“في الزقاق رقم 18-27، يوجد مجرمون. ارتكبوا ما لا يقل عن عشرين جريمة اغتصاب، أرجو أن تتحركوا فورًا.”
قهقه الموظف ساخرًا.
“أيتها الفتاة، لا مكان للمزاح هنا…”
طَرق.
وضعت ريليا شارتها على مكتبه. كانت قطعة فضية منقوشة عليها شعار أسرة فيتيل.
“قلت لك أن تخرجوا فورًا.”
“أوه! لم أعرف مقامك، يا آنسة… لحظة من فضلك!”
سارع إلى قرع الجرس.
لم تكن ترغب بكشف هويتها، لكن القبض على المجرمين أولى. ولو لم تلجأ لسلطانها، لاحتاج هذا الرجل نصف يوم ليقرر إرسال دورية.
‘وبعد تحركهم، لا شك سيطلبون مني كتابة إفادة. هذا مزعج بعض الشيء… لكن في النهاية من حسن الحظ أنني تورطت في الأمر. وإلا لزاد عدد الضحايا….’
فُتح الباب فجأة. التفتت ريليا متوقعة رؤية أفراد الفرقة، لكنها صُدمت.
خرج رجل ذو شعر أحمر قاتم، يتثاءب وهو يمشي متثاقلًا.
“ما الأمر يا فيليب؟”
“ه… هذه الآنسة… أقصد الآنسة النبيلة، طلبت إرسال فرقة إلى الموقع…”
“هاه؟”
رمق القائد بعينيه الضيقتين هيئة ريليا، متفحصًا مظهرها.
‘نبيلة؟ لا تبدو كذلك.’
“ما الذي يحدث؟”
“قالت إن في الزقاق 18-27 مجرمين ويجب إرسال—”
لكن نظره وقع على الشارة فوق المكتب. وما إن رآها حتى اتخذ موقفه.
‘شعار لم أره من قبل… قطعة فضية… ليست لأسرة من علية النبلاء… تبدو أشبه بابنة بارون ريفي جاءت لتشهد المهرجان.’
ذلك القائد، وهو نجل ثانٍ لأسرة تارسن النبيلة التي تدير فرقة أمن الجنوب في إيكويندوم، حكم في نفسه بأنها أدنى منه مقامًا.
“آه، نعتذر… لكن لكثرة البلاغات الكاذبة مؤخرًا، لا نتحرك ما لم نتأكد. لذا، أيتها الآنسة… فيليب!”
تقدم فيليب نحوها بورقة ممدودة.
“أيمكنكِ تعبئة هذه الاستمارة؟ آه، لا بد أنكِ تجيدين الكتابة، كونكِ ابنة نبيل.”
شعرت ريليا وكأن صبرها يُختبر إلى أقصى مداه.
‘إيكويندوم قد لا تكون العاصمة، لكنها من كبريات مدن الإمبراطورية. وهذا مستوى الأمن فيها؟’
تجمدت لحظة، ثم فكرت:
‘لو لم أكن أنا من واجه هؤلاء، بل امرأة عادية، هل كانت ستنجو؟ مستحيل أن تقاوم خمسة رجال. نجاتي كانت بفضل كوني القديسة، وبفضل مساعدة الشيطان. لولا ذلك، لكنتُ الآن أسيرة بين أيديهم. وحتى لو بلّغ أحد المارة، لكان الوقت قد فات.’
‘ولأن إجراءاتهم بطيئة حدّ القرف، تتحول حتى البلاغات الصحيحة إلى “بلاغات كاذبة”.’
أخذت الورقة بصمت.
“شكرًا على تعاونك. الآن، لو تتفضلين ب— …!”
لكنها فجأة كورت الورقة وألقتها في سلة المهملات.
فتجعد وجه القائد مثل الورقة تمامًا.
“ما الذي تفعلينه يا آنسة؟”
“ما اسمك؟”
“أنا أوبـيون تارسن، من أسرة الكونت تارسن. لعلّكِ حسبتني مجرد موظف وضيع، لكن في العاصمة…”
“أنا لم أرد أن أصدر أوامر.”
حدّقت ريليا في الورقة المكورة قبل أن تلقيها جانبًا، ثم تابعت:
“لم أرد أن أبوح بهويتي. وخصوصًا في أمر كهذا، يتعلق بجرائم دنيئة، أردت أن يُحلّ من دون أن أفرض سلطتي.”
‘ما الذي تقوله هذه الفتاة الآن…؟’
كان أوبـيون تارسن يتخذ ذلك التعبير.
“القبض على المجرمين هو الهدف الأوّل الذي ينبغي لقوّات الأمن أن تسعى إليه، سواء جاء البلاغ من نبيل أو من عامّي. كثرت البلاغات الكاذبة؟ مع ذلك، من الطبيعي أن يُرسل شخص واحد على الأقل للتحقّق من صدقها، أليس كذلك؟”
كلما واصلت الحديث شعرتُ بالغضب يتأجّج أكثر.
ولولا أن ديون قد شلّ حركة المجرمين مسبقًا، لما وجدت الوقت لإسداء مثل هذه النصائح أصلاً!
‘إن واصلت الكلام أكثر فلن أجني غير إضاعة الجهد… وهل سيستمع حتى؟’
خلعت ريليا الباروكو. وحالما فكّت الرباط، انسدل شعرها الفضي المميّز، ذاك الذي يُعدّ علامة فارقة لها ولمنصبها كـ’القديسة الكبرى’.
قالت ببرود:
“آمرُك. أنا ناتاشا، القديسة رقم 247. لم يمضِ سوى أربعة أيام على تعييني، لذا لا أملك بعدُ بطاقة الهوية الرسمية، لكن إن لزم الأمر فسأجرح ذراعي وأُريك قُدرة التجدد كدليل.”
ثم أضافت:
“فلتتحركوا فورًا، حالًا.”
ولمّا انتهت من كلامها، لم يكن أوّل من تحرّك هو النبيل الشاب، بل أحد الإداريين.
فمجرّد أن علم أن من يقف أمامه صاحبة مقام أعلى من سيّده، بل هي القديسة الحاكمة لإيكويندوم، زال عنه ما تبقّى من رباطة جأشه.
وذلك تصرّف طبيعي. فمنزلة القديسة رفيعة بحيث إن مجرّد التشكيك في صدق كلامها يُعدّ وقاحة من قِبَل العامّة.
وحين رأت ريليا رجال الأمن يهرعون متأهّبين للتحرك، تنفّست أخيرًا بعمق وجلست على الأريكة الموضوعة هناك.
اقترب النبيل الشاب تارسن متردّدًا، وكأنّما أفاق لتوّه.
“ناتاشا… سيدتي.”
رفعت ريليا بصرها إليه. بدا وكأنّه أدرك مكانته متأخرًا، فلم يجرؤ على طلب دليل لقدرتها على التجدد. وبدلًا من ذلك، أخذ يعتذر.
“أعتذر بشدّة. لقد قصّرتُ وجهلتُ مقامك، وأخطأت بحقّك، يا قديسة…”
‘كما توقّعت. لا يزال هذا الإنسان لا يدرك خطأه. كان قرارًا حكيمًا أن أتوقف عن الوعظ وأن آمر بالخروج فورًا، وإلا لقضيت نهاري كلّه أشرح بلا جدوى.’
زفرت ريليا بوضوح.
“أظنّك لا تريد أن يصل الأمر إلى المعبد، أليس كذلك؟”
“ما قصدت ذلك…! آه، لكن إن منحتِني هذا العفو، فأنا، أوبـيون تارسن، أتعهد باسم عائلتي أن أبقى شاكرًا طيلة حياتي…”
“لقد خرجت للتنزّه، فإذا بي أُجرّ إلى أمور مزعجة. إن أردتَ أن أكتم الأمر، فعليك أنت أيضًا أن تحفظ لسانك.”
“بالطبع! لن يعرف أحد قط أن القديسة قد تشرفت بزيارة هذا المكان اليوم. سأتكفّل بأن يُحكم الكتمان.”
“جيد.”
نهضت ريليا، نفضت تنورتها. لم تكن منزعجة حقًا إلى ذلك الحدّ، لكن إن قالت ذلك فسيجتهدون أكثر، خشية أن تغضب حقًا إذا كُشف السر.
وقد عقدت العزم أن تبقي الأمر سرًا عن المعبد، على الأقل الآن. ليس سرًا أبديًا، بل ستُسجّله جيدًا لتكشفه لاحقًا.
‘فقط التحقق من جداول الميزانية لن يكفي.’
‘أظن أن عليّ مراجعة عمل قوات الأمن بأكملها. فلا ضمان أن تكون هذه التجاوزات حكرًا على الجنوب وحده.’
‘آه… حياتي صعبة بما فيه الكفاية، والآن هذا أيضًا…’
لكنها لم تستطع أن تدير ظهرها للأمر وقد رأته بعينيها. فهي لم تعد امرأة عاديّة، بل قديسة. وإن كانت بلا نية لإصلاح المدينة، فحين ترى فسادًا في أرض تُعدّ مسؤولة عنها، لا يسعها تجاهله.
ريليا لم تكن تطمح إلى إصلاح شامل أو إلى رفع شأن حقوق العامّة. لم يكن هذا ما يشغلها.
حلمها البسيط كان أن تعيش في بيت صغير، تفعل ما تشاء بلا خوف ولا رقابة، وتعيش بصحّة وسلام.
‘لم أصِر قديسة لأتحوّل فجأة إلى عاشقة للبشرية.’
لكنها، على الأقل، لم تكن لترضى أن تصبح إنسانة بلا ضمير كذاك النبيل الأرعن.
خرجت من مقرّ الأمن. ولأنها نزعت الباروكو بلا عناية، أصبح شعرها في فوضى. إن أرادت مواصلة الاستمتاع بالمهرجان، فلا بد أن تمرّ بصالون قريب لتُعيد ترتيب شعرها.
وبينما كانت تمشي خطوات طويلة، توقفت فجأة في زقاق خالٍ. انفرجت شفتاها المغلقتان.
“هل فكّرتَ في الأمر؟”
كان واضحًا من تخاطب. فالشخص الوحيد القادر على سماع صوتها في هذا المكان… هو الشيطان.
“نعم.”
استدارت.
منذ أن قالت له أن يفكّر، لم تنظر إليه نظرة مباشرة قط، وهو الآخر ظل صامتًا.
رفعت عينيها والتقت نظره.
“قل لي، ما الذي تريده مقابل إنقاذك لي؟”
“إذن…”
طرفت عيناه الحمراوان مرّة واحدة إزاء عرضها.
“رافقيني أنتِ أيضًا.”
“ماذا….”
ارتسم قوس رفيع على شفتي الشيطان.
“في جولة بالمهرجان.”
“……؟”
“بإمكانك أن تمنحيني ذلك، أليس كذلك؟”
…ماذا؟ ماذا يقول هذا الشيطان؟
ريليا ترددت. كانت عازمة على تلبية أي طلب معقول، ما دام لا يتعلّق بعقد أو اتفاق شيطاني. لكن جولة في المهرجان…؟
‘ما الذي يدور في ذهنه؟’
عادة، كلما طالت معرفة المرء بشخص انكشفت خباياه أكثر. لكن مع هذا الشيطان، كلما التقت به ازداد غموضًا وتعذّر سبر نواياه.
حين طال صمتها وهي تحدّق فيه، أمال ديون رأسه.
“هل لا يمكن؟”
“آه….”
لم يكن الأمر مستحيلًا، لكنه بدا غريبًا بعض الشيء لتقبله فورًا.
أرادت أن تفكّر لحظة، لكنه لم يمنحها مهلة.
“لا حيلة إذن. ليس لي طلب آخر عاجل، فليُحسب هذا دينًا…”
“لا!”
قاطعتْه ريليا بصوت عالٍ. أكثر ما تكرهه هو أن تُدين لأحد، خصوصًا وقد أسداها يدًا لم يكن يسعها الاستغناء عنها. أرادت رد الجميل بوضوح، لا أن تتركه دينًا معلّقًا.
“سأرافقك… جولة في المهرجان.”
بكلماتها تلك، ابتسم ديون وتوقّف عن الكلام. تنفست ريليا بعمق.
‘حسنًا، مرافقة شخص واحد خير من التجوّل وحدي.’
مدّ يده إليها.
“جيد، أرجو تعاونك إذن.”
لكن ريليا لم تمد يدها. بل استدارت وتقدّمت بخطواتها. شعرت بخطواته خلفها وهو يتبعها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات