كان إيريك، زعيم الأطفال، يلوّح بيده بفرح وهو ينادي باسم برييل المستعار، وقد ظهرت مرتدية ثيابًا بالية مهترئة. ردّت برييل عليه بالمثل ولوّحت بيدها، ثم دخلت إلى كوخه.
“آه…؟”
كان هناك شخص غير متوقّع قد وصل قبلها. اتسعت عينا برييل إلى أقصى حدّها عندما رأت من بالداخل.
“أأنتِ آنسة سيلور؟ آه، أنا إيدن هيل.”
قال إيدن، الذي كان يرتدي بدلة فاخرة لا تتناسب أبدًا مع حياة الأحياء الفقيرة، وهو يحييها وكأنه يعرفها.
“آه، نعم… مرحبًا…”
خرج صوت برييل بالكاد وهي ترد التحية، إذ إن اللقاء المفاجئ هذا أوقعها في الحرج. في هذه المسافة القريبة، ربما يكتشف إيدن هويتها الحقيقية.
“لماذا نستمر في الالتقاء؟”
صحيح أنها لم تعد تشعر بالغضب أو الانزعاج بمجرد رؤيته، لكنها لم تكن ترغب في رؤيته كثيرًا أيضًا. في النهاية، كان هو الرجل الذي يطارد اللصّ، وهي كانت ذلك اللص بعينه.
رغم أن تنكّرها على هيئة متسولة كان مثاليًا إلى حد ما، إلا أن قلبها لم يطمئن تمامًا. حاولت بغير وعي أن تشتت نظرها بتحريك رأسها هنا وهناك، مما جعل إيريك يقف حائرًا بينهما وهو يعبّر عن دهشته.
“آنسة سيلور، هل أنتِ بخير؟ تبدين غريبة بعض الشيء اليوم.”
“آه، لا. فقط، إيريك، سأعود لاحقًا، لذا استضف الضيف الكريم أولًا.”
استدارت برييل بسرعة هاربة من نظرات إيدن، لكن في تلك اللحظة، أوقفها صوت منخفض بات مألوفًا لديها.
“كنت أسمع قصتك من إيريك، وكنت آمل أن ألتقيكِ. إن لم يكن هناك مانع، هل يمكن أن تمنحيني بعضًا من وقتك؟”
“آه… نعم. إيريك… ماذا قلت له؟ هاها…”
كرّرت برييل كلمات إيدن بينما ألقت نظرة حادة باتجاه إيريك. عندها، بدأ إيريك بحكّ ذقنه وراح يبرّر بتردد.
“كحم، هم. حضرة الدوق جاء ليسأل عن أمور تخص الدوق السابق. لذلك، أخبرته عن القضية التي طلبتِ منا التحقيق فيها من قبل، ونتائجها كذلك. على أية حال، إنها أمور تخص الشخص نفسه، أليس كذلك؟”
كان إيريك في مرحلة بين الفتى والشاب، وقد أُعجب بشدة بكون دوق رفيع المقام مثل إيدن يتحدث إليه باحترام ويعامله كراشد. ومن شدة حماسه، باح بكل شيء عن برييل دون الحصول على إذنها. حدث ذلك قبل لحظات من وصولها.
“إذًا… لقد أخبرته بكل شيء…”
تمتمت برييل بمرارة، ثم ردّت على إيدن بتأخّر، وحرصت على تغيير أسلوب حديثها.
“حضرة دوق هيل، تفضّل بالكلام.”
“قبل كل شيء، أود أن أعرف لماذا كنتِ تحققين في قضية شقيقي.”
كان سؤالًا متوقعًا. فردّت عليه برييل ببرود كما لو أنه أمر لا يستحق الذكر.
“الدوق السابق… كنت أكنّ له احترامًا شخصيًا. لقد حزنت لرؤية قضيته تُهمل، لذا طلبت من هؤلاء الأولاد أن يحققوا في الأمر. وتحديدًا، في حادثة إطلاق النار التي وقعت في يوم الحادثة.”
“أشكرك. على احترامك لأخي، وعلى عدم نسيان قضيته، واهتمامك بها كذلك.”
“……”
كان إيدن صادقًا في شكره. وردّة فعله المفاجئة جعلت برييل تبدو مشوشة. همّت بفتح فمها لتقول شيئًا، لكنها أغلقت شفتيها مجددًا خوفًا من أن تزلّ لسانها. فالإنسان حين تجتاحه المشاعر، كثيرًا ما يفقد تركيزه.
ثم تابع إيدن حديثه بابتسامة خفيفة على شفتيه:
“سمعت أن هؤلاء الأولاد هم أفضل من يجمع المعلومات في كورنيلي، فجئت طلبًا للمساعدة. صحيح أنني جئت متأخرًا مقارنةً بكِ، لكن…”
“قدراتهم على جمع المعلومات أضمنها أنا شخصيًا. ومجيء دوق محترم مثلكم إلى هنا هو قرار صائب، حتى وإن جاء متأخرًا.”
“هاها، سأعتبر هذا مديحًا.”
اتسعت عينا برييل قليلًا من ضحكة إيدن المنعشة، ثم عادت لطبيعتها. وسرعان ما تمالكت نفسها وسعلت بخفة، ثم طرحت سؤالًا:
“كحم، لو لم يكن في ذلك إزعاج، هل لي أن أسألكم عن نوع المعلومات التي تبحثون عنها؟”
“أمران. الأول كان قائمة بحوادث إطلاق النار التي وقعت في العاصمة في ذلك اليوم، وقد حُلّت تلك المسألة بفضلكِ. أما الثاني، فهو الشائعات التي كانت تحيط بأخي.”
“الشائعات؟ حسنًا، هذا مهم بالفعل.”
أومأت برييل برأسها ببطء. بالفعل، يمكن للشائعات أن تكشف الكثير عن الشخص. من سمعته العامة، إلى الحوادث المرتبطة بها، وحتى الأشخاص المحيطين به. وإذا بحثت فيها بعمق، فقد تتمكن من العثور على مشتبه به يحمل ضغينة ضد برادلي هيل.
“إذًا… أتمنى لك التوفيق، أوه، لحظة من فضلك.”
وبينما كانت تهمّ بمغادرة الكوخ ملوّحة بوداعها، تذكّرت فجأة سبب زيارتها. فسارعت إلى الإمساك بطرف معطف إيدن. وقد كان ذلك التصرف المفاجئ صادمًا لدرجة أن عيني إيريك كادتا تخرجان من محجريهما.
“آ، آنسة سيلور! مهما كان الأمر عاجلًا، لا يجوز الإمساك بملابس الدوق…”
“آه، آسفة! لم أقصد…!”
أسرعت برييل بإفلات معطفه وانحنت تعتذر، لكن إيدن بدا وكأنه مندهش من ردة فعلهما أكثر من الفعل نفسه، فرفع كتفيه بلا مبالاة وقال:
“لا بأس، ما الأمر، آنسة سيلور؟”
“آه، نعم نعم، كنت… أريد فقط أن أسأل عن أتعاب المهمة، كم سيدفع حضرة الدوق؟”
“أوه… آنسة سيلور…”
غمر الإحباط وجه إيريك وهو يدفن وجهه في راحة يده. لم يتوقع أن تمسك بثياب الدوق فقط لتطلب المال.
أما إيدن، فلم يظهر أي علامات مفاجأة، بل اتّخذ وجهه تعبيرًا غريبًا نوعًا ما.
“يبدو أنكِ تريدين شيئًا معينًا، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح. أيمكننا التحدث على انفراد…؟”
أخذت برييل الدوق إلى خارج الكوخ. ومع تماديها المستمر في كسر الأعراف، بدأ إيريك يدعو في سره:
“رجاءً، ليت الدوق الكريم يغفر سلوك آنسة سيلور…”
من جهتها، وبعد أن تأكدت من خلوّ المكان من الأطفال، بدأت برييل تخفض صوتها وهي تعرض على إيدن طلبها:
“سأدفع أنا أتعاب المهمة نيابة عنكم للأطفال. فقط، أرجو منكم… أن تتعهدوا بحمايتهم من أي تهديد قد يطرأ في المستقبل، هل هذا ممكن؟”
كانت تأمل، في أعماقها، أن يوقف الدوق مشروع إعادة تطوير المنطقة باستخدام سلطته، لكن لم يكن بمقدورها قول ذلك صراحة. فذلك كان سرًّا لا ينبغي أن يتسرب. مجرد خبر وصلها خفية من أوكتافيا، ولم يكن من الحكمة أن تكشفه حتى لإيدن.
لم يردّ إيدن فورًا، بل غرق في تفكير عميق. كان يحاول فهم المعنى الضمني وراء طلبها الغامض. وبعد فترة، فتح فمه أخيرًا:
“دفع الأتعاب مسؤوليتي. ليس من المفترض أن تتحملي ذلك بدلًا عني.”
“صحيح، لكن…”
“وأيضًا، حماية الأطفال… هذا أيضًا من مسؤوليتي، كوني دوقًا في هذا البلد.”
غرقت برييل في تفكير عميق بعد سماع كلمات إيدن. كان يتحدث عن مسؤوليات النبلاء. عن واجبهم تجاه المجتمع، وخصوصًا تجاه الفقراء والطبقات الدنيا.
معظم النبلاء الذين عرفتهم برييل كانوا مهووسين.
“سأحميهم، مهما كان الثمن.”
“…شكرًا لك.”
بهذا، تمكّنَت برييل من التخلّص من جزءٍ لا بأس به من القلق الثقيل الذي ظلّ معلقًا في قلبها طوال النصف الأول من اليوم. ابتسمت بوجه مرتاح، ثم انحنت تحيّة بأدب.
“إذن، سأغادر الآن…”
“انتظري لحظة. أودّ أن أوصلكِ إلى منزلكِ.”
“نعم؟ لا، لا داعي لذلك. في الواقع، أنا أفضّل البقاء بمفردي.”
لوّحت برييل بكلتا يديها في الهواء وهي ترفض بإصرار مرافقة إيدن لها. لكن عناده لم يكن بأقل من عنادها.
“ألا ترين أن الوقت قد تأخر كثيرًا؟ لا يمكنني السماح لامرأة بأن تعود وحدها في هذا الوقت من الليل.”
“لكن، الأمر هو…”
بدأ العرق البارد يتصبّب من جسد برييل، رغم الملابس البالية الكثيرة التي كانت ترتديها في تنكرها كمتسوّلة، بينما كانت تواجه وجه إيدن الجاد والحازم.
“العودة إلى منزلي الحقيقي؟ هذا مستحيل طبعًا. لكن لا يمكنني أيضًا دخول منزل شخصٍ غريب وأدّعي أنه منزلي!”
في الوقت الذي كانت فيه غارقةً في حيرتها كأنها تمثال عاجز عن الحركة، التفت إيدن إلى الجهة اليمنى وأخذ خطوة إلى الأمام قائلًا:
“من هذا الاتجاه. هناك ممر صغير يؤدي من ضفة النهر إلى الأعلى.”
“آه… نعم… لنذهب من هناك إذًا.”
وفي النهاية، لم تجد برييل بدًا من التوجّه إلى المكان الوحيد الذي خطر في بالها في تلك اللحظة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات