برغم الضرب المبرح الذي لم يكسر لها حتى عظمة واحدة، وبرغم أنهم لم يعلّموها شيئاً قط، إلا أن “برييل” تعلّمت الكلام والكتابة بنفسها، ومع ذلك لم يرَ أحدهم في ذلك أي غرابة. ذلك التراخي كان بلا شك غباءً فادحاً.
كانت برييل قوية بالفطرة، وعبقرية متفوقة. لم يكن ما أنجبته عائلة تايلور شيطاناً، بل إنسانة ذات موهبة عظيمة كان من الممكن أن ترفع مجد العائلة. مقارنةً بغبائهم الذي عجز عن إدراك ذلك، فقد كانت ولادتها معجزة بحد ذاتها.
وبفضل ذلك الغباء تحديداً، نجحت برييل في الهرب بسهولة، وهو ما كان من حسن حظها من زاوية أخرى.
“…عائلة تايلور ليست وحدها الغبية.”
تمتمت برييل بصوت خافت وهي تعيد نظرها إلى الوثائق التي وجدتْها في الخزنة. الأوراق كانت مليئة بأسماء مألوفة. لم تنسَ برييل أبداً كيف كان هؤلاء ينظرون إليها.
منذ البداية لم يُخفَ اللورد تايلور مشاعره الكارهة تجاه ابنته.
«ربما لأن حياتي وحياة زوجتي العزيزة كادتا تُنتزعان بسببها، فلم أستطع أبداً أن أكنّ مشاعر نحوها. لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟ فهي دم عائلة تايلور، ولا يمكنني التخلي عنها.»
الأرستقراطيون الذين كانوا مقربين من اللورد صوّروا ذلك التمييز على أنه سلوك لا يقدر عليه إلا الزوج الحنون والنبيل الحقيقي الذي يضع شأن العائلة فوق كل اعتبار. ومع الجو الذي خلقوه، وصل الأمر إلى أن يمتدحه الملك بنفسه واصفاً إياه بـ “الرجل الراقي الذي يتبنى ابنته المعيبة.”
وبالمقابل، صارت برييل تايلور تُعرف على أنها البلاء العظيم الذي أنزله القدر على الزوجين، والوصمة التي ابتُلوا بها.
«أشعر بقلق بالغ على مستقبل دوقية بيركشاير. ليس يكفي أنهم يغضّون الطرف عن إساءة صريحة، بل يبررونها بأنها روح النبلاء!»
يقال إن الماضي يزداد بريقاً كلما استُعيد في الذكريات، لكن ذلك لم يكن ينطبق على برييل. كانت تستحضر ذكرياتها المليئة بالجراح، وتصفع الأوراق براحة يدها.
إلى هنا يكفي من نبش الماضي. حان وقت التفكير بالحاضر والمستقبل.
“…إذا كانت هذه الأوراق صحيحة، فهذا يعني أنهم متكاتفون جميعاً على حماية بعضهم البعض. همم…”
كانت الوثائق التي وجدتها في الخزنة عبارة عن “وثيقة تعهّد” تحمل تواقيع اللورد تايلور وعدد من كبار الأرستقراطيين. تحت عبارة تدعو العائلات الكبرى في دوقية بيركشاير إلى مساعدة بعضها عند الحاجة، كُتبت بنود محددة:
<نزاعات الأراضي، حقوق الملكية والإرث، مسائل الزواج، وسائر القضايا والحوادث التي تحتاج إلى دعم قانوني.>
لكن كلمات الوثيقة قرأتها برييل بمعنى آخر:
“نزاعات الأراضي تعني أنهم يريدون ابتلاع أراضي العامة علناً، وحقوق الملكية تعني أنهم سيتمسكون بحق الوريث الأكبر فقط. أما الزواج، فالمقصود أن الرجال سيسرقون ما يملكه جانب النساء.”
وعندما وصلت إلى البند الأخير، انفجر ضحك ساخر من شفتيها.
“دعم قانوني، يقولون.”
لقد كتبوا بوقاحة أن يغطّي بعضهم جرائم بعض، وبأسلوب “أرستقراطي” متقن.
إن تُركوا هكذا، فلن يدفعوا أي ثمن مهما كثرت جرائمهم، بل ستسجّلهم كتب التاريخ كـ”نبلاء عظام قادوا دوقية بيركشاير.”
تماماً مثلما يُعتبر اللورد تايلور مثالاً يحتذى به في النبل، رغم قسوته الشديدة وتعذيبه لبرييل.
لا، لا يمكن أن يُترك الأمر.
خطتها السابقة التي كانت تقتصر على قطع صلتها بالعائلة وإهدار بعضاً من أموالهم كنوع من الانتقام، تغيرت تماماً في هذه اللحظة.
“كيف لي أن أترك هذا يمر؟ لا بد أن أتدخل وأفسد مخططاتهم.”
وأشرقت ابتسامة واسعة على وجه برييل وقد حسمت أمرها.
وبالصدفة، ظهرت “مولي” وقد عقدت العزم على مراقبة ما الذي تخطط له برييل هذه المرة.
فأمسكتها برييل بقوة من ذراعها وهتفت معلنة وظيفتها الجديدة التي أضافتها للتو:
“سأصبحُ لصّة!”
“ماذا؟!”
كادت مولي أن تقع من الصدمة، لكن برييل أمسكت بها جيداً وأضافت موضحة:
“بالطبع، سأتابع مشروع المقهى كما هو مخطط. سأكون تاجرة في النهار… ولصّة في الليل.”
—
اختارت برييل اسم “حديقة منتصف النهار” لمقهىها. الاسم حمل معنى مزدوجاً: إبراز اتساع الحديقة التي تلائم حفلات الشاي، والإشارة إلى أن المقهى يغلق أبوابه مع غروب الشمس.
“الفكرة رائعة للصيف، لكن في الشتاء لن تبقى ساعات عمل كافية. على كل حال، استغلالك للحديقة موفق. الزهور جميلة جداً وتجعل للشاي طعماً خاصاً.”
في اليوم السابق للافتتاح، زارتها صديقتها ورفيقتها في العمر “أوكتافيا وود”. جلست على الطاولة الخارجية تقضم البسكويت الذي خبزته مولي وتتابع حديثها.
“بصراحة، عندما سمعت أنك ستفتحين مقهى في مكان ناءٍ كهذا توقعت أن يفشل سريعاً… لكن حظك عظيم!”
“حظ؟”
استوضحت برييل، فناولتها أوكتافيا حزمة أوراق كانت تحضنها تحت ذراعها. على الصفحة الأولى كُتب بالخط العريض: “بيركشاير تايمز.”
“إنها جريدة اليوم. تخيلي! سيُنشأ خط ترام يمر من أمام مقهاك مباشرة! إنه أول ترام يُدشَّن في المملكة كلها!”
كما قالت أوكتافيا، فقد تصدّر خبر إنشاء الترام الصفحة الأولى. لكن برييل اكتفت بقراءة سريعة بلا مبالاة.
مما أثار دهشة أوكتافيا التي لم تستطع إخفاء استغرابها:
“ما هذا الرد البارد؟ أليست أخباراً رائعة؟”
“هي أخبار جيدة، لكنها ليست مفاجئة. لقد استأجرت المكان وأنا أعلم مسبقاً.”
“مستحيل! ألم تقرئي؟ كان المشروع في غاية السرية! حتى صحيفتنا لم تحصل على الخبر إلا صدفة ليلة أمس!”
أوكتافيا وود، ابنة مالك أكبر صحيفة في دوقية بيركشاير، قالت ذلك بثقة مطلقة. فهي تدرك أنها المصدر الأبرز في هذا المجال.
لكن برييل اكتفت بابتسامة ماكرة، مما زاد حنق صديقتها.
“ذلك الوجه المزعج… إذن أنتِ كنتِ تعرفين فعلاً. هيا، كيف عرفتِ؟ أريد أن أسمع القصة.”
“الأمر بسيط. وأنا أبحث عن مكان للمقهى، لاحظت أن هناك عمالاً يجرون أعمال حفر في شوارع متفرقة من المدينة. فبدأت أشك.”
لم تستوعب أوكتافيا التلميح، فأخذت تخدش شعرها الأحمر المجعد بغيظ. حينها أضافت برييل توضيحاً:
“وفوق ذلك، الجريدة نفسها ذكرت أن المنطقة الساحلية تتلقى مؤخراً بلاغات خاطئة عن حرائق متكررة. كما أن المقال قال إن السفن القادمة من دوقية روتلاند ازدادت منذ الأسبوع الماضي. عندها تأكدت.”
“لحظة… هل نتحدث نفس اللغة؟”
“هاها، يا تابّي. فكري قليلاً. ما الذي يوجد على طول ساحل بيركشاير؟”
أوكتافيا عقدت ذراعيها وهزت رأسها حائرة. السؤال واضح، لكن الجواب استعصى عليها. وبعد ثوانٍ طويلة صاحت:
“م-مصانع الحديد؟”
“بالضبط! البخار الناتج من تشغيل المصانع ليلاً ونهاراً جعل الناس يظنونه دخان حريق، فأبلغوا الشرطة.”
ثم أوضحت برييل أن دوقية روتلاند تصدّر خام الحديد غالباً، ومع أعمال الحفر في عدة مناطق بالعاصمة دفعة واحدة، كان استنتاج الترام أمراً محتوماً.
بعد سماع الشرح، بدا وجه أوكتافيا وكأنه شاخ سنوات. هزت رأسها يائسة، ثم وضعت آخر قطعة بسكويت في فمها. كانت في أمسّ الحاجة إلى جرعة سكر.
“كان عليكِ أن تفتحي محلاً للعرافة أو قراءة الكف بدلاً من المقهى. لو ذكرتِ النتيجة فقط دون تفسير، لقال الجميع إنك نبية!”
“لكن هكذا لن أستطيع أن أُعرّف العالم على حلويات مولي. وأنتِ بنفسك قلتِ إنها تستحق الشهرة.”
“آه، صحيح. هذه لا تكفي لآكلها وحدي!”
تأملت أوكتافيا الطبق الفارغ بحسرة، ثم مدّت يدها إلى فنجان شايها الذي برد منذ مدة، علّها تخفف مرارة فقدان الحلوى…
“أغغ، كَح كَح… ما هذا بطعم الشاي؟”
سرعان ما بصقت ما كان في فمها على الأرض. فوق عينيها الخضراوين ارتسمت غشاوة من الألم العميق، وتحت أنفها المتجعد اندفعت أنفاس ساخنة غاضبة.
“ألم تُخدَعي في شرائه؟! هل اشتريتِ أوراق شاي فاسدة؟ هذا الشاي متعفن!”
“…آه، إلى هذا الحد؟”
بينما كانت أوكتافيا تستشيط غضباً متهمةً التاجر بأنه باعهن أوراقاً قديمة، أطلقت برييل تنهيدة أسف خافتة. فتحت على الفور دفتر الملاحظات الموضوع على ركبتيها، وبدأت تكتب شيئاً، ثم شرحت بصوت هادئ:
“أوراق الشاي من أجود الأنواع. لكن أنا من تولّى استخلاصها… والآن أجري تجربة على الشروط: درجة الحرارة، ومدة الاستخلاص. لم أصل بعد إلى الشرط الأمثل.”
“يا لكِ من مجنونة! أتجعلين صديقتك الوحيدة فأر تجارب؟!”
كان ذلك اعترافاً ما كان يجب أن تقوله برييل، لأنه فوراً استدعى كفّ أوكتافيا القاسية تهوي على ظهرها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات