الفصل العاشر
لم يكن اللورد تايلور على دراية بمكيدة برييل، فارتعشت عيناه بدهشة وهو يرمش مراراً ثم نزع القبعة الحريرية الكبيرة الموضوعة فوق رأسه.
قال متلعثماً:
“أنا… أنا اللورد تايلور، يا دوق. كيف حالكم في هذه الأثناء؟ ما وقع مع الدوق السابق يبقى مؤسفاً كلما استذكرت الأمر. كنت قد أرسلت لكم رسالة سابقاً.”
ابتسم إيدن قائلاً:
“آه، اللورد تايلور. لقد تأثرت كثيراً بكلمات العزاء الدافئة التي أرسلتموها. وكنت على وشك أن أبعث برد قريباً، لكن…”
تلاشت كلماته فجأة، دون أن يشعر، إذ اتجه بنظره نحو برييل. فالتقطت زوجة اللورد ذلك بسرعة وفتحت فمها قائلة:
“لا تقل لي إن ما قالته ابنتي صحيح؟ هل حقاً تحمل مشاعر حب نحوك، يا دوق…؟”
“آه…”
كان من الصراحة أن يقول: أنا لا أعلم شيئاً عن ذلك. لم أتبادل كلمة واحدة مع ابنتكم.
لكن إيدن، المتمسك بالآداب والصرامة، لم يكن ليستطيع أن يجرح قلب امرأة أو يذلّها أمام الآخرين. فاختار رداً وسطياً:
“مهما يكن… ليس في نيتي الزواج. الآنسة تايلور تستحق أن تلقى شخصاً أفضل مني بكثير.”
كان ذلك رداً رقيقاً ورفضاً مهذباً في آن واحد، ورأى إيدن أنه جواب كامل. شعر بالاطمئنان ونظر إلى برييل طلباً للموافقة، لكن عندها حدث ما لم يتوقعه.
فجأة ترقرقت الدموع في عينيها الواسعتين، ثم انفجرت من بين شفتيها الحمراء كلمات لا تُعقل:
“لا يوجد أحد أفضل منكم بالنسبة لي، يا دوق. أنا وإن كنت مجرد واحدة من عشرات الفراشات التي تنجذب إلى زهرة وجودكم، إلا أنني، وقد ثملت بعطركم، لم أعد أملك حيلة ولا خلاصاً.”
“برييل! ما الذي تقولينه بحق السماء؟!”
مدّت زوجة اللورد يدها مسرعة لتكمم فم ابنتها، لكن برييل أفلتت بسهولة، وأكملت غزلها نحو إيدن.
وكان ما شجعها على ذلك هو ثقتها بنفسها بعدما اعتادت أسلوب الخطاب النبيل خلال حواراتها مع الأمير الثاني عشر.
قالت بلهجة جازمة:
“كلما خطرتم على بالي، يخفق قلبي كما لو كان سمكة خرجت لتوّها من البحر، تضطرب وترتجف! أتغضّون الطرف عن حالتي هذه حقاً؟”
تأوه عقل إيدن من هول هذا التشبيه الغريب، وشعر بالدوار لحظة. وخلص في نفسه إلى أن ابنة آل تايلور… قد فقدت عقلها. ومن الحكمة دوماً تجنّب المختلين.
فقال بنبرة جافة:
“إذا كان قلبك يخفق إلى هذا الحد، فالأجدر بك أن تزوري طبيباً.”
ثم استدار مبتعداً مسرعاً وكأنه يفرّ هارباً. ولم يدرك إلا حين وصل إلى قصره أنه رحل من دون أن يودّع اللورد وزوجته.
حدّق الزوجان إلى برييل بنظرات حادة، ووبخاها بضرورة ضبط سلوكها، ثم غادرا المقهى.
أما برييل فقهقهت بسخرية في داخلها:
(إذا لعبتها بمهارة، قد أستطيع التخلص تماماً من ضغوط الزواج. فطالما أنني استدرجت شخصاً أعلى مقاماً منهم، فلن يجرؤوا على رفع أصواتهم بوجهي.)
ومن تلك الناحية أحست بالذنب ـ ولو قليلاً جداً ـ تجاه الدوق هيل الذي استغلته.
(ليعتبر ذلك ثمناً لنظراته نحوي.)
فقد رأت بعينيها كيف قطّب إيدن جبينه حين شاهد تصرفاتها أمام والديها. في تلك اللحظة، حين ارتسمت على عينيه العسليتين التي كانت محايدة تماماً ملامحُ احتقار واضحة، شعرت بالغيظ.
(وما أدراك أنت؟ بأي حق تحدّق بي وكأني بهيمة؟)
لمعت في خاطرها رغبة بمجادلته، لكنها دفعتها جانباً؛ فالأهم كان التخلص من العقبة أمامها. لذلك تجاهلت الأمر ودخلت المقهى مجدداً.
(لن أستغل الأمر لوقت طويل، فلا بأس.)
لم يكن فعلها تعبيراً جدياً عن انتقام، بل مجرد فكرة خاطفة طبقتها على الفور من شدة يأسها.
“إذا كان قلبك يخفق إلى هذا الحد، فالأجدر بك أن تزوري طبيباً.”
تذكرت برييل كلمات الدوق هيل الأخيرة، التي احتوت مزيجاً من المشاعر، فتنهدت ضاحكة بسخرية.
الآن لم تعد فقط الابنة العاقة، بل أصبحت كذلك المرأة المختلة في نظر الناس.
عادَت إلى المقهى وتناولت العشاء مع أوكتافيا، وروت لها ما حدث للتو.
فاندهشت أوكتافيا من كل كلمة نطقتها برييل تجاه الدوق:
“أي أسلوب نبيل هذا؟! تلك مجرد طريقة كلام خاصة بالأمير برنارد وحده!”
“أوه، ليست كذلك؟ عجباً… لمَ إذاً عاملني الجميع كالمجنونة؟ اللورد وزوجته، وحتى الدوق هيل…”
“لماذا لم تسأليني أنا أولاً؟! أنتِ حقاً تفكرين بطرق غريبة وتصلين إلى نتائج عجيبة!”
التزمت برييل الصمت وخفضت بصرها لتفادي مواجهة صديقتها، مما جعل أوكتافيا تضحك بسخرية وتضيف بهدوء:
“صحيح أن الدوق هيل يستحق الاعتذار، لكن من حسن حظك أن هراءك صدّقه اللورد وزوجته. إنهما حقاً بائسان، لم يسعيا وراءك طوال الوقت، ثم فجأة يفكران بإرسالك إلى هاتويك!”
قالت برييل بتأفف:
“لقد وجّهوا لي ضربة قاسية هذه المرة. حقاً، لا أحد ينافس دناءة أهل بيركشاير.”
فأجابت أوكتافيا:
“لا، لستِ محقّة. إن أخذت الأمر بجدية فستتمكنين من هزيمتهم بسهولة.”
اكتفت برييل بابتسامة واسعة تكشف أسنانها، كمن يخطط لشر. فقشعر بدن أوكتافيا قائلة:
“ابتسامتك هذه تشبه شيطاناً!” وأخذت تفرك ذراعيها مراراً.
تذكرت أوكتافيا فجأة:
“آه، صحيح. ألم تقولي إن لديك سؤالاً لي؟”
“بلى. هل تعرفين البارون بوار؟ سمعت أنه مشهور هذه الأيام في مجتمع النبلاء.”
“طبعاً! إنه زهرة الحفلات مؤخراً. كأنه النموذج الأمثل للشباب الوسيم.”
سرّ برييل سرعة جواب أوكتافيا التي تدفقت كلماتها كما لو كانت من صندوق أسرار، فابتسمت راضية، ممتنة لصديقتها التي تشبه كنزاً من المعلومات.
وبينما لم تشك أوكتافيا مطلقاً بابتسامة برييل، أخذت تسرد عليها بمعلوماتها الواسعة، فهي ابنة صاحب صحيفة بعد كل شيء.
“يقال إن الكثير من النساء وقعن في سحره. قدمن له الجواهر، والعربات، والأموال، وأغدقن عليه كل شيء.”
“بهذا القدر؟! أليس ذلك أشبه بمهر زواج؟”
“واو، ذكية كالعادة! في الواقع هناك شائعات لم تنتشر بعد تتعلق بالبارون بوار. والحكاية تقول…”
وأثناء إصغاء برييل، بدأ قلبها يخفق بعنف مثل السمكة المنتفضة التي شبّهت بها نفسها آنفاً.
—
في ساعة الفجر المبللة بالندى، كان البارون أندرو بوار عائداً إلى قصره وهو يدندن بمرح.
وكانت سعادته لأمر واضح: فقد اصطاد اليوم امرأة جيدة من متجر المجوهرات المعتاد لديه. ملامحها مقبولة، لكن الأهم أن ثروة عائلتها أبهجته بلا حد.
تظاهرت تلك المرأة بالممانعة، لكنها في ختام الحديث أرسلت إليه نظرات عشق صريحة. افترقا على وعد بلقاء جديد، بملامح يكسوها الأسف.
امتلأ صدر البارون أملاً في أن يتمكن قريباً من استدراجها أكثر والحصول منها على سفينة فاخرة مثلاً.
(إلى هذا الحد فقط، ثم أغادر العاصمة فوراً!)
غارقاً في أوهامه، أسرعت خطواته حتى بلغ قصره.
“عدتم، يا سيدي البارون.”
“أجل، أجل.”
تجاوز بوار خادمته دويلي وصعد مباشرة إلى غرفة نومه في الطابق الثاني. وما إن دخل حتى اجتاحه تعب النهار دفعة واحدة.
“سيدي البارون، هل أعد لكم ماء الاستحمام؟”
“جهّزيه لحين استيقاظي. اذهبي الآن.”
“حسناً. إذن، ليلة سعيدة.”
عادة ما كان البارون يلقي ابتسامة مصطنعة على خادمته المهذبة، لكنه اليوم كان مرهقاً للغاية حتى عن ذلك.
لم يكلّف نفسه حتى عناء فك رباط العنق الأنيق الذي كان يرتديه، بل ألقى بجسده على السرير مباشرة.
(لم أنا متعب إلى هذا الحد؟ آه صحيح، لقد استهلكت الكثير من طاقتي في بداية محاولتي إغواء تلك المرأة…)
امرأة أنيقة المظهر، لا شك أنها ابنة عائلة ثرية. اقترب منها البارون مبتدئاً بابتسامته الساحرة ـ سلاحه المفضل.
ورغم أنها في البداية صدّته بجدار من اللامبالاة والاحتقار، إلا أنها في النهاية رضخت لإلحاحه. بل راحت لاحقاً تسرد له تفاصيل حياتها بنفسها.
قالت الفتاة بخجل وهي تخفض رأسها:
“أنا الابنة الوحيدة لعائلة تجارية عدتُ لتوي من بلدٍ آخر إلى دوقية بيركشاير. وهذه هي زيارتي الأولى للعاصمة، وقد بدا لي البارون وسيماً للغاية… لذلك ضاعت مني بعض الإجابات خجلاً. أرجو أن تسامحني بسعة صدرك.”
ما إن ذكرت أنها من عائلة تجارية، حتى صاح البارون بوار ابتهاجاً في داخله.
ابنة لعائلة من طبقة الجنتري الثرية، رغم أنهم بلا لقب نبيل! إنها الفريسة المثالية التي تنطبق عليها جميع الشروط التي يبحث عنها.
وزاد من فرحته أنها الابنة الوحيدة. أي أن ما قد يقدمه أهلها من أموال سيكون وفيراً جداً. كبح البارون ابتسامة كادت أن تنفلت من طرف شفتيه، وحاول أن يبدو أكثر رقةً معها.
وبالفعل، مع اقتراب نهاية الحديث، حصل على وعدٍ صريح بلقاء جديد.
قالت الفتاة:
“لنلتقِ سريعاً مجدداً، يا سيدي البارون.”
فأجاب مبتسماً:
“بالطبع يا آنسة بايكر.”
أضافت وهي تميل برأسها بخجل:
“لكن… أتمنى أن نكون وحدنا في المرة القادمة.”
تذكّر البارون ذلك المشهد المذهل، حين كشفت الفتاة عن رغبتها بخفر، فغرق في سحر اللحظة. ومع هذا الخاطر الحالم، انحدر ببطء إلى عالم النوم العميق.
ولم يمضِ سوى خمس دقائق تقريباً…
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"