بينما كانت تضحك في سرّها من نظرة “إيدن” المربكة على ابتسامتها البائسة المفاجئة، غيّرت “برييل” الموضوع على الفور.
“قلت إن لديك شيئًا ترغب في التأكد منه، ما هو؟”
“آه، هم… نعم. أولًا، أود إلقاء نظرة على داخل المقهى والحديقة. وبعد ذلك، هل يمكنني طرح بعض الأسئلة على الآنسة تايلور؟ وسأشرح لكِ سبب زيارتي أيضًا.”
… هل يُعقل أنه يبحث عن آثار الـ”رولينغ بن”؟
بينما كانت تقف أمام “المعاون الخاص للشرطة” الذي أعلن صراحةً عن رغبته في تفتيش مقرّها، أطلقت “برييل” نظرة سريعة باحثة عن مخرج. رمقت وجه “إيدن” بطرف عينها، لكن من تعابير وجهه لم تستطع استنتاج شيء.
(لا يبدو أن الأمر متعلق بالـ”رولينغ بن”… وليس من الضروري أن أبدو مثيرة للشك لمجرد أنني رفضت طلب الدوق.)
وبعد أن أنهت تفكيرها، مدّت يدها وأشارت إلى المطبخ في أقصى الداخل.
“تفضل بالتجوّل كما تشاء بدءًا من هناك. الحديقة مظلمة، سأجلب لك مصباحًا يدويًا.”
“شكرًا لكِ.”
هز “إيدن” رأسه بخفة ثم نهض أولًا من مكانه.
راقبت “برييل” بصمت كيف دخل ذلك الرجل ضخم البنية إلى المطبخ، بينما أمالت رأسها قليلًا بتساؤل.
(حركاته رشيقة. يبدو أنه كان يمارس الرياضة أثناء الدراسة بالفعل.)
حتى لون بشرته المائل إلى السُمرة، وحركاته المتصلة في استخدام جسده لم تكن تشبه أولئك الضخام المعتادين، بل كانت سلسة وطبيعية. وهو أمر فاجأها إلى حد ما، وبينما كانت تفكر بذلك، اتجهت إلى مخزن الطابق الثاني.
وبعد نحو ثلاثين دقيقة، جلس “إيدن” مجددًا مقابل “برييل” بعدما أنهى تفقده الدقيق لداخل المقهى والحديقة.
وخلال ذلك، جاءت “مولي” وقدّمت الشاي وبعض الحلويات ثم غادرت بهدوء.
“تبدين بارعة في أشياء كثيرة. تفضلي، تذوقي بعضًا من هذه الحلويات.”
“شكرًا لك.”
لكن “إيدن” لم يفعل سوى التعبير عن شكره بشكل رسمي، دون حتى أن يتظاهر بأنه سيتناول الشاي. كما أنه لم يمدّ يده إلى الحلويات التي حضرتها “مولي” بعناية.
وقبل أن يتسبب هذا التصرف المتحفظ في إزعاج “برييل”، تحدث “إيدن” أخيرًا.
وكان الموضوع غير متوقّع.
“قمتِ باستئجار هذا المبنى دون وسيط عقاري، مباشرةً من مالك العقار، صحيح؟”
“نعم، صحيح. هل هناك مشكلة في ذلك؟”
“لا، لا توجد مشكلة. لكن، قد تكون هناك مشكلة بالنسبة لكِ، آنسة تايلور، وهو أن اسم مالك المبنى قد تغيّر مؤخرًا.”
اتسعت عينا “برييل” على نحو مفاجئ أمام ما قاله “إيدن” بصوت هادئ.
“لم أُخبَر بذلك. ثم لماذا أنت من يخبرني بهذه المعلومة بدلًا من…؟”
“لأني أنا المالك الجديد. كان أخي هو المالك الأصلي. لا أعلم إن كنتِ تعلمين، لكنه توفي مؤخرًا في حادث مؤسف.”
“مهلًا، الشخص الذي تعاملت معه ووقّعت العقد معه كانت سيدة مُسنة. وكان الاسم في الوثائق باسم امرأة كذلك، ولم يكن دوق ‘برادلي هيل’.”
لم تكد تنهي كلامها حتى نهضت “برييل” بسرعة واتجهت نحو قسم المحاسبة حيث تحفظ الوثائق.
كانت حركتها سريعة جدًا، لدرجة أن “إيدن” لم يجد وقتًا لطرح سؤاله التالي. وفي تلك اللحظة، جذب انتباهه شيء لم يكن متوقعًا.
(…؟)
كان طرف فستانها الأخضر المزرق، الذي يشبه لون عينيها، ممزقًا بشكل ملحوظ. وبينما كان “إيدن” يحدق فيه بدهشة، عادت “برييل” إلى الطاولة حاملةً العقد.
“تفضل، تحقق بنفسك.”
“…شكرًا لكِ. في الحقيقة، كنت أرغب برؤية الوثائق شخصيًا.”
“ما يحدث لا يبدو منطقيًا أبدًا.”
ورغم اضطرابها الواضح، جلس “إيدن” وبدأ يطالع الأوراق التي قدمتها له “برييل” بعناية. وعندما وصل إلى خانة التوقيع في الصفحة الأخيرة، احمرّت عيناه للحظة وجيزة، لكنه تمالك نفسه على الفور حتى لا تلاحظ “برييل” مشاعره.
“الاسم المكتوب هنا، ‘إيزابيل أتكينز’، هو اسم عمّتنا. كانت سيدة طيبة للغاية، لكنها توفيت منذ حوالي عشر سنوات.”
