7
أرخى أوربيس أصابعه التي كان يتظاهر بأنها تحجب عينيه، ثم ابتسم ابتسامة عريضة وهو يسحب لوسيا من كتفها.
“أختي، لنخرج. ليس وقتًا مناسبًا لقطع أجوائهم.”
“لا، بل هو وقت جدًا مناسب للقطع… أُغم!”
في لحظة، اختفيا معًا وأُغلق الباب خلفهما بعنف.
تنفّس فيدلر بفتور وهو يحرر ياقة سينييل من قبضته، ثم تراجع خطوة وهو يسوّي ملابسه.
“لماذا برأيك ظهرت أختك في هذا التوقيت الحساس؟”
“هل تظن أنها عرفت؟ لا تُلصق الأمور بها. ولا تفتعل اتهامات.”
أرخى فيدلر رموشه الطويلة وأنفاسه مثقلة بالضجر.
“هل أختك عزيزة عليك إلى هذا الحد؟”
“نعم. إنها أثمن شخص عندي. أثمن من حياتي ذاتها.”
قالها سينييل بصدق مطلق لم يُظهره من قبل.
وبينما كان فيدلر يحدق فيه، غاصت عيناه في سكون عميق.
“على أي حال، تعال إلى العاصمة أولًا. هناك تحقيق ينبغي القيام به. أما الإجازة… ففكر بها لاحقًا.”
تمتم فيدلر بصوت متعب قبل أن يغادر الغرفة بخطوات خشنة.
—
كنتُ أقف في الحديقة، أترقب بخوف خروج الرجل الذي قيل إنه قائد سينييل من المنزل.
“ما الذي كان بينهما بالضبط؟”
لقد بدا الاثنان على درجة كبيرة من القرب، لا يشبه الأمر علاقة قائد بجندي.
‘قال إنه ملكه. وتحدث عن طاعة… أي قائد عادي يقول مثل هذا؟’
حاولت الاستفسار من أوربيس بعد أن جرني بعيدًا، لكنه قال إنه لا يستطيع البوح بشيء.
وبعد قليل، خرج الرجل ذو العينين الحمراوين من الباب مع مرافقه.
اقترب مني عمدًا وخاطبني:
“حتى لو أنكر سينييل، فلن تنطلي عليّ. هل تنوين الآن أن تتطفلي على أخيك؟ كيف تجرؤين على مد يديك إلى تابعي؟”
حتى أمامي، أظهر ذلك الاستحواذ المفرط على سينييل.
كان الأمر مدهشًا، لكنني قابلته بهدوء أكبر، مثبتة نظري عليه.
“وما الذي تفكر فيه أنت بالضبط؟”
“ماذا؟”
“لقد تجاهلت رغبة سينييل بوضوح. هل تضغط عليه بسلطتك؟ أم أن لديك ما تبتزه به؟”
ازداد بريق عينيه الحمراء قسوة وهو يحدق بي، كقطرات دم تلمع ببرود.
‘هل يجب أن أظهر خوفًا؟ لا… يجب أن أوصل له أن لا يمس سينييل بسوء.’
ثبتُّ في مكاني، وعندما لم أبدُ مرعوبة، ارتسمت على وجهه ملامح الدهشة. اقترب خطوة.
“سينييل مدين لي. وهو الآن يسدد الدين بجسده، ملازمًا إياي.”
“بجسده؟! ماذا تعني…؟”
اتسعت عيناي من وقع عبارته الموحية.
لم أستوعب مراده، وبقيت شفتاي نصف مفتوحتين، بينما مضى الرجل من أمامي ببرود، كأنه كان يتوقع رد فعلي.
—
في المساء، كان الطبق الرئيس لحم غزال اصطاده أوربيس بنفسه من الغابة.
لكن يدي لم تتحرك لتلمس الطعام.
‘بجسده… ما معنى ذلك بحق السماء؟’
بينما أحدّق باللحم أمامي في شرود، تناول سينييل السكين بدلاً مني وبدأ يقطع الطعام.
“أختي، هل هناك ما يشغلك؟ تبدين كثيرة التفكير.”
“ذلك الرجل… من كان؟ بدا كنبيل.”
“صحيح. كان قائدي المباشر.”
تنهدت وأنا أراقب يده وهي تتحرك بالسكين.
أردت أن أسأله مباشرة عن معنى كلام ذلك الرجل، لكن لساني لم يطاوعني.
