«إنه تصرّف مفرط…»
قال ذلك لنفسه، ورغم ذلك كان جسده قد اتخذ مكانه بالفعل على الكرسي بجانب السرير.
غطّى الدوق الأكبر يدها الصغيرة المرتجفة بكفّه، وهو يحدث نفسه بصمت…
وكأنه يقول لها: لا تخافي.
شدّ على يدها الصغيرة بلطف، وهمس بصوت منخفض:
«لن أترككِ أبدًا… فلا تخافي.»
هل كان ذلك شفقة أيضًا؟
راودته تساؤلات كثيرة، لكنه لم يستطع أن يترك يد ديانا، التي كانت تقبض على إبهامه بقوة.
كان يريد ذلك، لكنه لم يملك الجرأة، ولم يكن بوسع ديانا أن تقول الكثير لـ “سيا”.
فمجرد الجدال معها كفيل بأن يعود عليها بصفعة مؤلمة، أو في أسوأ الأحوال، قد يُعيدها الدوق الأكبر إلى “ليا”، بحجة أنها تجرأت على مواجهة ابنته.
لذا لم يكن أمامها سوى تحمّل الخطأ، على أمل أن تهدأ نار غضب الأميرة الكبرى، التي كانت في علوّها كالسّماء.
لكن “سيا” تنفّست بغضب، وكأن نيرانها بدأت تخبو قليلاً رغم انحناءة ديانا.
قالت بسخرية لاذعة:
«آسفة؟ آسفة فقط؟! هل تعتقدين أن مجرد اعتذار يكفي لوجودك هنا الآن؟! كيف لشيء دَنِس مثلك أن تطأ أقدامه هذا القصر؟! هذا منزل والديّ النبيلين… منزلي أنا!»
بَفّ!
دفعت “سيا” ديانا بقوة على كتفها، فسقطت الأخيرة إلى الوراء بشكل غير متوقّع.
أحسّت بألمٍ في أسفل ظهرها حين اصطدمت بالأرض، لكنها لم تجرؤ على إصدار أدنى أنين، خشيةً من “سيا” الغارقة في غضبها.
تقدّمت “سيا”، تقبض على كفيها وتحدّق في ديانا بنظرة ملؤها القهر والحقد.
قالت بغيظ:
«المشكلة أنّ شيئًا مثلك وُجد في الدوقية من الأساس! لو طُردتِ منذ البداية لما حدث كل هذا! أنا أكرهك… أكرهك لدرجة لا تُحتمل! لمَ يجب عليّ العيش معكِ تحت سقفٍ واحد؟! مع شيء مثلك؟! لمَ؟! لمَ لا تموتين فحسب؟!»
…لكن فجأة…
«الباب مفتوح.»
رنّ صوت رجولي عميق عند الباب، فتوقّفت “سيا” عن الكلام كأنما جُمّدت فجأة.
نظرت ديانا بدهشة إلى “سيا” التي جمدت في مكانها كأن أحدهم ضغط زرّ التوقيف، ثم أدارت وجهها نحو الباب… نحو مصدر الصوت.
وكما توقّعت، كان الدوق الأكبر واقفًا هناك.
خطا إلى داخل الغرفة بخطوات واسعة، ونظراته حادة.
يا للمصادفة المرعبة… أن يحدث هذا الآن بالذات.
شعرت ديانا باليأس، وحاولت أن تحرّك جسدها لتنهض بسرعة.
لكن “سيا” فاجأتها، إذ بدأت بالبكاء فجأة، ومدّت يدها نحو ديانا كما لو كانت تطلب منها النجدة…
مدّت “سيا” يدها نحو ديانا، ودموعها تنهمر بغزارة، كما لو أن ما حدث لم يكن سوى سوء تفاهم عابر.
تلعثمت بصوت مكسور:
«أنا… لم أقصد… لقد تعثّرت وسقطت فجأة…»
لكن الدوق الأكبر لم يرد.
اكتفى بعبور الغرفة بنظرات صامتة تشبه العاصفة التي تسبق المطر، ثم توقّف بجانب ديانا، وركع بهدوء لمساعدتها على النهوض.
أمسك بيدها برفق، كما لو كانت شيئًا هشًا قابلاً للكسر، ونظر في عينيها النظرة نفسها التي نظر بها في بداية المشهد… تلك التي تحمل وعدًا خفيًا بالحماية.
ثم وجه نظره نحو ابنته.
كانت “سيا” ما تزال تبكي، لكنها كانت تبكي بعيونٍ تعلم أنها كُشفت.
قال بهدوء شديد، لكنه حمل من الصرامة ما جعل الهواء في الغرفة يثقل فجأة:
«كم مرة أخبرتك يا سيا… أن النُبل لا يُقاس بالدم، بل بالفعل.»
ارتعشت شفتاها، وابتلعت كلماتها.
أكمل وهو يساعد ديانا على الوقوف:
«ديانا ليست شيئًا، وليست دخيلة… إنها فرد من هذا البيت. وأي يد تمتد عليها، ستمتد نحوي أنا أولًا.»
كادت “سيا” تتكلم، لكن صوته ارتفع فجأة دون أن يصرخ:
«كفى!»
تجمّدت الكلمات في حلقها، وانكمشت في مكانها.
ثم التفت إلى ديانا مجددًا، ومسح على رأسها بخفة:
«أنتِ بخير الآن.»
تردّدت ديانا، لكنها هزّت رأسها بنعم صغيرة، رغم الألم في جسدها، والألم الأكبر في قلبها.
لم تستطع تصديق ما حدث للتو… أن يقف شخص ما لأجلها… في هذا القصر الذي لطالما شعرت فيه كأنها لا تنتمي.
ثم نظر الدوق إلى الحارس عند الباب وقال:
«خُذ الآنسة ديانا إلى جناحها. ودَع الخادمة تُحضِر لها كمادة ثلج وبعض المَرهم.»
نفّذ الحارس الأمر فورًا، ورافق ديانا التي خرجت بخطوات بطيئة، بينما ظلت “سيا” واقفة هناك، تبكي بصمت، لكن لا أحد اقترب منها هذه المرة.
الدوق لم يلتفت نحوها مجددًا.
ولأول مرة… شعرت “سيا” أن ما كانت تعتبره امتيازًا أبديًا قد بدأ يتلاشى.
غادرت ديانا الغرفة بصحبة الحارس، وقد ازدادت خطواتها ثقلاً كلما ابتعدت عن الباب.
لم يكن الألم في ظهرها هو ما يؤلمها الآن… بل ارتجاف قلبها، تلك اللحظة الغريبة التي وقف فيها أحدهم لأجلها… لا أيّ أحد، بل الدوق الأكبر نفسه.
لم تعرف إن كان هذا دفاعًا، شفقة، أم شيئًا آخر لم تعرف اسمه بعد، لكنها لم تشأ أن تُفكّر، فقط أرادت أن تظل في تلك اللحظة، أن تُمسك بها بقوة، قبل أن تُسحب منها كما سُحبت أمانها مرات كثيرة.
حين وصلت جناحها، فتحت الخادمة الباب بسرعة، وعلامات القلق على وجهها، لكن ديانا لم تقل شيئًا.
استلقت على الأريكة، وراحت تحدّق بالسقف طويلاً، بينما تضع الكمّادة على خدّها، حيث طبع الغضب أثره.
وفي مكانٍ آخر من القصر، كان الصمت قد عاد إلى غرفة “سيا” بعد عاصفة من الكلمات والدموع.
الدوق لم يقل شيئًا بعد رحيل ديانا، لكنه وقف هناك للحظات، قبل أن يقول دون أن ينظر إلى ابنته:
«أحيانًا، يا سيا، ليس الخطأ أن يولد الإنسان في مكان لم يتوقّعه الآخرون… بل الخطأ الحقيقي أن نظن أنفسنا خالقين لمَن يستحق العيش هنا أو لا.»
ثم استدار وخرج.
—
مرت ساعات الليل بهدوء، لكن القلبين – قلب ديانا وقلب الدوق – لم يعرفا النوم.
هو… كان جالسًا في مكتبه، يتأمّل كأسًا من النبيذ لم يشربه. عينا ديانا ما زالتا تطاردانه، وتلك اليد الصغيرة التي أمسكت بإبهامه… كأنها لم تكن تطلب الحماية، بل تقول له: “ابقَ”.
وهي… كانت تغفو وتستيقظ في سريرها، تحاول فهم ما حدث، تحاول أن تصدّق أنه لا زال هناك شخص يرى وجودها مختلفًا عما تراه “سيا”، وعما رأته الحياة من قبل.
—
وفي صباح اليوم التالي، وبينما كانت ديانا ترتّب خصلات شعرها بهدوء أمام المرآة الصغيرة، سمعت طرقًا خفيفًا على الباب.
فتحت الخادمة، ودخل رجل ببذلته الرسمية، يحمل صندوقًا صغيرًا من المخمل الأزرق.
قال باحترام:
«من الدوق الأكبر… هذا لكِ.»
فُتح الصندوق ببطء، وداخله كانت هناك سلسلة رقيقة من الفضة، تتدلّى منها قطعة صغيرة من حجر “اللّاريمار” النادر، بلون البحر حين يكون في لحظة سكون.
كان هناك أيضًا ورقة صغيرة، بخطّ يدٍ مهذّب وواضح:
> «ربما لا يستطيع هذا الحجر أن يُبعد الألم… لكنه وعد بأن البحر سيهدأ في يومٍ ما.
– الدوق الأكبر.»
قرأت ديانا الكلمات أكثر من مرة، وعيناها تلمعان بندى لم تسكبه بعد.
ربما… فقط ربما…
كان هناك مكان لها هنا.
ولأول مرة منذ زمن بعيد… ابتسمت.
تعرفون اني نسيت الروايةಠ﹏ಠ وانا ابحث في هيزو على رواية اقرائها انصدمت بيها كنت حاسبة نفسي حذفتها صدفه انها اجت قدامي حنكمل الترجمة بإذن الله
التعليقات لهذا الفصل " 21"