“الخلود؟” سألت رييلا بدهشة في تلك اللحظة التي خيّم فيها الصمت، لم تفهم لماذا راودها ذلك الهوس المفاجئ بالرجل الأشقر.
“البشر دائمًا يمدّون أيديهم إلى ما لا ينبغي لهم لمسه أبدًا.”
دُق، دُق، دُق.
“ما زالوا يجرون أبحاثًا الطبقات العليا في المنطقة المتحالفة فقط هي التي ستستفيد أولاً، كنت متحمسًا لذلك جدًا، لكن عندما تحدّثت عن الموضوع في حالة سكر، هددوني لأصمت لأن لا أحد سيصدقني.”
بدا لازلو أكثر حماسًا.
“لكن بـ-بطريقة ما، حدثت معجزة! فُتحت بوابة الحياة الأبدية. الجميع حصل على فرصة لتجديد حياتهم، أنـ- انا أيضًا اكتسبت قدرة التجدد، طالما أني لا أتعرض للأشعة فوق البنفسجية، يمكنني العيش بلا طعام الآن.”
كان من الواضح أنه يسيء الفهم لشيء ما. فالبشر كائنات محدودة تعيش تقريباً 100 عام فقط، على الرغم من أنها تعرف ذلك إلا أن رييلا شعرت بالاضطراب وحاولت ترتيب المعلومات التي سمعتها كأحجية. والدتي، بحث، الخلود…
التقط آصلان زجاجة الفودكا الموضوعة على الطاولة وقرأها، ثم سأل بهدوء:
“آه، هل تختفي قدرة التجديد إذا تعرضت للأشعة فوق البنفسجية؟”.
“صحيح، فالتعرّض لها لفترة طويلة يقتل كل الخلايا التي دخلت جسدك، ولهذا السبب كانت نساء عائلة أندريه اللواتي يعيشن تحت أشعة الشمس يموتن في سنّ مبكر، أما أنتِ يا رييلا فأنتِ بخير لأنكِ دخلتِ الهاوية.”
تمتم بشيء آخر وهو ينظر في اتجاه آخر
لكن نطق كلماته أصبح غير واضح لدرجة يصعب فهمها تدريجيًا،
سألت رييلا بهدوء دون أن تخفف حذرها:
“أصلان، ما رأيُك؟”.
“أنا أتذكر حقيقة أن لدى مرضى الفصام منطقهم الخاص.”
“أنت لا تصدق أي شيء على الإطلاق، على الرغم من أنه يقول نفس الشيء الذي قلته أنا.”
“ولهذا السبب لا أصدق.”
عندما التفتت نحو كلامه، أدار أسلان رأسه نحوها أيضًا. لم تدرك رييلا أنهما كانا يجلسان بالقرب من بعضهما البعض إلا عندما التقت نظراتهما ككسوف الشمس.
“إذن من هو هذا الشخص؟”.
-في تلك اللحظة، فجأة تحدث لازلو بصوت واضح.
-أبعد آصلان نظره عن رييلا ببطء وأجاب:
“زميل في سفينة الاستكشاف نفسها.”
“لا هذا ليس ما أقصده، لقد نزلت مع رييلا أيضاً، إذًا لا بد أنك لست إنسانًا عاديًا.”
“أنا إنسان عادي بشكل مدهش، لا أستطيع إعادة الزمن ولا أحصل على الخلود.”
كانت إجابة جافة، لكنها كانت كافية لتحريك جوهر الطرف الآخر.
رفع لازلو حاجبيه بدهشة، وبدأ يرتجف بقلق وهو ينظر إليهما بالتناوب.
“هذا… هذا غير معقول! كـ- كيف يُمكن لإنسان عادي بلا أي قُدرات أن ينزل مع رييلا؟ لماذا وضعوك في الوحدة 30؟ رييلا تعالي وأقيمي هنا لا يمكنكِ الوثوق بشخص لا تعرفين عنه شيئًا.”
“أقدّر اقتراحك لكن لا داعي للقلق، أنا أعرف جيدًا الأشخاص الذين أعيش معهم. بل إنني لا أعرف شيئًا عن السيد كرافنسون.”
“إن كان عليّ أن أقول الحقيقة فالأخير هو الأخطر، فالعيش مع خمسة أشخاص مثل ديلان يقلل من احتمال مواجهة قاتل مختل عقليًا.”
“آه، سأخبركِ! سأخبركِ بكل شيء عن نفسي.”
“لا، أنا…”.
“لم أكن أتوقع أن تكبُري هكذا، أن تكوني سيدة ناضجة بهذه الطريقة بالفعل…”.
-انتابتها رغبة فورية في المغادرة عند نظرة تفحصه لها مرة اخرى.
-كان الحافز للنهوض والرغبة العقلانية في الحصول على المعلومات يتصارعان بشدة.
-فتدخّل آصلان بوجه خالٍ من التعبير.
“هل هذه نهاية القصة؟”.
“…هاه؟”.
“أسأل عما إذا كان لديك المزيد لتقوله عن شركة أندريه، أو مشروع الهاوية، أو المخلوقات في الخارج.”
“لا… لا يوجد شيء من هذا القبيل، لم يجرِب فريقنا الكثير من الأبحاث… لكن هناك لوحة كانت تحبها.”
“أين يوجد ناجون آخرون غير الوحدة 17؟”.
-فتحَ لازلو فمه بدهّشة بسبب الأسئلة المتتابعة وكأنها استجواب، وعلى الرغم من سُكره أجاب بتلعثم عندما وجّهه إليه السؤال.
“ل لا أعرف لم أغادر هذا المكان أبدًا، أحيانًا يأتي أحدهم لجلب الطعام لكنهم عادةً ما يكونون ضعيفين ويطلقون بضع طلقات ثم يغادرون… المركبات الاستكشافية القديمة ليست خطرة، الناجون يُغامرون بحياتهم على المركبات الجديدة مثل 29 30 و31… رييلا يجب أن تأتين إلى هُنا سأحميكِ.”
“آه… سأفكر جديًا في الانتقال ولكن قبل ذلك، هل يمكننا الحصول على بعض الماء والطعام أولاً؟ لأن زملائي ينتظروني وهم جياع.”
-حسمت رييلا قرارها عندما قال إنه لم يعد لديه ما يقوله.
-حين ذكرت الطعام بحذر، نظر لازلو بدهشة إلى زجاجات الفودكا الموضوعة على الطاولة، وهي زجاجات ماء بدت قديمة ومريبة لدرجة أن رييلا وآصلان لم يجرؤا على لمسها.
“في الحقيقة، ليس لدي أي شيء بعد… باستثناء الكحول. خذي الكحول على الأقل، بالطبع سيأتي شخص من الوحدة 17 قريبًا. إنها آن صديقتي قبل دخول الهاوية، وتتوقف لتهتم بي في بعض الأحيان.”
-شككت في ذاكرته، متى كانت آخر مرة جاء فيها شخص من الوحدة 17؟
“إذن، سنغادر الآن ليس لدينا الكثير من الوقت لأن علينا التوقف عند سفن استكشاف أخرى.”
-في تلك اللحظة وقف آصلان بجانبها وهو يحمل زجاجة الفودكا، وكأنه لا يرى ضرورة لمواصلة النقاش.
-بفضل توجيهاته تمكنت رييلا من الوقوف والمغادرة بطريقة طبيعية. لا، لقد ظنّت أنها تتبعه لكنها وجدت نفسها أمامه بينما كان آصلان يقف بينهما وكأنه يفصل المساحة بين رييلا ولازلو.
-خلف لازلو الذي نهض متلعثمًا وكأنه سيقبض عليها وهو يقول “أوه؟ أوه” سُمعت الموسيقى بشكل مشوه قليلاً عند خروجها آه، تذكرت هذه الأغنية… إنها <الموت والفتاة>.
توقفت رييلا ونظرت إلى الممر المظلم والكئيب الذي لا نهاية له.
شعرت بأن شيئًا ما سيلفت انتباها لكن لم يظهر شيء.
صوت يهمس، وصورة والدتها الجميلة بلا حدود وسط الكارثة، شعرت وكأنها هي من تغلق باب ذاكرتها بيأس…
أخبريني يا أمي هل كل ما سمعته الآن حقيقي؟ رأسي على وشك الانفجار ماذا كانت تعني الكلمات الموجودة على الإطار؟
“آه، السيدة أندريه كيف تبدو؟ إنها لوحة رسمتها لكِ.”
-تمتم لازلو بنبرة غريبة عندما تبعها إلى الخارج.
عندما استدارت شعرت أن هناك شيئًا غريبًا في نبرته الخجولة المختلفة تمامًا عن ذي قبل، كان الرجل بعينيه الضبابيتين لا ينظر إلى اللوحة بل يحدق مباشرة في رييلا، فانتابت رييلا قشعريرة غريزية فجأة.
“لن أريها لديمتري أبدًا، هذا الوغد سيحاول تدمير عملي مرة أخرى عن طريق رش الطلاء الأسود.”
إنه يخطئ، إنه سكران ويعتقد أنني والدتي.
في اللحظة التي أدركت فيها ذلك، اقترب فجأة دون أن تتمكن من منعه ومد إصبعه الذي لم يتبق منه سوى الجلد والعظام.
“لذا، اقتربي قليلاً…”.
في اللحظة التي اتسعت فيها عينا رييلا بسبب الرائحة الكريهة المنبعثه من الرجل الذي لم يغتسل منذ وقت طويل، وكادت أطراف أصابعه أن تلمسها،
حجبَ رؤيتها فجأة ظهر ضخم وبينما كانت ترى الزي البحري كاملاً أمام عينيها، تردّد صُراخ لازلو الحاد في الممر.
“آه! آخ! اصبعي! سينكسر! هذا مؤلم!!!”.
“انزلي أولاً.”
فتح آصلان فمه وهو يلقي نظرة باردة فوق كتفه، وفكّرت رييلا لأول مرة بفكرة لا داعي لها: اللون الأزرق الداكن يشبه سماء الليل التي بدأ الظلام يتسلل إليها.
أومأت برأسها وفتحت الفتحة فتعالى صوت لازلو من الأعلى ينتحب ويهتف بجنون: “إيزابيلا، إيزابيلا!”
راودت رييلا فـكرك أن ربـما عائلة أندريه اختارته ليس لـ تمنحه الخلود بل ليُمِيتوه.
-“أرسلوه ليموت… هل سـنكون نحن كذلـك أيضًا؟”
“…لُحسن الحـظ أننا قلنا إننا نقيم في الوحدة 30.”
تمتمت باطمئنان وهي تـنتظر بقلق في الطابق الأول ورأت آصلان ينزل على السلم.
“سيعتقد أنه رأى هلوسة عندما يستيقـظ من الدواء.”
“أتمنى ذلك…”.
فتحت مخرج الطوارئ وركـبت السيارة على الرغم من خروجها، كان قلبـها لا يزال ينبـض بعنف وكأنها تناولت منشـطًا.
“الخلــود”.
لم تفكر أبدًا في قدرة التجديد بهذه الطريقة عندما ربطت المعلومات التي حصلت عليها حتى الآن ببعضها، بدا المنطق وكأن خلايا “ذلك” تختلط في الجسم وتعيد الزمن للخلايا الجـسدية المدمرة.
باستمرار وإلى الأبد، ما لم تكن إصابة كبيرة لا يمكن علاجها.
شعرت بالغثيان لسبب ما وبأن شيئًا خاطئًا ولم تستـطع تحديد المشكلة على وجه الخصوص، ولكن…
“بغض الـنظر عن كونهِ مـخيفًا، كانت اللوحة رائعة حقًا.”
تمتمت رييلا ميكانيكيًا بكلمات لم تكن تهتم بها وهي تنظر إلى الهيكل المـستدير يبتعد، بمجرد أن يملأ لازلو الداخل باللوحات قد يضـطر إلى طلاء الجزء الخارجي من سفينة الاستكشاف.
لا، هل سيتبقى لديه أي طلاء لذلك؟.
“أعتقد أن ترك عمل فيه روح هو بالفعل قريـب من الخلود بدت قيّـمة العمل عاليـة.”
“لا، حتى لو لم تعرفي شيئًا عن الرسـم فإن عمل هذا الرجل لن يكون له أي قيمة.”
“لماذا؟”.
“ما هي قيمة عمل لا يمـوت فيه الـفنان؟”.
قال هذا آصـلان بلا مبالاة وهو يدير عـجلة القيادة، كأنه كلامًا قاله بلا قـصد وهو غارق في أفكار أُخرى.
التعليقات لهذا الفصل " 54"