### الحلقة 137
“واه!”
“سموّ وليّ العهد! من فضلك انظر إلى هنا!”
منذ لحظة دخولهم العاصمة، امتلأت الشوارع المؤدّية إلى القصر الإمبراطوريّ بالجماهير التي تستقبل وليّ العهد والجيش الإمبراطوريّ بحفاوة.
كان كايدن، بعينين محمرتين من قلّة النوم، منهمكًا تمامًا بفكرة لقاء إيفجينيا أخيرًا.
لكن حين رأى الحشود المتحمسة على جانبي الطريق تهتف باسمه، لوى شفتيه في ابتسامة باردة.
لقد عاد منتصرًا مرّات لا تُعدّ في السابق.
ومع ذلك، نادرًا ما قوبل بترحيب بهذا الحماس.
ربّما حدث ذلك مرّة أو اثنتين في البداية، لكن بعد أن أصبح الإمبراطور يُشعل الحروب بلا تردّد، بردت مشاعر الناس تجاهه تدريجيًا.
حتّى هذه المرّة، انطلقوا في صمت عند الفجر، والآن يُستقبلون بالهتافات. كان الأمر يكاد يكون ساخرًا.
تحدّث مساعده الراكب بجانبه، وهو يبدو متفاجئًا، بنبرة حائرة.
“يبدو أنّ جلالته أولى موكب النصر اهتمامًا كبيرًا.”
“لا شكّ أنّه أنفق ثروة.”
عند ردّ وليّ العهد الجافّ، أطلق المساعد ضحكة متوتّرة.
“ومع ذلك، الشعب يهتف باسم سموّك ويحتفي بك. ربّما لو لوّحتَ لهم ولو قليلًا…” أحم. عندما استقبله نظرة حادّة، تنحنح المساعد وأطبق فمه.
كان هذا يوم عودتهم إلى أرض الوطن بعد حرب مضنية، لكن وليّ العهد لم يُظهر أيّ بادرة سعادة.
كان المساعد، الذي يعرف السبب جيّدًا، يبدو مشدود الأعصاب.
كان يتمنّى أن يخفّ غضب كايدن ولو قليلًا خلال الرحلة إلى العاصمة، لكنّه بدا قد ازداد حدّة.
سيواجه إيفجينيا، التي أصبحت الآن دوقة روديون، وجهاً لوجه قريبًا، ومجرد التفكير بما قد يحدث أثار فيه القلق.
أخيرًا، عندما بلغوا مدخل القصر الإمبراطوريّ – المحطّة الأخيرة – ارتفع الهتاف أكثر من أيّ وقت مضى.
كان الإمبراطور والنبلاء جميعًا حاضرين.
كايدن، الذي حافظ على تعبير يغلبه الضجر والانزعاج، أضاءت عيناه بومضة خافتة أخيرًا.
تجوّل بنظره الحادّ في المكان، وبين النبلاء المتشابهين في زيّهم، لمع شخص واحد بوضوح في عينيه.
“إيفجينيا…”
انسلّ صوت يشبه التأوّه من بين شفتيه دون قصد.
في تلك اللحظة، اجتاحته موجة عارمة من المشاعر.
كراهية، غضب، ضغينة… أغلبها سلبيّ.
لكن بين هذا كلّه، كان هناك، بلا ريب، خيط رفيع من شيء آخر.
فرح.
‘لا… ربّما شوق.’
كان يفكّر في إيفجينيا كلّ يوم دون استثناء.
أراد أن يرى بعينيه.
كان لديه أسئلة كثيرة يودّ طرحها.
وفي النهاية… كان يعلم أنّ الغضب سيستولي عليه.
لكن قبل كلّ ذلك، مجرّد رؤية وجه إيفجينيا منحته شعورًا بالبهجة لا يُفسّر، وكاد يشعر بالسخافة.
تلاشى الحنق القاتل الذي كان يُسيطر عليه كأنّه وهم، وبدأ قلبه ينبض بقوّة. في تلك اللحظة—
“لقد عدتَ بسلام، يا ابني!”
تقدّم الإمبراطور، الذي لم يُظهر يومًا عاطفة أبويّة، فجأة بصوت جهوريّ. شعر كايدن وكأنّه انتزع من حلم.
أجبر نفسه على تحويل نظره عن إيفجينيا ونزل من جواده.
ثمّ ركع على ركبة واحدة وأنزل رأسه.
“أحيّي جلالة الإمبراطور.”
“…”
كان الإمبراطور يخطّط لعرض لقاء أب وابنه دافئ، فتكشّر وجهه عندما أبدى كايدن برودًا واضحًا وحافظ على مسافة.
كان الهدف بالطبع هو إسكات الشائعات حول العائلة الإمبراطوريّة والشمال، واستعادة هيبته. لقد تكبّد عناءً كبيرًا، حتّى استدعى كبير الكهنة لهذه المناسبة.
لكن كايدن، بتعكيره الأجواء، أثار استياءه الشديد.
خاصّة أنّ الإمبراطور كان قد خاض لتوّه حوارًا مزعجًا مع إيفجينيا، وشعر بأنّ كايدن متّهم بطريقة ما أيضًا.
مع ذلك، وهو يفكّر في المبلغ الباهظ الذي أُنفق على الاحتفال والمأدبة، اجتهد الإمبراطور ليرسم ابتسامة مشرقة.
“أن أراك تعود بسلام من الجبهة، أشعر ب—”
“—الغثيان؟”
“—أشعر بالغثيان!”
ارتفعت أصوات الدهشة وأنفاس مختنقة من حوله.
أدرك الإمبراطور متأخرًا أنّ خطأً فادحًا قد حدث.
كان ينوي أن يقول إنّه فخور…
لكن ما نطق به كان شيئًا آخر تمامًا.
اضطرب الإمبراطور ونظر حوله تلقائيًا.
كان من المفترض أن تكون تلك لحظة خطاب إمبراطوريّ مهيب لبطل الحرب وليّ العهد.
لكن إيفجينيا، غير آبهة، كانت منحنية تتفقّد حالة صبيّ صغير.
همست الفتاة الصغيرة بجانبها بهدوء،
“أظنّ أنّه بسبب أكله ثلاثة أطباق من الآيس كريم قبل أن نأتي.”
“ماذا؟ ثلاثة أطباق؟!”
انتفضت إيفجينيا وأعادت فحص الصبيّ بسرعة.
كايدن، وهو يراقبها، شكّ في عينيه للحظة.
تنحنح الإمبراطور بصوت مرتفع.
لو تحدّثت بصوت أعلى، لكان بإمكانه أن يرمقها بنظرة لوم.
كان متضايقًا من عدم اهتمامها، لكنّه شعر بقلق أكبر لأنّ لسانه ردّد كلماتها دون إرادته.
والأدهى، بدا الصبيّ مريضًا فعلًا، وانتقادها بدا تافهًا حتّى في عينيه.
وليُضف سوءًا على سوء، كان الطفل يخص عائلة دوق روديون، المعروف بتوتر علاقته مع العائلة الإمبراطوريّة.
في النهاية، أعاد الإمبراطور بصره إلى كايدن وبدأ من جديد كما لو لم يحدث شيء.
“كايدن، لقد عانيت الكثير حقًا. انتصارك سيُخلّد في تاريخ إمبراطوريّة إليوس—”
“كفوضى عارمة.”
“—كفوضى عارمة…”
هذه المرّة، أدرك زلّته في منتصف الجملة وأغلق فمه فورًا.
لكن الضرر قد وقع.
عمّ صمت قصير، ثمّ انتشرت الهمسات بين الحضور كالمداد في الماء.
غطّى البعض وجوههم لإخفاء ضحكاتهم، بينما تجمّد آخرون بأفواه مفتوحة.
“ها…”
حتّى كايدن أطلق ابتسامة متعجّبة.
احمرّ وجه الإمبراطور من الغيظ، مقتنعًا أنّ كايدن يهزأ به.
لكن على عكس توهّمه، لم يُعر كايدن الخطأ اللفظيّ أيّ اهتمام.
رغم أنّه بدا كلعنة تُسجّل انتصاره في صفحات التاريخ المخجلة، كان غير مكترث.
كان تركيز كايدن منصبًا على إيفجينيا وحدها.
طريقة نظرها إلى الطفل – برفق وقلق عميق – كانت صادمة لدرجة أنّها أثارت فيه قشعريرة.
كان يفترض بغموض أنّه سيتزوّج إيفجينيا يومًا ما، لكنّه لم يتصوّرها أبدًا مع طفل.
لقد شاهد كيف تعاملت بجمود مع عائلتها التي أحبّتها، ولم يتخيّلها أمًا حنونة قطّ.
لكن الآن – من هذه المرأة الرقيقة التي تعتني بالطفل بكلّ هذا العطف؟
كانت إيفجينيا بلا شكّ، لكنّها بدت كشخصيّة مختلفة كليًا.
وفي تلك اللحظة، انتبه كايدن فجأة لنظرات حادّة تخترقه، قويّة لدرجة أنّه تساءل كيف لم يشعر بها من قبل.
كان يقف إلى جانب إيفجينيا رجل ذو شعر ذهبيّ، يتوهّج كما لو استحوذ على ضوء الشمس بأكمله، يحدّق بكايدن بتعبير متصلب.
عندها أدرك كايدن.
كان ذلك الرجل هو دوق روديون – الذي انتزع إيفجينيا منه.
رغم علمه أنّ إيفجينيا هي من رغبت بالزواج ودفعته إلى الأمام، إلّا أنّه شعر وكأنّها أُخذت منه.
ثمّ انتبه إلى أنّ إيفجينيا ترتدي ملابس متناسقة مع الدوق والأطفال بجانبها.
في تلك اللحظة، فهم – لقد نسي اهم شئ.
انطلقت منه ضحكة مريرة.
‘لا تقل لي… لديه أطفال؟’
هل اختارت رجلاً لديه أطفال عمدًا لتُغيظه؟
زالت الابتسامة من وجه كايدن بسرعة، وانقبض فكّه بصوت ملحوظ.
بينما كانت إيفجينيا لا تزال تتفقّد حالة ديور، شعرت أخيرًا بالتوتّر المحيط وتردّدت وهي تنهض.
شاعرة بالأنظار المسلّطة عليها، تحدّثت بإحراج.
“أظنّ أنّه بحاجة إلى طبيب.”
ردّ دوق باسيليان على الفور.
“سأطلب الطبيب إلى مقرّ الدوقيّة. اذهبي وانتظري في العربة الآن.”
أدركت إيفجينيا أنّه يحثّها على الابتعاد عن الموقف، فأومأت وأشارت لإكليد.
جمعت ديور وماريان واستدارت للمغادرة.
كان ذلك خيارًا صائبًا.
كان الإمبراطور على وشك أن يفقد أعصابه.
لم يتعرّض لمثل هذه الإهانة في حياته من قبل.
لم تكن إيفجينيا المسؤولة – فقط زلّة لسان منه – لكن الاحتفال الذي خطّط له بعناية تحطّم، وسيدفع أحدهم الثمن على الأرجح.
بينما كان الجميع يراقبون بقلق، يحلّلون الأجواء، تقدّم رجل كمن يحاول تبديل المشهد.
“جلالتك، هل يمكنني الآن أن أبدأ بالمباركة؟”
كان ذلك كبير الكهنة.
عند رؤية داميان، كظم الإمبراطور غيظه بصعوبة وأومأ.
“تفضّل.”
عمّ الحشد المتشنّج تنهيدة راحة جماعيّة.
لم يكن أحد منهم يتخيّل ما سيأتي بعد ذلك.
في تلك الأثناء، رأى كايدن دوق روديون يتبع إيفجينيا بثقة بخطوات واسعة وهادئة.
كانت تلك الشرارة الأخيرة.
بينما بدأ كايدن ينهض دون تفكير—
“ابقَ مكانك.”
ظهر داميان فجأة أمامه وحجب طريقه بحزم.
وهو ينظر إلى كايدن ببرود، بدأ داميان يتحدّث ببطء.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 137"