– رقم 30
الفصل العاشر
في اللحظة التي رفعت فيها رأسها المتصلب من الرعب، ظهرت امرأة أمامها، وجهها مشوه كأنه يذوب، أسنانها وعيناها مكشوفتان بشكل مرعب، تمسك بوجه رييلا بقوة كفيها القاسيتين. لم يكن للمرأة تعبير واضح، لكن رييلا شعرت، بطريقة ما، بنظرة مليئة باللوم والغضب موجهة نحوها. فتحت فمها المرعب، حيث كانت الأسنان تملأ حتى المنطقة التي يفترض أن تكون فيها الخدود، واندفع من عينيها وفمها سيل من مادة سوداء لزجة كالقطران، مثل شلال يهدد بابتلاع كل شيء. من شدة الخوف من أن يلمسها هذا السائل، صرخت رييلا صرخة مدوية مزقت حلقها وهي تتلوى في محاولة يائسة للهروب.
“لا! أنا آسفة، آسفة، توقفي!”.
استيقظت رييلا فجأة على سريرها المتقشف الذي يصدر صريرًا مع كل حركة. كانت تلهث بشدة، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة، وكأنها هربت للتو من وحش.
حلم؟ هل كان مجرد حلم؟.
“آه… آه…” تمتمت وهي تبكي بهدوء في الظلام. يداها تتحسسان الملاءة بقلق، كأنها تبحث عن دليل يؤكد أنها في الواقع. كانت مشوشة، عقلها عالق بين الحلم والحقيقة. أين هي الآن؟ هل لا تزال عالقة في ذلك الكابوس؟ الظلام الدامس من حولها جعلها عاجزة عن رؤية أي شيء.
بعد لحظات من التخبط في الفراغ، سمعته: طرق واضح ومنتظم على الباب. توقف أنفاسها للحظة، وقلبها يدق بقوة، وهي تدير رأسها بسرعة نحو مصدر الصوت. للحظة، خافت أن يكون الكابوس يمتد إلى الواقع، وشعرت بقشعريرة تجتاح جسدها.
“…من هناك؟”.
“هل حدث شيء بداخل الغرفة؟” جاء صوت هادئ وعميق من خلف الباب، صوت ذكوري مطمئن. تنفست رييلا الصعداء ببطء، وشعرت بتوتر كتفيها يتلاشى تدريجيًا.
“أصلان؟”.
“سمعتُ صراخكِ، هل يمكنني الدخول؟ سأفتح الباب للحظة إذا كان ذلك مناسبًا.”
يبدو أن صراخها لم يكن مقتصرًا على الحلم. كانت لا تزال في حالة ذهول، فاكتفت بهز رأسها بصمت قبل أن تستعيد وعيها فجأة وتصرخ بنبرة حادة: “انتظر! الباب مغلق!”.
زحفت بسرعة نحو مصدر الصوت، تتحسس طريقها في الظلام حتى وصلت إلى مقبض الباب. فتحته، وفي اللحظة نفسها، انفجر ضوء قوي من مصباح يدوي أضاء الغرفة. أغمضت عينيها من شدة الضوء، ثم رفعت بصرها ببطء لترى ظلًا يقف عند الباب. بدأت تدريجيًا تميز بين الحلم والواقع.
نعم، لقد استيقظت في الغرفة رقم 30. تذكرت بوضوح أنها دخلت الغرفة مساءً، استحمت، ثم استلقت على السرير، لتغرق في نوم عميق كأنها فقدت الوعي.
“آسفة على إحداث الضجيج في منتصف الليل. لقد رأيتُ كابوسًا… كان واقعيًا جدًا. ربما تأثرتُ بما حدث في الرواق مساءً، ترك أثرًا من الرعب في عقلي الباطن.”
بللت شفتيها الجافتين وهي تمرر أصابعها عبر شعرها المشعث، محاولةً ترتيبه خلف أذنيها. نظر أصلان إليها بعناية، يتفحص وجهها الشاحب، ثم جال ببصره في الغرفة. لم يكن هناك شيء سوى السرير والملاءة الفوضوية.
“لم تكوني نائمة بالكامل، لذا لا داعي للاعتذار. لكن وجهكِ شاحب. هل يمكنني أن أسأل عن الكابوس؟”.
“نعم، لا بأس. حسنًا… عندما فتحتُ الباب، كانت تلك المرأة التي رأيناها في الرواق تقف هناك.” بدأت رييلا تصف الحلم بتردد، وكأنها تعيد عيشه. “حاولت أن تفرغ شيئًا في فمي، كما فعلت مع الجثة في الطابق السفلي. استيقظتُ قبل أن يحدث ذلك، ولحسن الحظ، وإلا كنتُ سأشعر بالاشمئزاز طوال اليوم.”
حاولت تخفيف التوتر بابتسامة باهتة، لكنها لاحظت تجهم أصلان. كان هناك هالة حادة تحيط به، وكأنه يحمل عبءً ثقيلًا. وقف عند عتبة الباب، كأن دخول الغرفة ممنوع عليه، ثم تقدم خطوة واحدة ببطء ووضع المصباح على السرير.
“ربما تكون تجربة اليوم قد جعلت جسدكِ في حالة تأهب زائدة في الظلام. سأترك المصباح هنا، فحاولي النوم مع إضاءة خافتة هذه الليلة.”
“ماذا؟ لا، لا داعي لذلك. لقد استخدمنا الإضاءة المخصصة لليوم خلال العشاء، أليس كذلك؟ يجب أن أتكيف مع النوم بدون ضوء، لأننا سنعيش هكذا من الآن فصاعدًا.”
رفضت رييلا عرضه بسرعة، وهي تلوح بيدها بحركة متفاجئة. لم تكن تريد قبول المزيد من اللطف غير المستحق.
“كل ما أحتاجه هو شرب القليل من الماء، وسأتمكن من النوم مجددًا.”
لإثبات أنها بخير، وقفت بحيوية، لكن أصلان ابتعد عن طريقها ببطء، وكأنه غير مقتنع. منذ الأمس، كان يعاملها كما لو كانت قطعة زجاج هشة قد تنكسر في أي لحظة.
تمايلت وهي تتجه إلى المطبخ، حيث أخرجت كوبًا من الخزانة. عندما شربت الماء البارد، شعرت بالانتعاش يسري في حلقها، كأنها تعود إلى الحياة. التفتت إلى ساعة المعيشة، التي أشارت إلى الخامسة فجرًا – اللحظة التي يلتقي فيها نهاية اليوم وبداية آخر.
فجأة، شعرت رييلا بشوق إلى استنشاق هواء الصباح النقي. حاولت تذكر شيئًا مبهجًا، لكن كل ما تبادر إلى ذهنها كان صورة ضبابية لمباني المدينة الرمادية المكتظة. ومع ذلك، كانت تتوق إلى رؤية بصيص الأمل الذي يأتي مع شروق الشمس في نهاية الليل.
‘يا إلهي، لقد أفسدتُ الأمر!’ فكرت. تذكرها لشروق الشمس جعل النوم يهرب منها تمامًا.
“…هل يمكننا الجلوس معًا للحظات قبل أن تعود؟” سألت بنبرة مترددة.
“إذا قلتُ لا، هل ستعودين للنوم؟” رد أصلان بنبرة جافة.
“لا، سأحاول طرح سؤال آخر. ربما… عشر مرات أخرى حتى أحصل على إجابة إيجابية؟”.
ضحكت رييلا وهي تفتح كفيها بابتسامة مرحة. أطلق أصلان ضحكة قصيرة، ومرر يده الكبيرة على وجهه المتعب، ثم توجه إلى الأريكة الطويلة، وأزال الوسائد ليصنع مكانًا لها.
ترددت رييلا للحظة، ثم تبعته بخطوات خفيفة، خلعت نعالها، وجلست بجانبه. رفعت ركبتيها وأراحت رأسها للخلف، محدقة في السقف المسطح. كان هناك مصباح بيضاوي لا يصدر ضوءًا، وظلال السقف التي تتلاشى تدريجيًا في الظلام.
فكرت: إذا مر ذلك الوحش من الطابق العلوي وداس بقوة، فإن هذا السقف الرقيق سينهار على الفور. أو إذا لاحظت تلك المرأة في الرواق ضوء غرفتها، أو إذا تحطم الباب المتصل بالسلالم إلى الطابق الثالث… حتى لو لم يحدث شيء من هذا، كان هناك احتمال أن يتحول أحدهم – رييلا، أصلان، أو ديلان – إلى وحش. خلال العشاء، لاحظت رييلا شحوب وجه ديلان، الذي كان يعاني من إصابة خطيرة، وتساءلت إن كان على وشك التحول. كانت تعلم أن لديها جانبًا مثل أنطون، يتشبث بالخوف كوسواس لا يمكن التخلص منه.
يقال إن الدماغ البشري لا يستطيع استيعاب النفي. مهما حاولت إقناع نفسها بأنها لن تتحول إلى وحش، أو أنها ليست محكومة بالموت، فإن عقلها الساذج يستمر في رسم أسوأ الكوابيس.
“هل سنموت؟” سألت رييلا بهدوء وهي تحدق في السقف.
بعد صمت قصير، أجاب أصلان بنبرة هادئة: “في النهاية، نعم. الجميع يموت في النهاية.”
“ليس هذا ما أعنيه. أقصد… قريبًا. قريبًا جدًا. سنختفي من هذا العالم، سواء تحولنا إلى وحوش أو متنا كمحكومين بالموت. والذين يعرفوننا سينسوننا تمامًا.”
لم يرد أصلان هذه المرة. لم ينظر إليها حتى. اكتفى بأخذ يدها المرتجفة برفق، ممسكًا بها بحرارة يده الكبيرة كأنه يحاول تهدئتها. في تلك اللحظة، أدركت رييلا أن جسدها كان يرتجف دون أن تشعر.
تمنت لو كانت مراهقة تحمر خجلاً من لمسة يد. لو كان الأمر كذلك، لكان بإمكانهما التغلب على الخوف بمجرد التمسك ببعضهما حتى الصباح.
“عندما فتحتُ الخزانة لأغير ملابسي، وجدتُ إطار صورة مخفيًا في الداخل. خفتُ قبل أن أرى الصورة حتى، فقلبته بسرعة.”
أدارت رأسها لترى أصلان وهو يخرج سيجارة من علبة مربعة ويضعها بين شفتيه دون أن يشعلها. كان يستمع إليها بصمت.
“خفتُ أن تكون صورة شخص عزيز – عائلة، صديق، أو حبيب. إذا كانت التسجيلات صحيحة، فلن نراهم مجددًا أبدًا.”
شعرت أنها على وشك الانهيار وهي تقف بالكاد. على عكس الزي العسكري العادي، كانت أسماؤهم مكتوبة على ملابسهم بدلاً من ألقاب عائلاتهم. ربما كان ذلك دليلًا على تخليهم عن عائلاتهم.
“إن فكرة أن يكون المشهد الأخير خاليًا من أي شخص تحبه… إنها محزنة.”
“قد لا تنظرين إلى الصور، لكنكِ لستِ وحدكِ هنا.”
“ماذا تقصد؟”.
نظرت إليه بتعجب، وعيناها تلتقيان بعينيه السوداوين العميقتين. في تلك اللحظة، أدركت فجأة: منذ أن فتحت عينيها، كان أصلان دائمًا إلى جانبها.
هدأ ارتعاشها تدريجيًا. وضع أصلان السيجارة على الطاولة وتحدث بنبرة منخفضة: “إذا استمر شعوركِ بالاكتئاب، فمن الأفضل ألا تقومي بواجب الحراسة الليلية لبعض الوقت. البقاء مستيقظة في الظلام قد يكون مملًا، ويجعل كل الأفكار السوداء تتسلل إلى عقلكِ.”
“ومن سيتولى مهمتي إذا لم أفعل؟”.
“سأتولاها أنا عندما أجد شيئًا آخر يشغلني.”
رد أصلان بجفاف، لكن يده القوية، التي كانت تمسك يدها برفق، لم تكن تضغط بقوة، كأنها تترك لها حرية الانسلال إذا أرادت. شعرت رييلا بضيق غريب في صدرها بسبب هذا اللطف الخفي الذي لا يتوقف.
بدا أصلان كشخص لا يستطيع تجاهل أي شخص بحاجة إلى المساعدة، على الرغم من مظهره البارد. تذكرت كيف ساعدها عندما أصيبت بنوبة فرط التنفس، مقدمًا لها أنفاسه رغم أنها لم تكن مريضة بالفعل. فكرت أنه شخص لا يستحق أن تلتقي به في نهاية العالم. كم كان سيكون رائعًا لو التقيا في الخارج، في حياة أخرى.
“لا بأس، لقد تلقيتُ الكثير من اللطف بالفعل. لا أحد يستطيع السهر ليلتين متتاليتين.”
هزت رييلا رأسها بهدوء، قلبها يذوب من الامتنان. لكن، في لحظة اندفاع، أضافت: “إذا كنتَ تريد مساعدتي حقًا، هناك طريقة أخرى.”
نظر إليها أصلان بصمت.
“هل تريد تقبيلي؟”.
توقفت يده التي كانت تشعل الولاعة فجأة. نظر إليها رييلا بنظرة بريئة مزيفة، محدقة في عينيه مباشرة.
“على الأقل، في تلك اللحظة، لن أفكر في شيء.”
أصلان، الذي كان ينظر إليها بثبات، لم يرد. شعرها المشعث تدلى على جبهتها، مضيفًا إلى مظهرها الفوضوي.
“ألا تعتقد أننا لم نعد نملك شيئًا لنخسره؟”
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
رقم 30
تحتوي القصة على موضوعات حساسة أو مشاهد عنيفة قد لا تكون مناسبة للقراء الصغار جدا وبالتالي يتم حظرها لحمايتهم.
هل عمرك أكبر من 15 سنة
التعليقات لهذا الفصل " 10"