وقد أخبر جيرونيمو بذلك بنفسه قبل مئة عام حين استخدم الكأس.
‘حتى في سجلات العائلة الإمبراطورية لم يُذكر شيء كهذا. بمعنى أن أفراد العائلة المالكة أنفسهم لم يكونوا يعلمون به. أي أنه لم يكن أمراً شائعاً بين الناس.’
غير أن هاينري كان يعرف هذا…
‘لا حاجة للتفكير مرتين.’
هذا يعني أنه هو نفسه الخيط الأخير، “K”، الذي دبّر كل شيء ليقود أركل إلى استخدام الكأس.
‘حتى استمالة جين لزرع الفتنة في أسرة كايين… وحتى تحريض بارون على خطفي… بل وحتى تلاعبه بمارڤين لدفع أركل لاستخدام الكأس المقدس…’
كل ذلك كان من فعل هذا الرجل الذي يبتسم الآن أمامي بتلك الملامح الوديعة.
“……”
“ما الأمر؟”
حين رمقته بوجه متصلّب، ضيّق هاينري ما بين حاجبيه كأنه قلق، وسألني بنبرة لطيفة:
“ما زلتِ قلقة؟ خشية أن يكون من استأجر الساحر ليس اللورد كلارك، بل شخصاً آخر؟”
“…عند التفكير ملياً، يبدو أن ما قلته يا سموّك، هو الصواب.”
بعد أن بقيت صامتة برهة، أخذت أبتسم شيئاً فشيئاً حتى غمر وجهي كله بالابتسام.
نظرت إلى هاينري وابتسمت ببراءة.
“حقاً لا أظن أن هناك من هو أوفر حظوة من اللورد كلارك. شكراً لطمأنتي، يا سمو الأمير.”
“……”
حدّق بي هاينري قليلاً ثم ابتسم بدوره.
“يسرني أنكِ اطمأنتِ. هل نعود الآن إلى الأعلى؟”
سررت بهذا العرض، فأجبت بابتسامة لطيفة وأومأت برأسي.
‘…عليّ أن أعود سريعاً وأضع خطة للهجرة.’
أن يكون العقل المدبّر الأخير في الحقيقة من سلالة الإمبراطورية… فهذا حقاً منحدر بعد آخر!
‘عليّ أن أشرع في حزم الأمتعة من الآن إن أردت أن أنجو بالهرب.’
كنت قد سمعت عَرَضاً من قبل أن لأركل أراضي خارج الإمبراطورية، فبدا لي أن هذا قد يخفف قليلاً من شعوري بالانسداد.
‘نعم… فلنفكر بإيجابية. من الجيد أنني اكتشفت الأمر الآن. يكفيني أن أغادر هذه البلاد الآن. هاها….’
وأنا أُجبر نفسي على إدارة عجلة التفكير الإيجابي، هممت بوضع قدمي على الدرج المؤدي إلى السطح خلف هاينري.
‘…هاه؟’
شعرت بشيء غير طبيعي. كأن جداراً شفافاً يسد طريقي، فلم أستطع التقدّم.
‘ماذا يحدث؟ ما هذا؟ لماذا أنا فقط؟’
كان هاينري قد صعد الدرج مبتعداً، بينما لم أستطع حتى أن أضع قدمي على أول درجة أو أتجاوز المدخل.
شيء غير مرئي كان يسد الطريق تماماً.
مددت يدي إلى الفراغ مذعورة، فإذا بي ألمس بالفعل جداراً صلباً.
“سموّ الأمير-!”
ناديت هاينري بسرعة.
فما إن رآني أمد يدي في الهواء متوقفاً عند المدخل حتى أسرع نحوي بدهشة.
“سيدتي، ما الأمر؟”
“قد يبدو لك هذا غريباً، لكنني… لا أستطيع التقدّم. هناك ما يشبه جداراً غير مرئي يمنعني من المرور.”
حرصت أن أبدو هادئة كي لا يبدو كلامي هذياناً.
وقد بدا على وجه هاينري هو الآخر بعض الارتباك.
“ماذا تقولون…؟ أنا لم أشعر بشيء.”
“أرجو أن تصدقوني. أنا حقاً لا أستطيع العبور.”
وبضيق ضربت بيدي على الجدار غير المرئي مراراً.
“أرجوك، صدّقني يا سمو الأمير…! لست أكذب. لا أستطيع حقاً….”
“أعرف ذلك. أعلم أنكِ لا تكذبين.”
“……!”
“فلا حاجة لأن تشعري بالغبن.”
قالها هاينري بصوت هادئ وهو يثبت نظره عليّ.
وحين اصطدمت عيناي بعينيه الجافتين، أدركت على الفور أنني وقعت في الفخ.
لقد صدق حدسي القلق.
“…كنت تعلم.”
“أجل. كنت أعلم أنكِ لن تستطيعين الخروج من هنا.”
ابتسم هاينري برفق وهو يتأملني.
ملامحه لم تختلف عما اعتدت عليه: هادئة وودودة.
“إنها أول مرة أراكِ بهذا الارتباك.”
“أنت حقاً….”
“أوه، هل كشفتِ أمري مسبقاً؟ كنت أتوقع ذلك في الحقيقة. فقد شعرت منذ لحظة حديثنا أن ثمة شيئاً غريباً.”
“…كنت تعلم ومع ذلك تظاهرتَ؟”
“حاولت فقط أن أحلّ الأمر بالحوار حتى النهاية. لكن فشلت، ويؤسفني ذلك حقاً.”
غير أن نبرته لم تطابق ابتسامته… إذ كان يضحك كالذئب الذي يرقب فريسته وقد علقت في الفخ.
“أطلق سراحي.”
رغم إدراكي أن الطلب بلا جدوى، قلتها وأنا أحدّق فيه بثبات.
فأرخى هاينري حاجبيه وأظهر ملامح اعتذار.
“أعتذر.”
“لا ترتكب ما تعتذر عليه من الأساس، يا سمو الأمير. أنتَ من يجب أن تكون إمبراطوراً صالحاً.”
تأملني هاينري لبرهة، ثم ضحك ضحكة خافتة.
“ما أظرفك يا سيدتي… ربما لهذا استطعتِ التأقلم مع بيت كايين.”
“……”
“كما قلت لكِ، هذا المكان هو معبد. ومن أجل الحيلولة دون وقوع سرقة أو حادث مشين، لا يستطيع أحد مغادرته إذا لم يكن من سلالة الدم الإمبراطوري. الدخول حرّ، أما الخروج فلا.”
“إذن أنتم تعاملون الحاكمة كما لو كانت مجرّد مجرمة وغدة؟”
لا أدري لماذا في مثل هذه اللحظات الحرجة تزداد سخريتي.
لكن هاينري لم يغضب من كلامي، بل ضحك مرة أخرى كأن الأمر يروق له.
“هاهاها— هذا غير صحيح إطلاقاً. أنتِ أنبل من أي شخص آخر، وأنتِ بالذات من أحتاجه إلى جانبي.”
“……”
“فلا تعتبري هذا سجناً لك، بل فكّري فيه على أنه قيدٌ يحبس عنك أولئك الوقحين ويمنعهم من الوصول إليك.”
ووضع يده على صدره وانحنى قليلاً بتحية مهذبة، ثم استدار صاعداً نحو الدرج.
“انتظر!”
“……”
‘لا يمكن أن أدعه يذهب هكذا… لا يجوز أن أتركه يرحل فحسب.’
“الآخرون… ماذا تنوي أن تفعل بأهل كايين؟”
توقف هاينري لحظة، ونظر إليّ مبتسماً:
“لا شيء.”
أجاب بسهولة.
لن أسيء إلى خادم مخلص من دون سبب… لكن الأمر يختلف إن كانوا في الحقيقة خونة، لأنهم حينها يكونون قد خطفوا جسد الحاكمة وحبسوه.
“……”
كان ذلك تهديداً صريحاً.
مع أنني جئت أصلاً لأُبرّئهم من تهمة الخيانة…
‘كيف انقلب الأمر إلى هذا الحال؟’
ازدحمت رأسي بالدوار وابتلعت ريقي بصعوبة.
“…إذن، بارون… هل استغليته هو الآخر؟”
“في البداية، كنت أنوي استغلال شقيق الحاكمة.”
قالها هاينري بصوت منخفض وهو يثبت نظره عليّ بوجه هادئ، غير أن عينيه كانتا تلمعان بقسوة.
“وحين علمت أن بيت كايين يحتجزونك، منحتُ جين أليهايم الشجاعة كي يحاول إخراجك. رتّبت له حتى خطة كاملة….”
قهقه بخفة وهز رأسه.
“لكن ما إن علم الأمير أليهايم بزواجك، حتى تخلّى عنك بسهولة مدهشة.”
(‘ذن لم يكن جين وراء ما حدث وحده…’
لقد صدق حدسي حين حكمتُ أنه ليس بالشخص الذي يخطط لمسرحية دموية كتلك.
قال هاينري بنبرة أسف:
“كنت أتوقع أكثر، فقد سمعت أن علاقتكما كانت طيبة. لكن يبدو أنني بالغت في تقديره. لم يكن يملك أي عزيمة…”
“بل كان مجرد أخٍ تمنّى السعادة الصافية لأخته، لا أكثر.”
“يمكننا أن نفكر في الأمر من جهة أخرى أيضاً. فكل إنسان يمكن أن يُقيَّم بأكثر من طريقة، أليس كذلك؟”
ابتسم ابتسامة صغيرة وتابع حديثه:
“لذلك سعيتُ إلى شخص آخر. هذه المرة إلى من يملك قدراً أكبر من التعلّق والإصرار. وهنا وقع بصري على اللورد كلارك.”
“……”
“معذرة، لكن بالمقارنة مع شقيقك، كان اللورد كلارك خياراً مثالياً. حتى بعد أن علم بزواجك، لم يتخلّ عنك. بل ظل مقتنعاً تماماً بأن كايين قد أوقعوا بك مكروهاً.”
“هاه… يا له من أحمق.”
“لا تقسي عليه. على الأقل مشاعره تجاهك كانت صادقة.”
وجه هاينري المبتسم ببرود أثار في نفسي رغبة جامحة في صفعه، غير أن ذلك مستحيل.
“كل ما فعلته هو أن هيّأت له الفرصة فحسب. فرصةٌ تُستفزّ فيها طبيعة اللورد بارون الانفعالية.”
“إذن محاولة خطفي أمام المعبد كانت….”
“نعم. سرّبت له خبراً كاذباً أن عصابة لتجارة البشر ستظهر في المكان الذي اخترتِه أنتِ بنفسك للقاء. فأرسل رجالاً للاستطلاع في الوقت المحدد.”
“جميل… لقاءٌ لا طائل منه رتّبته أنت.”
“كنت واثقاً أنه سيتحرك في مثل هذا الموقف. حتى فكرة نشر الرد في الصحيفة كانت بديعة حقاً. صحيح أنني لم أتمكن من التورط مباشرة، لكن….”
ابتسم هاينري كأنه يمدح، بينما داخلي كان يشتعل كلما انكشفت الحقائق.
“ثم إني زرعت رجالي بين حاشيته، فلو تمكّن من خطفك لكان الباقي سهلاً. يؤسفني فشله وحسب.”
“زرعت جواسيس في كايين وفي حاشية بارون أيضاً… إلى أي مدى تمتد يداك؟”
ضحك هاينري بخفة:
“إلى الحد الذي يمكنني فيه أن أحصل على ما أريد. لقد أدركت منذ صغري أن ما يحتاجه المرء لينال مبتغاه… هو عون الآخرين.”
“……”
“حسناً، هذا يكفي لليوم. سأعود لرؤيتك قريباً.”
“انتظر!”
أوقفته مرة أخرى.
لم يكن لدي وسيلة عملية لعرقلته، لكن لا يمكن أن أدعه يغادر هكذا.
خاصة وأن عائلتي ما زالت تجهل هويته الحقيقية.
“ماذا تريد مني؟”
سألته وأنا أحدّق فيه بنظرات حادة.
“لنتفاوض. سأعطيكَ ما تريد، فقط….”
“ما أريده لا يُنال بهذه الطريقة.”
قالها هاينري بهدوء، كمن يخبرني أن الأمر لا جدوى منه.
“إنه ليس مما يمكن الحصول عليه عبر اتفاق عقلاني أو تفاوض منطقي. إنه شيء أكثر لا معقولية… وربما أكثر عنفاً.”
“أتسخر مني بلعبة عشرين سؤالاً الآن؟”
تفلتت من فمي جملة ساخرة أدركت فوراً أنها لم تكن موفقة. فتداركت نفسي بخفض صوتي وسألت بأقصى ما أستطيع من تهذيب:
“كفّ عن المراوغة وأخبرني بوضوح. ألم تقل قبل قليل إنك تريدني أن أكون مالكة هذه البلاد؟”
ضحك هاينري بخفة كأنه سمع شيئاً مسلياً:
“لا، لم يعد لذلك أهمية. لقد ظهر ما هو أعظم.”
“وماذا عساها تكون؟”
ابتسم ابتسامة رقيقة، لكنه قال ببرود:
“أحتاج إلى حبّك.”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"