شعرت وكأنها مَسْحُورة بشيء ما. انغرست هذه الصور كآثار على شبكية العين، وغاصت عميقًا في صدرها.
عندما استيقظت بعد أن نامت بعد كل ذلك التعب المتراكم وليلة الحب إيضًا، لم تستطع سوى أن تئن وهي تتقبله. كان ملمس اللحاف البارد على بشرتها مريحًا. أنا بأمان. أنا سعيدة. لقد اتصلنا أخيرًا. ذاب عقلها بالكامل من فرحة التواصل الروحي.
“أتعرف؟ سمعت في مكان ما أن الإقلاع عن التدخين يجعل الشخص لا ينام بسرعة. لقد حللت أخيرًا لغز الليلة الماضية…”.
همست رييلا، وهي مستيقظة بالكاد. كان صوتها مبحوحًا بالكامل، وعيناها مثبتتان على علبة السجائر وولاعة زيبو الفضية على الطاولة الجانبية. كانت تلك العصا البيضاء الطويلة التي كان يضعها بين شفتيه أحيانًا، لكنه لم يشعلها أبدًا. شعرَت بـ “آه” تهمس بها خلفها من الرجل الذي كان يحتضنها، على عنقها مع أنفاسه.
“لا أدري، ألا يبدو الأمر وكأنه مجرد فرق في القدرة على التحمل؟”.
كان صوته المنخفض البارد عميقًا لدرجة أنه أيقظها تمامًا. تظاهرت رييلا باللامبالاة بـ “أممم”، ثم نهضت فجأة وأخرجت سيجارة من العلبة. كانت فضولية بشأن الرائحة فقط. أرادت أن تعرف كل شيء عنه، حتى لون الريح العابرة.
بينما كانت تركز على إشعال طرف السيجارة التي تحملها بيد والولاعة بالأخرى، كان أصلان مستلقيًا ينظر إليها.
“لا تشتعل.”
“يجب أن تمسكيها بفمكِ وتشعليها. وإلا فإنها على الأغلب ستحترق فقط.”
“هكذا؟”.
عندما وضعتها في فمها وسألته، نهض أصلان بجذعه وأخذ الولاعة من يدها. فتح غطاء الولاعة وأشعلها وهو يبعدها مسافة إصبعين ورد: “نعم. هكذا تشعلينها ثم تسحبين منها.”
احمر وجهها من قربه الشديد ناحيتها، ونظر إليها الرجل للحظة بهدوء، ثم أطفأ الولاعة بصوت طقطقة وقبّل خدها.
“سأحضر شيئًا لنأكله من الخارج. سأغض الطرف، يمكنكِ أن تغمضي عينيكِ قليلًا.”
نهض من السرير، أدركت أنه سُلب منها الولاعة التي كانت ستبدأ بها اللعب بالنار.
رييلا، وهي تلف اللحاف حول كتفيها، حدقت بذهول في جسد الرجل عاري الجذع. على الرغم من أنها كانت تعرف الفرق في الطول، إلا أنها شعرت بمهابة جديدة عندما نظرت إليه من مسافة. كان كتفاه العريضان يشبهان تمثالًا برونزيًا منحوتًا، وانسجما بشكل مثالي مع خصره النحيل ليشكلا ظهرًا صلبًا كالدروع.
لم تستطع تصديق أنها كانت بين ذراعي هذا الجسد. شعرت وكأنها أميرة مدللة من العصور القديمة أغوت فارسها البارد.
سرير مريح ودافئ. جو هادئ ومطمئن. وحتى ظهره وهو يغادر في الصباح الباكر مهتمًا بها ببرود. لا، ربما لم يكن فارسًا، بل أميرًا ذاهبًا إلى المعركة. بينما كانت تفكر بجدية بين المهنتين، ارتدى ملابسه بالكامل وهمّ بالخروج، لكنه عاد بخطوات واسعة.
“لماذا؟ هل نسيت شيئًا…”.
انحنى الرجل تجاهها وهي تنظر إليه، ووضع شفتيه على شفتيها بنعومة. لقد عرفت الآن. هذه عادة لديه. أن يهمّ بالمغادرة، ثم يفكر مرة أخرى في الشخص الذي سيتركه خلفه.
للحظة، لفتت ذراعيها حول عنقه وتقبلت القبلة، ثم فصل أصلان شفتيه وهمس وهو ينظر إلى الأسفل: “سأعود قريبًا.”
“حسناً. آه، هل يمكنك أن تمر على الغرفة المجاورة في طريقك؟”.
“تقصدين كيم ويوري؟”.
“نعم. لقد حذرتهما بالأمس من قبول أي مشروبات كحولية، لكنني لم أرهما يدخلان، لذا أشعر بالقلق.”
انفصلت يد الرجل الذي وافق على طلبها، ومترددة جدًا. ظلت رييلا تراقب جهته حتى غادر وأغلق الباب، ثم سقطت على السرير الذي ما زال يحمل دفئهما وأغمضت جفنيها الثقيلين.
***
طاااخ-!
عندما استيقظت مذعورة، كانت لا تزال وحدها. شعرت وكأنها حلمت بشيء سيئ، لكنها لم تتذكره جيدًا.
كم نامت؟ لم يكن هناك ساعة أو نافذة في الغرفة لمعرفة كم من الوقت مر. استنتجت فقط أن أصلان لم يخرج منذ وقت طويل، بناءً على أن الطاولة الجانبية التي نظرت إليها كانت فارغة.
لماذا؟ على الرغم من أن الغرفة لم يتغير فيها شيء قبل النوم أو بعده، شعرت بإحساس بالقلق. مثلما شعرت عندما مرّت عبر السياج الشائك ودخلت الحفرة. مثلما شعرت عندما فتحت باب المبنى ونزلت إلى الأسفل وإلى الأسفل.
التفتت وهي تتفحص محيطها بانتباه، فجأة وقعت عينها على المرآة. عبست رييلا ونهضت متكئة على السرير وحدقت في الجدار في المرآة. ثم استدارت لتتأكد بعينيها المجردتين. حتى في الظلام، كان الجدار الأبيض النظيف واضحًا. ولكن في المرآة، كان بوضوح…. .
كان هناك شيء يشبه سيقان الكروم الطويلة متشابكًا على الجدار بجوار السرير، وعندما نظرت عن كثب، بدا وكأنه يتحرك. مثل… مخالب (أو لوامس أو مجس).
ماذا؟.
فجأة، استعادت وعيها تمامًا، وسرى قشعريرة مرعبة على طول عمودها الفقري. شعرت وكأن ماءً باردًا قد سكب فجأة على عقلها الذي كان قد ذاب بالكامل في الماء الساخن.
تجمدت رييلا بالخوف من عدم قدرتها على تحريك جسدها، ثم نهضت فجأة والتقطت ملابسها واندفعت خارج الغرفة. طرقت على الباب المجاور بقوة لكن لم يكن هناك رد.
“كيم! يوري!”.
كان الباب مغلقًا على ما يبدو، فلم يستدر المقبض عند هزه. بدأت رييلا تركض بجنون في الممر الضيق باتجاه الساحة.
كان عليها أن تقابل أي شخص. عندها فقط سيصبح هذا المنظر المستحيل الذي رأته للتو مجرد وهم. وهم، وهم، وهم؟.
الآن، تذكرت، في أي مكان نحن؟ لماذا كنا مسترخين بهذه الطريقة الواثقة بينما كنا نشك في جو الملجأ؟ هو وهي، تدحرجا على السرير وكأن شيئًا قد مسّهما. كما لو أن أحدهم كان يعبث بدماغهما. في تلك اللحظة، تباطأت خطواتها وتوقفت ببطء.
في طريقها إلى هنا، قدم يوري، وهو مراهق مهتم بالعلوم، عددًا لا يحصى من الفرضيات العلمية الخيالية. إحداها دارت في ذهنها.
– “مخلوقات تستشعر الموجات الكهرومغناطيسية، إذن أنا أتساءل عما إذا كانت تطلق موجات كهرومغناطيسية بدورها. مثل الموجات فوق الصوتية للخفافيش.”-
ماذا لو كانت كميات كبيرة من المخالب تطلق موجات كهرومغناطيسية؟ ماذا لو كانت الموجات الكهرومغناطيسية القوية قادرة على التلاعب بإشارات الدماغ البشري لتبدو الأوهام حقيقية؟.
فجأة، سمعت عشرات الأصوات البشرية تهمس في أذنيها، وسرت قشعريرة على جلدها الرقيق. بدا الأمر وكأن كل هذه الافتراضات كانت حقائق تعرفها بالفعل. “أنا أعرف.” نعم، كانت تملك هذه المعرفة بالفعل. لدرجة أنها تساءلت لماذا تذكرتها للتو.
شاحبة الوجه، نظرت إلى الجدار النظيف المجاور في الممر. ترددت ووضعت يدها بحذر عليه، وشعرت بملمسه المسطح بوضوح على أطراف أصابعها. أغمضت عينيها وأخذت نفسًا عميقًا. كان الهمس في أذنيها يزداد تدريجيًا. عندما رفعت جفونها ببطء، رأت المخالب تغطي الجدار الأبيض بالكامل باللون الأسود. تحت قدميها، على السقف، وإلى اليسار واليمين أينما نظرت. تراجعت إلى الخلف وهي تدفع بيدها المرتجفة. هذا المكان، الذي يبدو وكأنه داخل سفينة استكشاف، لم يكن جنة.
إنه فخ. مزرعة لإغراء البشر المختبئين في الظلام.
– هنا فريق الهاوية 1، الهاوية 1. نُعلن لجميع سفن الاستكشاف التي يمكنها التواصل. لقد اكتشفنا الجنة هنا. أكرر. لقد اكتشفنا الجنة هنا. اخرجوا من سفن الاستكشاف وانزلوا إلى الحفرة التي يخرج منها الضوء. الجنة الأعمق غنية بالماء والطعام. يمكننا العيش هنا. –
“الاتصال اللاسلكي أيضًا… إنه موجات…”.
كانت تتمتم لنفسها بذهول. في تلك اللحظة، أمسك شخص ما بكتفها بقوة فصرخت رييلا. أغلقت فمها فقط عندما رأت الوجه المألوف.
“لم أقصد إخافتكِ. ظللت أناديكِ ولم تسمعيني.”
“آصلان…”.
“استغرق الأمر بعض الوقت للعثور على كيم ويوري. كلاهما يتناولان الغداء في الساحة، إذا كنتِ تريدين أن تأكلي معهما،”
“علينا أن نغادر هذا المكان الآن. الآن فورًا.”
لم يتغير الخلفية المرعبة على الإطلاق، لكن بمجرد ظهور هذا الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه، تمكنت من التنفس. لقد كانت مرعوبة جدًا للحظة. خائفة من أن يكون اعتراف الليلة الماضية مجرد وهم. مجرد شيء أرادت أن تراه. عبس عندما رأى وجهها الشاحب.
التعليقات لهذا الفصل " 41"