بعدَ أنْ نطقَ بكلمةِ “الطلاق”، اندفعَ شعورٌ مُرعبٌ بالواقعيّةِ نحوَهُ.
لم يستطعْ إكليد حتّى أنْ يلتقي بنظراتِ إيفجينيا، فأطرقَ بعينيهِ إلى الأرضِ.
بالطبع، لم يكنْ قلبُهُ في سكينةٍ وهو يطالبُ بالطلاقِ.
لا، بلْ لنكُنْ صادقين، كانتِ الظروفُ التي أجبرتهُ على الوصولِ إلى هذهِ النقطةِ بائسةً، وكأنّ صدرَهُ يتمزّقُ إرباً.
لكنْ، مع ذلكَ…
— “أرجوكِ، عاهديني. أنّكِ من الآنَ فصاعداً لنْ تتصرّفي بتهوّرٍ. أنّكِ حتّى لو حدثَ شيءٌ لدوقيّةِ روديون أو لي، ستتظاهرينَ بأنّكِ لا تعرفينَ.”
لم يستطعْ إكليد أنْ ينسى ردّ إيفجينيا المذهولَ والحادَّ على تلكَ الكلماتِ.
كانَ إكليد متأكّداً—إيفجينيا لنْ تتردّدَ أبداً في تعريضِ نفسها للخطرِ إذا ما حدثَ شيءٌ.
لذلكَ، كانَ عليهِ أنْ يكونَ هوَ مَنْ يقطعُ هذهِ العلاقةَ أوّلاً.
كانَ ذلكَ الثمنَ الذي يجبُ أنْ يدفعَهُ لقرارهِ غيرِ المسؤولِ بالزواجِ، ليغيّرَ رأيهُ الآنَ ويرغبُ في العيشِ.
حتّى لو كانَ ذلكَ كلّهُ من أجلِ إيفجينيا…
‘زوجةٌ تُطلبُ منها الطلاقُ من طرفٍ واحدٍ دونَ أنْ تعرفَ الظروفَ، لنْ تجدَ ذلكَ سوى سخيفاً.’
ربّما تشعرُ حتّى بشعورٍ عميقٍ بالخيانةِ والفراغِ.
لم يستطعْ إكليد حتّى أنْ يتخيّلَ كيفَ يجبُ أنْ تكونَ مشاعرها، فغدا وجهُهُ مُعتمًا كئيبًا.
“……”
“……”
مرّ صمتٌ طويلٌ بينهما.
كانتْ إيفجينيا هيَ مَنْ كسرتْ الصمتَ أخيرًا، عائدةً إلى الواقعِ بعدَ أنْ أذهلها تعبيرُ إكليد الحزينُ للحظةٍ.
“ماذا قلتَ للتوّ؟”
“أنا… أريدُ الطلاقَ…”
“ها!”
أطلقتْ إيفجينيا ضحكةً حادّةً.
ظنّتْ أنّها أساءتْ السمعَ—لكنّهُ كانَ حقيقيّاً.
بعدَ لحظاتٍ، أجبرتْ ابتسامةً على شفتيها وسألتْ:
“هلْ أنتَ جادّ؟ للعلم، أنا لستُ من الضيّقي الأفقِ الذينَ يرونَ ‘الصدقَ’ فضيلةً في كلّ الظروفِ—أنا شخصٌ يمكنهُ قبولُ ‘كذبةٍ بيضاءَ’ بكرمٍ، فتذكّرْ ذلكَ قبلَ أنْ تجيبَ.”
كانَ قلبُها، الذي يأملُ أنْ يتراجعَ عن كلماتهِ حتّى لو كذبَ، واضحًا كالشمسِ.
لكنْ، لم يكنْ لإكليد خيارٌ سوى أنْ يخيّبَ أملها مرّةً أخرى.
“…أنا جادّ.”
بينما أجبرَ الكلماتِ على الخروجِ من شفتيهِ الرافضتين، نظرتْ إيفجينيا إليهِ مصدومةً بوضوحٍ.
عضّ إكليد شفتَهُ بقوّةٍ، خشيةَ أنْ تسقطَ دموعُهُ في أيّ لحظةٍ.
في تلكَ اللحظةِ بالذاتِ، نهضتْ إيفجينيا فجأةً، وحدّقتْ بهِ بنظرةٍ ناريةٍ، معلنةً:
“لا. ارجعْ.”
وبإيماءةِ يدٍ صلبةٍ كنبرتها، مزّقتْ أوراقَ الطلاقِ التي التقطتها للتوّ أمامَ عينيهِ مباشرةً.
أمسكَ إكليد أنفاسَهُ وهو يحدّقُ عبرَ قصاصاتِ الورقِ المتطايرةِ إلى وجهِ إيفجينيا الحازمِ—وجهٌ يقولُ: “لنْ يكونَ هناكَ طلاقٌ.”
بالطبع، لم يكنْ يتوقّعُ أنْ تقبلَ الطلاقَ بسهولةٍ.
لكنْ رؤيتها تعارضُ بشدّةٍ ملأتهُ بامتنانٍ عارمٍ وقلقٍ ناقرٍ في الآنِ ذاتهِ.
كلّما طالتْ عمليّةُ الطلاقِ وتعقّدتْ، كانَ الألمُ الذي ستعانيهِ إيفجينيا حتماً أكبرَ.
لعينِ الغريبِ، قد يبدو خطّتهُ كحلمٍ أحمقَ، لكنْ في الحقيقةِ، إذا سارتْ الأمورُ وفقَ الخطّةِ، كانَ إكليد ينوي أنْ يتقدّمَ لخطبةِ إيفجينيا من جديدٍ.
ليسَ كما في السابقِ، حيثُ جاءَ الطلبُ مفاجئاً ووقّعتْ عليهِ بذنبٍ ومرارةٍ—بلْ برسالةٍ قلبيّةٍ، كلّ كلمةٍ فيها مكتوبةٌ بصدقٍ وعنايةٍ.
بالطبع، لا ضمانَ أنْ تقبلَ إيفجينيا ذلكَ الطلبَ.
حتّى لو شرحَ كلّ شيءٍ بصدقٍ، قد لا تسامحهُ أبداً.
ربّما، بحلولِ ذلكَ الوقتِ، تكونُ قد تجاوزتْ مشاعرها وتخلّتْ عنهُ.
“……”
كانَ الأمرُ ساخراً بعمقٍ—لقد وضعَ هذهِ الخطّةَ ليعيشا معاً بسعادةٍ دونَ أنْ يموتا، لكنْ في هذهِ العمليّةِ، قد ينتهي بهِ الأمرُ بفقدانها إلى الأبدِ.
مع ذلكَ، حتّى لو أدارتْ إيفجينيا ظهرَها لهُ في النهايةِ، لم يكنْ بإمكانهِ أنْ يسمحَ لها بأنْ تكونَ في خطرٍ بسببهِ.
لذا، حتّى لو لم ترغبْ هيَ في ذلكَ، كانَ عليهِ أنْ يحرّرَها.
تماماً عندما عزمَ إكليد مجدّداً على إقناعِ إيفجينيا وفتحَ فمهُ ليتكلّمَ—
“اخرجْ.”
أشارتْ إيفجينيا بحزمٍ نحوَ البابِ وتكلّمتْ ببرودٍ.
“…عفواً؟”
“لا أريدُ الحديثَ بعدَ الآنَ. اخرجْ. الآنَ.”
كانتْ إيفجينيا دائماً تعاملُ المفضّلَ لديها بعاطفةٍ.
حتّى لو كانتْ تعابيرُها أحياناً خرقاءَ، إذا دقّقتَ النظرَ، كانتْ دفءُها الفريدُ موجوداً دائماً.
إكليد، الذي اعتادَ على ذلكَ الدفءِ، أصابهُ الارتباكُ التامّ من سلوكها الحادّ والباردِ.
بينما تردّدَ، تحرّكتْ إيفجينيا بنفسها ودفعتهُ نحوَ البابِ.
“…زوجتي.”
مندهشاً ومرتبكاً، ناداها إكليد دونَ تفكيرٍ.
توقّفتْ إيفجينيا، ثمّ نظرتْ إليهِ بعينينِ مليئتينِ بالضغينةِ.
“ما زلتَ تناديني ‘زوجتي’ بذلكَ الصوتِ اللطيفِ.”
“……”
“ما زلتَ ترتدي خاتمَ زواجكَ… ومع ذلكَ، تريدُ الطلاقَ؟”
كانَ إكليد عاجزاً عن الكلامِ.
للحظةٍ، ظنّ أنّهُ ارتكبَ خطأً.
لكنّهُ لم يردْ أنْ يتوقّفَ عن مناداتها “زوجتي”.
ولا أرادَ أنْ يخلعَ الخاتمَ الذي ارتدياهُ معاً لمدّةٍ طويلةٍ، والذي أصبحَ جزءاً منهُ.
على الرغمِ من أنّهُ يعلمُ أفضلَ من أيّ أحدٍ أنّهُ لا ينبغي أنْ يشعرَ بهذا الشكلِ…
ثمّ—
“لا تفكّرْ حتّى في خلعِ ذلكَ الخاتمِ!”
صاحتْ إيفجينيا، مخطئةً في تفسيرِ نظرتهِ المتردّدةِ على يدهِ، المملوءةِ بالمشاعرِ المتعلّقةِ.
مذهولاً، رفعَ إكليد عينيهِ، لتسارعَ إيفجينيا بإخفاءِ يدها المزيّنةِ بالخاتمِ خلفَ ظهرها.
“لنْ أعطيكَ خاتمي أيضاً.”
“……”
…هلْ يمكنني حقاً المضيّ قدماً في هذا الطلاقِ؟
عبرَ هذا السؤالُ ذهنَ إكليد للحظةٍ عابرةٍ.
لقد أمضى أياماً ولياليَ في مكتبهِ يعدّ للطلاقِ.
ذهبَ معظمُ تركيزهِ إلى إعادةِ كلّ ما تلقّاهُ عندَ زواجهِ من إيفجينيا.
مهرُ دوقيّةِ باسيليان، أموالها الشخصيّة، منجمُ الحجرِ السحريّ الذي اكتشفهُ بفضلها، وحتّى حقوقُ تجارةِ التوابلِ.
لكنّهُ فكّرَ فقط فيما يجبُ إعادتهُ إليها—لم يفكّرْ ولو مرّةً فيما يجبُ أنْ يستردّهُ.
لم تكنْ هديّةَ زفافٍ بسيطةً—كانتْ كنزاً عائليّاً استُخدمَ ذاتَ مرّةٍ من قِبلِ السيّدِ والسيّدةِ المؤسّسينِ لدوقيّةِ روديون.
ومع ذلكَ، بدتْ مخاوفهُ بعيدةً الآنَ، وإيفجينيا—التي تحمي خاتمَها بحدّةٍ، خائفةً من أنْ يُؤخذَ—كانتْ لا تقلّ عن رائعةٍ.
إكليد، مرتبكاً حتّى من مشاعرهِ الخاصّةِ، فتحَ فمهُ وأغلقهُ كأحمقَ.
“اخرجْ.”
كما لو أنّها تخافُ ممّا قد يقولهُ بعدَ ذلكَ، شدّدتْ إيفجينيا وجهَها ودفعتهُ بسرعةٍ إلى الخارجِ.
!بانغ
أُغلقَ البابُ بقوّةٍ أمامَ عينيهِ مباشرةً.
“…هاه.”
تسرّبَ تنهيدةٌ عميقةٌ من شفتي إكليد، محملةً بالإحباطِ.
مخاوفُ أنّ الأمورَ لم تسِرْ وفقَ الخطّةِ، ارتياحٌ خافتٌ، ومشاعرُ تجاهَ إيفجينيا، كلّها تشابكتْ وتدفّقتْ داخلهُ.
وهكذا، وقفَ إكليد هناكَ لوقتٍ طويلٍ، عاجزاً عن مغادرةِ عتبةِ البابِ.
* * *
بعدَ أنْ طردتُ إكليد بالقوّةِ، أمسكتُ صدري وانهرتُ على الأرضِ.
كانَ رأسي يدورُ، وقلبي ينبضُ بجنونٍ.
الطلاقُ؟!
طلبَ إكليد الطلاقَ؟!
“أخ! “
ما زلتُ أظنّ أنّهُ حلمٌ سيءٌ، فقرصتُ خدّي بقوّةٍ—كانَ الألمُ كافياً ليجعلَ عينيّ تدمعانِ.
“إذنْ، ليسَ كابوساً… إنّهُ حقيقيّ…”
لا عجبَ أنّ الأمورَ كانتْ تسيرُ بشكلٍ غريبٍ جيّدٍ منذُ الصباحِ—هلْ كانَ كلّ ذلكَ يقودُ إلى هذا؟
“اللعنةُ. هذا سخيفٌ.”
أمسكتُ رأسي بكلتا يديّ وتأوّهتُ.
منذُ أنْ امتلكتُ هذا الجسدَ، ظننتُ على الأقلّ أنّني لنْ أنتهيَ مطلّقةً.
بالطبع—لأنّني لستُ إيفجينيا الأصليّةَ من الروايةِ التي طاردتْ رجالاً آخرينَ بعدَ الزواجِ!
‘هلْ هذا ربّما التدفّقُ الساحقُ للحبكةِ الأصليّةِ؟’
لكنّني غيّرتُ الكثيرَ من الأحداثِ في القصّةِ بالفعلِ.
“هذا سخيفٌ جدّاً.”
في الرواياتِ التي قرأتها، كانَ المنتقلُ عادةً هوَ مَنْ يطلبُ الطلاقَ أوّلاً.
ثمّ يصبحُ الزوجُ اللامبالي مهووساً فجأةً!
“فلماذا أنا من تُسلمُ أوراقَ الطلاقِ؟!”
* * *
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات