اليوم الخامس في الهاوية. اليوم سنتوجه أخيرًا إلى الوحدة 30.
“أتمنى لكما التوفيق. لا تجهدا نفسيكما. حتى لو عدتما هكذا… فلن يلومكما أحد. نحن لم ننسَ بفضل من بقينا على قيد الحياة حتى الآن.”
“حسناً، حاولا أن تجتهدا قليلاً. أنا على وشك أن أصبح دكتور في الديناصورات إذا بقيت هنا.”
تلقت رييلا تحية بدرجات حرارة مختلفة من بولينا المتعبة وديلان المتذمر. على الرغم من كلامه، كان ديلان يحدق خلسة بآصلان المتكئ على الحائط، وكأنه يريد التباهي بمعرفته.
عندما نقرت رييلا على آصلان وأشارت إليه، أمال آصلان الذي كان مكتوف الأيدي رأسه لتقليل فرق الطول. رفعت رييلا كعبها وهمست في أذنه وهي تغطي فمها بيد واحدة، “اسأله ما هو نوع العظام في غرفة المعيشة.” نظر إليها بلمحة، ثم استقام وكرر ما قالته لها ميكانيكيًا كأنه يرضخ للأمر. أجاب ديلان فورًا بأنه “فيلوسيرابتور” وكأنه ينتظر ذلك، وبدأ يزم شفتيه وكأنه يريد شرح المزيد، تمامًا كما يفعل الأولاد المهتمون بالديناصورات. في الواقع، يبدو أن اهتمامه وقدرته متطابقان تمامًا.
إذا فكرت في الأمر، فمن المحتمل أن ديلان كان يقضي وقته الخاص أيضًا بينما كانوا يبحثون في سفن الاستكشاف.
“لا تقلقوا. لن يحدث شيء. نعتزم الهروب فورًا إذا رأينا ولو 1 ملم من المجسات.”
في هذه الأثناء، لوحت رييلا لبولينا عن قصد. حتى الآن، كانت بولينا تحافظ على سرية ما حدث في المختبر عن الآخرين. كانت شخصًا عميق التفكير وجيدًا. آمل أن يكون هناك مسكن للألم متبق في الوحدة 30… .
لم تطيل رييلا وداعها لأن ما حدث في المرة السابقة عندما تبادلت المشاعر بالاحتضان وتحول الأمر إلى وداع حقيقي أصبح بمثابة صدمة.
الهدف الأول هو البحث وتأمين الطعام. إذا تأكدوا من أنها آمنة، فسيأتون لإحضار بولينا وديلان مرة أخرى.
على الرغم من أنها لم تقل ذلك حتى لا تزيد العبء، إلا أن الجميع كانوا يتوقعون الكثير. أولاً، الطعام قد نفد، وثانيًا، من وجهة نظر الكرامة الإنسانية، هم حقًا بحاجة إلى الوحدة 30 الآن. فبينما كان آصلان لا يزال نظيفًا بعد عدة أيام، كان هناك أشخاص أصبحوا قذرين لمجرد الاستلقاء في الظلام لفترة طويلة… .
على أي حال، بدأ الجميع يتحدثون عما سيفعلونه عند مغادرة هذا المكان. تخيلوا أكل فطيرة محشوة بالخضروات واللحوم والبطاطس في عجينة طرية، أو فراولة طازجة وحلوة، وبرتقال، وكيوي، وبطيخ، وجميع أنواع الأطعمة الشهية، والاستلقاء على سرير أبيض ناصع.
أرادت رييلا أن ترى ضوء الشمس أكثر من أي شيء آخر. أن تنظر إلى الشمس المشرقة وهي مغطاة باليد وتتسلل الأشعة بين اصابعها. من السهل أن ننسى ذلك، ولكن السماء الزرقاء الصافية والرياح الباردة تكفي لتكون سعيدة.
لهذا السبب، استقلت السيارة وهي متوترة أكثر من المعتاد. آصلان أيضًا كان أقل كلامًا من المعتاد اليوم. وصل التوتر إلى ذروته عندما شاهدوا كائنًا عملاقًا يحدق في سفينة استكشاف على طول الطريق.
“هذا هو…”.
“الوحدة 27.”
“إنه المكان الذي ذهبنا إليه بالأمس.”
شعرت رييلا بقشعريرة في عمودها الفقري، وأدارت رأسها بالكامل لتنظر إلى سفينة الاستكشاف. كان من الممكن أن تحدث كارثة لو كان توقيتهم خاطئًا. هل سيكون تفسيرًا بشريًا للغاية إذا بدا أن “ذلك” يبحث عن شيء ما؟.
“لحسن الحظ أن المكان الذي سنذهب إليه اليوم ليس ملتصقًا به شيء.”
تحول انتباهها إلى كلمات آصلان الذي كان ينظر إلى الأمام.
بدأت الوحدة 30، التي بالكاد يمكن التعرف عليها لولا سجل السيارة، في التضخم ببطء من بعيد. سحبت رييلا الجزء العلوي من جسدها انعكاسًا، وراقبت الجحيم الذي حدث قبل ثلاثة أيام وهي تحبس أنفاسها.
كانت سفينة الاستكشاف المستديرة التي تشبه الحوت هادئة، وكأنها خالية من أي خطر، على الأقل من الخارج.
“من المحتمل أن تكون مختبئة في الداخل.”
تمتمت رييلا على الرغم من أنها تشعر أيضًا بانطباع بأنها فارغة. شعور أو حدس، أو بالأحرى، إحساس أقوى.
دارت السيارة التي أبطأت سرعتها حول الوحدة 30 وتوقفت بصمت أمام مخرج الطوارئ كما هو مخطط. أثناء إطفاء المحرك والتحقق الأخير من مصباح الأشعة فوق البنفسجية والمسدس، عادت أحداث الأيام القليلة الماضية ككابوس، وشعرت بالغثيان. يبدو أن الرعب المتتالي الذي تعرضت له، الموت والاستيقاظ مرة أخرى، قد ترسخ في عظامها.
في تلك اللحظة، سُمع صوت منخفض.
“أريد أن أتأكد من شيء واحد قبل الدخول.”
“نعم؟”.
“في ذلك الوقت، لماذا وقفتِ أمامي في الوحدة 30 بدلاً من الهروب؟”.
“……”
“هل كنتِ تعرفين أنها لن تهاجمكِ؟”.
بدا أنه يشير إلى اللحظة الحاسمة عندما اعترضت طريق الرجل الأشقر عندما هاجمها. اللحظة التي توقفت فيها المجسات أمام جبهتها مباشرة.
هزت رييلا رأسها.
“لا. لم أكن أعرف. تحركت دون تفكير، أردت فقط أن أحميك.”
“ما هي علاقتنا لنفعل ذلك؟”.
“……”
لم يكن سؤالاً عاطفيًا، لكنها شعرت وكأنها تلقت تهكمًا، وتوقفت عن الكلام فجأة.
“أنا آسف، لا أحتاج إليها. لا أحتاج لأن تنوميني ولا أحتاج لأن تحميني.”
توقف آصلان للحظة ثم قال بحدة وكأنه يرسم خطًا. كان الرجل الذي يبدو متعبًا بشكل غريب ينظر فقط إلى الوحدة 30 أمامه دون حتى أن يمسح الشعر الذي انزلق على جبهته.
في الواقع، كل ما قاله كان صحيحًا. بعد أن قالت عدة مرات أنه ليست بينهما أي علاقة، تجاوزت هي الحدود وتطفلت عبثًا. بينما كانت جالسة بكتفين متدليين، كسر آصلان الصمت اللحظي وفتح فمه مرة أخرى.
“بمجرد أن ننتقل بأمان إلى الوحدة 30.”
“……”
“أخبريني بالتفصيل عن قصة المرة السابقة في ذلك الوقت.”
اتسعت عينا رييلا التي كانت تنظر فقط إلى أصابعها التي تتحرك. أدارت رأسها بسرعة وبدأت تختار الكلمات، محاولة جاهدة ألا ترفع سقف توقعاتها.
“كما قلت لك في المرة السابقة، لا توجد معلومات ستفيدنا في حياتنا المستقبلية.”
“ما زلت أعتقد أنه يجب أن أستمع إليها مرة واحدة.”
“إنها قصة سخيفة عن العودة إلى الماضي، أنت لا تصدقها.”
“مذكرات الرجل المشنوق. المختبر. هل تعتقدين أنني لم أتحقق منها؟”.
دُق، دُق.
رأت آصلان يلتفت ويلتقي بنظرها ببطء. كانت حدقتاه منخفضتا السطوع تحدقان بها وكأنه يبحث عنها.
لا، لا يمكنه معرفة نتائج الحمض النووي. الكمبيوتر كان فارغًا تمامًا. لابد أنه حصل على دليل تجربة الزمن من الوثائق المطبوعة.
“…حسنًا، بمجرد أن ننتقل بأمان إلى الوحدة 30 ونستحم جيدًا.”
عندما أجابت أخيرًا بهدوء، ابتسم بخفة. لا، لم تكن متأكدة لأن الضوء في السيارة انطفأ بمجرد فتح الباب. قد يكون مجرد وهم صنعه دماغها.
كما هو متوقع، قاموا بتشغيل المصابيح وإضاءة نافذة الوحدة 30 وقمرة القيادة المكسورة في الطابق الثالث أولاً.
ثانية واحدة، ثانيتان، ثلاث ثوان، أربع ثوان، خمس ثوان.
لم يظهر شيء حتى بعد 5 ثوانٍ.
بعد الانتهاء من الفحص الأولي وإطفاء الأضواء، دخلوا مباشرة إلى الوحدة 30. أدركت رييلا سبب إجراء الكثير من التدريبات في الأفلام والروايات. على الرغم من التوتر الشديد، وبفضل الخبرة التي اكتسبوها من البحث في سفن استكشاف أخرى لعدة أيام، كانت تحركاتهم متطابقة ولم يكن هناك أي تضارب في أدوارهما.
كان آصلان الذي يسير في المقدمة يستمع جيدًا في كل مرة يفتح فيها فتحة، وكانت رييلا تركز بشكل أساسي على حماية المؤخرة. عندما كانت متأكدة من الأمان، كانت تشعل الضوء للتحقق البصري.
الطابق الأول. مخرج الطوارئ الذي استيقظت فيه لأول مرة: نظيف. ممر الطابق الثاني: نظيف.
“يبدو أن شخصًا ما دخل.”
تحدث آصلان عندما كانا أمام مرافق المعيشة، وهو يتفحص الجدران والأرضية. تبعته رييلا وهي متوترة، ونظرت إلى حيث أشار. بدت لها الأرضية نظيفة، وعندما كانت حائرة، واصل حديثه.
“منذ فترة، أرى قطرات دم متناثرة على الحائط. حدث قتال، لكن تم مسحها.”
شعرت بقشعريرة مخيفة.
“لماذا؟”.
“إما أنهم يريدون ببساطة مسح آثار زيارتهم، أو يريدون جعلها تبدو كسفينة استكشاف آمنة.”
“……”
“إذا أردتِ، يمكننا التوقف عن البحث هنا والعودة.”
حدق بها وكأنه يسألها عن رأيها. في لحظات، تذكرت وجوه ديلان وبولينا المليئة بالتوقعات، ونفاد الطعام. هزت رييلا رأسها، وكان ذلك كافيًا للإجابة. أطفأ آصلان الضوء وفتح باب مرافق المعيشة.
ربما بسبب سقفها المفتوح، انبعث هواء بارد. وصل التوتر المتصاعد إلى ذروته. حبست رييلا أنفاسها. كما تفعل لتهدئة رعشة جسدها قبل إطلاق النار. توقف وعيها، الذي وصل إلى حالة اللاوعي، عن الأفكار العرضية، ولم تتمكن من التفكير في أي شيء. فقط الظلام وهي نفسها موجودان.
“…لا يوجد شيء.”
تحركت شفتيها دون قصد. كان الأمر وكأنه يقين قوي. أخيرًا، ومض الضوء، وتحققت من المساحة الفارغة، ثم أطلقت الزفير الذي كانت تحبسه.
“آصلان، هل يمكننا التوقف في غرفتي لفترة وجيزة قبل الانتقال إلى مخزن الطعام؟ سأستغرق لحظة فقط. هناك شيء أريد أن آخذه.”
“أين موقعها؟”.
“الثالثة على اليمين.”
لحسن الحظ، كانت غرفتها قريبة من مكانهما، ولم يكن عليهما عبور غرفة المعيشة حيث كانت جثث أعضاء الفريق المتحللة ستكون موجودة.
تحركا بصمت، وأغلقا الباب وأشعلا الضوء.
تحت ضوء آصلان، سارعت رييلا إلى الخزانة ومدت يدها لتحسس الإطار. عرفت أنها ستحصل على فرصة أخرى للعودة، لكنها أرادت أن تأخذها الآن على أي حال. ربما سأتذكر شيئًا إذا رأيت صورة والدتي.
أمسكت رييلا بشيء أخيرًا. وبغية تقليل الحجم، فتحت ظهر الإطار. عندما كانت على وشك إخراج الصورة، سقط شيء على الأرض. اقترب آصلان بخطوات ثقيلة وانحنى لجمع الأشياء.
“آه، شكرًا لك…”.
قطعة من الورق وسماعة أذن بيضاء.
على الورقة التي تم طيها على عجل، كُتب بالخط المتعرج: جهاز تخزين الذاكرة باستخدام موجات الدماغ. لا تظهريه لأي شخص.
التعليقات لهذا الفصل " 58"