19
“أنا أيضًا يجب أن آكل شيئًا.”
على الأقل ما زال لدي بعض السندويشات التي أعدّها لي الخادم صباحًا، لذا سأكتفي بها الآن.
لكن الغداء والعشاء كانا مشكلة.
من حسن الحظ أنني أحضرت الدجاجة معي، لذا يمكنني تناول البيض كل يوم.
“كانت أمي دائمًا تبحث عن المكونات من حولنا لتطبخ بها. عليّ أن أتفقد المكان.”
إن كنت سأطهو طعامي بنفسي من الآن فصاعدًا، فلا بد أن أبدأ بتفقد ما حولي، لذا خرجت إلى الخارج.
لم أتوقع أن أجد أحدًا هناك، لكن مع ذلك فتشت المكان بحذر شديد.
داخل الحاجز السحري لم أجد أي أثر لحيوان.
لكن المدهش أن آثار أقدام البشر كانت أكثر مما توقعت.
ومع ذلك، بدت آثارًا متقطعة لا تستدعي القلق.
“هذا مطمئن. طالما يمر الناس من هنا، فقد يأتي الزوار أيضًا.”
بعد أن أنهيت الاستكشاف، جمعت بعض الأعشاب والأغصان الجافة لإشعال النار.
ثم تجولت في الغابة بحثًا عن شيء يصلح للطهو.
ربما لأن المكان مهجور منذ زمن طويل، فقد قفز أمامي أرنب صغير الشكل على نحو لطيف.
رفع أذنيه بفضول ونظر إليّ، فابتلعت ريقي.
“هل آخذك لعشاء الليلة؟”
ترددت بجدية، لكنني قررت ألا أقتل أي كائن في هذا المكان، فتركته يرحل بهدوء.
أردت أن أغسل عن يدي رائحة الدم التي ما زالت ترافقني من الماضي، ولو هنا على الأقل.
“…سآكل الأعشاب فقط.”
عندما تفقدت الغابة، وجدت حولي نباتات وأعشابًا وثمارًا وأعشابًا طبية يمكن تناولها.
يبدو أنه لن يكون من الصعب إيجاد طعام في الوقت الحالي.
قطفت سلة كاملة من مكونات السلطة التي سأتناولها على العشاء، وغسلتها جيدًا بماء النبع أمام الكوخ.
كان الماء الجاري صافياً وبارداً، فملأت كفيّ وشربت قليلاً، لأتفاجأ بطعمه.
“حتى الماء هنا لذيذ.”
هل أحتاج حقًا إلى إعداد مشروب خاص؟ فكرت أن هذا الماء قد يُباع جيدًا كما هو، فملأت منه بعض الأواني.
بعد يومٍ قضيتُه في تفقد ما حولي، تناولت العشاء وتمددت في السرير مبكرًا.
في الخارج، كان المطر الغزير يهطل منذ أوائل المساء.
أغمضت عينيّ وأنا أستمع إلى صوت المطر المنهمر على السقف كأنه تهويدة.
لكن فجأة، شعرت بشيءٍ ما من بعيد.
‘من هناك؟’
ظننت في البداية أنه حيوان بري، إذ إنني دائمًا أبقي حواسي متيقظة، لكن مع اقترابه أدركت أنها خطوات إنسان.
قفزت واقفة بسرعة وأطفأت الشمعة. ثم التصقت بالجدار، مختبئة في الظلام أراقب ما يحدث.
بعد لحظات، فُتح النافذة بصوت خافت.
وقفز أحدهم من خلالها مباشرة إلى داخل كوخي.
‘لص؟’
من الغريب أن أواجه متسللًا بعد يومين فقط من وصولي إلى هنا.
لا أعلم ما الذي يريد فعله في مكان لا يوجد فيه ما يُسرق، لكنني عقدت العزم على ألا أتركه يفلت، فأمسكت بالسكين الصغيرة بإحكام.
لكن المتسلل لم ينظر حوله حتى، بل اتجه مباشرة نحو الأريكة.
كانت حركاته مألوفة للغاية، وكأنه صاحب المكان نفسه.
ثم مد يده تحت الأريكة وأخرج بطانية ليتغطى بها.
‘كانت هناك بطانية هناك؟’
من طريقته بدا أنه ليس لصًا، بل ربما مشرّد اعتاد النوم سرًّا في كوخي.
لم يكن غريبًا أن يحدث ذلك ما دام المكان مهجورًا منذ مدة طويلة.
قفزت عليه فورًا، وأحكمت السيطرة عليه بينما وضعت نصل السكين على عنقه.
“آه! آه! كيف تكونين هنا أيضًا؟ ابتعدي حالًا!”
اتسعت عيناه رعبًا، وكأنما رأى شبحًا، ومد يده نحوي.
لكن من أطراف أصابعه انبعث ضوء أبيض أحاط بي.
‘ما هذا؟’
فكرت إن كان عليّ أن أتفاداه، غير أنني لم أشعر بأي نية للقتل منه. بل كان دافئًا، مريحًا.
“كيف تتحملين هذا؟ ألستِ شبحًا؟ أأنتِ… إنسانة؟”
“كما ترى.”
دفعت السكين أقرب إلى عنقه وسألته:
“من أنت؟ هل أنت ساحر؟”
قلة قليلة من الناس يُولدون بقدرات خاصة، وأندرهم من يملكون سحرًا.
حتى أثناء عملي في النقابة نادرًا ما رأيت ساحرًا، فكيف يوجد واحد في مكان كهذا؟
“لا، أنا كاهن.”
“كاهن؟”
“نعم. هناك معبد قريب من هنا، وأنا أحد كهنته.”
“أتظن أنني سأصدق ذلك؟”
لا يمكن أن يُبنى معبد في أعماق الجبال كهذه.
فالمعبد مكان يرتاده الناس للصلاة، فمن سيأتي إلى هنا؟
ثم فكرت: ربما ليس مستحيلًا تمامًا. فوالداي أيضًا كانا يملكان متجرًا في مكان ناءٍ كهذا.
“إنها الحقيقة. لمَ أكذب كذبة يمكن كشفها بسهولة؟ لكن أنتِ، ما الذي تفعلينه هنا بالضبط؟”
كان صوته متهكّمًا، وكأنه هو من يشك فيّ الآن.
أثار ذلك غضبي فحرّكت السكين قليلًا، فشحب وجهه فورًا.
“أرجوكِ، أنزليها… إنها تؤلمني.”
أسندت ذقني إلى كفيّ وتأملته مليًا.
‘قد يكون متنكّرًا.’
لقد ارتكبت الكثير من الذنوب في ريفن، ولا يمكنني أن أكون مطمئنة لأي أحد بسهولة.
شعره البني عادي، وبشرته البيضاء لافتة، لكنه ذو ملامح هادئة لا توحي بالكثير.
وسيم؟ ربما، لكن ليس تمامًا. يشبه الكاهن؟ أيضًا ليس تمامًا.
‘شخص غامض فعلًا.’
على أي حال، بدا أضعف مني، لذا أبعدت السكين وأحضرت حبلًا ربطت به يديه بإحكام.
سأتأكد من صدقه غدًا، إلى ذلك الحين سيبقى مقيدًا.
“إن أذيتِ كاهنًا، فستصابين بالنحس.”
قالها وهو راكع، يتحدث بهدوء غريب.
“هذا بيتي. أليس من الطبيعي أن أمسك بالمتسللين؟”
“حقًا؟ ومنذ متى صار بيتك؟”
“منذ زمن.”
أشرت بيدي إلى وثيقة الأرض الموضوعة على طاولة غرفة المعيشة.
زحف الرجل قليلًا والتقط الوثيقة، وتبدّل تعبير وجهه بسرعة.
“أعتذر. ظننتها مهجورة، لم يكن فيها أحد أبدًا. وجدتها صدفة، ومنذ ذلك الحين لا أستطيع النوم إلا هنا…”
بصراحة، لم يكن غريبًا أن يظنها خالية، فقد ظلت مهجورة لأكثر من عشر سنوات.
كنت أتساءل ما أفعل به، لكن تذكّرت فجأة قبر والديّ الذي كان دائم النظافة.
“هل رأيت القبر خلف الكوخ؟”
“نعم. بدا مهملًا منذ زمن، فاعتنيت به قليلًا، وصليت هناك أيضًا. في الحقيقة، كنت أظن أن صاحب هذا البيت مدفون هناك.”
كما توقعت، كان هناك من يهتم بالمكان، واتضح الآن أنه هو.
قد تكون حجّته ضعيفة عن النوم هنا، لكنها لا تخفي أنه فعل شيئًا لم أفعله أنا ولا سينييل طوال هذا الوقت.
“شكرًا لك. ذلك قبر والديّ.”
شكرتُه بصدق وفككت الحبل الذي كان يقيّد يديه.
نظر إليّ الرجل بعينين دامعتين وبملامح توحي بالحزن.
“لقد تألمت يداي… وهناك جرح في عنقي أيضًا.”
“لا تتدلل.”
“ما اسمك؟ أنا اسمي كايدن.”
“لوسيا.”
“وكم عمرك؟”
“وأنت؟”
“اثنان وعشرون.”
كان أكبر مني بثلاث سنوات، لكنني لم أذكر عمري حتى أحتفظ بطريقة حديثي غير الرسمية معه.
“أعتذر مجددًا على دخولي دون إذن. لو كنت مكانك لارتعبت أيضًا.”
“طالما فهمت، فلا تعد إلى هنا.”
ظننت أنه استوعب كلامي، فأشرت إلى الباب.
لكن كايدن تردد قليلًا، ونظر إليّ برجاء واضح في عينيه.
“الوقت متأخر… ألن يكون الطريق خطيرًا الآن؟”
“لكنّك جئت إلى هنا دون مشكلة، أليس كذلك؟”
“لكن المطر اشتد أكثر من قبل، سمعتِ صوت الرعد الآن، أليس كذلك؟”
‘إذن لمَ جئت وسط هذا الرعد من البداية؟’
ورغم نبرتي الصارمة التي طالبتُه فيها بالمغادرة، ازداد وجه كايدن حزنًا.
“في الحقيقة… أنا خائف.”
“ممّا؟”
“هذا جبل، وهناك حيوانات كثيرة… وأحيانًا تظهر وحوش سحرية أيضًا.”
“لكن الوحوش السحرية اختفت بعد حرب الختم. لا تكذب.”
اقترب مني ببطء، ونظر إليّ بعينيه المبللتين وكأنّه يتوسل.
“ألا يمكنني… أن أبيت هنا الليلة؟”
تشنّج جسدي للحظة.
كانت طريقته غريبة إلى حد جعلني أتساءل إن كان هذا نوعًا جديدًا من الهجمات النفسية.
“ماذا تقصد؟”
“النوم معًا في المكان نفسه أكثر أمانًا من النوم وحيدين. يمكننا الاتكاء على بعضنا.”
“لست بحاجة لذلك. اخرج.”
“أرجوكِ، دعيني أنام هنا الليلة فقط. أعدك أن أرحل عند بزوغ الفجر.”
اهتزّت كتفاه وهو يتوسّل بصوت مرتجف.
تنهدت، متعجبة من وجود كاهن بهذا الضعف والرهبة.
‘أي معبدٍ هذا الذي يرسل كاهنًا جبانًا إلى عمق الجبل؟’
من عادة الناس أن تُظهر عيونهم الصدق أو الكذب، لكن كايدن بدا حقًا وكأنه شخص محاصر بلا مفر.
‘ممّن يهرب يا ترى؟’
كانت نظراته للحظة واحدة تشبه نظراتي منذ عشر سنوات، فلم أستطع أن أدير وجهي عنه.
“حسنًا إذًا… لكن لا تتحرك خطوة واحدة من على تلك الأريكة.”
“رائع! كنت أعلم أنكِ طيبة القلب. لم تخطئ عيناي هذه المرة.”
ابتسم ابتسامة مشرقة جعلتني أظنه أكثر رقةً ونقاءً مني أنا نفسي.
“سأنام جيدًا الليلة، أشعر بالأمان لأن لوسيـا ستحرسني.”
بل إنه قالها من دون خجل، معترفًا بأنني الأقوى بيننا.
“غادر مع أول ضوء للفجر، وإلا فإن تلك السكين ستجد طريقها إلى عنقك حقًا هذه المرة.”
“طبعًا، مفهوم.”
تركتُه في الخارج ودخلتُ إلى غرفتي.
ورغم أنني بقيت متيقظة لبعض الوقت، مترقبة أن يُظهر نية مريبة، إلا أنه سرعان ما غفا بعمق من دون أن يُصدر حتى صوت أنفاسه.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "19"