هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 96 ]
[من يحظى بحبكِ سيصير إنسانًا كاملًا.]
“إنسانٌ ‹كامل›…؟”
‘أحتاج إلى حبّك.’
كما توقعت، لم يرغب هاينري بحبيّ كما هو الآن خالصًا بصفته عاطفةً فحسب.
“ولكن، ماذا يعني أن يكون الإنسان كاملًا؟”
أجاب الصوت بهدوء.
[خُذي الكلام على ظاهره.]
لم تكن إجابةً واضحة تمامًا، لكن شعرت أن أفكاري ترتب نفسها شيئًا فشيئًا. فقد اتضحت لهدف هاينري إلى حدٍ ما.
‘ألهذا السبب استفسر بإصرار عن علاقتي بأركل؟’
حين أتى بنا إلى القصر سابقًا وطالبنا بإثبات أننا زوجان موصولان بالحب… وحتى ذلك الموقف الغريب حين قلت للتو إنني أحب أركل، ثم ساد جوٌّ غير مريح من جانبه.
هل كان كل ذلك لأنّه يحتاج إلى حبي؟
‘لحظة، إذًا أنا الآن أحبّ أركل…’
كأنما قرأ صوتٌ ما أفكارِي فأجابني.
[نعم. ذلك الرجل قد صار كاملًا بالفعل. فلا عليكِ قلق.]
“…ما زلتُ لا أفهم جيدًا. ما المقصود بالتحديد؟”
عاد نفس الجواب القاصر.
[خُذي الكلام على ظاهره.]
“لكن ما زال…”
كان في جعبتي الكثير لأستفسر عنه، غير أنني شعرت فجأةً بتبلّد في جسدي ونعاسٍ يغمرني.
كأنما كانت تلك الكلمات لُحناً من نوماً هادئًا، وراح الصوت الدافئ يهمس:
[ستكونين منهكةً. الاستماع إلى صوتي يستنزف طاقةً نفسية هائلة. لم أتوقع أن أحادثكِ حتى هذه الدرجة. حقًا أنتِ رائعة.]
وسط ضبابٍ يترنّح بصرِف رؤيتي، بدا أمامي ظلُّ امرأةٍ تبتسم لي بخفوت.
[…هذه المرّة أيضًا، ستنجين من الأمر بخير.]
“…….”
[نمّي. خذي قسطًا من الراحة.]
بتلك الكلمات غاصت في نومٍ عميقٍ على الفور.
❖ ❖ ❖
حين فتحت عيني ثانية، رأيت من يحدّق بي عبر ضوءٍ رقيقٍ.
دنتُ ببطءٍ من غموضٍ إلى وضوح، ودعوتُ على استحياء:
“…آركل؟”
ارتسمت على شفتي الرجلِ ابتسامةُ مجاملةٍ معتادة.
“للأسف، لستُ آركل.”
“…عاد هذا المجنونُ.”
ضحكَ هاينري بصخبٍ على كلامي، حتى محا وريقات الدموع من على ظهر يده من شدة الضحك.
“حقًا إنك مسلية. أزدادُ إعجابًا بكِ شيئًا فشيئًا.”
“هاه، متى تموت؟” قلتها كأنّي أسبّقه بابتسامةٍ معقودةٍ.
ابتسم هاينري بابتسامةٍ هادئةٍ لا تكاد تتبدّل وهو ينظر بلا مبالاة.
‘عدوٌ لا يُقهَر.’
رأيتُ في محياه المترفّع عن القلق أنّه من نفس فصيلتي — لذا لن تُثنيه معظم الأشياء.
بالنسبة لي، كان هذا نِزَالَ أسوأِ الخصوم.
“بالمناسبة، ألستِ جائعة؟”
سألني وهو يبتسم ابتسامةً رقيقة.
كنتُ أبرق له بنظرةٍ حادّةٍ حين قال:
“لقد مضى على مجيئكِ إلى هنا يومٌ كامل ولم تتناولي طعامًا.”
‘لم أدرك أنني أمضيت هنا يومًا كاملاً.’
لم أستطع أن أحدد بالضبط إن كان قد مرّ يومٌ كامل أم لا، لكن ما أدركته يقينًا أنني كنتُ شديدة الجوع حسبما قال هذا الأمير المجنون.
قرقر بطنِي بصوتٍ واضحٍ، لم أستطع كبحه فسمعَه هاينري وهو يومئ برأسه كما لو كان يتوقع ذلك، وابتسم بُشاشةً تكاد تُثير الحنق.
