قالها هاينري بهدوء كأنّه كان يتوقع ردة فعلي، ثم ألقى نظرة نحو التمثال.
“ذلك التمثال لم يُصنع لمجرد تكريم الحاكمة، بل أودِع فيه جزءٌ من روحها أيضاً.”
لم أملك إلا أن أستمع إلى شرحه واجمةً، عاجزةً عن فتح فمي، رغم أنني كنت أقول في نفسي إن هذا لا يُصدَّق.
“لقد حمل أباطرة هذه البلاد منذ زمن بعيد مهمة خدمة الحاكمة، وكانوا ينقلون صوتها إلى الناس بالنيابة عنها.”
تابع هاينري حديثه بهدوء:
“غير أنه حين اعتلى الإمبراطور الحالي العرش، وقعت حادثة لا تُصدَّق. إذ لم يعد صوت الحاكمة يُسمع، واختفى ما أُودِع من روحها في التمثال.”
ثم حوّل بصره نحوي ببطء:
“وفي الفترة نفسها وُلدت فتاة… هي أنـتِ يا سيدتي.”
“ولكن… لابد أن كثيراً من الأطفال قد وُلدوا في اليوم نفسه الذي وُلدت فيه….”
“إلا أنكِ وحدكِ يا ليزي أليهَايم كنتِ المولودة الوحيدة التي امتلكت قوة مقدسة.”
أمعن هاينري النظر في عيني بثبات:
“حين أوكل إليّ جلالة الإمبراطور مؤخراً شؤون الحكم ومعالجة بعض القضايا… صادف أن وقعت بين يدي وثائق تتضمن قوائم الأطفال الذين وُلدوا في ذلك اليوم بالذات، يوم اختفاء الحاكمة.”
“……”
“ولم يكن من بينهم أحد يمتلك قوى مقدسة، سوى المولودة في بيت أليهَايم… أنتِ. بل كانت قدراتك على مستوى يُعدّ حاكمًا بحق.”
قال هاينري بصوت هادئ وحاد في آن:
“مهما وُلد الإنسان بقدرات مقدسة، هل من المعقول أن يتمكّن شخص عادي من شفاء أي جرح بلمسةٍ واحدة فقط؟”
“……!”
ذلك بالضبط كان أول تساؤل راودني حين اكتشفت قدرتي هذه.
‘كنتُ أظن الأمر غريباً بالفعل… كيف لفتاة عادية أن تحمل قوة مقدسة بهذه الضخامة…؟’
وبدا أن هاينري قرأ أفكاري من ملامح وجهي، فأومأ برفق.
“أما شعرتِ بتجارب تثير الشك؟ كأن يكون الناس الذين يلتقون بك لأول مرة ميالين إليك بشكل غريب، أو يحاولون كسب رضاك…؟”
“ممم، هناك رجل يناديني بـ الحاكمة بالفعل…”
كنتُ أعني لاكو.
قلتها بلا تفكير، لكن فجأة تذكرت شيئاً.
‘صحيح… عندما التقيت لاكو لأول مرة في كيلستون، قال إنه رآني في حلم…’
أخذت أسترجع ذلك الموقف وأنا أعصر ذاكرتي.
‘كنت أظنه يهذي، لكن… كان عليّ أن أصغي إليه بجدية أكبر. هيا… تذكري…’
وبذلت جهدي حتى تذكرت تقريباً ما قاله:
‘لقد توسل أن يهديه القدر إلى الحاكمة التي ستنقذه، وفي الليلة نفسها ظهرتُ له في حلمه… بلا شك…’
شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي كله، فتمتمت كالمسحورة:
“ذلك الرجل الذي يناديني بالحاكمة، قال إنه رآني في حلمه. ومنذ ذلك الحين صار يتبعني ويناديني بالحاكمة…”
“ألعلّه ساحر؟”
“يعرف بعض فنون السحر.”
هزّ هاينري رأسه وكأنه توقع ذلك.
