3
في الواقع، طوال الحفلة اليوم، التقت عيناي بعدّة مرات بعيني هذا الرجل. كنت أظنها مصادفة، لكن يبدو الآن أنها لم تكن كذلك.
“كان يراقبني بحثًا عن ذريعة ليهاجمني بها.”
راقبت تعابير وجهه، والتي بدت كما لو كان يسخر مني باعتباري فتاة ريفية من الجنوب.
رؤية نظرات الاحتقار من أحدهم لا تبعث على السرور، لكنني لم أكن من النوع الذي ينهار بسهولة أمام استفزازات ابن نبيل مدلل نشأ في العاصمة دون أن ينقصه شيء.
“أعتذر، لقد أسأت التصرف يا سيدي.”
تعمدت خفض بصري، وانحنيت برأسي قليلاً وملأت وجهي ببعض الخوف.
عند التعامل مع النبلاء، من المهم دائمًا إظهار قدر بسيط من الرهبة في العينين. فالنبلاء قوم غريبون، لا يشعرون بالراحة إلا عندما يطغون على الآخرين بشعور التفوق.
لكن رغم خنوعي، لم يتراجع النبيل قيد أنملة وقال بحدة:
“إساءة؟ هل تعرفين ما هي الإساءة الحقيقية، يا إيميلين ويدجوود؟”
“ماذا… ماذا تقصد، يا سيدي؟”
رفعت رأسي ونظرت إليه بعينين مرتجفتين، متظاهرة بالخوف إلى أقصى حد.
عيناه الحمراوان، اللتان كان من الصعب قراءة ما يدور خلفهما، كانت تزدريانني من أعلى لأسفل.
رغم أنني كنت أصر على التزامي بمظهري الذليل، كنت أعض على أسناني في داخلي.
“الزفاف بعد أسبوع. لا يجوز أن أفتعل مشاكل قبل ذلك… على الأقل حتى الزفاف.”
كنت أحبس رغبتي في أن أنطح هذا الرجل مثل وحيد قرن غاضب.
في تلك اللحظة، قال إيريك:
“عما يتحدث؟ إنه يتحدث عن والدتك التي تجرأت على التطلع إلى لقب دوقة أورليان، يا إيميلين. أنا لا أحبك ولا أحب والدتك. أخوك أفضل منك بكثير. على الأقل هو لا يتظاهر.”
رفع إيريك يده مهددًا بوجه غاضب.
أوه، يا له من سيناريو ممل. عنف جسدي؟
أغمضت عيني بقوة وشددت على أسناني. إن سال الدم من فمي، فلن أتمكن من الأكل لعدة أيام، لذا حرصت على ألا أعض على خدي من الداخل.
لكن، شيء غريب حدث.
“……؟”
“……؟”
أو بالأحرى، لم يحدث شيء.
فتحت عينيّ.
فرأيت إيريك أورليان ينظر إليّ بعينين غريبتين، وكأن تصرفي غير مبرر.
“لماذا أغمضت عينيكِ؟”
فخرجت كلماتي بعفوية، دون أن أدرك:
“ألستَ… كنت ستضربني؟”
عندها، ارتسمت على وجه إيريك أورليان تعابير اشمئزاز واضحة. نظر إليّ من أعلى لأسفل، ثم قال:
“تقولين هراء.”
بدا عليه الغضب الحقيقي.
“هل تريني مجرد إنسان حقير إلى هذا الحد؟”
شعرت أنني خدشت كبرياءه.
أنهى حديثه وخرج من الشرفة، لكنه وقبل أن يغادرها تمامًا، أضاف:
“في المرة القادمة، إن شعرتِ أن أحد الرجال ينوي الاعتداء عليك، فلا تغمضي عينيك بل اهربي بكل ما أوتيتِ من قوة، وقدّمي شكوى رسمية. هل يجب أن يُعلَّم أبناء الجنوب حتى مثل هذه الأمور؟”
في نبرة صوته المتغطرسة، كان هناك خيط خفيف من الشفقة.
“……”
بقيت في الشرفة لفترة طويلة.
لقد اكتشف الأمر.
اكتشف أنني قد تعرضت للضرب من قبل. وأنني أخشى ذلك.
لقد كُشف أمري.
وما جعلني أشعر بالخزي أكثر من احتقاره لي… هو أنه عرف تلك الحقيقة.
لم أغادر الشرفة إلا بعد أن تأكدت من مغادرة إيريك تمامًا.
تجولت في قاعة الحفلات وكأنني في غيبوبة، وبدأت أشرب كوبًا بعد كوب من عصير التفاح المخمّر الذي قدمته لي امرأة عجوز.
لم أكن لأتحمل دون ذلك.
“آه، أمي قالت لي ألا أشرب…”
“الآن سنصبح سعداء، أليس كذلك؟”
لكن شعرت أن كلمات أمي لن تتحقق.
ذكريات التعاسة تبقى عالقة في ذهن الإنسان كطفيليات.
نظرت إليّ العجوز وأنا أشرب بنهم، ثم قالت فجأة كلامًا غريبًا:
“التفاح الموجود في هذا المشروب تفاح سحري. إنه يمنع التعاسة.”
“نعم، نعم، طبعًا.”
“هل تعلمين أن للأحلام ثلاث وظائف؟”
“أمم، ربما؟”
بينما كنت أجيبها ببرود وأشرب المزيد، تمتمت ببضع كلمات أخرى، ثم اختفت.
✵ ✵ ✵
…وبالطبع، بعد شرب كل ذلك، أصبت بتسمم كحولي.
والآن، كنت في طريقي لمقابلة إيريك أورليان.
أعتقد أنني كنت مرتاحة أكثر في مواجهة تلك السيدة النبيلة التي كانت تسيء إليّ وإلى أمي، من ذهابي لمقابلة إيريك.
“لماذا أتى بنفسه أصلاً؟ سمعت أن النبلاء لا يغسلون أيديهم حتى، فكيف يأتي بنفسه بشأن هدية زفاف قد تم الاتفاق عليها مسبقًا؟”
وعندما وصلت إلى أسفل الدرج، تباطأت خطواتي. جاءني صوت مألوف، بصوته الساخر المعتاد:
“تأخرتِ في استقبال الضيف.”
أجبت بصعوبة:
“أعتذر… لقد نمت طويلًا…”
تذكرت ما حدث الليلة الماضية، فعضضت شفتي من دون وعي. شعرت بطعم الدم المالح.
حينها، نظر إليّ إيريك أورليان، الذي كان واقفًا ينتظرني دون أن يجلس على الأريكة في غرفة الاستقبال، وعبس جبينه.
كان يرتدي زيًا أزرق داكنًا، وكرافات أنيقة، وشعره مرفوع إلى الخلف.
“كيف يكون هذا ممكنًا؟”
ارتبكت.
لأن إيريك أورليان كان يرتدي بالضبط نفس ما رآه في حلمي الليلة الماضية، ذلك الحلم الغريب الذي رأيته بعد شربي لعصير التفاح من العجوز.
تذكرت ذلك الكابوس الغريب، وشددت قبضتي.
ذلك الكابوس بدأ هكذا تمامًا—
إيريك أورليان، بملابسه الحالية، قال:
“هل أنتِ طفلة؟ كيف لا زلتِ تعضين شفتيكِ؟”
“هل أنتِ طفلة؟ كيف لا زلتِ تعضين شفتيكِ؟”
يا إلهي، تمامًا كما في الحلم. ماذا يُسمى هذا النوع من الأحلام؟
بينما كنت أفكر بذلك، ظهرت إحدى الخادمات وهي تحمل صينية عليها شاي ساخن.
عندها، تذكرت كلمات العجوز:
“وظائف الأحلام الثلاث: استرجاع الماضي، تحقيق الرغبات الخفية، والتنبؤ بالمستقبل. لا تهملي أبدًا رسائل الأحلام.”
تنبؤ بالمستقبل.
وعندما تذكرت كابوسي، تعثرت قليلاً عند آخر درجة من السلم. تداركت توازني بالإمساك بالحاجز ونظرت إلى يدي.
مشاهد الحلم، التي لا تزال واضحة في ذهني، بدأت تتدفق من جديد.
هل… هل كل هذا كان رؤية للمستقبل؟ لا يعقل.
لكن في تلك اللحظة—
تمامًا كما في الحلم، مرّت الخادمة بجانب إيريك أورليان، حاملة الصينية التي عليها إبريق الشاي.
في الحلم، تعثرت تلك الخادمة بسبب قطعة خشب متفحمة تركها عامل التنظيف على السجادة بعد تنظيف المدفأة، وانسكب الشاي الساخن على إيريك.
اندفعت بسرعة بينه وبين الخادمة، وأمسكت بالصينية قبل أن تقع. وبسبب قوة الدفع، انسكب إبريق الشاي الساخن على يدي.
“آهغ!”
انتشر الألم في ظهر يدي، فصرخت وتراجعت. سقطت الصينية على الأرض بصوتٍ مدوٍ.
“إيميلين!”
رأى إيريك يدي وقد احمرّت بفعل الحرق، فصرخ باسمي بعينين مذعورتين. لكنني لم أكن مهتمه
كان اللورد ويدجوود، زوج أمي الرابع، رجلًا حقيرًا بكل معنى الكلمة. لقد كان مقامرًا مدمنًا، غارقًا في الديون، يطارده المرابون، حتى سقط ذات يوم من على منحدر ومات.
قبل أن يحدث ذلك، ترك لأمي قطعة أرض صغيرة على الساحل، لكنها كانت…
اللعنة على ذلك اللورد. كان قد رهن الأرض بالفعل من هنا وهناك، ولم يتبقَ منها سوى كومة من الديون. هل ما زلنا نحتفظ بها؟ وما الفائدة؟ الدائنون سيسيطرون عليها على أي حال…
نظرت إليّ أمي بعينين ممتلئتين بالذعر، ثم فجأة احتضنتني بقوة.
“…أمي؟ ما الأمر؟ هل دوق أورليان قال إنه لن يتزوجك بدون تلك الأرض؟ أغنى رجل في العاصمة يرفض الزواج قبل يوم واحد من الزفاف… فقط لأجل قطعة أرض تافهة؟…”
حين قلت ذلك، صرخت أمي فجأة:
“لا تذكري أبدًا أن الدوق مهتم بتلك الأرض! لا في أي مكان! لا تذكريها لأي أحد!”
“حسنًا، حسنًا! فهمت! لكنك تؤلمين كتفي… خففي من قبضتك…”
حين صرخت من الألم بسبب قبضتها القوية، انتفضت أمي وسحبت يدها عني على الفور.
ثم سارت مترنحة نحو غرفة نومها، وكان ظهرها يبدو بائسًا بشكل مؤلم.
ولم يتوقف الحلم عند ذلك، بل استمر حيًّا في ذهني…
في صباح اليوم التالي، ارتدت أمي فستان زفاف مزينًا بالمجوهرات البراقة، لكنها بدت خالية تمامًا من الحياة.
كان الفستان من اختيارها.
شعرت أن حالتها ليست على ما يرام، فحين كنا وحدنا في غرفة العروس، تحدثت إليها بجدية:
“إذا كان الدوق سيعاملك بهذه الطريقة فقط بسبب تلك الأرض، فلنهرب الآن. سواء كنا نملك المال أو لا، الزواج من رجل بلا أخلاق هو طريق مباشر إلى الهاوية.”
كتمت رغبة بداخلي في أن أقول: “أنتِ جربتِ ذلك من قبل، أليس كذلك؟” ثم تنهدت.
وبالمناسبة، كان جميع أزواج أمي السابقين متشابهين إلى حد كبير.
“أو على الأقل، اذهبي إليه واعتذري معًا، قولي له إن ما حدث كان سوء فهم، وإنك آسفة لأنك لم تخبريه عن الديون مسبقًا. هذا ما يفعله الناس الطيبون والعاديون، يا أمي. عندما يسود سوء فهم أو تُقال كذبة، فإنهم يعتذرون ويتواضعون.”
الغريب أنني، حتى داخل الحلم، تذكرت إيريك أورليان عندما قلت ذلك.
الرجل الذي يتصرف دومًا بكبرياء، ويضع كرامته فوق حياته، ومع ذلك لا يتردد في الاعتراف بأخطائه وتصحيحها.
هل يُسمى ذلك “طيبًا”؟
…ربما لا.
“ألم تقولي أنكِ، بعد أن تصبحي دوقة، ستعيشين حياة طيبة؟ فلنبدأ العيش بصدق، أرجوك. لا للمزيد من الأفعال السيئة.”
عندما قلت ذلك، ابتسمت أمي ابتسامة باهتة، ومررت بيدها المرتجفة الخالية من القوة على وجهي.
“أنتِ لا تفهمين يا إيميلين. الدوق… لن يتركني أبدًا. سيمسك بي حتى لو أصبحتُ جثة. كورقة ضمان.”
بينما كنت مذهولة لا أفهم ما تعنيه، دخلت الخادمات إلى غرفة العروس.
لم أفهم آنذاك معنى كلماتها.
وهكذا، أقيم الزفاف.
وجه أمي بدا وكأنه جثة، لكن بجانبها كان يقف دوق أورليان، دائمًا ما يتصرف معها بلطف أمام الآخرين.
مضى الوقت في الحلم بسرعة مذهلة.
خلال أسبوعٍ كامل بعد الزفاف، كنا — أنا وأمي وأخي — مشغولين تمامًا باستقبال الضيوف من العائلة المباشرة والفرعية للدوق، وكذلك الخدم التابعين له. ولم يكن هناك وقت لمناقشة أرض اللورد ويدجوود.
ثم، في إحدى الليالي، دخلت أمي غرفتي على عجل، تحمل مغلفًا من الأوراق.
“إيميلين! استيقظي. خذي هذه الأوراق واذهبي مباشرة إلى الباب الخلفي. اركضي إلى أقرب مركز شرطة. لا تفتحي المغلف قبل أن تصلي. وعندما تصلين، اطلبي مقابلة المدعي العام اسمه باتريك…”
كنت ما زلت نصف نائمة، أردت أن أسألها ما الذي تقصده، لكن فجأة، سُمعت أصوات الخادمات في الممر وهن ينادينها.
فتجمدت أمي في مكانها كأنها خنزير يُساق إلى المسلخ، ثم خرجت مرتجفة.
جلست في مكاني مذهولة للحظة، ثم بدأت بجمع كل ما في الغرفة من أشياء يمكن بيعها: شمعدانات فضية، حليّ ذهبية… أي شيء سهل الحمل وله قيمة.
كانت أمي تعني أننا علينا الهرب من هذا القصر.
وفي الحقيقة، شعرت بشيء من الارتياح.
لقد سئمت من التظاهر بأنني آنسة نبيلة خجولة من الريف، وسئمت أكثر من رؤية أمي تتصرف طوال الأسبوع وكأنها ارتكبت جريمة عظيمة أمام الدوق.
نعم، إلى الجحيم معكم أيها النبلاء المتعجرفون. أنا راحلة.
أنا لم أكن من النبلاء في الأساس.
والدي… لا أرغب حتى في التفكير به. على أي حال، لا أمي ولا والدي البيولوجي وُلِدا في طبقة النبلاء، لذا لا يحق لي اعتبار نفسي منهم.
فعلت ما طلبته أمي. لم أفتح المغلف، وبدأت بجمع حاجياتي.
الشيء الوحيد الذي لم أفعله كما طلبت هو أنني، بعد أن نزلت عبر النافذة، وقفت أمام الباب الخلفي للقصر… أنتظر أمي وفيليب.
نحن الثلاثة، رغم فقرنا، كنا دائمًا معًا.
عندما هربنا من قافلة زوج أمي الثالث، وعشنا في الشوارع، أو عندما ضُربنا أثناء العمل في المطعم، أو حتى عندما سرقنا مال ذلك المطعم وهربنا منه…
كنا معًا دائمًا.
وهذه المرة أيضًا، كنا سنكون معًا.
أنا كنت أؤمن بذلك.
وعندما نغادر العاصمة هذه المرة، سنعيش بكرامة، حتى إن متنا جوعًا. لن نعتمد بعد اليوم على أي زوج أم خبيث.
بالأشياء التي جمعتها من القصر—كالشمعدانات الفضية والزينة الذهبية—ربما يمكننا فتح محل صغير للحساء في الريف.
كانت أمي تطبخ حساء الدجاج بشكل جيد. فيليب، رغم افتقاده للحس التجاري، كان بارعًا في الكلام ويمكنه جذب الزبائن. أما أنا، فكنت جيدة بالحسابات والإدارة، لذا يمكنني تولي الأمور المالية والتشغيلية.
كنت أتخيل ذلك المحل الصغير في مخيلتي، وحين نظرت للخلف نحو القصر—
دوّى صوت رصاصتين من جهة القصر.
بانغ! بانغ!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"