“أين المسكنات؟ كل شيء آخر لا يهم، أعطيني بعض المسكنات من فضلك.”
عبست قليلًا قبل أن تجيب: “أنا آسفة، لا يوجد حبة مسكن واحدة. يبدو أن من جاءوا قبلنا أخذوا كل شيء.”
قضم ديلان الشتائم داخل فمه وهو يئن.
“لا، تبًا… كيف ينقص الشيء الأكثر أهمية…”.
“أعتقد أن هذا بسبب أننا نشعر بالألم حتى لو اكتسبنا القدرة على التجديد. لكن لا بأس، لحسن الحظ بقي القليل من الضمادات النظيفة.”
قطعت رييلا الضمادة بأسنانها وربطتها، محاولة العثور على نقطة إيجابية. كانت الوحدة 18 سفينة استكشاف “فارغة” باستثناء الأحافير التي تبدو ثمينة. كان من المعجز أن تتبقى بعض الإمدادات الطبية مثل الضمادات، بالنظر إلى أن الزوار السابقين أخذوا كل شيء، حتى حبة طحين واحدة.
رد ديلان بسخرية على كلامها عن اكتساب القدرة على التجديد قريبًا.
“أوه، نعم. في الحقيقة، أنا أيضًا جئت من عالم آخر ولا أشعر بالألم جيدًا.”
يبدو أن لديه الطاقة للسخرية على الرغم من شحوبه. هل يجب أن تشد الضمادة أكثر؟ فكرت، ثم هزت رأسها. لا، لن اعبث بالحظ السعيد الذي تلقينه،بالكاد تفادى الشريان الأورطي.(1.
“على أي حال، لقد انتهيت. لا تتحرك بتهور واستلقِ هنا.”
انتفخ صدر ديلان الممدد على الأريكة وهبط استجابةً لها. شاهدت استقرار تنفسه ثم نظرت حولها بحثًا عن المريض التالي.
كانت بولينا التي وضعتها في الغرفة المفتوحة لا تزال فاقدة للوعي، وكان آصلان ينهي ضماداته بنفسه في المطبخ ويدخل ذراعه في قميص أبيض.
“هل أساعدك؟”
“انتهيت، لا بأس.”
“لديك جروح في وجهك أيضًا.”
“مجرد خدوش.”
“مع ذلك.”
عندما مدت المرهم بعناد، نظر إليها وهو يزرر قميصه زرًا تلو الآخر. عندما نظرت إليه، ذهبت عيناها بشكل طبيعي إلى الياقة المفتوحة لقميصه بسبب فارق الطول. تلون طرف أذنها على الفور تذكرًا للماضي، بسبب رؤية عضلة الترقوة الواضحة وصدره الصلب. في تلك اللحظة، تحدث آصلان وهو يجلس على الطاولة بنبرة رتيبة: “إذن هل يمكنكِ وضع المرهم بدلاً مني؟ أردت أن أفعلها بنفسي، لكن ليس لدي مرآة.”
كاذب. إنها حجة. كان من السهل تخمين أن كل غرفة بها مرآة.
لذلك، كان هذا أشبه بـ “حاولي إذا استطعتِ”، لكن رييلا ترددت ثم اقتربت من ساقيه الممدودتين. على الرغم من أنه كان يجلس على الطاولة، إلا أن فارق الحجم جعله يغطيها بظله بالكامل. لدرجة أن ديلان في غرفة المعيشة لن يرى خصلة من شعر رييلا الأشقر.
“لقد سمعت أنه سيكون لدينا قدرة تجديد، أليس كذلك؟”.
“هذا صحيح، ولكن قد يحدث أي شيء. إذا تغيرت الأمور هذه المرة، فقد تبقى ندبة.”
“آه.”
وضعت يدها على الجرح الممزق فوق حاجبه وهي تسمع رد فعله الخالي من العاطفة الذي لا تعرف ما إذا كان إعجابًا أم تنهدًا. بين استنشاق رائحة الدم القوية ورائحة الدواء المنعشة الممزوجة برائحته الثقيلة، تتبعت عيناه الداكنتان والعميقتان جبهتها، أنفها، وشفاهها ببطء. تعلمت رييلا لأول مرة أن النظرة يمكن أن تكون لاذعة أيضًا.
“سنستريح هنا لفترة، ثم سأذهب للبحث عن الماء والطعام.”
في تلك اللحظة، فتح آصلان فمه مرة أخرى.
“وحدك؟”.
“لا، كنت أنوي أن تذهبي معي.”
“……”
“لا يوجد خيار آخر. واحد مصاب بجروح بالغة، والأخرى لا يمكنها تحمل الأماكن الضيقة.”
الآن بدأت تفهم قصد آصلان بوضوح. كان ينوي اتخاذ قراره بشأنها بنفسه. من خلال مراقبتها وهو يبقيها بجانبه.
“رأيي لا يؤخذ في الحسبان.”
“هل تريدين البقاء هنا؟”.
“لا. على أي حال، إذا أرسلتك بمفردك إلى مكان خطر، سأقضي وقتي في القلق ولن أتمكن من فعل أي شيء.”
ابتسمت وهي تُنزل يدها التي وضعت المرهم، فتغير تعبير الرجل بشكل دقيق. فقدت توازنها عندما تراجعت، فأمسك بها وهو يعدل وضعيته. أحاطت مفاصل يديه الغليظة بمعصمها كحبل ساخن ثم تركته.
“لا تحتاجين إلى الدواء أو القلق، لذا في المرة القادمة انظري إلى أين تضعين قدمكِ. تبدين كشخص يسقط كثيرًا في كل مرة تمشين فيها.”
سُمع صوته المنخفض بالقرب من أذنها. أدار آصلان رأسه قبل أن تلتقي عيناهما مباشرة، لذلك لم تر رييلا سوى ظهره الطويل وهو يرتدي سترة زيه العسكري. انبعث أنفاسها المكبوتة وتبددت كزفير في منتصف الشتاء.
****
“الرجل المصاب في بطنه نائم، والشخص الذي يدعى آصلان ذهب إلى سفينة استكشاف أخرى ليحضر الماء والطعام.”
كان من المفترض أن يذهب معها. عندما استيقظت من قيلولة على الطاولة، كانت بولينا فقط تجلس أمامها بوجه شارد.
ربما كان هناك قانون ينص على أنه يجب على شخص واحد على الأقل أن يكون فاقدًا للوعي في كل مرة، فكان صوت شخير ديلان الخافت يُسمع في غرفة المعيشة، ولم يكن الرجل الذي قال إنه سيذهب معها مرئيًا.
هل كان مجرد اختبار؟ أم أنه شعر أنه لن يكون مفيدًا إذا ذهب معها؟. شعرت رييلا بالإحباط لكونه ذهب بمفرده، فابتسمت لبولينا بضعف.
“شكرًا لكِ على إخباري. كيف حالكِ الآن؟”.
“أنا بخير… لا أتذكر شيئًا تقريبًا من الذي حدث في السيارة… شكرًا لكِ على إمساك يدي على الدرج.”
نظرًا لأن كل ما تتذكره عنها هو أنها كانت تفتح النافذة بحساسية أو تصرخ، اعتقدت أنها شخصية صعبة، لكن بولينا التي التقتها مرة أخرى كانت أكثر هدوءًا مما توقعت. لا، ربما “متعبة” هو التعبير الأدق.
عندما ابتسمت رييلا، حاولت بولينا أن تبتسم بشفاهها بحرج أيضًا. ربما لأنهما التقتا للتو ولم يكن هناك الكثير ليقال، ساد الصمت بدلاً من ذلك. في تلك اللحظة، انزلقت نظرة بولينا من وجه رييلا إلى الأسفل وهي تحاول أن تتفوه بشيء.
تابعت نظرتها فرأت حروفًا انكشفت عندما نهضت من وضعية النوم. لم تكن تراها جيدًا في الظلام عندما كانت نائمة، ولكن مع وجود المصباح اليدوي في مكان قريب، كانت النقوش أوضح.
“هذا…”.
كانت الحروف المحفورة بالسكين على الطاولة تُعلن: “07.06.2034. فريق علماء الأحافير يصل إلى الهاوية.” وتمت إضافة حوادث كبيرة تحتها. مثل موت أعضاء الفريق.
“يبدو أن هذا سجل تركه شخص كان هنا.”
كما حدث في الوحدة 30، مات العديد من الأشخاص في البداية، ثم ندرت الحوادث.
بدت تعابير بولينا أسوأ تدريجيًا، ربما لأنها لم تتوقع أن يموت الكثير من المستكشفين، على الرغم من أنها سمعت بشكل عام عن مشروع الهاوية. أشارت بوجه جاف إلى التاريخ الأخير.
12.31.2034. باسكال.
“إنه نهاية العام. مات في وقت كان يجب أن يقضيه مع عائلته.”
“صحيح. إنه أمر مؤسف، ولكن على الأقل شخص ما يتذكره هكذا…”.
توقفت رييلا عن التمتمة عند فكرة خطرت لها فجأة. أنزلت نظرها وتفحصت السجل بعناية مرة أخرى. واحد، اثنان، ثلاثة… سبعة.
مات سبعة أشخاص في المجموع. لكن كيف يمكن أن يكون ذلك؟ من المفترض أن إجمالي عدد الأفراد في سفينة الاستكشاف هو سبعة… إذن من الذي نقش هذا السجل؟
رفعت رييلا رأسها فجأة، وذهبت وكأنها مسحورة إلى الغرفة المغلقة وفتحت الباب الذي أغلقه آصلان. كريييك، عندما فُتِحَ الباب وكشف عن الظلام، تسمرت قدماها في مكانهما.
كانت جثة معلقة. كانت جمجمة بشرية معلقة في الهواء تنظر إليهما. متكئة على أجنحة طائر مزينة على السقف.
“…انتحر. ولهذا السبب تمكن من نقش تاريخ وفاته مقدمًا.”
رييلا، التي كانت تحدق في المشهد الذي يشبه جزءًا من كابوس، اكتشفت دفتر ملاحظات مصفرًا مفتوحًا على المكتب. كان من المحتمل أن يكون وصية أو رسالة. للوصول إلى هناك، كان عليها أن تمر بجوار العظام المعلقة في الهواء، وعندما خطت رييلا بحذر، عبست بولينا وتأوهت باشمئزاز لمجرد رؤية المنظر.
يبدو أنه لم يدخل أي شخص غريب هذه الغرفة بسبب الهيكل العظمي. الموت دائمًا ما ينبعث منه رائحة سيئة، والناس لا يقتربون من الأشياء المشؤومة.
لكن… الجثة ماتت والباب مغلق. ألا يبدو وكأنه كان ينتظر شخصًا ما للدخول حتى لحظة موته؟ تحركت رييلا بصمت خطوة بخطوة وكأنها تستجيب لنداء بحر الليل.
إنه مختلف عن الباب المفتوح. الباب المغلق يبعث الأمل والخيال.
وقفت أخيرًا أمام المكتب، وجهت المصباح اليدوي، وبدأت تتصفح دفتر الملاحظات الذي بدا وكأنه يوميات بسرعة من الصفحة الأولى. في البداية، كان الدفتر مليئًا بالعناية والشرح المفصل، ثم تحول تدريجيًا إلى الوحدة والحنين والروتين البسيط، ثم تغير إلى قصة حول كائن تجريبي أطلق عليه اسم “أبوفيس”. كانت المحتويات تدور حول إجراء تجارب مختلفة على “أبوفيس”، لكنها كانت صعبة الفهم بالنسبة لها. ثم وصلت أخيرًا إلى الصفحة الأخيرة.(ظهر بالجزء الثاني بالفصل 22، في رقم 30 صيف مظلم)
[لقد تحدثت اليوم مع أبوفيس الذي كنت أربيه في المختبر. والمثير للدهشة أنه يبدو أنه تعلم 26 حرفًا أثناء وجوده معي. عندما نفدت بطارية كاميرا التسجيل، أظهر أبوفيس حركات منتظمة داخل الصندوق، وكانت بلا شك لغة بشرية.
سألت عن هدف الهاوية، وهو السؤال الأكثر فضولًا، وبعد حوالي 50 ساعة من المراقبة، سمعت إجابته. الملخص كالتالي.]
[“الهاوية هي حرب بين الأعراق من أجل البقاء. نحن نتعرض لهجوم مضاد من الطبيعة، والتي اعتقدنا أنها تقع تحت أقدامنا. قال إنه رأى الأرض المدمرة وأعاد الزمن إلى الوراء.”]
التعليقات لهذا الفصل " 49"