“توفيت؟”
هل يعني هذا أنني وقّعت عقدًا مع… شبح؟
بينما كانت “برييل” تحاول استيعاب كلام “إيدن”، واصلت نظراتها التحير، فأردف “إيدن” سريعًا:
“كان أخي يحب تقليد الآخرين منذ صغره. وكانت عمّتنا ‘أتكينز’ إحدى الشخصيات التي اعتاد تقليدها. لا أعلم بأي منطق اشترى مبنًى باسم شخص متوفى… لكنه فعل ذلك على ما يبدو.”
حتى أثناء شرحه، بدا أن “إيدن” لا يعرف كل التفاصيل هو الآخر، وكان في حيرة مماثلة. مرّر يده بين خصلات شعره التي تغطي جبهته وتنهد.
أما “برييل”، فقد بدأت تتذكر ملامح تلك السيدة التي قالت إنها المالكة.
رغم أنها ماهرة في التنكر، إلا أن فكرة أن رجلاً قويّ البنية في الثلاثين من عمره يمكنه التنكر كسيدة عجوز بدت بعيدة التصديق.
(هيا، تذكّري جيدًا… تلك السيدة كانت تُحدب كتفيها طوال الوقت. قالت إنها تشعر بالبرد، لكن تلك الوضعية تقلل من حجم الجسم فعلًا. وأوه، وبطانية الركبتين تلك، كانت تغطي…!)
لم تنهض “إيزابيل أتكينز” من مكانها طوال اللقاء. كانت تشكو مرارًا من صعوبة الحركة، وحتى عند الوداع بقيت جالسة.
اتضح أن كل ذلك كان تمثيلًا لإخفاء بنيته الضخمة. يومها، ظنت “برييل” أنها سيدة تعاني مشاكل حركية وقلقت لأجلها.
ومع اتضاح الصورة شيئًا فشيئًا، بدأت “برييل” تقتنع بأن من قابلته ربما كان بالفعل “برادلي هيل”.
لكن، لم تكن هناك حاجة لأن تشارك “إيدن” هذه النتيجة. فشخص عادي يصعب عليه إدراك إمكانيات التنكر بهذه الحرفية.
ولذا، أجابت ببساطة:
“…لا زلت لا أفهم ما يحدث تمامًا، لكن على الأقل، سأضع في ذهني أن مالك المبنى هو دوق ‘إيدن هيل’. هل هذا كافٍ؟”
“لدي سؤال واحد. أثناء حديثك مع ذلك الشخص، هل لاحظتِ أي شيء غريب؟ أعلم أن سؤالي قد يبدو غريبًا…”
“همم…”
حولت “برييل” نظرها قليلاً إلى الجانب وهي تسترجع ما جرى يومها. مهما حاولت، لم تتذكر شيئًا غير عادي في الحديث. كان لقاءً شكليًا لتوقيع عقود بين مالك ومستأجر فقط.
حدق فيها “إيدن” بعينيه العسليتين العميقتين طويلًا.
“لم يكن هناك شيء مميز.”
“…فهمت. شكرًا لإتاحتك الوقت لي.”
أومأ “إيدن” برأسه، ثم نهض فجأة وهمّ بالمغادرة.
وفي لحظة وضع يده في جيب معطفه ليتفقد ساعته الجيبية، شعرت “برييل” بشعور غريب، لكنه تلاشى بسرعة.
“إذا لم يكن هناك مانع، هل لي أن أسأل إن كنت تحقق في قضية دوق ‘برادلي هيل’؟”
سألته “برييل” فجأة بينما كان يفتح الباب نصفه، وكان ذلك نوعًا من التعبير عن دعمها.
فقد أصبحت وفاة “برادلي هيل” حديثًا منسيًا لا يتطرق إليه أحد. ومع ظهور أخيه وذكره له، تأجج في قلب “برييل” أمل خافت بأن هذه القضية الغامضة قد يُكشف عنها.
“لا، لست كذلك. إلى اللقاء.”
لكن “إيدن هيل” أنكر ذلك بوضوح وخرج من المكان بسرعة.
“ما هذا؟! تصرفه وكأنه يهرب!”
كما قال
“لقد صدرت للتو. انظري إلى الصفحة الأولى.”
“ولِمَ نُضيّع وقتنا في صحيفة تافهة كهذه…؟”
تنهّدت “أوكتافيا” بازدراء واضح وهي تُقلل من شأن صحيفة ميلر، ثم حولت نظراتها على مضض إلى حيث أشار والدها “ألكسندر” بأصبعه. وفي اللحظة التالية، امتلأت عيناها الخضراوان بالذهول والصدمة.
“لقاء سري بين دوق إيدن هيل والآنسة برييل تايلور؟ ما هذا العنوان المجنون يا أبي؟ هذا كذب محض! … انتظر، هناك صورة أيضًا!”
قرّبت الصحيفة إلى وجهها حتى كادت تلتهمها بنظراتها، تحدق فيها وكأنها تنوي إحراقها بنظرات الغضب.
وكلما دققت أكثر، تأكدت أن الصورتين في المقال تُظهران الأشخاص الذين تعرفهم تمامًا.
في الصورة الأولى، كان “إيدن هيل” دوق المقاطعة، وهو يدخل إلى المقهى. أما الصورة الثانية، الملتقطة إلى جانبها مباشرة، فقد كانت تُظهر “برييل تايلور” وكأنها تودّعه.
حتى في نظر “أوكتافيا” نفسها، لم يكن المشهد بعيدًا عن صورة حقيقية لعاشقين يتقابلان في الخفاء.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"