5
“ماذا تقولين؟”
“شراكة عمل.”
بالطبع، كانت الشراكة مجرد طُعم.
طُعم لأتعرف أكثر على الأمير إريك أورليان.
“أنا وأنت؟ إريك أورليان وإيميلين ويدجوود؟”
بدأ إريك يغلي ببطء، كغلاية ماء على وشك الفوران.
كم سيكون هذا الاقتراح سخيفًا بالنسبة لنبيل متعجرف مثله؟ خصوصًا بعد أن رأى بالأمس مشهدي مع مارجريت بوفورت وأنا أقترب من أخي بتصرفات لزجة.
“ليس لديك موهبة في الأعمال. أما أنا، كما ترا، أملك قوة معلومات وسرعة بديهة.”
بالطبع، لم أكن أرغب حقًا في العمل مع هذا الشخص.
“ما هذا الذي…!”
“لقد جلستُ ابن أقوى دوق في القارة على طاولة التفاوض، في غضون دقائق فقط.”
وأشرت إلى إريك بأصبعي.
نهض إريك من مكانه، غير قادر على السيطرة على احمرار وجهه المتزايد.
وهذا ما كنت أريده بالضبط—
راح يتمشى قرب النافذة، عاجزًا عن كبح جماح غضبه، ثم انفجر أخيرًا.
“هاه…”
أن أجعل إريك أورليان يكرهني.
شربت الشاي الذي أحضرته الخادمة بهدوء.
لذيذ. كما توقعت، الأشياء الغالية دائمًا أفضل. رغم أنني لن أشتريه بنفسي أبدًا.
بالمناسبة، هذا القصر أعارنا إياه صديق أمي بعد أن أمسكت عليه شيئًا ما، وهذا الشاي هدية من الدوق قبل أيام.
بمعنى أن لا شيء هنا تم شراؤه بأموالنا.
ماذا قال صديق أمي حين استولى منا على منزله؟
“أنتم طفيليات لعينون!”
آه، نعم. طفيليات. لقب يليق بنا تمامًا.
لكن دعوني أخبركم… إذا كنتم لا تحبون الطفيليات، كان عليكم أن تعيشوا حياة نظيفة من البداية، أليس كذلك؟ الأشرار يتعرفون على الأشرار جيدًا، أليس كذلك يا رفاق؟
قلت لإريك بنبرة ناصحة:
“من الأفضل ألا تُظهر مشاعرك كثيرًا على طاولة التفاوض. من السهل كشف أوراقك عندها، كما أن المشاعر الجياشة تجعل من الصعب الوثوق بك.”
“تتحدثين وكأنك مستشارتي السياسية… بينما تهددينني في الوقت نفسه.”
حدّق فيّ إريك بنظرة حادة.
رفعت كتفي بلا مبالاة.
“مجرد نصيحة من شريك عمل.”
“شريك عمل؟ هه!”
“لكنني منبهرة حقًا. كنت أعتقد أنك مجرد الابن المهذّب اللطيف، لكنه يبدو أنك قادر على الوقوف في وجه والدك أيضًا.”
في تلك اللحظة، تغيرت نظرة إريك للحظة وجيزة. لم أفوّت تلك الفرصة وسألته فورًا:
“من الصعب العيش في منزل الدوق، أليس كذلك؟ خاصة بعد إعلان والدك زواجه من كونتيسة أرملة لديها طفلان. لا بد أنك تقلق بشأن ترتيب الوراثة أيضاً.”
تعمدتُ استفزازه، فأظهر رد فعل غريب.
“الوراثة؟ لم ولن أفعل أي شيء بسببيكِ أنتِ أو فيليب. لا شيء. لا أحد منكما، خصوصًا أنتِ، أنتما…”
“أخ وأخت.”
“…؟”
“سوف نصبح أخًا وأختًا. أنا وأنت.”
ابتسمت له بخفة. بدا عليه التوتر الشديد، لذا تكفلت أنا بقولها بدلاً عنه، فلماذا كل هذا الوجه المعقّد؟
أم أن الأمر لا يقلقه أصلًا؟
“إذن، لماذا خنت والدك؟”
“إيميلين ويدجوود.”
نطق إسمي فجأة بنبرة هادئة.
تقدّم نحوي وتوقف أمامي مباشرة. عيونه الحمراء تلألأت أمامي.
“إذا كنتِ تحبين حياتك، فالأفضل أن تتوقفي عن هذه التصرفات الطائشة.”
تصلّب جسدي فجأة.
لأن صوته في تلك اللحظة بدا وكأنه صوت الدوق وهو يقول لي: “إلى اللقاء، إيميلين.”
نظرت إليه بعينين مشوشتين.
هل هذا الرجل عدوي؟ أم صديقي؟
كنت أتمنى حقًا أن يكون صديقي.
لكن إن كان مثل الدوق تمامًا، فهذا يعني أن الرغبة في صداقته قد تكون خطرًا كبيرًا.
“أوه، سموّ الأمير! آسفة، لم أكن في صحة جيدة، لذا…”
في تلك اللحظة، انطلقت من أعلى الدرج صوتٌ مألوف.
كانت أمي.
التفت إريك بسرعة نحوها، وانحنى لها بوجه جامد.
“سأترك قائمة الهدايا هنا، سيدتي.”
“عذرًا؟ بما أنك هنا، لما لا نتناول الشاي سويًا…”
ضغط إريك على أسنانه، وحدّق بي بغضب.
“لقد تناولت الشاي بالفعل مع الآنسة إيميلين. إلى اللقاء.”
ثم غادر المكان ببرود.
ما إن خرج، حتى زمّت أمي شفتيها وهي تتأفف.
“ذلك الوقح… يخشى أن نسرق منه شيئًا. مع أنه غني، لماذا لا يشارك ثروته قليلًا؟ من أين أتى بهذا الطبع؟ سمعت أن أمه كانت امرأة مجنونة، لعله يشبهها؟”
بدلاً من الرد على كلمات أمي المليئة بالأحكام المسبقة، أسندت جسدي إلى ظهر الأريكة ودلّكت جبيني.
في الحلم، كانت هناك وثائق تتحدث عن جرائم الدوق. من بينها: قتله لزوجته السابقة.
رغم أن الأمر أُعلن على أنه انتحار، إلا أن الحقيقة كانت مغايرة.
والآن، أمي في طريقها لتلقى نفس المصير.
حالما تتزوج بالدوق، ويكتشف هذا الأخير أنها في الواقع لا تملك شيئًا.
هيلينا ويدجوود الجميلة.
أمي.
لم أنسَ قط ذلك المشهد… حين كانت ممددة في مكتب الدوق.
“أمي… هل يمكننا ألّا نقوم بهذا الزواج؟”
سألتها بنبرة قاتمة. فتصلّب وجهها.
“لماذا؟ لأن إريك أورليان كان فظًّا؟ إيميلين، منذ متى أصبحتِ ضعيفة هكذا؟ هل نسيتِ كيف كنا نعيش في ذلك المخزن الصغير؟”
نظرت إليّ بعيون كأنها على وشك البكاء.
“أنت لا تفهمين. الدوق يحبني حقًا. صحيح أنني أعجبت به لأجل المال… لكن أعتقد أنني أستطيع بدء حياة جديدة معه. أنسى كل الذكريات المؤلمة…”
عضضتُ شفتي عند كلماتها.
ذكريات مؤلمة.
متى كانت تلك الفترة لأمي؟ عندما كانت تهرب من الدائنين؟ أم حين كانت تعمل في مطعم؟ أم…؟
هززت رأسي.
“لكن ماذا لو كان هذا الدوق هو أصل كل شقائنا؟ ماذا لو لم يكن سببًا في سعادتك بل تعاستك؟”
عند سؤالي، نظرت أمي إليّ بعينين حادتين، بعدما بدت على وشك البكاء قبل لحظات. وكأن دموعها كانت تمثيلًا.
“حتى وإن كان تعاسة، سأتحمّله. لأجلك ولأجل أخيك.”
ضحكتُ بمرارة.
كيف لي أن أقنع أمي؟ هل أقول لها: “أمي، رأيت حلمًا…”؟
هذا لن يجدي نفعًا…
لكن، لو كان لديّ دليل قاطع… حتى إن لم أستطع فضح الدوق، قد أستطيع إقناع أمي على الأقل.
دليل قاطع…
مثل وثائق… أو وثائق… أو وثائق من نوع ما…
حين صمتُّ، تنهدت أمي بارتياح وقالت:
“هيا بنا إلى المشغل. أنفقي الكثير من مال الدوق، وسيتبخر كل هذا التفكير السخيف!”
“أمي، كنتِ تتصنّعين البكاء قبل قليل، أليس كذلك؟ كنتِ تمثلين؟”
“اصمتي، يا هذه…!”
✵ ✵ ✵
كانت قائمة الهدايا التي أحضرها إريك أورليان بنفسه تتضمن أيضًا فستان زفاف.
عندما عرفت كم يكلف، كدتُ أمسِك عنقي من الصدمة.
“… ألن يكون من الأفضل لو أعطوني المبلغ نقدًا فقط؟”
قلتُ
لا تناسبني على الإطلاق.
حين رأت ليلي ملامح الضيق على وجهي، سألتني:
“هل هناك ما لا يعجبكِ؟”
“لا. يعجبني. كثيرًا.”
