كان رأسه يحترق، وجسده يشعر بالثقل كما لو أنّ صخرة تسحقه.
مرّ وقت طويل، لكن حتّى مع ذلك، كان شعورًا مألوفًا.
كانت طفولة إكليد دائمًا هكذا.
هذا الألم. هذا الاختناق.
إذا فتح فمه عندما يضربه الغثيان، كان يسعل حفنة من الدم. عندما استيقظ على شعور رطب أثناء نومه، كانت وسادته مبلّلة بالأحمر من نزيف أنفه.
استدعى والداه العديد من الأطبّاء لعلاج مرضه.
– “أنا آسف. لا أعرف حقًا ما نوع هذا المرض…”
– “الطفل يتألّم هكذا، ومع ذلك لا تعرفون حتّى اسم المرض؟ هل هذا ما يقوله طبيب؟”
شاهد نفس المشهد يتكرّر عشرات المرّات – والداه يتوسّلان للحصول على مسكّن فعال على الأقل إذا لم يُعرف السبب، والأطبّاء يهزّون رؤوسهم.
جاءت الإجابة عن المرض الذي لم يستطع أحد تشخيصه، بشكل غير متوقّع، من سيّد البرج الذي زار يومًا دون سابق إنذار.
– “هذا مسكّن. لن يسيطر على السحر المتفجّر في ذلك القلب الصغير، لكنّه سيوقف الألم على الأقل… فقط لتعلم، إنّه ليس مجّانيًا.”
رغم طلب سيّد البرج الصريح للمال كالبخيل، دفع والداه ثروة بسعادة.
‘على الرغم من أنّ أموال عائلة الدوقيّة ليست في حالة جيّدة…’
حتّى وهو طفل، لم يستطع إكليد أن يكون سعيدًا تمامًا، رغم عثورهم على دواء يخفّف ألمه.
دواء سيّد البرج لم يكن علاجًا.
كان مجرّد مسكّن باهظ يخفّف معاناة ابن ضعيف لم يكن حتّى الوريث.
اكتشفوا سبب المرض، لكن في الحقيقة، كان حالته ميؤوسًا منها.
شعر إكليد بالمرارة والاستياء عن سبب حدوث هذا له.
لكن تلك الحسرة الطفوليّة كانت عابرة. ألم قلبه كان واقعَه الوحيد.
البكاء من الألم الحادّ، اللهاث بحثًا عن النفس، التململ من الألم. في النهاية، كان يصبح ضعيفًا جدًا ليذرف الدموع، ضعيفًا جدًا حتّى ليفتح عينيه، يقضي أيّامه ملقًى في السرير.
هل ما زال هناك سبب للعيش؟ خصوصًا عندما أصبح مجرّد عبء على عائلته؟
لماذا؟ من أجل ماذا؟
– “إكليد، حتّى مع ذلك، أريدك أن تعيش.”
ومع ذلك، وصل أمل عائلته اليائس وقلقهم إلى قلب إكليد.
خصوصًا بعد معرفة أنّ عائلة الدوقيّة بذلت جهودًا كبيرة لإخفاء مرضه عن العالم الخارجي من أجله، لم يعد يفكّر بضعف.
بدلًا من ذلك، عاتب نفسه لكونه مريضًا جدًا ليظهر في العلن أو يترك صورة خلفه.
وفي النهاية، أتقن إكليد قدرته على إخفاء ألمه تمامًا، حتّى عن عائلته.
– “إكليد، كيف حال صحّتك هذه الأيّام؟”
– “بفضل دواء سيّد البرج، تحسّنت كثيرًا.”
– “والسحر…؟”
– “لا أستخدمه على الإطلاق. لا تقلق، يا أبي.”
ابتسم بلطف لأفراد عائلته المطمئنين، ثمّ عاد إلى غرفته، حيث تحمّل الألم وحده، يتعرّق بغزارة.
باستثناء عندما كشف عن مرضه عمدًا وقت وفاة والده وأخيه في بيت الدوقيّة في روديون، كان قد أخفى معاناته حتّى أمام سيّد البرج، الوحيد الذي عرف بحالته.
لأنّ أحدًا لم يكتشفه من قبل، كان إكليد مذهولًا تمامًا عندما شاهدته إيفجينيا وهو يتحمّل ألمه.
لذا، وبشكل جبان، كاد يظنّ أنّ فقدان الوعي كان راحة.
“حمّاه مرتفعة جدًا. لماذا لا تنخفض؟”
وصل صوت خافت إلى أذني إكليد.
“هل أعطيته خافض الحرارة بشكل صحيح؟”
“بالطبع، يا سيّدتي! يجب أن تنخفض خلال ساعة.”
“ساعة؟ لا، أنت تقول إنّ هذه الحمّى ستستمرّ لساعة كاملة… هاه.”
أطلقت إيفجينيا تنهيدة طويلة، بدت محبطة.
في تلك اللحظة، غاص قلب إكليد.
شعر كأنّه عاد إلى طفولته.
إلى تلك الأيّام عندما كانت عائلته تطلق تنهيدات متعبة بسبب مرضه العنيد.
أمسك صدره شعور خانق بالذنب – ذنب تسبّبه مرّة أخرى في مشقّة لشخص عزيز عليه.
لكن عندما شعر بشخص يجلس بجانب سريره، ظهر شعور غير مألوف.
كان معتادًا على تحمّل ألمه وقمعه وحده. منذ طفولته، لم يُعتنَ به أبدًا.
ومع ذلك، الآن كان يتلقّى رعاية إيفجينيا، شيئًا لم يجرؤ على توقّعه.
ظنّ أنّه عبء، أنّها لا تحتاج إلى إظهار هذا اللطف له…
لكن في الوقت نفسه، ظهر شعور متناقض – رغبة في استمرار هذا اللمس اللطيف، الذي وضع يدًا بحذر على جبهته ومسح عرقه بقطعة قماش مبلّلة.
لكن بعد ذلك.
“أنا آسفة. كنتُ عنيدة دون سبب. لولاي… لما كنتَ تعاني هكذا.”
سماع صوت إيفجينيا الممزوج بالدموع جعل إكليد لا يستطيع البقاء ساكنًا.
أراد أن يفتح عينيه فورًا وينفي كلماتها.
أن يقول لها لا، إنّه اختياره أن يرمي نفسه في الخطر لإنقاذها، وأنّه لم يكن خطأها أبدًا.
باستخدام آخر قوّته، أجبر إكليد جفنيه على الارتفاع.
رغم ضبابيّة رؤيته، استطاع تمييز نظرة إيفجينيا الحزينة.
“سموّك؟ هل استيقظتَ؟”
رؤية تعبيرها المذهول جعله يبتسم دون وعي.
لأنّها لمست جبهته. لأنّه عندما فتح عينيه، لم يكن وحده. وأكثر من ذلك، لأنّ الشخص الذي فعل كلّ هذا له كان إيفجينيا.
“زوجتي…”
تحدّث إكليد ببطء، صوته مليء بالاعتذار والامتنان.
“أنا بخير. إذا استرحتُ قليلًا… سأتحسّن.”
“لا، أنت لست بخير. حمّاك ملتهبة. وذراعك مكسورة. كلّ هذا بسببي. أنا آسفة حقًا.”
“ليس… خطأكِ.”
هل ظنّت أنّه يقدّم كلمات مواساة فارغة؟
ارتجفت حاجبا إيفجينيا قليلًا وهي تحدّق به بشدّة. للحظة، بدت غاضبة تقريبًا.
لكن الآن، استطاع إكليد تمييز هذا التعبير – هكذا تبدو إيفجينيا عندما تكون منزعجة.
في النهاية، كان قد رآه عن قرب منذ وقت ليس ببعيد.
_“زوجتي، أنتِ مرحة جدًا، أليس كذلك؟”
لم يستطع أن ينسى كيف تغيّر تعبيرها عندما قال ذلك.
ربّما لم تعرف إيفجينيا.
كم تسارع قلبه عندما طلبت منه قبلة ليلة سعيدة.
كيف، حتّى وهو يوبّخ نفسه على تهوّره، كان سعيدًا سرًا.
عاطفيًا، أراد أن يحقّق طلبها.
لكنّه لم يستطع إلّا أن ينطق بكلمات جبانة ومراوغة.
لأنّه لم يكن متأكّدًا بعد أنّ جسده تعافى تمامًا.
لذا في تلك الليلة، بمجرّد أن افترق عن إيفجينيا وعاد إلى مكتبه، اتّصل إكليد فورًا بسيّد البرج.
وقضى الليل ينتظر بقلق.
لأنّه كان متأكّدًا أن إيفجينيا شعرت بخيبة أمل وانزعاج من ردّه السخيف.
فكرة أنّ نظرتها الحنون قد تختفي تمامًا من اليوم التالي جعلت قلبه يؤلمه كما لو كان تحت تعويذة.
لكن لحسن الحظّ، بقي تصرّف إيفجينيا كما هو، كأنّ تلك الليلة لم تحدث أبدًا.
باستثناء شيء واحد – لم تعد تزور مكتبه.
عندما سأل بتكتّم، عرف أنّها كانت تقضي وقتًا مع أبناء أخيها.
كان يجب أن يشعر بالارتياح.
ومع ذلك، جعلته المرارة في صدره يشعر بالخجل التامّ.
لكن دون أن يدرك، وجد إكليد نفسه يتطلّع بشوق إلى جولة تفقّد الدوقيّة.
كان ذلك لأنّه كان ينتظر قضاء وقت طويل مع إيفجينيا.
لكن عندما خرج، متحمّسًا بشكل غير معتاد ويرتدي الملابس التي أهدته إيّاها إيفجينيا –
– “زو…جتي.”
– “بفت!”
في اللحظة التي رآها فيها تبتسم بإشراق أمام رجل آخر، شعر إكليد بألم في قلبه لم يختبره من قبل.
شعور بارد ومؤلم، كما لو أنّ يدًا باردة تعتصر قلبه بقوّة، مع وخز حادّ ومرير.
لم يكن أحمق – كان يعرف بالضبط ماذا يعني ذلك.
كانت الغيرة.
‘…على الرغم من أنّه ليس لي الحقّ في الشعور هكذا.’
شعر إكليد بكراهية عميقة لنفسه، يوبّخ نفسه.
ومع ذلك، انخفض مزاجه لدرجة أنّه لم يستطع حتّى التحكّم في تعبيره.
في النهاية، فشل في التصرّف كأنّ لا شيء يحدث، حاول إكليد إعادة انتباه إيفجينيا إليه تحت ستار شكرها. وبشكل غير متوقّع، تلقّى هديّة.
بدأت إيفجينيا تعبّر عن نفسها مجدّدًا – لا، بشكل أجرأ من قبل.
أصبح قراره بالحفاظ على مسافة حتّى يتلقّى تأكيدًا من سيّد البرج بلا معنى.
كان ذلك مذهلاً.
أن تستطيع إيفجينيا التأثير على عواطفه بشدّة بكلمة أو فعل واحد.
أن تجعل هذه المشاعر تفقده عقله وتتجاوز الحدود مرّة تلو الأخرى.
لكن لا شيء كان أهمّ من سلامة إيفجينيا.
كان يحترم ويُقدّر بشدّة شعورها بالمسؤوليّة في أداء واجباتها كدوقة، لكن بينما كانوا يتسلّقون مسارات جبال سيبريك الباردة والخطرة، لم يستطع التوقّف عن القلق بشأن معاناتها.
لذا عندما كانت إيفجينيا في خطر، كان من الطبيعي أن يرمي بنفسه إلى الأمام.
حتّى لو اندفع ألم شديد عبر ذراعه، جعله غير قادر على الحركة.
حتّى لو اضطرّ لعضّ أسنانه وكبح أنينه لمنع إيفجينيا من ملاحظة ذلك.
لم يكن هناك ندم.
“زوجتي، من فضلكِ لا تعتذري لي.”
لأنّه كان ممتنًا لأنّه استطاع حمايتها.
لأنّ اللحظة التي أدركت فيها إيفجينيا أنّها ليست وحدها وتشبّثت به، كان سعيدًا بشكل غامر.
وأكثر من كلّ شيء…
لأنّه كان جبانًا، ترك قبلة ليلة سعيدة على جبهة إيفجينيا بعد فوات الأوان بينما كانت نائمة بعمق.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات