6
“آه…”
استعدت وعيي وسحبت يدي سريعًا، محاوِلة البحث عن موضوع يثير اهتمام الطفل.
“قلتِ قبل قليل ‘الاتحاد’، ما ذاك؟”
“الاتحاد هو جماعة اجتمعت لأنها تحب الأخ سينييل.”
“ولماذا يوجد شيء كهذا؟”
“لأنه وسيم!”
‘أيعقل أنه إن كان وسيمًا يتشكل تجمع على مستوى الإمبراطورية كلها؟ وحتى طفلة كهذه تنضم؟’
بينما كنت أعجز عن الفهم، كانت الطفلة تنظر إليّ بالوجه ذاته الذي يقول إنها لا تستطيع فهمي. ثم سألتني:
“لكن من تكونين أنتِ يا أختي؟ هل أنتِ حبيبة الأخ سينييل؟”
“مجرد معرفة.”
“إذًا لستِ حبيبته، صحيح؟”
أومأت برأسي، ثم أشرت إلى سلة البيض الثقيلة التي كانت الطفلة تحملها بكلتا يديها.
“هل تبيعينها لي من الآن فصاعدًا؟ عندها يمكنك الدخول من الباب الرئيس، بل وفي الأيام الجيدة قد ترين سينييل أيضًا. ما رأيك؟”
“وااه! حقًا؟ رائع جدًا! سأربي الدجاج كل يوم بعناية وأجلب لكِ أقوى البيوض! اسمي إيريبيل، أيتها الأخت الجميلة!”
يبدو أن اقتراحي راق لها، فقفزت في مكانها مبتهجة وهي تعرّفني بنفسها. ثم أسرعت تقول إنها ستذهب حالًا لتفقد الدجاج، وركضت مبتعدة بخطوات سريعة.
وقفت أرقب اختفاءها، وقد توترت حواسي فجأة.
‘ثلاثة وراءنا. أحدهم أوربيس… ومن الاثنان الآخران؟ سينييل غير موجود.’
لقد ظهروا أثناء حديثي مع إيريبيل، وظلوا يتابعون حديثنا كله بصمت.
حين أمسكت الخريطة التي كنت قد وضعتها متظاهرة بعدم الاكتراث، ناداني أوربيس من خلفي.
“أختي! رائع حقًا. لم أرَ من قبل إيريبيل بتلك السعادة.”
فتظاهرت بالدهشة على وقع صوته، والتفت نحوه.
“متى جئت؟ ومن هؤلاء بجوارك؟”
كان أحدهما عاديًّا أقرب إلى رجل بسيط، لكن الآخر لم يكن كذلك البتة.
شعرت منه بحدةٍ كالسيف المصقول، فأثار فضولي من يكون، فإذا به رجل أراه لأول مرة.
رجُل بملامح وسيمة وعينين حمراوين كالدم، كان يحدق بي بتمعّن من جوار أوربيس.
كانت نظراته دقيقة متفحصة.
“أظن علي أن أسأل أنا. أوربيس، من هذه؟ هل أدخلتَ امرأة إلى بيتي؟”
“مستحيل! إنها أخت سينييل يا سيدي. قالت إنها تحتاج مكانًا تقيم فيه بعض الأيام، فجاء بها سينييل.”
‘إذن، هذا هو صاحب المنزل…’
تملكني شعور غريب بالألفة، وما إن سمعت صوته حتى أيقنت.
إنه الرجل ذاته الذي واجهته أثناء تنفيذ المهمة الأخيرة.
‘ما الذي يفعله هنا؟ لا يمكن أن يكون قد تعرّف عليّ، أليس كذلك؟’
أقنعت نفسي أنه لا يمكن أن يربط بيني الآن وبين شخصية “الأمير”، لكن قلبي خفق بعنف.
مشكلته ليست في هويته المجهولة وحسب، بل في أنه يعرف سينييل. وذلك كان أخطر.
خفت أن ينكشف أمري أمام سينييل.
“وجهك مألوف… ألسنا قد التقينا من قبل؟”
ويبدو أنه هو الآخر قد شعر بشيء، فاقترب مني أكثر، وحدق في عيني مباشرة، وسأل بنبرة ضاغطة:
“لا. هذه أول مرة.”
أجبت ببرود، محافظة على هدوء مظهري.
لحسن الحظ لم يُلحّ الرجل بالسؤال، بل بدا كمن فقد الاهتمام، ومضى نحو القصر.
“أختي، لنتحدث لاحقًا.”
تبعه أوربيس بخضوع واضح، كأن للرجل شأنًا أعلى منه.
أما أنا، فبقيت وحدي، أتنفس الصعداء، لكن قلقي لم يفارقني.
“من يكون بالضبط؟ وما علاقته بسينييل؟ ثم… أهو حقًا ذاك الرجل الذي التقيت به في تلك المهمة؟”
ارتبكت أفكاري.
‘لماذا يتواجد من جاء ليسرق خريطة المدينة العظمى إلى جانب سينييل؟’
بدأت أتساءل إن كان عليّ أن أبحث عن شخص يستقصي الأمر، ثم خطرت لي فجأة فكرة أن بينديلك كان في الخارج حاليًا.
“فلنستمع إلى حديثهم.”
قررت أن أُقدّم الشاي وأترقب ما يدور بينهم، لأعرف حقيقة العلاقة بين ذلك الرجل وسينييل.
—
ما إن ابتعدت لوسيا، حتى التفت مساعد فيدلر، المدعو روي، بنظرة جانبية إليها ثم سأل فيدلر:
“ما الأمر يا سيدي؟ إن جلالتك تبدي اهتمامًا بامرأة؟! هذه أول مرة تبادر بالكلام مع إحداهن.”
“ليست مسألة اهتمام. الأمر فقط أن ملامحها مألوفة جدًا. تلك العينان الزرقاوان الوقحتان الجريئتان.”
“…عفوا؟ صحيح أن مظهرها مميز، لكن لم أشعر بذلك. أليست أقرب إلى أجواء نقية بريئة؟”
“بريئة؟ يبدو أن بصرك أعمى.”
لم يُخفِ فيدلر نبرة الاستهزاء، وهو يفك أزرار قميصه المشدودة حتى العنق.
“همم، هل نحقق في أمرها؟”
“يكفي. لعلها فقط تشبه سينييل.”
ألقى سكرتير فيدلر نظرة جانبية نحو لوسيا مجددًا، لكنّه لم يشعر منها بما شعر به سيده.
“على كل حال، أوربيس، لمَ جلبت أخت سينييل إلى هنا؟ هذا ليس ملعبًا للأطفال.”
كان المكان في الواقع مخبأً سريًا لفيلق فرسان فيدلر المباشرين.
تكدست في مكتبته وثائق سرية لا يجوز كشفها لأي حال.
ارتبك أوربيس تحت نظرة فيدلر القاسية، وقال معتذرًا:
“لم أفعل سوى أن سينييل أحضرها بنفسه… راقبتها بضعة أيام، إنها بريئة لا تعلم شيئًا عن الدنيا! ستبقى لأيام قليلة ثم ترحل، فلن يترتب أي ضرر.”
ثم أضاف متوسلًا:
“أرجوكم، سيدي، فقط لبضعة أيام. لم أرَ سينييل سعيدًا إلى هذا الحد من قبل.”
“…هُه.”
زفر فيدلر بانزعاج، ثم دفع باب غرفة سينييل بعنف.
كان سينييل يتصفح بعض الأوراق، فمرر يده في خصلات شعره الفضي التي تتلألأ تحت أشعة الشمس، ورحب به بهدوء.
“وصلتم؟”
“وأنت تعلم بمجيئي ولا تكلّفت عناء الخروج لاستقبالي؟”
قطّب فيدلر جبينه بشدة، واقترب بفظاظة من سينييل الجالس عند النافذة. ثم مد أصابعه الطويلة وأمسك ذقنه، يقلب وجهه بين يديه.
“وجهك يبدو بحال أفضل.”
“ألستُ في إجازة الآن؟”
“أنا لم أمنحك إجازة.”
ابتسم سينييل بوجه مشرق وهو يرد:
“لا يوجد عمل عاجل الآن، فدعني أستريح قليلًا. إنها أول إجازة لي.”
“ظهر عمل عاجل.”
“وما هو؟”
تصلبت ملامح سينييل فجأة بالجدية، فترك فيدلر ذقنه وأجاب:
“ملكة ريفن ماتت. سيحدث تغيير في ترتيب النقابات. وقد يتحول الأمر إلى صراع قوى.”
