أخذ “إيدن” حقيبة “رولينغ بن” إلى مدير الشرطة، فرانك بوتر. استقبلها الأخير بوجه متهلل، وكأنها كنز ثمين، وتلقاها بكلتا يديه بكل امتنان واحترام.
قال وهو يتفحصها بدهشة:
“هل هذه فعلاً متعلقات ذلك اللص الشبح؟”
أجاب إيدن:
“نعم. كنا قد توقعنا ظهوره في مضمار سباق دوق غالاغر، وذهبنا هناك، وتمكنا من العثور على الحقيبة. لكننا للأسف فوّتنا الإمساك به بفارق ضئيل.”
“أوه! التوقع كان في محله تماماً! مؤسف أننا لم نمسك به، لكن يبدو أن الأمر أصبح مجرد مسألة وقت. الحمد لله، يمكنني أن أتنفس الصعداء أخيراً.”
قال فرانك ذلك وهو يفرك وجهه بيديه، وقد بدا واضحاً عليه الإرهاق الذي ألمّ به مؤخراً. ولم يفوّت إيدن الفرصة، فبدأ بالكشف عن نواياه شيئاً فشيئاً.
“سمعت أن قضية اللص الشبح قد أرهقتك كثيراً… وقيل أيضاً إن سمو ولي العهد لا يكفّ عن الضغط عليك.”
“هاه… لا تذكرني بذلك. سموه يكره ذلك اللص بشدة، لدرجة أنه لم يعد يثق لا بقدراتك ولا حتى بي… أحم، على أي حال، لا شك أن هذا الإنجاز سيرضيه كثيراً.”
“إذاً، دعنا نقول إنك أنت من اكتشف الحقيبة. لا حاجة لذكر أنني كنت صاحب الفضل.”
“حقاً؟!”
ابتسم فرانك بوتر على الفور، ابتسامة عريضة كشفت عن مدى الضغوط التي تعرّض لها من ولي العهد في هذه القضية. أما إيدن، فبوجه خالٍ من التعابير، أضاف طلبه المخطط له سلفاً:
“في المقابل، أود الحصول على مزيد من ملفات التحقيق المتعلقة بأخي. لا أريد تلك التي تختارها بنفسك، بل التي أطلبها أنا تحديداً.”
“…ماذا؟”
فجأة، اختفت الابتسامة عن وجه فرانك كأنها لم تكن. وضع حقيبة “رولينغ بن” بهدوء على الطاولة بينهما، وبدأ يعبث بشاربه طويلاً، يفكر في الربح والخسارة.
“لن يعلم أحد أنك زوّدتني بالملفات.”
“…”
“وإن كنت قلقاً، يمكنني الحضور بنفسي لاستلامها. سأقول للآخرين إننا نجتمع بشأن قضية اللص الشبح.”
بفضل إقناع إيدن المتواصل، وافق فرانك أخيراً، ولو على مضض. راح يتفحّص قائمة الملفات التي طلبها إيدن وهو يميل رأسه باستغراب، لكنه وعده بالتواصل فور جهوزيتها.
—
وما إن انتهى إيدن من هذا الإنجاز، حتى داهمه أمر آخر أكبر: الأميرة “ماريون” اختارته فجأة ليكون شريكها في مناسبة ملكية. لم يُتح له الوقت حتى للتفكير في أي عذر للرفض، إذ جاء الأمر مباشرة.
وفي صباح يوم المناسبة، صعد إيدن إلى العربة الملكية التي أُرسلت إلى دوقية “هيل”.
قالت الأميرة عند لقائه:
“لقد مر وقت طويل، دوق هيل.”
أجاب إيدن بانحناءة:
“تشرفت بلقائك، سيدتي.”
كانت الأميرة “ماريون” تجلس داخل العربة، مرتدية زي الفروسية المخصص للصيد. جعل مظهرها إيدن يسرح قليلاً في تفكيره.
“بما أنها من العائلة الملكية، فلا شك أنها تجيد الفروسية. حتى فتيات النبلاء يتلقين دروساً أساسية في ذلك… يبدو أن رولينغ بن ليست من النبلاء بل من العامة.”
كان قد رأى سابقاً مهارة “رولينغ بن” في الفروسية من الخلف، وقد كانت ضعيفة جداً لدرجة أنه خشي أن تسقط من على الحصان. تذكر تلك اللحظات الحرجة، وعضّ شفتيه بإحكام.
وحين لاحظت “ماريون” أن “إيدن” يحدّق بها بصمت وكأنه غائب الذهن، مدت يدها نحوه وهي تضحك بمكر:
“إن حدقت هكذا، فسوف أرتبك أنا أيضاً. ما رأيك أن تجلس الآن وتلقي التحية كما ينبغي؟”
“أعتذر.”
اقترب إيدن بلطف من يدها المغطاة بالقفاز، وطبع عليها قبلة خفيفة ثم جلس أمامها.
لكن وجه “ماريون” كان قد اتخذ ملامح حزينة بعض الشيء، وقالت:
“أظن أن عليّ الاعتذار لك أولاً. لقد دعوتك كشريكي دون أي شرح أو تمهيد.”
“لا بأس يا سيدتي. إنه لشرف كبير لي.”
“هاه، حتى وإن كان هذا مجاملة واضحة، فسأغضّ الطرف. الحقيقة أنني أردت دعوة حبيبي، لكن عائلتي منعتني، فقررت، من الغضب، أن أدعوك أنت بدلاً منه.”
“تقصدين…؟”
“نعم. حبيبي من عامة الشعب. رجل وسيم وطيب وماهر جداً، يعمل في الجيش. لكن عائلتي لا تهتم بأي من هذه الأمور. خصوصاً هارولد… آه، لا بأس، هذا ما حدث.”
حين سمعت أذنا “إيدن” اسم ولي العهد من فم الأميرة، اتضح له الأمر أكثر. كانت قد دعته نكايةً في “هارولد”، الذي لا يخفي كراهيته لـ”إيدن” وعائلته، آل هيل.
سحبت “ماريون” ضفيرة شعرها خلف كتفها وقالت مجدداً:
“لا أتوقع منك شيئاً كبيراً. فقط تظاهر بأنك قريب مني خلال الحفل. بالمناسبة، هل لديك حبيبة؟ إن كان كذلك، فسأرسل لها رسالة لاحقاً لأشرح الموقف.”
“لا يوجد شخص كهذا، فلا تقلقي. وسأبذل جهدي لأكون على قدر ما طلبتِ.”
“حقاً؟ لا توجد؟ وأنت دوق شاب ووسيم؟”
بدأت ملامح “ماريون” تزداد ليناً بفضل ردوده المهذبة. ثم أضافت بمكر:
“لا بد أن فتيات النبلاء يتراكضن خلفك في جميع أنحاء البلاد. آه، من كانت تلك الشهيرة؟ ألا يوجد واحدة منهن مشهورة بشغفها بك؟”
كانت تشير إلى “برييل تايلور”، وظهر في عينيها بعض الشقاوة. ثم أردفت:
“حتى إنها ذهبت إلى دوقيتك بنفسها. مقارنةً بسمعتها المتقلبة، كان هذا تصرفاً جريئاً فعلاً.”
لكن وجه “إيدن” تجهم بشكل واضح عند هذا التعليق. فاستدركت “ماريون” سريعاً:
“أوه… يبدو أنني تجاوزت الحدود. لم أقصد أن أزعجك…”
“لم يزعجني الحديث. فقط أظن أن صاحبتك، آنسة تايلور، قد أُسيء فهمها.”
فتحت “ماريون” عينيها بدهشة من رده غير المتوقع. وراح “إيدن” يفرك ذقنه ويتمّ حديثه:
“الآنسة تايلور مختلفة تماماً عن الشائعات. ليست مزاجية إطلاقاً، بل هادئة وذكية جداً.”
“هكذا إذاً؟”
“ما حدث بيني وبينها مجرد حادث عرضي.”
كانت ملامحه في دفاعه عنها جدية للغاية، مما جعل “ماريون” تميل إلى تصديقه. لكنها لم تلبث أن تساءلت من جديد:
“لكن لماذا جاءت كشريكة لهارولد؟ أعلم أن من العيب أن أتكلم عن عائلتي، لكن سمعة هارولد مع النساء ليست الأفضل.”
“ماذا؟”
الدهشة هذه المرة كانت على وجه “إيدن”. عبس قليلاً وهو يحاول استيعاب ما سمع.
“لماذا؟…”
لم يفهم “إيدن” قرار “برييل” هو الآخر، لكنه حاول أن يبرر لنفسه، بأنه لا ينبغي له إطلاق الأحكام من منطلق التحيّز أو سوء الفهم. فقد تعلم من أخطائه السابقة.
“المشكلة ليست في آنسة تايلور، بل في ولي العهد. ما غايته من دعوتها؟ لا ينبغي أن يقوم بشيء طائش…”
حين لاحظت “ماريون” أنه شرد مجدداً في أفكاره، ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة. هذا الدوق الشاب، الذي كان لا يُبدي أي انفعال في معظم المواضيع، بدا عليه التأثر الواضح عندما ذُكرت “برييل”.
فصفقت بمرح وقالت:
“أهو بسبب شريكة شقيقي الصغير؟ أجل، يبدو ذلك منطقيًا
*******
“يستحوذون على هذه الأرض الشاسعة وحدهم… ولا يزورونها إلا مرة أو مرتين في السنة، بالكاد.”
لم تستطع أن تقولها بصوت مسموع، فاكتفت بالسباب بعينيها فقط. وبينما كانت تلعنهم في سرها، ظهرت عربة أخرى في المكان.
كانت العربة تقل “أوكتافيا” و”الأمير برنارد”.
فرحت “أوكتافيا” فرحاً شديداً ما إن رأت “برييل”، حتى كادت تقفز من مكانها، لكن تلك الفرحة لم تدم طويلاً.
اضطرت إلى أن تعبس وجهها مرتين؛ مرة وهي ترى “هارولد” ينفض الغبار عن نفسه متذمراً، ومرة أخرى عندما أدركت أن “برييل” جاءت كشريكة له.
قالت وهي تهمس قرب أذن “برييل”، وقد بدا عليها القلق:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات