– الرقم 30.
الفصل الخامس
تجمد الثلاثة في أماكنهم، كأن الزمن نفسه توقف، عيونهم مشدودة نحو مصدر الصوت الغامض الذي بدا كأنه يتسرب من الجدران، كأن المكان نفسه يهمس بلغة مروعة. كانت أنفاسهم متقطعة، مشبعة بالخوف، كأن الهواء تحول إلى رذاذ من القلق يخنقهم.
أصلان، بيده بندقيته التي سحبها بسرعة كمحارب يستعد لمعركة، كان يركز على الظلال المتحركة. أنطون، الذي كان يتفحص لافتة تحمل اسم “أندريه” مثبتة فوق خزانة الأسلحة، بدا كأنه يحاول فك لغز لا يفهمه. ورييلا، التي وقفت في الخلف، شعرت بقلبها يخفق بعنف، كأنه يحاول القفز من صدرها.
“31؟… هل هذا يعني أننا لسنا وحدنا؟” تمتمت رييلا، صوتها مختنق بالدهشة، كأن الكلمات تتصارع للخروج من حلقها المشدود.
“وحش… الناس يتحولون… أرجوكم…” كان الصوت المتقطع المنبعث من جهاز الاتصال اللاسلكي يحمل ذعراً خالصاً، كأنه صرخة طفلة تتوسل الحياة في عالم من الكوابيس.
“ساعدونا…” تابع الصوت، كأنه يتشبث بخيط رفيع من الأمل يتلاشى بسرعة.
“هذا المشروع اللعين، أبيس(الهاوية)!” انفجر صوت آخر، محمل بالغضب واليأس، كأنه يلعن السماء والأرض معاً.
قبل أن تتمكن عقولهم المذهولة من استيعاب هذه الكلمات المرعبة، انطفأ الضوء الأحمر فجأة، كأن الغرفة ابتلعت نفسها في هاوية الظلام. في تلك اللحظة، هز انفجار هائل الطابق العلوي، كأن جبلاً ينهار فوق رؤوسهم. غطوا آذانهم غريزياً، متشبثين بالجدران كأنها درعهم الأخير ضد المجهول. كان صوت الطابق الثالث وهو يتحطم، كأن مخلوقاً عملاقاً يمزق الأرض بمخالبه.
“واجاك، واجاك…” صوت السقف وهو يتشقق، كأن شيئاً هائلاً يحفر طريقه عبر المبنى، مخلفاً آثاراً طويلة كأظافر وحش. رفعت رييلا رأسها، عيناها مملوءتان بالرعب، وهي ترى السقف يتموج كأنه يتنفس بحياة شريرة. كان أصلان بجانبها، يصوب بندقيته نحو تلك الأثار المتحركة، كأنه يطارد شبحاً لا يُرى. توقف الجميع عن التنفس، كأن أي حركة قد تستدعي نهاية العالم.
‘هذا المكان ليس طبيعياً… إنه ملعون!’ فكرت رييلا، وهي تشعر بجسدها يرتجف كأوراق شجرة في عاصفة.
بعد لحظات طويلة من الصمت المميت، تلاشى الصوت أخيراً، كأن ذلك الشيء الرهيب قد غرق في أعماق الظلام. عادت أنفاسهم ببطء، كأن الحياة تتسرب إليهم قطرة قطرة.
كسر أنطون الصمت أولاً، وجهه خالٍ من أي تعبير، كأنه قناع شمعي ذاب تحت وطأة الرعب. “ما… ما الذي كان ذلك؟” تمتم، وعرق يتساقط من جبينه، يلمع كقطرات زئبق تحت ضوء خافت.
لم يجب أحد. كيف يمكن تفسير ما لا يمكن تصوره؟ أخيراً، تحدث أصلان بنبرة هادئة لكنها حاسمة كالصلب: “لن نتمكن من الوصول إلى غرفة الاتصالات الآن. الطابق العلوي ليس آمناً.”
“آمن؟ لا شيء آمن هنا!” رد أنطون، صوته يرتجف كأنه على حافة الانهيار. “لا الخارج، ولا الطابق الأول، ولا الثالث… يجب أن نبقى هنا، ننتظر من ينقذنا!”.
لكن رييلا، وسط هذا الذعر، تذكرت شيئاً. رفعت يدها المرتجفة، ممسكة بجهاز الاتصال الذي لا يزال يصدر أصواتاً مشوشة كأنها همسات أشباح. “انتظروا… ألم تسمعوا؟ قالوا ’31’… إذا كان هذا يعني الأرقام التي رأيناها، فهذا المكان هو 30!”
توقف الرجلان، عيناهما تتسعان كأنهما يواجهان حقيقة مخيفة. إذا كان هناك “31”، فهل يعني ذلك أن هناك فرقاً أخرى؟ عشرين، ثلاثين فريقاً ربما، محاصرين في نفس الكابوس، يستيقظون دون ذكريات، يواجهون وحوشاً لا تُوصف؟.
“هذه ليست سفينة استكشافية محترفة,” أضافت رييلا، صوتها يرتجف كأنه على وشك الانكسار. “الأصوات التي سمعناها… كانت أصوات أطفال، مراهقين ربما. كانوا يصرخون طلباً للمساعدة، كأنهم يواجهون نهاية العالم!”.
تخيلت فتاة صغيرة، تصرخ عبر جهاز الاتصال، محاصرة في ظلام دامس، تواجه مصيراً لا يمكن تصوره. حاولت طرد تلك الصورة من رأسها، لكنها كانت كالسم، تتسرب إلى أعماق أفكارها. “ربما… ربما يتلقى شخص آخر هذا الاتصال الآن. يجب أن يكون هناك أمل، أليس كذلك؟”.
“إذا تلقينا الإشارة، يمكننا محاولة إرسال واحدة!” قال أصلان، وهو يمد يده نحو جهاز الاتصال. كانت يده ثابتة كالصخر، كأنه يحاول استعادة السيطرة على فوضى العالم. سلمت رييلا الجهاز بتردد، قلبها يخفق كطبول الحرب.
“كليك.” صوت معدني حاد قطع الصمت كسكين. التفت أصلان بسرعة، بينما استدارت رييلا ببطء، عيناها تتسعان برعب خالص.
كان أنطون، الذي بدا هادئاً حتى تلك اللحظة، يصوب مسدساً نحوهما. متى أخذ سلاحاً من المخزن؟ كيف لم يلاحظ أحد؟.
“ماذا… ماذا تفعل؟” سألت رييلا، صوتها مختنق بالصدمة، كأن الأرض انشقت تحت قدميها.
ابتسم أنطون ابتسامة باردة كالجليد، كأنه يشرح شيئاً بديهياً. “لا شيء شخصي، لكن ما سمعته في الاتصال أثار ذاكرتي. “الناس يتحولون”، أليس كذلك؟ يجب أن نكون حذرين. أنتم مصابون، ثلاثة منكم، بينما أنا سليم. ارفعا أيديكما الآن!”.
كان يعتقد أنهم مصابون، كأنهم على وشك التحول إلى زومبي أو وحوش. نظرت رييلا إلى أصلان، عيناها تتوسلان إجابة. رفع أصلان يديه ببطء، موجهاً إليها إشارة خفيفة لتفعل الشيء نفسه. أطاعت، لكن قلبها كان ينبض بجنون، صرخة قائلة: “لم نُصب! لا توجد أعراض!”.
ضغطت على يدها المجروحة، الألم الحاد يوقظها من دوامة الذعر. ‘لا توجد عدوى!’ فكرت، لكن صوت أنطون قطع أفكارها.
“سنضعكما في الحجر الصحي لثلاثة أيام. إذا لم يحدث شيء، نعود للتعاون. هذا عادل، أليس كذلك؟”.
كانت كلماته تبدو منطقية، لكن نبرته كانت تهديداً خالصاً. عرق يتصبب من جبينه، كأنه يتوقع هجوماً من أصلان في أي لحظة. كان يقف على حافة الانهيار، عيناه تلمعان بالخوف والشك.
“ماذا عن ديلان؟” سألت رييلا، صوتها يرتجف كأنه سيتشقق. “إذا كنت قلقاً بشأن العدوى، فهو مصاب أيضاً!”.
“سأضعه في غرفة مغلقة، مع طعام كافٍ. سيكون آمناً… في الظلام.” رد أنطون، وابتسامته تزداد غرابة، كأنه يخفي شيئاً مرعباً.
“هذا ليس حلاً، هذا سجن!” صرخت رييلا، قلبها ممزق بين الخوف والغضب. شعرت بالأسف تجاه ديلان للمرة الأولى. قد يكون وقحاً، لكنه لا يستحق أن يُعامل كحيوان محاصر.
فجأة، تحولت عينا أنطون إلى أصلان، صارخاً: “لا تخفض يديك!” كان صوته حاداً، كأنه شخص آخر تماماً، كأن الخوف قد أعاد صياغة روحه.
نظرت رييلا إلى أصلان، الذي أطفأ ضوء ساعته وأمسك بندقيته بثبات، كأنه يستعد لمعركة حياة أو موت. “هل هناك سلم يؤدي إلى الطابق العلوي في غرفة المعيشة؟” سأل أصلان، عيناه مثبتتان على شيء خلف أنطون، كأنه يرى شبحاً يقترب.
“ماذا؟” رد أنطون، حاجباه يعقدان في ارتباك.
“أسمع شيئاً…” أضاف أصلان، صوته منخفض كالريح قبل العاصفة، محمل بالتحذير.
تجمد الجميع. غطى الصمت الممر كغطاء ثقيل، لكن لم يكن صمتاً كاملاً. كان هناك صوت… همس غريب، كأن أرواحاً تتحدث في الظلام، كأن شيئاً يزحف نحوهم. شعرت رييلا بقشعريرة، كأن يداً باردة تمسك بعنقها.
“لا تتلاعب بي!” صرخ أنطون، لكنه استدار غريزياً، عيناه تبحثان في الظلام.
“اخفض رأسك!” صرخت رييلا، لكن كان الوقت قد فات. انفجرت مئات الحشرات السوداء المتلوية من الظلام، كأنها موجة من الكوابيس الحية. اخترقت جسد أنطون، تحولته إلى خلية نحل بشرية، لحمه يتمزق كالورق. أطلق أصلان النار دون تردد، الرصاص يمزق الجثة والحشرات معاً، رذاذ الدم والسوائل يتناثر على الجدران كلوحة من الرعب. تحطمت نظارة أنطون، وتفجر رأسه، واخترق قلبه. “مات… لقد مات!” صرخت رييلا، مغطية أذنيها، بينما تحطم مصباح أنطون، غارقاً الغرفة في ظلام دامس.
أمسك أصلان ذراعها وسحبها، يركضان عبر الظلام، كأنهما يهربان من الموت نفسه. ‘لماذا؟ لماذا يحدث هذا؟’ كانت الأفكار تدور في رأسها كعاصفة، مشاهد الدم والجثث تطاردها كأشباح. صوت الاتصال لا يزال يتردد في أذنيها: “ساعدونا… الوحش… أبيس!”.
“بانغ!” أغلق الباب خلفهما بقوة، كأنه يغلق بوابة الجحيم. انهارت رييلا على الأرض، تبكي، دموعها ممزوجة بالدم اللزج على وجهها. “أعطني سلاحاً… أي شيء! سأقاتل، لن أهرب بعد الآن!” صرخت، صوتها ممزق بين الخوف والعزيمة، كأنها تتحدى الكون نفسه.
كان قلبها يخفق بجنون، الخوف يخنقها، كأن صدرها سينفجر. شعرت بيد أصلان تمسك بها، تبحث عن شيء في الظلام. ‘هل تبحث عن الحقيبة الطبية؟’ فكرت، لكنها لم تتذكر أين أسقطتها. كل ما تملكه هو جهاز الاتصال، ممسكة به كأنه خيط الحياة الوحيد.
“يؤلم…” تمتمت، وهي تضغط على صدرها، كأنها تحاول سحق الذعر بداخلها. فجأة، رفع أصلان ذقنها بقوة، وفي لحظة، شعرت بشفتيه على شفتيها. توقف العالم. لم يعد هناك سوى دفء يده، ورائحته الباردة كالمعدن. كان كأنه يسكب الحياة فيها، يعيد تنفسها إلى النظام، كأن تلك اللحظة هي الملجأ الوحيد من الرعب.
‘أنا أتنفس…’ فكرت، جسدها يرتجف تحت وطأة تلك اللحظة. كان الظلام يحيط بهما، لكنها شعرت به يعتصرها، يحميها. المسافة بينهما تلاشت، كأن العالم الخارجي لم يعد موجوداً. كانت رائحة الدم والصدأ تملأ الهواء، لكن دفء أنفاسه كان يغطي على كل شيء.
مدّت يدها ببطء، لتمس ظهره، عظام كتفه بارزة تحت أصابعها. شعرت بجسده يتجمد للحظة، ثم يرتخي كأنه يستسلم للحظة. لم يكن هناك معنى عميق لهذه اللحظة، كانت مجرد محاولة لإعادة السيطرة على أنفاسها، لإنقاذها من نوبة الهلع. لكن في تلك الثواني، شعرت أنها ليست وحيدة. كان أصلان هناك، كالصخرة وسط العاصفة.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
رقم 30
تحتوي القصة على موضوعات حساسة أو مشاهد عنيفة قد لا تكون مناسبة للقراء الصغار جدا وبالتالي يتم حظرها لحمايتهم.
هل عمرك أكبر من 15 سنة
التعليقات لهذا الفصل " 5"