“السحرة أسهل الناس اتصالاً بالحاكمة من غيرهم. وهذا ما يُسمّى بالوحي.”
“حقاً…؟”
لقد كان لاكو قد ادعى حينها أنه تلقى وحياً وحاول حبسي.
كنت أظنه محض جنون وهذيان… فإذا به نوع من الوحي حقاً!
‘أشعر وكأن هذا العالم يخدعني…’
لم يخطر ببالي سوى هذا.
“ومتى علمتَ أنتَ بهذه الحقيقة يا سمو ولي العهد…؟”
سألت بصوت متقطع من شدة الارتباك.
“لم أعرف إلا مؤخراً، حين كنت أحقق في تلك الوثائق.”
“……”
“وأظن أن جلالة الإمبراطور كان على علمٍ بهذا.”
“إذاً، لماذا ظل يخفي الحقيقة…؟”
“لا أعرف يقيناً ما دار في نفسه، لكنني أرجّح أنه…”
تردد هاينري قليلاً، ثم تكلم بحسم:
“لم يرغب في إعلان الأمر. لأنه يعني أن في هذه البلاد كائناً أسمى من الإمبراطور نفسه.”
“……”
‘كان يخشى أن يُنتزع منه سلطانُه…’
لقد كان يخاف أن يلتف الناس حول الحاكمة أكثر من ولائهم للإمبراطور.
“على الأرجح أن جلالته كان يراقبك زمناً طويلاً. لكنه أدرك أنك لا تملكين أي وعي بحقيقتك، والأهم أنه رأى فيك شخصية لا تستدعي الحذر.”
“…بفضل طباعي إذن؟”
“بالتأكيد.”
لم يكن ذلك انعكاساً لطباعي أنا، بل لشخصية ليزي الأصلية التي عُرفت بـ قديسة أليهَايم، إذ عُرف عنها أعمال الخير العظيمة وصفاء النفس.
‘إذن هذا ما طمأن الإمبراطور… أنه لم يرَ فيّ طموحاً يهدد سلطانه.’
وفي النهاية، قرر أن يترك الأمر على حاله بلا تدخّل.
ولم يكن أحد، لا أنا ولا من حولي، على دراية بالحقيقة.
‘وبالطبع… لم نكن نعلم حقاً. وحتى لو أرادوا إبعادي، لم يكن بوسعهم المساس بالحاكمة أو إيذاؤها، لذا اكتفوا بالمراقبة.’
شعرتُ أن كلمات هاينري بدأت تنتظم في ذهني شيئاً فشيئاً.
وإن كنتُ ما زلتُ عاجزة عن تصديق الأمر كليًّا.
ولمّا لم أنطق بكلمة، أخذ هاينري يتفحّص ملامحي، ثم فتح فاه بحذر:
“جلالته قد أخفى هذه الحقيقة بكل صرامة. حتى إنني عانيتُ كثيرًا في التحقيق حتى أتوصل إلى شيء.”
“……”
“لكن اللورد كلارك، لا أعلم كيف علم بالأمر، غير أنّه يبدو أنّه كان على دراية بخصوص زواجك.”
‘إذن، لذلك ظل يستهدفني دائمًا…’
فحقًّا، لم يكن من المعقول أن يتشبّث بي لمجرّد أنّي أنقذته في طفولته.
لقد بدتْ رغبته في التملك أشدّ من ذلك بكثير.
أضاف هاينري بحذر:
“على ما يُروى، فقد كان منذ زمن بعيد يلقّبك بين معارفه بـ المُنقذة، ويمتدحك في كل مجلس، إلى حدّ المبالغة.”
“…….”
“ولهذا شعرتُ بشيءٍ مريب في حينه، فأصدرتُ تحذيرًا. لكني آسف لعدم إخبارك بالأمر أبكر من ذلك. على الأقل، أحمد الله أنّي أستطيع أن أخبرك به الآن.”