ابتسمتُ بخفة. في تلك اللحظة، انطلقت صرخة من أمي في الطابق العلوي وهي تجرّب فستانها.
“إنها تُجرّب الفستان الآن، أليس كذلك؟ ليست في معركة مع تنين، صحيح؟”
سألتُ البائعة، فضحكت بخجل.
“يبدو أن السيدة غير معتادة على ارتداء الكورسيه.”
من البداية، أين أصلاً يوجد ما يستحق الشد بالكورسيه في جسد أمي؟
ربما يظن نبلاء العاصمة أن النساء لا يملكن أضلاعًا؟
أمي، زوجة لأربعة رجال، بدأت برجل من العامة، ثم رجل ثري من العامة، ثم بارون، وارتقت بمكانة أزواجها تدريجيًا… لكن كلما ارتفع مقام الزوج، كان أكثر تعقيدًا وأسوأ طبعًا.
ألم يكن دوق أورليان ذروة هذا الانحدار؟
تذكّرتُ حلمي الحيّ عن دوق أورليان، فارتجف جسدي.
لن أسمح لذلك السيكوباتي بأن يحصل على أمي. مستحيل!
ولا على حياتي، أيضًا!
في الواقع، أفضل وسيلة لإفساد هذا الزواج كانت باستغلال إريك.
لهذا السبب أثرت موضوع الميراث بطريقة خبيثة.
إذا تزوّج الدوق من أمي، فسيُولد بينهما أخ وأخت لا تجمعهما قطرة دم واحدة. من الطبيعي أن إريك لن ينظر بعين الرضا إلى ذلك.
كنت أراهن على أن يُفجّر إريك، بشخصيته الحادة، هذا الزواج بنفسه…
لكن، يبدو أني كنت واهمة.
ولم أكن أستطيع المجادلة.
فحتى لو تم الزواج قانونيًا، نحن لسنا أبناء الدوق الحقيقيين. أنا وأخي فيليب، أبناء عائلة بارونية من الريف، فما الذي يجعلنا مؤهلين لمنافسة إريك على أي شيء؟
ما قاله أقارب إريك عن أنه يشعر بالتهديد منا، لم يكن سوى هراء.
حتى وأنا أهدده وفي يدي نقطة ضعفه، لم يبدو عليه أدنى شعور بالتهديد.
بل هو من هددني.
“إذا كانت حياتك تهمّك…”
تهديد صريح.
التهديد الحقيقي هو ذاك الذي يصدر عن أشخاص ذوي سلطة. ليس من فتاة صغيرة مثلي.
حتى لو ركضتُ إلى الدوق وأخبرته عن موضوع “الشراكة”، فلن يُقصي ابنه من أجل ذلك. على الأكثر، سيلقي عليه محاضرة، لا أكثر.
أما أنا…
فقد أجد نفسي تحت رقابة الدوق وابنه في الوقت نفسه. وإن كان الاثنان سيكوباتيين، فهذا يعني أن حياتي في خطر مضاعف.
“إذن الآن…”
بدأت رجلي تهتز من التوتر دون أن أشعر.
وضعت ثقل جسدي على ساق واحدة، وبدأت أضرب الأرض بقدمي.
اقتربت مني ليلي بوجه مذعور:
“آه، آنسة!”
ماذا؟
أول مرة ترين فتاة نبيلة تقف بهذه الطريقة؟
في النهاية، لم يتبقَ لي إلا خيار واحد:
إن لم أستطع تحريض إريك مباشرة، فعليّ أن أفتعل فضيحة ضخمة من الخارج.
شيء يجعل الدوق وإريك يقولان: “لا يمكننا السماح لامرأة كهذه، ابنة كهذه، بأن تدخل إلى بيت الدوق.”
لكن بالطبع، يجب أن أفتعل الفضيحة من وراء ظهر أمي.
لو علمت أمي، ستسحبني من شعري قبل أن أبدأ بشيء أصلاً.
فضيحة، هاه…
هل عليّ الذهاب إلى حفل راقص ليلي، وأتعلّق بأي رجل هناك، وأقوم بشيء فاضح يجعلني أتصدّر الصحف؟
بينما كنت أغرق في هذه الأفكار…
“آنسة، بعض الفتيات في الزاوية هناك يراقبننا. أرجوكِ، توقفي عن تحريك ساقك…”
قالت ليلي بنبرة قلقة.
ليتها قالت ذلك قبل قليل…
“أوه، من هذه؟ أليست إيميلين ذات الشعر الأحمر؟”
في اللحظة نفسها، اقتربت مني فتاة متأنقة من نبلاء العاصمة بابتسامة متعجرفة.
إيميلين ذات الشعر الأحمر.
اللقب الذي اعتدت أن أُدعى به في الماضي.
“أنتِ…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"