حلّ المساء تمامًا، وكان قد مرّ على إغلاق المقهى أكثر من ساعة، حين لامس أذن “برييل” صوتٌ خافت عند الباب الخلفي. كانت وحدها في المطبخ، ترتّب المكان بعد أن خرجت “مولي” و”أليس” معًا في نزهة.
قالت بصوت حذر: — من هناك؟
فأتاها الجواب من خلف الباب: — أنا إيدن هيل، آنسة تايلور.
اتسعت عينا “برييل” دهشة من زيارة شخص لم تكن تتوقعه إطلاقًا، لكنها فتحت القفل دون أن يظهر في حركتها أي أثر للارتباك أو الانزعاج كما في السابق.
قالت وهي تدخله إلى الداخل: — ما الذي أتى بك إلى هنا؟ لا تقل إنك جئت بسبب الرسالة التي أرسلتها هذا الصباح؟
لم تتذكر الأمر إلا بعدما دخل “إيدن” إلى المنزل. في الليلة الماضية، كانت “مولي” قد طلبت منها مجددًا إن كان من الممكن إنشاء موقد خلفي صغير. وقد بدا على “برييل” التردد، لكنها أسرعت وأضافت:
“حتى لو كانت مجرد تجهيزات بسيطة، يمكنني حينها أن أصلح السلاح الذي تستخدمينه في مهامك الليلية…”
كانت تلك الجملة كافية لإقناع “برييل”، فكتبت رسالة طويلة إلى مالك المنزل، “إيدن”. لم تكن مرتاحة لفكرة الذهاب إلى قصره بنفسها، ولا حتى لتحديد موعد للقاء، فاختارت الكتابة وسيلةً للتواصل.
بعد أن مرّت بأحداث متتالية مع كل من “أوكتافيا” و”الكونت بانكروفت”، بدأت “برييل” تشعر بأن هناك شيئًا قد تغيّر في علاقتها بـ”إيدن”. ذلك الشخص الذي لم تكن تحبه في البداية، باتت تراه من منظور مختلف بعد أن رأت منه تصرفات غير متوقعة. كانت مشاعرها حياله معقدة يصعب شرحها.
قال “إيدن” وهو يدخل: — مضى وقت طويل، آنسة. نعم، جئت بسبب الرسالة. قرأت أنك ترغبين في إنشاء موقد في هذا المنزل.
ورغم أن مشاعرها قد مالت إلى الجانب الإيجابي، لم تكن تنوي أبدًا أن تسبب له عناء القدوم بنفسه. فقد بدت وكأنها جعلت دوقًا في مملكة يأتي ويذهب بأمر بضع جُمل في رسالة. احمرّ وجهها خجلًا من نفسها.
“إيدن”، الذي لاحظ تغير ملامح وجهها، شعر بحرارة غريبة في عنقه دون سبب واضح.
قالت بتردد: — آسفة… لم أكن أريد إزعاجك، فقط أردت إرسال طلب بسيط…
فقاطعها بسرعة، حتى قبل أن تنهي جملتها: — لم يكن إزعاجًا أبدًا، إطلاقًا.
وحين أدرك أنه كان متسرعًا في الرد، نظر بسرعة إلى الحديقة الخلفية ليتلافى الموقف، ثم سأل:
— هل هذا هو المكان الذي ترغبين في إنشاء الموقد فيه؟
أجابته: — نعم، هل ترغب في رؤيته؟
— بالتأكيد.
فكرت “برييل” في نفسها: يبدو مشغولًا… من الأفضل أن أنهي الحديث سريعًا.
سارت بسرعة نحو الباب الخلفي، لكنها لم تنس أن تأخذ المصباح النفطي معها.
كانت الحديقة الخلفية أصغر بكثير من الحديقة الأمامية التي يستقبل فيها الزبائن. وكان العشب ينمو فيها بلا انتظام حتى أصبح يُعيق خطواتهم أحيانًا.
توقفت “برييل” أمام مستودع صغير مصنوع من الخشب، ثم أشارت إليه:
— إن لم يكن لديك مانع، أود ترتيب هذا المكان وبناء الموقد هنا.
ردّ “إيدن”: — في رسالتك ذكرتِ أنك ترغبين بموقد يمكن استخدامه في أعمال الحدادة البسيطة، صحيح؟
وأثناء حديثه، أخذ منها المصباح النفطي بحركة طبيعية، دون تردد.
— نعم. الشخص الذي يعيش معي يرغب بشدة في هذا، فطلبت منك بأدب رغم شعوري بالحرج. هي تجيد هذا النوع من الأعمال، لذا لا داعي للقلق بشأن السلامة.
اتسعت عينا “إيدن” قليلًا، قبل أن يستعيد هدوءه: — تقصدين السيدة التي فتحت لي الباب في إحدى المرات، تلك المرأة في منتصف العمر؟
— نعم، تتذكرها إذًا. اسمها “مولي”، وهي موهوبة في مجالات عدة.
أومأ “إيدن” رأسه وقال: — فهمت. لا بأس، يمكنك إنشاء الموقد. ولكن بما أنك ستتعاملين مع النار، أنصح بإزالة العشب واستبداله بالحجارة.
تهللت ملامح “برييل” من الفرح لسماع الموافقة بسهولة. وكانت هذه أول مرة يرى فيها “إيدن” عينيها وقد لانتا، دون حدّة المعتاد. شعر داخله بمشاعر مختلطة، راحةٌ وغصة في آن.
ما هذا الشعور بالضبط؟
تساءل في نفسه.
لكنه سرعان ما تخلّى عن تلك الأفكار، واستجمع كلماته التي أتى من أجل قولها:
— من الآن فصاعدًا، لا حاجة لكِ بطلب الإذن مني في كل ما يخص هذا المنزل. لم أشك يومًا في قرارات أخي. جئت اليوم لأقول لكِ هذا بنفسي.
— ماذا… ماذا تعني؟
— أعني أنني لا أمانع في أن يصبح هذا المنزل ملكًا لكِ بعد عام، تمامًا كما نَص العقد. زيارتي السابقة كانت بدافع الفضول فقط، بسبب ذلك الشرط الغريب، لا لأنني كنت أعارضه.
هبت نسمة ليل خفيفة، فبعثرت شعرهما قليلًا. مرر “إيدن” يده على شعره ليعيده إلى مكانه وأكمل:
— الشخص الذي التقيتِ به عند توقيع العقد لم تكن عمتي، بل كان أخي متنكرًا في هيئتها. بعد أن بحثت في ماضيه، اكتشفت أنه كان يعتبر التنكر والهويات المتعددة هواية له، وكان يلتقي بأنواع مختلفة من الناس بهذه الطريقة.
ضحك “إيدن” بخفة، ثم قال بنبرة دافئة لم يعهدها من قبل:
— أرجو ألا تفهمي الأمر بشكل خاطئ. كان يميل إلى المزاح والتجارب، لذا تنكر في عدة شخصيات: عمتي، كبير الخدم، أحد أقربائنا، حتى سائق العربة…
وفي تلك اللحظة، تذكرت “برييل” شيئًا مفاجئًا، وأمسكت بذراع “إيدن” من غير قصد:
— انتظر لحظة! تقول إنه كان يتنكر كثيرًا ويقابل مختلف الفئات؟ حتى من عامة الشعب والنبلاء على حد سواء؟
حين أصبحت ملامحها جادة، اختفى الابتسام من وجه “إيدن”. أومأ لها ببطء.
فتحدثت بنبرة مضطربة: — دوقي… أعتقد أنني كنت أعرفه من قبل. لا، أنا متأكدة.
عاد الاثنان إلى المقهى وجلسا قبالة بعضهما. لم يكن هناك وقت حتى لعرض الشاي. سارعت “برييل” بالكلام:
— قبل أن أستقل عن منزل والدي، كنت ألتقي برجل عدة مرات في الشارع. كان يتظاهر في كل مرة أنه شخص مختلف، لكنني عرفت أنه نفس الشخص، وتقرّبنا كثيرًا.
في الحقيقة، كان قد ادّعى أنه معلمها، وعلّمها كيف تتنكر. لكن لم يكن بإمكانها البوح بذلك لـ”إيدن”. لا يمكن أن تعطيه أي سبب للشك في أنها “رولينغ بين”.
بدأ “إيدن” ينقر بأصابعه الطويلة على الطاولة بينهما وقال:
— ليس من الشائع أن يتنكر أحد ويتجول في الشارع. أعتقد بشدة أن الشخص الذي تتحدثين عنه هو أخي.
قالت “برييل”، وقد اختلط صوتها بالحيرة: — إذا كان هو من كتب ذلك الشرط الغريب في عقد الإيجار… إذًا…
توقفت فجأة، وعضّت شفتيها.
خلال لقاءاتهما في الشوارع، لم تخبره يومًا أنها ابنة الفارس “تايلور” سيئ السمعة. لكن في العقد، استخدمت اسمها الكامل، فلا بد أنه عرف هويتها الحقيقية.
هل وضع ذلك الشرط وهو يعرف من أكون؟
ظهر على وجهها ارتباك واضح، وقبل أن تغرق في مزيد من التفكير، وصلها صوت “إيدن” الهادئ:
— يبدو أن أخي كان يحمل لكِ تقديرًا كبيرًا… لقد كان أذكى مني بكثير.
— ماذا… تقول؟
— لا أظنه كان يحمل مشاعر عاطفية.
كتمت “برييل” ما كانت ستقوله، وتجنبت نظرات “إيدن” القلقة، ثم سارعت بإعادة الحديث إلى مجراه الأصلي.
قالت: — إذًا، كنتَ بالفعل تحقق في قضية ذلك الشخص بشكل منفصل، أليس كذلك؟ بافتراض أن من التقيتُ به كان هو دوق “هيل” السابق، سأحاول أن أتذكّر جيدًا كل ما حدث بيننا.
ردّ “إيدن” بهدوء: — لم يعد هناك ما نخفيه في هذه المرحلة. صحيح أنني لم أحرز تقدمًا يُذكر، لكنني أُجري التحقيق بمفردي. و… أشكركِ على اهتمامكِ بالأمر. حتى لو كان شيئًا بسيطًا، إن تذكرتِ أي شيء، فلا تترددي بإخباري.
قالت “برييل”، وقد بدت ملامح الامتنان على وجهها: — بل أنا من يجب أن يشكرك. على الموقد، وعلى حضورك اليوم بنفسك… أنا ممتنة لك من نواحٍ كثيرة.
سادت بينهما أجواء دافئة لم تكن موجودة من قبل، لكنها سرعان ما ترافقت مع قدر من الحرج جعَل عيني “برييل” تتجولان في المكان بلا هدف.
وفي تلك اللحظة، نهض “إيدن” من مقعده، وأفصح عن معلومة غير متوقعة:
— حفل منزل اللورد “تايلور” سيُقام الأسبوع القادم… لذا سنلتقي مجددًا هناك.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات