شعور بأنها تركت شيئًا وراءها. شعور بأنها قد نسيت شيئًا مهمًا. لكنها لا تستطيع تذكر ما هو على الإطلاق.
كان أول يوم يهطل فيه الثلج.
في شتاء تتطاير فيه رقاقات الثلج المتساقطة بغزارة مع الرياح العاتية، خرجت رييلا وهي ملفوفة بوشاح صوفي أبيض لتصنع رجل الثلج، فصادفت الأولاد يرتدون الزي الأسود المصطفين أمام القصر.
“يبدو أننا في الأسبوع الأخير بالفعل. بالتفكير في الأمر، فاليوم يكون بطيئًا لكن الشهر ينقضي بسرعة.” قالت ساندرا التي كانت تمسك بيدها وهي تتنهد وقادتها إلى الحديقة.
شعرت رييلا بعدم الارتياح من نظرات الصبية الذين كانوا في مثل سنها، فظلت تنظر إلى الأرض وهي تنزل الدرج. في تلك اللحظة، خدشت يدها الموضوعة على الدرابزين وتألمت.
“آه،”
“ماذا هناك؟ يا إلهي، هل جُرحتِ؟”.
“أنا بخير. لدي منديل أعطتني إياه أمي.”
أخرجت منديلًا من جيب معطفها وضغطته بقوة على الجرح ثم أبعدته. عند رؤية بقعة الدم، شعرت وكأن شيئًا ما على وشك أن تتذكره. بينما كانت تركز في ذهول، هبت عاصفة مفاجئة فجأة وطيرت المنديل إلى السماء.
“آه.”
ضمت عينيها في ضوء الشمس الشتوي وهي تشاهد القماش يطير كطائرة ورقية،
تتبعت المنديل بعينيها، كان يطير كطائرة ورقية، لكن بسبب وهج الشمس ضيقت عينيها بآلم، وتركت يد ساندرا لا إراديًا وتقدمت لتحاول أمساكه.
في تلك اللحظة، أمسك الصبي الواقف في نهاية الصف بالمنديل. التقت عيناهما، عيناها الباردتنان اصبحت واضحة فجأة.
“شكرًا لك.”
اقتربت وانحنت كشكر ومدت يدها، لكنه ظل يحدق بها لفترة بوجه خالٍ من التعبير لا يمكن فهمه. في هذه الأثناء، كان الصف قد بدأ بالفعل في الدخول إلى القصر.
لماذا لا يعطيه لي؟ عندما رفعت رأسها بحيرة.
“صندوق الموسيقى لا يصدر صوتًا.” قال وهو ينظر إلى الأسفل ويخرج بخار أبيض من بين شفتيه.
“…ماذا؟”.
“إنه معطل.”
“آه…”
فكرت رييلا في إجابة، ثم أنزلت وشاحها الذي كان يغطي فمها وأجابت: “حاول أن تطلب منهم إصلاح صندوق الموسيقى أثناء الفحص. ربما يستطيع الباحثون التعامل مع الآلات لأنهم جيدون في العلوم.”
“يا! ما الذي تفعلينه؟ هيا!” صوت لوكاس، الذي كان يقف عند كومة ثلج في الحديقة، قاطع المحادثة. التفت إليه، ولاحظت أن نظرة الفتى أمامي أصبحت أكثر برودة، كأن شيئًا في داخله تجمد فجأة.
في تلك اللحظة، مد يده بصمت وأعطاني المنديل. أمسكت به وأعدت الضغط على يدي، التي توقف نزيفها بالفعل. شعرت وكأنني إذا ضغطت بقوة كافية، ربما أهدئ أيضًا نبضات قلبي المتسارعة، التي كانت تضرب بقوة دون سبب واضح.
ترددت في المغادرة، وبدأت أحفر الثلج بقدمي دون هدف، محاولة إطالة اللحظة. ثم سمعت صوته المنخفض مرة أخرى، يخرج من فوق حذائه الأسود اللامع والآنيق: “لقد استمعت إلى ذلك الصندوق الموسيقي مئات المرات، حتى تعطل. كنتِ أنتِ من أردت رؤيتها.”
شعرت كأن قلبي توقف للحظة، كأن الأرض اهتزت تحت قدمي. رفعت رأسي بسرعة، لكن الفتى كان قد أدار ظهره بالفعل، ولم أرَ سوى شعره الرمادي وزيه الأسود، ووجهه الجانبي البارد بدا كأنه انعكاس لوحة مهجورة على سطح بحيرة هادئة. أم أنها بحيرة تنعكس عليها أطلال؟.
“رييلا!”
لم تستطع التفكير مطولًا بسبب صراخ لوكاس الذي نفذ صبره.
تنفست رييلا بعمق الهواء الشتوي حتى وخز حلقها، ثم استعادت وعيها واتجهت نحو الشخص الذي كان عليها الذهاب إليه. وهي تفكر في كلمات الصبي الأخيرة، بالتأكيد كانت قد سمعته بشكل خاطئ.
في آخر أربعاء من كل شهر، كان الفتيان يصلون إلى المأوى. كنت أحيانًا أنظر من النافذة، كعادة سرية، وفي إحدى تلك اللحظات، رأيته ينظر إليّ مباشرة. كانت نظرته مليئة بالشوق، كأنها تحمل رغبة عميقة ومخيفة في آن واحد.
سواء كان ذلك في أول زهرة في الربيع، أو في حرارة الصيف الأخيرة، أو ظلال الخريف، أو أنفاس الشتاء البيضاء، كان دائمًا هناك، ينظر بنفس الشدة.
“أنا لا أعرف الكثير عن ذلك المشروع أيضًا، لكنهم أطفال خطرون. هل كنتِ تعلمين أن أصوات الألعاب النارية التي تُسمع في الليل هي أصوات إطلاق نار؟ رييلا، حاولي ألا تنظري إلى الخارج.” قالت ساندرا ذلك وهي تسدل الستائر.
بما أن شعور خفقان القلب كان غير مريح لها على أي حال، لم تنظر إلى الخارج مرة أخرى. ومع ذلك، كانت تتساءل أحيانًا. هل لا يزال ينظر إلى هذه الغرفة؟.
***
كان التغيير الأكبر الذي حدث عندما بلغت السادسة عشرة هو لوكاس أندريه الذي كان يدور حولها.
“رييلا، ألا تريدين أي شيء من الخارج؟ سأشتري لكِ كل شيء. أو هل تريدين الخروج معي الليلة؟ يمكنكِ الخروج معي.”
لوكاس، الذي تخلص من نمش وجهه وأصبح شعره الأسود أكثر كثافة، كان في الثامنة عشرة، وأنفاسه أصبحت أثقل. لم يعد يدفعني على السلالم كما في الطفولة، بل أصبح يضع يده على كتفي أو خصري. كنت أكره لمسات يده الرطبة بالعرق وهي تعتصر ذراعي، لكن الأسوأ كان الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث منه كلما اقترب.
هل يمكنني العيش معه إذا أحبني؟ للأبد؟ لم أكن متأكدة.
تلقت لأول مرة حقيقة أنها يجب أن تعيش مع لوكاس في عيد ميلادها الرابع عشر، وعندما بكت طوال الليل غاضبة، دافعت ساندرا عنه بشكل غير منطقي قائلة إن لوكاس كان يحبها دائمًا حتى عندما كانت طفلة. بعد مقاومة ذلك الوقت، كانت الآن في حالة استسلام جزئي، لكنها لم تستسلم تمامًا.
فكرت أنه من الأفضل أن تموت وتعيش طفولتها مرة أخرى بدلاً من الزواج من لوكاس. بما أن أمها ستحافظ على السر، فيمكنها القيام بذلك مرارًا وتكرارًا.
قيل لي إن البشر العاديين لا يستطيعون اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من نقطة العودة في الزمن. أنا وأمي فقط من يمكنهما الشعور بها والوصول إلى معلومات الزمن السابق.
آه، التغيير الذي حدث عندما بلغت السادسة عشرة تضمن أيضًا التدريب القاسي.
“تذكري اللحظة التي تريدين العودة إليها. بشدة. كانت لديكِ الكثير من الذكريات السعيدة، أليس كذلك؟”.
أدركت أن سبب طفولتها الثرية التي كانت تُعطى فيها كل ما تريده وتأكله موجود هنا. كان ديمتري أندريه يصنع لها ماضيًا سعيدًا يمكنها العودة إليه.
“المرة الأولى هي الأصعب، لكن بعدها يصبح الأمر أسهل. المهم هو الخطوة الأولى. الكثير من الأطفال ماتوا لأنهم لم يتمكنوا من تجاوز هذه المرحلة. يجب أن تركزي على ذكرى واحدة.” هكذا همس باحث عادي، لم يجرب السفر عبر الزمن بنفسه، بنبرة جادة.
“لن يؤلمكِ. هذا ملح البنتوباربيتال، يُستخدم في الموت الرحيم للبشر. سأمزجه لكِ مع شراب السكر.”
تبين أن قلقي من الألم كان لا داعي له. لم أكن أعلم أن العالم قد اخترع بالفعل وسيلة للموت دون ألم. لكن ماذا لو متُّ حقًا؟ ماذا لو كانوا مخطئين، ولم أمتلك أي قدرات؟ هل سأُستبدل فقط بشخص يشبهني؟.
“رييلا.” ردت الباحثة المسنة، وهي ترفع نظارتها بوجه متجهم. كانت هذه المرة الثانية التي أرفض فيها.
– يا لكِ من فتاة جميلة وأنيقة، أعطيني يدكِ.🎤
– أنا صديقكِ ولستُ هنا لأعاقبكِ.🎤
– لا تخافي.🎤
– أنا لستُ قاسيًا.🎤
– سأجعلكِ تنامين برفق في أحضاني.🎤
كانت أغنية “الموت والفتاة” لشوبرت تُعزف في المختبر، وكأنها تتبع خطواتي. تراجعت إلى الوراء، وخرجت إلى الرواق، ثم اندفعت بشكل غريزي نحو ممر سري خلف لوحة جدارية. كنت ألهث، وشعرتُ أن أنفاسي تكاد تتوقف.
خرجت إلى الحديقة الممطرة، لكن الخوف دفعني للاستمرار في الجري، إلى مكان لا يمكن لأحد أن يتبعني إليه… .
عبرت الجسر في البحيرة الضبابية حيث لا يوجد حراس. لم يكن لديها سوى فكرة الهرب من الموت الذي كان يتبعها.
بانج!
عادت رييلا المذعورة إلى الواقع عندما سمعت صوت إطلاق نار تقشعر له الأبدان في الغابة الرطبة.
– “أنا لا أعرف الكثير عن ذلك المشروع أيضًا، لكنهم أطفال خطرون. هل كنتِ تعلمين أن أصوات الألعاب النارية التي تُسمع في الليل هي أصوات إطلاق نار؟ رييلا، حاولي ألا تنظري إلى الخارج.” –
‘الملجأ…’
عندما استعادت وعيها، وجدت نفسها قد دخلت الجزيرة الاصطناعية. بدت الهياكل الخرسانية بين الأشجار الكثيفة. بعد التفكير، اختارت الاختباء في الغابة بدلاً من البحث عن الباحثين.
ربما يكون من الأفضل أن أموت برصاصة. كان علي أن أموت اليوم على أي حال.
على الرغم من أنها فكرت بهذه الطريقة، إلا أنها عندما اقترب صوت الطلقات، شعرت بالرعب وانكمشت خلف شجرة ضخمة، تحبس أنفاسها وتنصت إلى كل صوت. فجأة، ظهرت فوهة بندقية أمام عينيها.
“……”
شعر رمادي، زي أسود، وقامة طويلة ترمي بظلال ثقيلة. كنت كالأرنب المذعور، غير قادرة على إصدار صوت. الرجل الذي ظهر فجأة نظر إليّ ببطء، ثم خفض بندقيته. في تلك اللحظة، انطلقت رصاصة أخرى من الضباب. استدار بسرعة وأطلق النار تجاه مصدر الصوت. دوى صوت انفجار، تبعه صراخ مروع، ورذاذ الدم الأحمر يتناثر على وجهه البارد. سقط شيء ثقيل على الأرض. لم يكن حيوانًا، بل إنسانًا.
“هاه، هاه…”.
كانت تريد أن تغمض عينيها، لكن الدم اللزج الذي كان يتساقط من فكه الحاد جذب انتباهها بشكل مثير. وسرعان ما حول نظره إليها مرة أخرى. ومد يده. ارتدت رييلا إلى الخلف فجأة، ولم يكن لديها مكان آخر تتراجع إليه، وحاولت الهرب.
مات. شخص مات. لقد قتل شخصًا.
بدومب، بدومب، بدومب.
“لن أؤذيكِ.”
تحدث الرجل الشبيه بالموت بصوت عميق. عندما انحنى بجسده الضخم لتلتقي عيناهما، شعرت بألم في عمودها الفقري بلا سبب.
“رييلا كرونا أندريه.”
~~~
انتبهتوا أن الترجمة بالرواية فيها كم شي ركيك أو غير مفهوم؟ يب انا اترجمها بسرعة عشان تكتمل وأعيد ترجمتها بشكل أفضل
التعليقات لهذا الفصل " 63"