9
قبل العشاء، قال الطبيب المعالج إنه سيعود مرّةً أخرى ثم غادر، لذا ظننتُ أنه هو، لكنه لم يكن كذلك.
“سـ سمو ولي العهد.”
كانت نينسي تحمل منشفةً مبللةً ثم انحنت بسرعة.
“آه! هل وصل سموه؟”
فتحتُ عينيَّ بصعوبةٍ وحاولتُ رفع جسدي العلوي بشق الأنفس.
بدا أن ولي العهد جيرون قد جاء راكضًا، إذ كان شعره أشعثًا بعض الشيء، ولم يكن يرتدي ملابسه البيضاء المعتادة.
“شانيل! ماذا حدث؟ سمعتُ أنكِ انهرتِ الليلة الماضية؟”
“سمو ولي العهد. سعال.”
“لا ترهقي نفسكِ، استلقي كما أنتِ.”
حاولتُ الجلوس بصعوبة ثم استلقيتُ مرّةً أخرى. بمجرّد أن رفعتُ جسدي العلوي قليلاً، بدا السقف وكأنه يدور حولي.
“كيف حالها؟”
لم يكن جيرون يسألني، بل كان يسأل نينسي الواقفة بجانبي. أخبرته نينسي أنني كنتُ أسعل بشدّةٍ طوال الليل، وخضعتُ للفحص هذا الصباح.
“همم…”
فتحتُ عيني بصعوبةٍ والتقيت بنظراته. نظر إليَّ بنظرةٍ بطيئةٍ ثم أدار رأسه فجأة!
‘ما هذا؟ هل مظهري مزعجٌ له إلى هذه الدرجة؟’
عندما بدأتُ أسعل بشدّة، تحوّل انتباه نينسي نحوي بقلق وأسرعت لتغطيتي بالبطانية حتى رقبتي.
آه، عندها فقط أدركتُ مظهري. كشف ردائي الداخلي المشعث عن ما تحته.
بصرف النظر عن الحمى بسبب البرد، شعرتُ بوجهي يحمرّ من الحرج. ظل ولي العهد يحدّق في الجدار بينما واصل الحديث.
“أخبروني أن نزلة البرد قد ازدادت سوءاً.”
“لا تقلق.”
“كيف لا أستطيع القلق؟ الطبيب المعالج قال إنه لا يعرف متى ستتعافين.”
لكنه مع ذلك كان قلقاً لأنني تابِعةٌ مُباشِرةٌ له، ما أثار بعض الامتنان في داخلي. لذا حاولتُ طمأنته بابتسامةٍ مشرقةٍ قدر المستطاع.
“صاحب السمو، سعال، إنها مجرّد نزلة برد. أنا بخير. سعال.”
“ليس هذا ما أعنيه.”
“ماذا؟”
“المخطوطة.”
“المخطو… طة؟ سعال.”
“نعم، المخطوطة. بما أنكِ لا تعرفين متى ستتعافين، علينا تعليق نشر ‘الحب الأخير لولي العهد’ لفترة.”
يجب أن تستمع إلى الناس حتى النهاية. لأنني عندما استمعت، اتضح أنه لم يكن قلقاً عليّ.
كان قلقاً من تعليق النشر.
“على أيّ حال، ليس لديكِ أيّ فصولٍ احتياطية، أليس كذلك؟”
“أنا… آسفة. كما قال سموّك، سعال، يبدو أنه يجب تعليق النشر.”
كان من المُحرِج تعليق النشر بعد وقتٍ قصيرٍ من بدئه.
كانت نينسي تستمع إلى حديثنا ثم نظرت إليّ بقلقٍ بعد سماعها كلام ولي العهد القاسي. ربما كانت لديها بعض التوقّعات عنه بعد قراءة الرواية، لكن يبدو أن تلك التوقعات تحطّمت الآن.
تنهد جيرون بعمقٍ ثم جلس على كرسيٍّ قريب. ثم أشار إلى الخدم الذين كانوا يقفون خارج الباب وأشار إلى الطاولة.
فوضع الخدم الكتب والأوراق التي كانوا يحملونها على الطاولة.
“حسناً، اخرجوا.”
بهذه الكلمة، لم يبقَ في الغرفة سواي ونينسي وولي العهد.
لم أفهم لماذا وضع أوراق العمل التي يجب أن تكون في مكتبه هنا على الطاولة.
نظرتُ إليّ نينسي بعينين متسائلتين.
‘هل هو حقاً سيعمل هنا؟’
لم أصدق ذلك، لكن عندما رأيتُه يوقّع على الأوراق بقلمه، خرج مني سعالٌ ضعيفٌ من شدّة الدهشة.
“سعال. سعال.”
نظر إليّ جيرون عند سماع صوت سعالي.
‘ما هذه النظرة؟ هل يريد مني ألّا أسعل؟ لكن هذه غرفتي، أليس من حقي أن أسعل كما أشاء؟’
كان جسدي منزعجًا من الألم، لكن قلبي متضايقٌ أيضًا. غطّيتُ فمي بمنديلٍ وحاولتُ خفض صوت السعال بينما سألت.
“صاحب السمو، سعال. عذرًا، لكن، هل ستعمل هنا؟”
أجاب جيرون دون أن ينظر إليّ وهو يواصل الكتابة.
“وإذا كان الأمر كذلك؟”
“لماذا هنا تحديداً… سعال.”
“هل وجودي يزعجك؟”
بالكاد تمكّنت من كبح رغبتي في قول نعم.
“على العكس. أخشى أن صوت سعالي سيزعج سموّك.”
“لا يزعجني إطلاقاً.”
كلا! لقد نظرتَ إليّ في كلّ مرّةٍ أسعل فيها!
لم أفهم لماذا يصرّ على العمل في غرفة نوم مريضة.
شعرتُ أنا ونينسي بعدم الارتياح. هل كان من الظلم أن أمرض كما يحلو لي؟ انتهى بي الأمر بتغطية فمي بمنديلٍ والسعال في صمت، لأنه كان من المزعج جدًا على ولي العهد أن ينظر إليّ في كلّ مرةٍ أسعل فيها.
يقال إن كبح السعال يزيد المرض، وبعد كبته عدّة مرّات، خرج مني سعالٌ متتالٍ.
“سعال، سعال، سعال—”
“آنية شانيل، اشربي بعض الماء الساخن.”
أسرعت نينسي بقلقٍ ووضعت كوب ماءٍ أمام فمي، فرفعتُ المنديل لأشرب.
شربتُ ببطءٍ رشفةً واحدة، لكن نينسي نظرت إلى المنديل في يدي وذُهِلت.
“آه!! آنسة شانيل! د- دم!”
دم؟ من أين فجأة؟ أبعْدتُ الكوب عن فمي ونظرتُ إلى المنديل. وكما قالت، كانت هناك بقعٌ حمراء من الدم على المنديل الأبيض.
صُدمتُ أيضًا وصرخت “آه! إنه دمٌ حقيقي!” عندها نهض جيرون بسرعةٍ من الكرسي وأسرع نحوي.
“أين؟ من أين هذا الدم؟”
أمسك جيرون يدي التي تحمل المنديل، ورأى الدم عليها، وصاح بصوتٍ عالٍ بما يكفي ليسمعه مَز خارج الملحق.
“أنتم هناك! أحضروا الطبيب المعالج حالاً!! بسرعة! أسرعوا!”
بأمرٍ واحدٍ من ولي العهد، سمعتُ صوت الخدم خارج الباب يتحرّكون في انسجامٍ تام. بينما كانت نينسي في حيرة، أزال جيرون المنديل الملطخ بالدماء من يدي وأعطاني منديله.
“شانيل، استخدمي هذا.”
كان المنديل الأبيض مطرّزًا بخيوطٍ ذهبية، فشعرتُ بالحرج من وضعه على فمي واكتفيتُ بحمله، لكن جيرون غطّى فمي به بنفسه.
“لا تتكلّمي حتى يأتي الطبيب، وأجيبي بالإيماء فقط.”
“نعم.”
“بالإيماء فقط.”
أومأتُ برأسي.
ربما لأنه منديل ولي العهد، لكن رائحةً منعشةً خفيفةً انبعثت منها.
“الجو جافٌّ هنا، لذا أحضري بعض الماء الساخن.”
اتّبعت نينسي تعليمات جيرون، وأحضرت ماءً ساخناً ووضعته بجانب السرير. اقترب جيريون منه وأخرج زجاجةً صغيرةً من جيبه، ثم أخذ قطعةً من العشب ووضعها في الماء.
انفتحت قطعة العشب المجعّدة مثل زهرةٍ متفتحةٍ عند ملامستها الماء الساخن. بدت كزهرةٍ عشبية، وعندما انتشر عبيرها في الغرفة، أصبح تنفّسي أسهل.
‘كان عليكَ فعل هذا منذ البداية.’
شعر جيرون بتغير هواء الغرفة، فأعاد الزجاجة الصغيرة إلى جيبه وبدأ يتحدّث عن العشب بفخر.
“هذا زهرةٌ نادرةٌ تسمى ‘زهرة الألفية’، تنمو فقط في حدائق القصر الإمبراطوري. أستخدمها فقط عندما أشعر بالضعف، لكنني سأعطيكِ إياها أيضًا.”
كنتُ على وشك شكره على استخدام هذه العشبة النادرة من أجلي، لكنه طلب مني عدم التكلم، لذا اكتفيتُ بالإيماء.
“لا داعي للامتنان الشديد. بالطبع، لم أستخدمها لأحدٍ غيري من قبل.”
أومأتُ برأسي.
ابتسم جيرون بسرورٍ ثم صفّق فجأة.
“حسناً. خطرت لي فكرةٌ رائعة، شانيل.”
الشخص الذي كان يتجنّب النظر إليّ بسبب مظهري، نظر إليّ فجأةّ بحماسٍ وطرح رأيه.
“ماذا عن إضافة هذه الحبكة؟ عندما تكون البطلة مريضة، يضع البطل هذه العشبة في الماء الساخن هكذا. أليس هذا رومانسياً؟”
أومأتُ برأسي.
“يبدو أن شانيل متأثرةٌ جداً أيضاً؟”
أومأتُ برأسي رفضًا.
“… بعد كلّ ما فعلتُه من أجلكِ، لستِ متأثرة؟”
إيماءة، لا، لا، نفيتُ برأسي مجددًا.
“ما هذا؟ هل أنت متأثرة أم لا؟”
هززتُ رأسي نفيًا.
“لماذا تواصلين الرفض؟ هذا مؤثر، لكنكِ لا تحبينه؟”
نفيت برأسي، ثم أومأت.
هززتُ رأسي بشدة حتى شعرتُ بالدوار وأنا أعبّر عن نواياي بإيماءاتي. عندما استلقيتُ مرّةً أخرى كما لو كنتُ على وشك الانهيار، اقترب جيرون مني بقلق.
“شانيل! قلتُ لكِ ألّا ترهقي نفسك!”
مَن بحث الإله الذي يتسبب بإرهاقي هنا؟… أتمنى لو يأخذ أحدهم ولي العهد بعيداً. لو كان المساعد هاسِل هنا لطلبتُ المساعدة…
بدا وجه جيرون أمامي وكأنه يتداخل بضعفين أو ثلاثة. بينما كنتُ أسعل وأغطّي فمي بمنديله، صرخ جيرون للخارج كما لو أنني سأُدفن في نعشٍ فورًا.
“ماذا تفعلون! ألم يأتِ الطبيب بعد؟ شانيل على وشك الموت!”
“نعم! يقولون إنه عبر الجسر المتحرّك الآن!”
“أحضروه بسرعة! هل سيأتي بعد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة؟”
شعرتُ لوهلةٍ أنه قلقٌ عليّ حقاً، رغم أن عقلي كان ضبابياً إلّا أنني شعرتُ بصدقه.
حتى سمعتُ كلماته التالية.
“شانيل! لا يمكنكِ أن تموتي! يجب أن تُنهي ‘الحب الأخير لولي العهد’ أولاً! استعيدي وعيكِ!”
آه… لهذا السبب كان يعتني بي بهذا الشكل.
شعرتُ أنه حتى لو مِتّ، سيجبرني ولي العهد على النهوض من قبري لإنهاء الكتابة.
* * *
عندما استيقظتُ بعد نومٍ عميق، كان المكان هادئاً. تحسّنت حالتي كثيراً ولم أستيقظ بسبب السعال، بل نمتُ بعمق. كان الفجر لا يزال خافتاً، لذا كان اللون الأزرق يملأ خارج النافذة.
‘أشعر بجسدي أفضل قليلاً، لكن لماذا أشعر بهذا الانزعاج؟’
أحياناً، يكون حدس الإنسان مخيفاً في دقّته. شعرتُ أن هناك شيئاً مختلفاً في جو الغرفة. رفعتُ جسدي قليلاً ونظرتُ حولي في الغرفة المظلمة.
لم أجد شيئاً غريباً، فاستلقيتُ مجدداً، لكن شعرتُ بقشعريرةٍ في ظهري فجأة.
‘انتظر. ما هذا الشيء الطويل على الأريكة؟’
نينسي، التي كانت تعتني بي، ليست بهذا الطول. بل هي قصيرةٌ وتشبه دميةً لطيفةً موضوعةً هناك.
ظننتُ أنني أتوهّم، فحاولتُ النوم مجدداً، لكنني سمعتُ صوتًا ذكوريًا منخفضًا.
‘ما هذا؟ لماذا هناك رجلٌ في غرفتي؟’
حتى الطبيب المعالج ليس طويلاً بما يكفي ليملأ الأريكة. هل هو لص؟ لكن لو كان لصاً، لأخذ السيف المعلّق على الحائط والمزيّن بالجواهر وهرب، بدلاً من النوم بهذه الراحة على الأريكة.
حاولتُ تجاهله، لكن عيناي كانتا مفتوحتين تماماً.
قررتُ الخروج من الغرفة وإخبار الحارس الذي يحرس القصر بأن هناك شخصاً في غرفتي. نهضتُ بهدوءٍ وارتديتُ معطفي. لم أجد سوى فردةٍ واحدةٍ من حذائي، فمشيتُ حافيةً بهدوءٍ نحو الباب.
نظرتُ إلى الأريكة أثناء مشيي، لكن ظهر الشخص النائم بدا غريباً للغاية.
لماذا تبدو الغرفة بهذا الاتساع؟ كان الباب بعيداً جداً.
نجحتُ في المشي بخفّةٍ ووصلتُ إلى الباب، أمسكتُ بالمقبض وضغطتُ عليه.
ززززز. صرير.
ياللهول! لم أكن ألاحظ ذلك عادةً، لكن صوت مفصل الباب كان عاليًا جدًا! خاصةً في هدوء الصباح الباكر. فتحتُه قليلاً ثم توقّفتُ لأتحقّق، وعندما حاولتُ الخروج من الفجوة—
إمساك!
“… إلى أين أنتِ ذاهبة؟”
وقف الرجل الذي كان على الأريكة خلفي فجأةً كظلٍّ وأمسك بذراعي. اقترب بصمتٍ شديدٍ حتى ظننتُه شبح، فصرختُ للحظة.
“آاه! دعني! سعال! أطلق—”
“إنه أنا.”
“دعني، أيها اللص!”
“لستُ لصاً، إنه أنا، جيرون.”
“مَن بحق الجحيم؟!”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 9"