“…لكن والدتي أيضًا ما كانت لتجد ما تقول. فهي لم تكن أفضل حالًا.”
“ألم تقل لي بنفسك إنها كانت امرأة طيبة؟”
سألت ليزي وهي تتأمله متشابكة الذراعين.
“أتبدّل كلامك الآن لمجرد أن الموقف لا يصب في صالحك؟”
“آه، ذلك كان كذبًا بالطبع.”
أجاب هاينري ببساطة، من دون أن يرف له جفن.
“حينها كنت مشغولًا بابتداع ذريعة تخدعك وحسب.”
“والآن لم تعد تخفي شيئًا إذن.”
“ظننت أنك تفضلين هذا الوجه مني.”
اقترب خطوة وهمس ناظرًا إليها من علٍ:
“إن أردتِ، يمكنني أن أرتدي القناع ثانية.”
وفجأة انمحت برودة ملامحه ليحل محلها ابتسام ودود.
تمتمت ليزي وهي تحدق فيه:
“كأنك جيكل وهايد.”
( جيكل وهايد من روايه انجليزيه اسمها Dr. Jekyll and Mr. Hyde …وهم نفس الشخص بس جيكل كيوت وهايد شرير ومظلم )
“لا أدري ما تعنين، لكني أستشف قصدك من السياق.”
“أجل، أنت محظوظ بذكائك.”
أصدرت ليزي صوت امتعاض وهي تتابعه بنظراتها قبل أن تسأله:
“ولمَ لم تكن أمك أماً صالحة؟ ألأنها لم تنحدر من بيت نبيل؟”
ابتسم هاينري ونفى برأسه:
“حتى لو كان لها سند قوي، ما كانت لتتمكن من مساعدتي. لن تستطيع هزيمة صاحبة السلالة الكبرى، الإمبراطورة الحالية.”
“أه… هكذا إذاً.”
“ثم إن مكانة الوالدين لا تهم الطفل بقدر ما يُظن. صحيح أنه مع الكبر سيدرك قيمتها، لكن الطفل لا يعرف من ذلك شيئًا.”
تمتمت ليزي كأنها تقرّه:
“ربما يكون الأمر كذلك.”
تأملها هاينري وهو يوضح:
“المهم شيء واحد لا غير. الحب.”
“الحب.”
“بالنسبة للطفل، الحب هو العالم بأسره.”
كان يبتسم ابتسامة رائقة، غير أن عينيه في ومضة خاطفة، أظهرتا وحدة دفينة.
رصدت ليزي تلك اللحظة بدقة.
“إجابة رومانسية لا تليق بك.”
“أترين؟ ربما لا تشبهني، لكنها الحقيقة فحسب.”
“إذن… أمك لم تمنحك ذلك؟”
“…….”
صمت هاينري برهة، كأنما يتردد في مواصلة الحديث. ثم ارتسمت ابتسامة مائلة على شفتيه.
“يبدو أنك ترغبين في سماع قصتي. لا عجب، فمآسي الآخرين أمتع ما يُحكى.”
“ليس هذا ما قصدتُه…!”
“لا بأس.”
اقترب بوجهه مبتسمًا وهمس:
“إن كان بوسعي أن أكسب ودك، فبئسًا لحزني إن ذهب رخيصًا.”
“…….”
“سأرويها لكِ إذن، مسلية قدر المستطاع.”
قالها وهو يبتسم، كأن قصته ليست إلا مادة للهو، ثم شرع يحكي.
❖ ❖ ❖
كانت والدة هاينري خادمة في المعبد.
بفضل أحد الكهنة الذي أحبّها رغم وحدتها، درست لتصبح كاهنة تنقل مشيئة الإله.
لكن حياتها تبدّلت كليًا حين التقت بالإمبراطور الذي قصد المعبد يومًا للصلاة.
وقع الإمبراطور في هواها من النظرة الأولى، وصار يبحث عنها كلما زار المعبد. ولم تمضِ مدة طويلة حتى حملت بطفل.
ومع أن الإمبراطور لم يكن له وريث حينها، لم يكن أمرًا باعثًا على الفرح وحده. فالبلاد كانت تموج بحروب مع الممالك الصغيرة على الحدود، وفي ذلك الزمن المضطرب لم يكن ليستغني عن أسرة الإمبراطورة المنحدرة من بيت دوق عظيم.
لذلك لم يستطع أن يثير حفيظة الإمبراطورة، فوعد والدة هاينري وعدًا:
حين تستتب الأوضاع سيستدعيها إلى القصر، ليعيشوا معًا كعائلة حقًا.
لكنها وقد حملت لم يعد بمقدورها أن تصير كاهنة.
تركت المعبد، وانتقلت إلى قصر ريفي أعدّه لها الإمبراطور، عاشت فيه حياة مغايرة تمامًا لما عرفت من قبل. ومع ذلك، صبرت مؤمنة بالرجاء أن تكتمل عائلتها.
حتى جاء اليوم الذي وُلد فيه طفلها.
واختارت له اسم هاينري، تيمنًا بأعزّ الكهنة عندها.
عاشت ترعاه وحدها، تنتظر عودة الإمبراطور، مترجية أن يحين اليوم الذي يصيرون فيه عائلة بحق.
لكن حتى أتمّ الطفل الخامسة من عمره، لم يعد الإمبراطور قط.
وحين بلغ هاينري السادسة، وصلت عربة إلى بيتها.
غير أن القادم لم يكن الإمبراطور. بل خادم أرسله هو، ليأخذ هاينري وأمّه إلى القصر الإمبراطوري.
مُنح هاينري لقب “الأمير”، وأُعِدّ لهما مسكن في القصر، غير أن الإمبراطور لم يأتِ لرؤيتهما.
وكلما سألت عن مكان جلالته، لم تسمع من الخدم والوصيفات سوى سخرية من أصلها الوضيع، ثم جواب بارد: “جلالته مشغول.”
مضى شهر، ثم شهران، ثم ثلاثة… حتى اضطرت إلى الاعتراف بالحقيقة.
أن كل شيء كان عبثًا.
همسات الإمبراطور حين أقسم لها بالحب، وعهده بأن يصيروا عائلة حقًّا، بل حتى الطفل الذي قلب حياتها رأسًا على عقب… كل ذلك لم يكن له أي معنى.
ومنذ اعترفت لنفسها بتلك الحقيقة، غدت كالميتة.
تحدّق بالسقف بعينين زائغتين، حبيسة ماضٍ لا عودة إليه.
الحاضر لم يعد يعني لها شيئًا، بل صار عذابًا آخر. حتى طفلها الذي بجوارها كان عبئًا يثقل صدرها.
كلما التقت عينا هاينري بوجه أمه الذي تبدّل، كانت تصرف بصرها عنه.
وهمست مرة تلو أخرى:
“سامحني… لأني جئت بك إلى هذا العالم.”
وبعد أعوام قليلة، أنهت حياتها بيدها.
حينئذٍ فقط، ندم الإمبراطور وبدأ يولي هاينري اهتمامًا.
ألحق به خادمًا خاصًا، وهيّأ له التعليم والتربية ليكون عضوًا يليق بالأسرة الإمبراطورية.
غير أن هاينري ظلّت في قلبه ثغرة لا يسدها شيء، سؤال لا يزول.
❖ ❖ ❖
“كنتُ دائمًا أتساءل لماذا وُلدت أنا في هذه الدنيا؟”
تمتم هاينري ببطء وهو يبتسم نحو ليزي.
“هل قصّرتُ في شيء حتى قالت أمي ما قالت؟ هل كنتُ فعلًا كائنًا ما كان ينبغي أن يولد؟”
“…….”
“وفي كل مرة كان يتردّد في ذهني ما اعتادت أن تحكيه لي أمي من أساطير أن في هذا العالم إلهة تحميه، وأن من ينال حبّها…”
“…يصبح إنسانًا ‘كاملًا’.”
“كما توقعتِ، تعرفين الحكاية.”
مدّ هاينري يده يبتسم، وأخذ يمسّد خصلة من شعرها الفضي.
“أتريد أن تصير كاملًا؟”
“بدقة أكثر… ليست الغاية في الكمال نفسه. إنما هو خطوة في الطريق. فأنا أريد أن أصبح إمبراطورًا كاملًا.”
توقّف فجأة عن لمس شعرها.
“إمبراطورًا لم يشهد له التاريخ مثيلًا، محبوبًا من شعبه، يُذكر بخير بعد مئات السنين.”
كان جادًّا، وجهه خالٍ من الابتسامة التي لا تفارقه عادة، ومع ذلك بدا في عينيه شيء من الخواء.
“…فهمت.”
هذا كل ما قالته ليزي بعد أن استمعت إلى قصته الطويلة.
“إذن ستسعى جاهدًا لتنتزع حبّي.”
“هذا صحيح.”
“حتى لو رفضتُك، ستجبرني.”
برقت عيناه وهو يحدّق فيها.
لم يكن الهدوء المعتاد، بل شغف مشوب بالتملك.
“تمامًا. حتى أمحو كل من حولك، ولا يبقى في عينيك سواي. سأجعل الأمر كذلك.”
“…فلتفعل.”
كأنما تلقت إعلان حرب، ومع ذلك لم تُبدِ ليزي سوى جواب قصير جاف.
“لقد سئمت. سأذهب لأنام.”
دار ظهرها في هدوء، فبقي هاينري يحدّق بها متفاجئًا، ثم ارتسمت على محيّاه ابتسامة راضية.
‘يبدو أن قلبها قد اهتز.’
لقد كان سرده المفصّل عن طفولته مجرّد وسيلة ليستثير شفقتهـا. ولهذا قصّ قصته ببرود كأنها تعود إلى شخص آخر. كان واثقًا أن ذلك كفيل بانتزاع عطفها.
أما هو، فما عاد يجد في تلك الذكريات أي مسحة حزن.
وبينما كانت ليزي تخرج من الغرفة، همس هاينري مبتسمًا:
‘أنتِ الآن في قبضتي.’
لكنها فجأة التفتت.
والتقت عيناهما، عيناه الورديتان البريئتان بادلتا نظراته، فارتجف جسده من غير قصد.
حدجته قليلًا ثم قالت:
“لستَ كائنًا وُلد عبثًا.”
“…….”
“لأني أنا الحاكمة، ولا أخطئ في شيء كهذا.”
ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة واهية، بالكاد تُرى.
لم تكن ابتسامة كاملة، لكنها بدت لعين هاينري مشرقة وضّاءة، كأنها قادرة أن تنير ما حولها.
❖ ❖ ❖
عدتُ إلى غرفتي وألقيت نفسي على السرير.
دفنت وجهي في الوسائد وابتسمت ابتسامة عريضة:
‘…المرحلة الأولى نجحت!’
******
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 98"