2
– الرقم 30: صيف مظلم.
الفصل الثاني
كان البريد الإلكتروني فارغًا، خاليًا من أي محتوى، كأنه رسالة صامتة تحمل تهديدًا خفيًا.
جلست هانا للحظات، محدقة في الشاشة، ثم استدارت فجأة لتواجه الظلام الذي يغمر الغرفة. لم يكن هناك أحد.
شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، ليس مجرد مزحة سخيفة، بل شيء أعمق، جعلها تشعر بالغثيان. تواصلت على الفور مع قسم شؤون الأفراد في الجيش، لتكتشف أن حسابات البريد الإلكتروني الشخصية للجنود المتوفين يتم إغلاقها لأسباب أمنية.
بمعنى آخر، حتى عائلة إيان لم تكن قادرة على إرسال تلك الرسالة. على أي حال، لم يكن لإيان عائلة، مما يجعل الأمر أكثر غموضًا.
أطلقت هانا تنهيدة طويلة، محملة بالإرهاق والقلق. مكان وفاة إيان كان “الهاوية”، تلك الحفرة العملاقة التي ظهرت في وسط الأراضي القاحلة قبل سبع سنوات.
كثير من الجنود نزلوا إلى تلك الهاوية لاستكشافها، لكنهم وقعوا فريسة لكائنات مجهولة ذات مخالب تعيش في أعماقها، ولم يخرجوا أحياء.
باستثناء قلة نجوا بأعجوبة، بقي الجميع محاصرين هناك عندما أغلقت الهاوية منذ عامين. لا يمكن للبشر الفرار من ذلك المكان. فقط في بعض الأحيان، عندما تتشقق الأرض، تتسلل تلك الكائنات الجوفية إلى السطح مثل الحشرات، متجولة في الظلام.
فجأة، انطلق صوت إذاعي عبر السماعات في المنطقة:
“ظهور كائن أبادون بشري الشكل في القطاع 17. ظهور كائن أبادون بشري الشكل في القطاع 17. توجهوا فورًا إلى أقرب ملجاء.”
أمسكت هانا بمسدسها الإشعاعي، وارتدت خوذتها وهي تستمع إلى صوت الرائد مولر، قائد فصيلتها، يتدفق عبر جهاز الاستقبال:
“النقيبة هانا تارا، مرحبًا بعودتكِ. تسعة كائنات تتسلق من خزان الصرف الصحي على بعد 20 مترًا أمامكِ. انشري الفرقة 2لاثنين عند نقطة التقاطع.”
ردت هانا بحزم: “سأتولى التعامل مع التسعة جميعًا.”
جاء صوت مولر متشككًا: “يبدو أنكِ استرحتِ جيدًا هذه المرة. الثقة جيدة، لكننا نتوقع مرورهم خلال 3.1 ثانية.”
“سأنهيهم قبل أن يصلوا إلى السطح.”
بينما كانت هانا تندفع عبر الأنفاق تحت الأرض، محدقة في شاشة خوذتها، توقفت فجأة عندما بدأت الشاشة تتعرض لتشويش إلكتروني.
وجهت مسدسها نحو الظلام، مركزة على صوت الماء المتدفق في قنوات الصرف. اقتربت الكائنات: 30 مترًا، 20 مترًا، 10 أمتار.
في لحظة متزامنة، دوى صوت تحطم شيء ما، وأطلقت هانا النار بلا تردد.
“ابتعدوا إلى الخلف!” صرخت، موجهة أمرها للفريق خلفها.
سمعت صوت شيء ثقيل يصطدم بالماء بعنف، ثم تلته أصوات حطام تتساقط من السقف كأن شيئًا يحاول اختراقه.
رفعت هانا ذراعها لحماية نفسها من الشظايا، وهي تضيّق عينيها بحدة. كان عليها إنهاء الأمر قبل أن تصل هذه الكائنات إلى السطح وتتسبب في أضرار أكبر.
أطلقت النار مرة أخرى، ومرة أخرى، ومع كل طلقة، شعرت بنشوة تخترق أطراف أصابعها. كانت كل رصاصة تصيب الهدف بدقة. بعد تجربة الهاوية، أصبحت حواسها تفوق الحدود البشرية، كأنها طورت غريزة خارقة.
“لا تشغلوا الأضواء بعد!” أمرت عبر جهاز الاتصال، موجهة كلامها إلى أعضاء الفريق في الزوايا الأخرى من قنوات الصرف.
على الرغم من هدوء المياه، استمر التشويش على شاشة خوذتها، مما أثار قلقها. لكن تحذيرها جاء متأخرًا. لمحت ضوءًا يومض من ممر بعيد، كان من الجندي كيفن هوارد، المجند الجديد الذي انضم الأسبوع الماضي.
“أحمق!” فكرت هانا بغضب.
في اللحظة التي استبدلت فيها سلاحها الإشعاعي بآخر لإطلاق النار على الضوء، انفجر مخلب أسود حاد كالرمح في الهواء، متجهًا نحو الضوء، لكنه تحطم إلى أشلاء في انفجار مذهل. حتى من بعيد، كان المشهد باهرًا.
جاء صوت عبر جهاز الاتصال: “الفصيلة الأولى، تمت السيطرة على الهدف.”
توقف جسد هانا للحظة، وتجمدت. كان الصوت مألوفًا للغاية.
عادت شاشة خوذتها إلى وضوحها، وانخفض ذراعها ببطء.
بدأت الأضواء تُشعل في أنحاء قنوات الصرف، كاشفة عن جثث بشرية ترتدي ملابس عمال الصرف الصحي.
من أفواهها، كانت مخالب سوداء طويلة تتدلى مثل ألسنة ضخمة. هذه هي “أبادون”، الكائنات الجوفية التي تستخدم جثث البشر كمضيفين، لأنها تموت عند التعرض للإشعاعات القوية مثل ضوء الشمس.
اقترب أعضاء الفريق من الجثث، يقلبونها واحدة تلو الأخرى للتأكد من موتها، مطلقين طلقات تأكيدية.
كان الجنود يرتدون بدلات مقاومة للإشعاع، ويحملون مسدسات إشعاعية بالأشعة السينية مصممة خصيصًا للقضاء على أبادون.
وحدة “نيميسيس”، القوة الخاصة التابعة للجيش المتحالف، تتكون من فصيلتين فقط، وتُدار بقيادة ضابط برتبة رائد بدلاً من نقيب، نظرًا لطبيعة مهامها السرية للغاية.
هذا الهيكل التنظيمي المستقل يمنحها طابعًا مختلفًا عن الجيش العادي.
واصلت هانا السير في المياه الراكدة، متجاهلة صوت رذاذ الماء تحت قدميها.
كانت عيناها تجولان على وجوه الجثث، على الرغم من علمها أنها ترتدي ملابس عمال الصرف. لكن البريد الإلكتروني الذي تلقته صباح أمس جعلها متوترة. هل من الممكن أن يكون إيان بين هذه الجثث؟.
اقترب منها كيفن هوارد، الذي كاد أن يسقط مرة أخرى، واعتذر بصوت مرتجف:”أيتها النقيبة، أنا آسف جدًا. سأكون أكثر حذرًا في المستقبل…”.
نظرت إليه هانا ببرود، ثم ردت بهدوء:”إذا كنت لا تريد الموت، فابقَ متيقظًا. تأكد من زوال التشويش الإلكتروني قبل تشغيل الأضواء.”
أومأ كيفن بطاعة: “حسنًا، سأتذكر ذلك”.
تحولت نظرة هانا إلى الرجل الذي ساعد كيفن على الوقوف. كانت هانا، بطولها البالغ 175 سنتيمترًا، نادرًا ما تضطر لرفع رأسها لتنظر إلى أحدهم.
كان الرجل، الذي خلع خوذته ليتحدث إلى شخص ما، يملك شعرًا أسود داكنًا. شعر بنظرتها، فالتفت إليها. كان هو الذي أطلق الضربة الأخيرة على الكائن، وكان نائب قائد الفصيلة الأولى. وكان أيضًا… الرجل الذي قضت معه ليلة أمس.
قالت هانا بنبرة حادة: “لم أكن بحاجة إلى مساعدتك. ومن المفترض أن تحذر عبر الراديو قبل استخدام الإشعاع الذي قد يصيب البشر.”
رد الرجل، جاكار، وهو يميل رأسه بلامبالاة: “تحذير؟ هل يسمعه البشر فقط؟”.