“لنذهب.”
مدّ إليّ يده بحركاتِ آدابٍ معتادة.
“يمكنكِ الخروج. هيا نتناول طعامًا معًا.”
“لو أكلتُ معك لأزداد اضطرابًا في معدتي.”
“يا للعجب، ماذا لو ارتديت قناعًا؟”
لم تخلُ رده من هدوءٍ مبالٍ، فأثلج ذلك الصدرَ الذي يغليّ في داخلي غضبًا كامناً.
علمتُ أن الغضب إن ظهر، فسأخسر. عوّجتُ شفتي بابتسامةٍ مُجبرةٍ.
“القناع لن يلغيّ هذا الاشمئزاز. أفضّل لو تموت.”
لم يتغيّر شيءٌ من ابتسامته.
“للأسف، لستُ أنا من سيموت إن بقيتِ هكذا. إن لم تتناولي طعامًا فسأكون أنا من أحزن كثيرًا.”
“حسنًا إذًا، فلتكن تلك النهاية.”
قلت ذلك متمعّنة في تَشويهه لوجهه، لكن ابتسامته بقيت ثابتةً بلا أدنى فتورٍ — شيءٌ يثير السخط.
“هذا أمرٌ غير مقبول. لو متِ ستفجعيني كثيرًا.”
“يا إلهي، ليتني أموت سريعًا.”
“فكّري بالعكس. ألم تشعري بالحزن لو مات شخصٌ مقربٌ منكِ؟ مثلًا من كايين…”
طوّل هاينري الكلام وكأنه يختبر أثرَ كلماته، وكان يلوِّن نبرةَ صوته كما لو أنه يتلاعب.
توقفتُ عن تدوير شعري بيديّ ونظرت إليه بحدةٍ.
بدا هامسًا كما لو أنّه أرادُ استفزازي.
“سمعتُ أنكِ تحبين خدمكِ واحدًا فواحدًا. فلو فقدتِ واحدًا منهم لآلمَك ذلك.”
“أنت…”
تابع هاينري بهدوءٍ مرعبٍ:
“كيف سيكون الحالُ لو كان شقيقُ الدوقة كايين الأصغر يهوى جمعَ أدوات العذاب؟ أن تنتهي حياته بأدواته ذاتِها قد يبدو أمرًا مؤثرًا، ألستِ كذلك؟”
مددت يدي فجأة وأمسكت بياقة هاينري الذي كان ينحني محدقًا بي.
“إن مسستَ ناران، فسأقتلك. وكذلك الآنسة مارثا… وحتى أركل.”
لم يحاول هاينري أن يحرر نفسه من قبضتي، بل تركني ممسكة بياقته طائعًا يبتسم وهو يقترب مني كأنه لا يبالي.
“ألم أخبرك؟ أنا لا أسيء إلى خادمٍ مخلص من غير سبب.”
“…….”
“والآن فهمتِ، أليس كذلك؟ كما ستحزنين لفقدهم، أنا أيضًا سأحزن لفقدك.”
بوجهٍ يظلله الظل، التقت عيناه بعيني مباشرة.
ظللت قابضة على ياقته أحدّق في وجهه عن قرب وكأنني أريد سحقه بنظراتي.
لكنه لم يتكلم، فقط قابل نظراتي بثبات.
بقينا هكذا متقابلين في صمتٍ يفيض بالعداء. وكان هاينري هو من قطع هذا الصمت أخيرًا بكلمة رتيبة:
“فما رأيك… أن تتناولي الطعام معي؟”
في النهاية أفلتُّ قبضتي ببطء.
عدل هاينري ثيابه بعناية ثم ابتسم ابتسامةً مهذبة.
“لقد أعددتُ أشهى الأطباق. ستروق لكِ حتمًا. تعالي.”
“…….”
وحين وصلنا إلى مدخل السلم المحجوب بحاجزٍ شفاف، مدّ إليّ يده.
“للخروج من هنا، لا بد من ملامسة دمٍ إمبراطوري.”
“…….”
“أرجو المعذرة.”
ثم انحنى قليلًا وأمسك بيدي برفق.
“مقزز…”
تمتمتُ بامتعاضٍ وقطبتُ جبيني، لكنه تابع الإمساك بيدي غير آبه، وصعدنا الدرج.
❖ ❖ ❖
بعد أن انتهينا من وجبةٍ تقابلنا خلالها وجهًا لوجه في قاعةٍ فسيحة، مسح هاينري فمه بمنديلٍ ناعم ثم ابتسم.
“من الآن فصاعدًا، ستقيمين في مسكني. فالمعبد ليس مكانًا مريحًا للعيش، أليس كذلك؟”
‘هذا الوغد يتكلم وكأني سأعيش هنا فعلًا…’
“يمكنكِ البقاء في الغرفة المجاورة. أعددتُ لكِ أثاثًا جديدًا ونظيفًا.”
“لا نية لي للبقاء هنا.”
اكتفى بابتسامة هادئة، كأنه في نفسه يقول “سنرى.”
“حسنًا إذن، عليّ أن أُنجز بعض الأعمال. آمل أن تعتادي على منزلكِ الجديد سريعًا.”
شدد على كلمة “منزل” وهو ينهض. وقبل أن يخرج من القاعة التفت نحوي بابتسامة ودودة.
“أبواب الغرف كلها مفتوحة… عدا باب الخروج. تجولي كما تشائين.”
كانت نظراته الواثقة تقول بجلاء “مهما فعلتِ، فلن تستطيعي الهرب وحدك.”
“وإن خطر ببالكِ يومًا أن تؤذي نفسكِ… فتذكري العائلة التي ستتركينها وراءكِ.”
لقد كان تحذيرًا، أراد به أن يسلبني حتى خيار الموت.
وبهذا فقدت آخر سلاحٍ أملكه.
“تبا… ما أتعسك. اختفِ من أمامي بسرعة.”
“أشكرك. أراكِ لاحقًا.”
غادر هاينري بابتسامة، وبعد لحظات سمعتُ صرير الباب يُغلق خلفه.
حتى بعد رحيله، ظللتُ جالسة عند المائدة عاجزة عن الحراك.
لم يخطر ببالي أي خيطٍ يقودني إلى حل.
‘ما دمتُ محتجزة هنا كرهينة، فلن يجرؤ بيت كايين على التحرك بتهور.’
كأننا نحن الاثنان أسرى عند بعضنا البعض.
‘هاينري يريد شيئًا مني… والطريقة الأسهل هي أن أمنحه إياه. لكن المشكلة أن ذلك الشيء هو ‹حبي›…’
‘كيف يمكن أن أمنح هذا المجنون حبي؟!’
كان سلوكه يوحي أنه يحاول كسب ودي، لكن كل ما يثيره داخلي هو الرغبة في قتله.
‘…لحظة. ماذا لو قلبتُ الطاولة عليه؟’
سأتظاهر شيئًا فشيئًا وكأنني أنساق وراء اهتمامه… حتى يطمئن.
رغم إحساسي أنه من الصعب خداع عينيه، إلا أنه لم يكن أمامي خيار آخر.
‘لا مفر من مواجهة مباشرة في النهاية…’
فهو لن يصدق بسهولة أي عاطفة أبديها له.
والتمثيل الفج سيكشف أمرِي.
‘إذن، عليّ أن أبدو وكأنني أُستَدرَج ببطء… فلو أظهرتُ الخضوع منذ البداية فسأثير شكه.’
قررت أن أبدأ بالبحث عن منفذ، متظاهرة بأنني أتجول بلا مبالاة.
تركتُ المائدة وغادرت الغرفة، أتمشى في رواقٍ عريض.
‘قال إن الغرفة المجاورة ستكون مسكني…’
وبينما كنتُ في طريقي إليها، سمعت صوتًا غريبًا.
كان خافتًا، لكنه بدا كصوت انفجار بعيد.
توقفتُ، والتفتُ نحو مصدره.
‘من آخر الرواق.’
سرت حتى بلغت نهايته، لكن لم أسمع شيئًا هناك.
‘غريب… كان الصوت من هنا تمامًا.’
هرشتُ رأسي بلا مبالاة وأسندتُ يدي إلى الجدار. فجأة حدث ما لم أتوقعه:
انفتح الجدار الذي بدا عاديًا إلى الداخل.
ترنحتُ لحظة، ثم تماسكتُ، وحدّقتُ مذهولةً في الفراغ المظلم خلفه.
هناك، كان ثمة بوضوح وجود بشري. ومن خلال شقٍ ضيق، رأيت ظهر أحدهم.
‘من يكون؟’
كان ظهره مألوفًا بشكلٍ يثير الريبة. وما إن التفت إليّ، حتى رأيت وجهه بوضوح، فشهقت مذهولة.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 96"