشاير تايمز.”
– “كنت واثقة أنك وراءه… هل هذا أفضل ما استطعتِ الخروج به؟”
استغربت أوكتافيا سبب عدم رضا صديقتها، فأخبرتها بكل صراحة:
– “بالطبع. كان هناك اقتراح آخر: بما أن المِدلك أداة لتجهيز العجين، فقد خطر لنا اسم (المخبز الدموي)….”
– “ت- توقفي! لا، (اللص الشبح مِدلك) هو الأفضل فعلًا.”
– “أرأيتِ؟”
(المخبز الدموي)؟! لم تُسِل برييل دمًا قط؛ كل ما فعلته هو إسقاط خصومها نظيفين بلا خدش… شعرت بالظلم، لكنها تماسكت.
ثم نقرت بأصبعها على مقالتها في الصفحة الأولى:
– “…لكن لا توجد صورة.”
– “صورة؟ وأي صورة يمكن التقاطها؟ أنتِ لا تتركين أثرًا أبدًا. على كل حال، لدينا بعض التكهنات بين الصحفيين…”
– “تكهنات؟”
مالت أوكتافيا بجسدها للأمام، فانحنت برييل بدورها قليلًا. ثم قالت أوكتافيا بخفوت، بوجه جاد:
– “يقول البارون سَتِن إن اللص شاب صغير. وشهد بقية الضحايا أنه رجل أيضًا. لذا يظن الصحفيون أنه فتى من العامة تعرّض لظلم على يد النبلاء، فقرر أن ينتقم منهم بهذه الطريقة. هذا ما توصّلنا إليه حتى الآن.”
– “وااه…”
– “ألستِ متفقة؟ أليس استنتاجنا رائعًا؟”
– “بلى، رائع.”
(رائع… لكنه كله خطأ).
تمتمت برييل في داخلها وهي تشعر بالارتياح؛ فلا أحد في العالم يعرف حقيقتها بعد.
(يمكنني أن أواصل عملي مطمئنة).
لا يزال هناك الكثير من النبلاء الفاسدين بانتظار العقاب. ارتسمت على وجهها ابتسامة كالوحش المفترس، ثم ربتت بقوة على ظهر أوكتافيا.
– “إنك مذهلة حقًا!”
– “آااخ! خففي يدك!”
دوّى صراخ أوكتافيا حتى وصل إلى الطابق الثاني من المقهى. فاستيقظت مولي ونزلت، وبدأ يوم الثلاثة بصخب وضحكات.
—
توقفت عربة كبيرة داكنة اللون ببطء أمام بوابة القصر. وبمجرد وصولها، أمال أيدن رأسه إلى الخلف وتنهّد بضجر:
– “يا لها من إزعاج قاتل.”
لم يمضِ وقت طويل على نزوله إلى العاصمة، وها هو يُستدعى للمرة الثانية بالفعل. كان أيدن ساخطًا من الملك الذي يستدعيه بلا سبب يُذكر.
وما إن نزل من العربة حتى هرع نحوه عدة صحفيين ينتظرونه عند البوابة. تجاهل أسئلتهم التافهة وسارع إلى داخل المبنى.
كان يعلم الآن أن أولئك الصحفيين ما هم إلا أداة استدعاء من جانب الملك، لكن في المرة السابقة لم يكن يعرف ذلك، فاضطر أن يجيب ببعض الكلمات المهذبة عن أسئلة تتعلق بالملك.
والنتيجة؟
ضجّت مساء ذلك اليوم الصحف المسائية من الدرجة الثانية بعناوين مثيرة للسخرية، مثل:
«المالك الجديد لعائلة هيل، ما هي النوايا الخفية وراء مقابلة أيدن هيل لجلالة الملك؟»
«أيدن هيل يصرّح: (الملك ولتر هو سيّدي الأوحد)، كشف علني عن إخلاصه!»
«ماضٍ مؤلم ومستقبل مختلف: ثلاث نقاط تميّز أيدن هيل عن برادلي هيل»
كانت العناوين ذات النوايا المكشوفة بمثابة صحوة متأخرة له؛ فقد أدرك أن كلماته صيغت بعناية لتُستَخدم وقودًا يعزز موقف الملك.
أترى أن الملك حكم عليه بأنه يفتقر إلى القدرة على التعلم؟ إذ إنه استدعى الصحفيين أنفسهم مرة أخرى في هذا اليوم أيضًا. مهزلة لا أكثر ولا أقل.
(أخي أيضًا… لا بد أنه عانى كثيرًا بطرق شتى).
مرت ومضة من المرارة والاعتذار في عينيه البندقيتين، ثم اختفت سريعًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"