أشار بعينيه إلى المسدس في يدها، وأضاف: “للأسف، بدا أنكِ بحاجة إلى المساعدة. إذا كنتِ ستغيرين سلاحك في تلك اللحظة، فهذا تصرف أحمق.”
ردت هانا بحدة:”كان يكفي إطفاء الضوء. لم يكن بإمكانهم العثور على هوارد في الظلام.”
رد جاكار بسخرية:”بافتراض أن طلقاتك كانت ستصيب الضوء بدقة. إذا كنتِ لا تريدين قتل زملائك، فكوني أنتِ المتيقظة.”
تدخل كيفن، متلعثمًا: “أنا… سأتحمل مئة طلقة إشعاعية كعقوبة.”
ظل الاثنان، هانا وجاكار، يتبادلان النظرات الحادة في صمت مشحون، حتى اقترب الرائد مولر ووضع يده على كتف هانا.
“أنتم، من نزلوا إلى الهاوية، لا يمكن لأحد أن ينافسكم. سنخرج الآن، ونترك التنظيف للفصيلة الأولى.”
رد جاكار بتحية عسكرية لمولر، الذي أشار له بالمغادرة.
كان مولر، الذي يبدو عادةً كرجل عجوز يحب الشراب والنساء، يتحول إلى قائد صلب أمام الفرق الأخرى، وهو أمر مطمئن.
لكن في تلك اللحظة، لاحظت هانا نظرة جاكار السريعة إلى يد مولر على كتفها، مصحوبة بابتسامة ساخرة خفيفة، لكنها واضحة بما يكفي لمن ينتبه.
قبل أن تتمكن من الرد، سحبها مولر برفق للمغادرة، وتبعهما كيفن وهو يتعثر في الماء. شعرت هانا بنظرات الفضول من حولها، ربما بسبب التوتر المعروف بينها وبين جاكار.
قال مولر وهو يسير بجانبها:”أنا من استدعى الفصيلة الأولى. ليس لأنني لا أثق بكِ، لكن الأمان يتطلب دعمًا إضافيًا. هناك فرضية، أصبحت الآن حقيقة، أن ظهور أبادون يتركز قرب المنشآت الحكومية.”
أضاف، بنبرة مطمئنة:”الجميع يشعر بزيادة وتيرة الظهور. حتى الآن، هي كائنات صغيرة، لكن مع اقتراب الانتخابات، أي خطأ قد يكون كارثيًا.”
لم ترد هانا. لم تذكر أن زيادة الظهور قد تستدعي تخفيف قيود تطوير الذكاء الاصطناعي للتحكم في الهجمات الليلية، ولم تتحدث عن الفوضى التي تسود هذه الوحدة الخاصة.
كانت تعلم أن فضيلة الجندي تكمن في طاعة الأوامر دون اعتراض.
قالت ببرود: “أعرف ذلك جيدًا دون الحاجة إلى تذكيري”.
تسلقت السلم إلى السطح، حيث كانت الشمس الحارقة في يونيو تضرب بلا رحمة.
خلعت خوذتها، تتنفس بصعوبة، بينما فتحت الملازمة مايا النافذة وشغلت المكيف في السيارة العسكرية التي جاءت لاصطحابهم.
قالت مايا:” أيتها النقيبة، تبدين مرهقة بشكل غير عادي اليوم.”
رد مولر من المقعد الأمامي بنبرة مازحة: “لأنها واجهت جاكار كايروس.”
نظرت مايا بينهما وهزت كتفيها.
“كنت دائمًا أتساءل، لماذا يكره كل منكما الآخر؟”.
رد مولر، وهو يضحك “ربما لأنهما متشابهان جدًا، مثل التوائم. كلاهما متعجرف، يؤمن أن تجاربه الشخصية هي الصواب الوحيد، لكن الآخر يقول عكس ذلك بنفس الثقة، فيزعجه ذلك. هل هناك سبب آخر؟”.
قاطعته هانا بسخرية: “ليس هذا. قلت مرارًا إن جاكار كايروس سرق منصبي كأفضل طالب بطريقة غير عادلة، أيها الرائد.”
كانت نبرتها باردة، موجهة إلى قائدها الذي عاد إلى طباعه العادية كرجل عجوز ودود.
~~~
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
Chapters
Comments
- 2 - 2 - تصادم في مهمة 2025-06-01
- 1 - 1 - رسالة من ميت 2025-06-01
التعليقات لهذا الفصل " 2"