‘إن كان يخفي الأمر عني، فلا بد أن له سببًا وجيهًا. لن أنبش ما قد يؤذيه.’
منذ رحيل والدينا، قضينا زمنًا أطول متباعدين مما قضيناه معًا.
رأيت أن الأفضل أن أبحث عبر شبكتي الخاصة، بدلًا من الضغط على سينييل.
عند هذا الحد، توقفت عن التفكير وأخذت قطعة لحم من التي قطعها لي، وأدخلتها إلى فمي.
“سينييل، أظن أن عليّ الذهاب إلى العاصمة لبعض الوقت.”
“هاه؟ حقًا؟ رائع، لدي عمل هناك أيضًا. يمكننا أن نذهب معًا.”
“أنت أيضًا؟ ما الأمر فجأة؟”
“آه… لديّ شخص يجب أن أقابله.”
ابتسم سينييل ابتسامة متكلّفة وأخفى التفاصيل.
مجرد أن يقول إن الأمر طارئ هكذا، بدا واضحًا أن له علاقة بالرجل الذي جاء في النهار.
‘سيكون بخير… أليس كذلك؟’
كنتُ أخطّط أنا أيضًا للذهاب إلى فرع ريفن الأساسي للمعلومات في العاصمة، لذلك أقلقني الأمر قليلًا.
لكن بما أن سينييل بدا مسرورًا بفكرة أن يزور العاصمة لأول مرة، لم أستطع منعه.
في اليوم التالي، انطلقنا مباشرة نحو العاصمة. استغرقت الرحلة بعربة الخيول نصف نهار وزيادة قليلة.
ولم يكن علينا القلق بشأن مكان الإقامة، إذ كان لأوربيس منزل هناك غير بعيد عن المركز.
كان منزلًا بطابق واحد، لكنه يضم أربع غرف، وهذا يكفي لأجلي ولأجل سينييل وأوربيس لنسكن معًا.
بعد أن فككنا أمتعتنا في غرفنا الخاصة، اجتمعنا في غرفة المعيشة.
وبينما كنا نحتسي الشاي الذي يساعد على إرخاء التعب، تحدّث سينييل عن جدول أعماله:
“أنا وأوربيس سنخضع لتدريب، لذا سنخرج فجر كل يوم. مدة التدريب خمسة أيام. وخلالها سأرتّب لكِ حارسًا يرافقك يا أختي.”
أسرعتُ أُومئ بالرفض عند سماعي كلمة “حارس”.
فلو التصق بي حارس استأجره سينييل، فكل تحركاتي ستُرصد، وهذا سيقيدني كثيرًا.
“لا حاجة لذلك. في العاصمة هناك حواجز وقائية، ما الذي قد يحدث أصلًا؟”
“لكن يا أختي، لم تمكثي بين حشود منذ وقت طويل. يقلقني هذا.”
“على أي حال، يجب أن أعتاد على ذلك. سأجرّب بنفسي. ثم إن وجود شخص يلاحقني مزعج.”
“إن كان هذا ما تريدينه… حسنًا.”
ظننت أنه سيُصرّ، لكنه وافق بسرعة غير متوقعة.
‘هل يخفي نوايا أخرى؟’ راودني الشك، لكنني ارتحت أخيرًا.
“سأذهب لأنام، أنا متعبة.”
“نعم، أحسنتِ اليوم.”
“نوماً هنيئًا، يا أختي!”
طمأنتُ الاثنين بأني سأنام مبكرًا، ثم دخلت غرفتي.
لكنني ظللت مستلقية على الفراش، محتبسة أنفاسي حتى مضى الليل ببطء.
—
مع بزوغ الفجر في اليوم التالي،
أخيرًا سُمعت حركات خافتة في الخارج، سينييل وأوربيس يتهيآن للخروج.
ما إن أغلقا الباب حتى أزحت الأغطية وقفزت من السرير بخفة، وخرجت من الغرفة، ثم من المنزل.
أخرجت رأسي بحذر أستكشف الطريق. ولحسن الحظ، كنا قريبين من السوق، لذا كان هناك أناس يتنقلون حتى في هذا الوقت المبكر.
اختلطتُ بينهم وأخفيت جسدي، متتبعةً من بعيد ظلّ سينييل وأوربيس.
وبما أنني محوت أي أثر لوجودي بعناية، فلم يكن هناك احتمال أن يلاحظاني.
لكن المشكلة ظهرت سريعًا.
فالوجهة التي قصداها لم تكن سوى القصر الإمبراطوري. لا يدخل أحد هناك إلا بعد إبراز تصاريح وزيادة على ذلك يخضع لفحص هويّة صارم.
“لا يمكنني تتبعهما هناك…”
توقفتُ في مكاني، متصلبة.
كنتُ أنوي ما دمت في العاصمة أن أرى بعيني ما يفعله سينييل. لكن الخطة انهارت.
“إذن، ليس أمامي إلا فرع المعلومات…”
أخذتُ ألوّح برأسي يمنة ويسرة، محاوِلة تبديد شعور الفراغ، ثم جلست على مقعد ألتقط أنفاسي.
“آه… الجو حار.”
الفصول كانت تتبدّل. لوّحت بيدي كالمروحة أُهوّي على وجهي وأمسح العرق، لكن سرعان ما انتبهت إلى الشخص الجالس على المقعد المجاور.
كان يخرج أغراضًا من عدة حقائب ضخمة ويفرشها أمامه.
‘بائع جوّال؟’
كانت حركة يدي البائع خفيفة وسريعة على نحوٍ غريب، فبقيت أراقبه بدهشة، لكنه استدار نحوي فجأة وبنبرة ضجر قال:
“قفي في الصف. لا يمكنني أن أبيعك من هناك.”
“أي صف تقصد؟”
“…إن كنتِ لا تعرفين، فلا تسألي.”
وبينما كان يُرتّب بضاعته، بدأ أشخاص لا أدري من أين ظهروا يتجمعون من حوله.
بل وامتد صف طويل، طويل لدرجة أن نهايته لم تُرَ.
العجيب أن جميع الواقفات في الصف كنّ نساء.
منهن من أخفين وجوههن، ومن تنوعت ملابسهن بشكل يوحي أن الصف لا يميز بين مكانة أو طبقة اجتماعية.
حتى وأنا أراقب، ظل الصف يزداد طولًا.
وفي النهاية لم أستطع مقاومة فضولي، فالتحقت به ووقفت في آخره.
انتظرتُ طويلًا، وحين حانت لحظة وصولي بما يكفي لرؤية ما يُباع من فوق كتف إحدى السيدات أمامي،
‘ما هذا بحق السماء!’
وضعت كفي بسرعة على فمي كي لا أصرخ.
وبينما أحاول تهدئة خفقان قلبي الهائج، تمتمتُ في نفسي:
“سينييل… لماذا هو هناك؟”
“هشش! لا يجوز أن تذكري أسماء هنا. هذا محرّم.”
أسرّت لي المرأة التي كانت خلفي بصوت منخفض محذّرة.
“إنها المرة الأولى لكِ؟ إذن أنتِ محظوظة جدًا. ذاك الرجل رسّام مشهور. لمسته دقيقة جدًا ولا يفوّت أي تفصيلة. لذلك بطاقاته البريدية تُباع حتى في السوق السوداء.”
نعم، بطاقات بريدية!
السبب وراء هذا الطابور الطويل هو شراء بطاقات بريدية مرسومة عليها وجوه بعض الرجال… ومن بينهم سينييل.
لم يكن وحده، بل كان أيضًا ذلك الرجل الذي جاء إلى منزلنا، أي رئيسه المباشر، ومعه آخرون.
لكنّ بطاقات سينييل كانت الأوفر عددًا والأكثر مبيعًا بلا منازع.
“لن تشتري؟”
انتبهتُ لأجد أن دوري قد حان بالفعل.
واجهتني نظرات مستعجلة تطلب مني الاختيار بسرعة وإفساح المجال. فوقفت في حيرة كبيرة.
“كم السعر؟”
“الوجه فقط بخمسين ألف جيري. النصف العلوي من الجسد بثمانين ألف. الجسد الكامل بمئة وخمسين ألف. أما الملونة فعشرين ألفًا إضافية.”
بل وكانت باهظة الثمن!
والأسوأ أن الصور نصف الجسد أو الكاملة لم تكن إلا لرجال شبه عراة!
انقبض وجهي بشدة، وراودني شعور عنيف برغبة في طمس وتغطية كل تلك المساحات الجلدية المكشوفة في بطاقات سينييل.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "7"