“ماذا؟ فجأة؟ هل كانت جريمة قتل؟”
“لا نعلم بعد.”
“ومن سيصبح سيد النقابة بعد ذلك؟”
“الأرجح الأمير. إن لم تحدث مفاجآت. ليس ذلك فحسب، بل إن تحركات سَيوندل مريبة. يبدو أنه يطمع في الخريطة.”
“…ولماذا بالذات حين أطلب أول إجازة في حياتي، يعمّ الفوضى الجميع؟”
صرخة سينييل المقهورة قوبلت باهتزاز كتفي فيدلر بلا مبالاة.
“على كل حال، إجازتك ملغاة.”
أخرج فيدلر طلب الإجازة الذي كان قد دسّه في جيبه، ومزقه أمام عيني سينييل معلنًا.
لكن سينييل لم يتراجع، بل مد يده إلى المنضدة بجانبه وسحب أوراقًا أخرى.
“كنت أعلم أنك ستفعل ذلك، فأعددت نسخًا أخرى. لي الحق أن أرتاح أيضًا!”
“سينييل!”
فقد فيدلر أعصابه وأمسك ياقة سينييل بعنف. بدا المشهد خشنًا، لكن بالنسبة لرجلين قضيا حياتهما يقاتلان جنبًا إلى جنب في ساحة الحرب، لم يكن ذلك إلا شجارًا عاديًا.
“لأن أختي هنا. هذه المرة لا أستطيع أن أتنازل.”
“لقد رأيتها قبل قليل. ألا تشعر أن الأمر مريب؟ لماذا ظهرت فجأة؟”
ابتلع سينييل ريقه بعصبية.
“لقد انفصلنا عشرة أعوام كاملة. لا تثق بها تمامًا. تحت ستار الأسرة، ستستغلّك.”
“لا تتهم أختي بالباطل.”
بردت نظرة سينييل وهو يواجه فيدلر الذي كان يسيء الكلام عن لوسيا.
ضحك فيدلر ساخرًا وهو يلتقط تلك النظرة الجليدية.
“باطل؟ إذن، ماذا كانت تفعل بينما كنت تُرمى أنت في بيوت الغرباء؟”
في الحقيقة، كانت خلف تبنّي سينييل قصة خفية.
لقد كان عليه أن يحل محل وريث العائلة، ويشارك باستمرار في الحروب.
نجا من الموت مرات عديدة، ودائمًا ما كان يخرج حيًا بفضل قتال مشترك مع فيدلر.
تلك قصة لم تكن لوسيا تعرفها.
شدّ فيدلر ياقة سينييل أكثر، وتمتم بنبرة ثقيلة:
“لا تنسى. أنت ملكي. لقد أقسمت أن تطيعني.”
لم يكن فيدلر يطمع في الممتلكات أبدًا، لكن مع الأشخاص الذين اعتبرهم “خاصة به”، أظهر تعلقًا يصل حدّ التملك.
وعدد من وصفهم بلفظة “ملكي” لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكان أكثر من وثق به بينهم هو سينييل.
لذا نطقها كما اعتاد: “أنت ملكي.”
لكن ما إن قالها، حتى دوى خلفهما صوت ارتطام صاخب.
التفت كل من سينييل وفيدلر في اللحظة نفسها.
“ما هذا؟”
عبر الفجوة التي تركها فيدلر مفتوحة حين دخل دون أن يغلق الباب، ظهر وجه لوسيا.
وكان الصوت المدوّي مجرد سقوط ملعقة الشاي من الصينية التي كانت تحملها.
بدت ملامح لوسيا متجمدة في مكانها، وفوق كتفها كان يُرى وجه أوربيس الذي غطّى عينيه بكفيه المفتوحتين من بين الأصابع.
“كنتُ فقط أنوي إحضار الشاي…”
دارت عينا لوسيا الكبيرتان بين الأمير وسينييل ذهابًا وإيابًا.
سينييل كان جالسًا على حافة النافذة، وفيدلر قد قرّب وجهه أكثر من اللازم إليه.
قميص سينييل نصف مفكوك، وياقته ممسكة بين أصابع فيدلر وهو يميل بجسده نحوه.
كان المشهد كله كافيًا لأن يوقع أي ناظر في سوء فهم.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "6"