“ولكن، يا صاحب السمو، لِمَ تخبرني بهذا…؟”
لقد كان والده الإمبراطور يخفي الحقيقة عني خشية أن أنزع سلطته، فلماذا يتعمّد هاينري أن يطلعني عليها؟
صمتَ لحظةً ثم تكلّم ببطء:
“لقد أضناني التفكير طويلًا. ما السبيل الذي يُحسِن إلى السيدة وإليّ وإلى هذه الإمبراطورية بأسرها؟…”
ثم رفع إليّ عينيه بنظرة حاسمة:
“وخلصتُ إلى قرار. لا بدّ أن يعلم الجميع بوجودك، أنتِ تجسيد الحاكمة.”
“يا صاحب السمو، لكن إن حدث ذلك…”
ابتسم ابتسامة رقيقة كمن يدرك مسبقًا:
“ستضعف قوة العرش. لا بأس، فأنا أرى أنّ اطمئنان الشعب أهمّ من ذلك بكثير.”
“……”
“كل إنسان بحاجة إلى من يتّكئ عليه. وقد يجد في إنسانٍ آخر سندًا، لكن إن كان هناك كيان يسمو على البشر، فلن يستطيع المرء إلا أن يتعلّق به.”
“…لكن، هل يكون ذلك حقًّا خيرًا للناس؟”
هكذا خطر لي فجأة وأنا أستمع إليه، فتمتمت بلا وعي. وحين أفقتُ، حدّقتُ في وجهه بحذر.
غير أنّه لم يبدُ غاضبًا، بل ابتسم وكأنّه يستوعب كل شيء.
“بالتأكيد، لا يجوز أن يعتمدوا عليكِ اعتمادًا مطلقًا. غير أنّ الاستقلال الحقيقي لا يُمكن أن يتحقق إلا إذا وُجد من يُعوَّل عليه.”
“……”
“ما قولك إذن يا سيدتي؟ لا، بل يا حاكمتنا.”
مدّ هاينري نحوي يده في حركة أنيقة:
“هل تكرّميننا بأن تصيري السند لنا جميعًا؟”
“……”
“فلنصنع معًا إمبراطورية لا يشقى فيها أحد.”
“…حسنًا.”
مددتُ يدي والتقطتُ أطراف يده بسرعة:
“سأفعل، سواء سُمّي ذلك سندًا أو غيره.”
“أحقًّا تقولون؟”
بدا مذهولًا، وكأنّه لم يتوقع قبولي. وما لبث أن أشرق وجهه بفرح عارم.
ككما توقعتُ… أنتِ في غاية الحكمة. أشكرك خالص الشكر بصفتي أحد رعاياكِ. إذن، سأصدر أمرًا ببناء معبدٍ عظيم في القصر على الفور…”
“مهلًا، مهلًا. لن أعيش في معبد.”
ارتسمت الدهشة في عينيه من ردّي الحاسم.
“لِمَ… لكن…”
“ما وافقتُ عليه ليس كوني حاكمة حقًّا، بل “وظيفة” كحاكمة.”
“عفوًا؟ ماذا تعنين…؟”
كان وجهه لا يزال يطفح بالحيرة، فشرحت له بلطف:
“أي أنّني سأقوم بالدور مقابل راتب. أنتم تريدون استخدامي صورةً رمزية للدولة، أليس كذلك؟ لا بأس، لكن في هذه الحال يجب أن تُعطوني أجري كموديل.”
“لا أفهم قصدك…”
ازداد وجهه اضطرابًا، لكني واصلت حديثي غير آبهة:
“أليس هذا حال هذا المجال دومًا؟ أنت تعلم. كلّما كان الشخص أكثر شهرة ارتفع أجره. وأنا حاكمة، أليس كذلك؟ إذن فأنا في طبقة سماوية!”
“لا أدري…”
“إن منحتموني راتبًا شهريًّا بمستوى السماوي، فسأبيع صورتي بحماس. أمّا تحديد مقدار ذلك الراتب السماوي، فنتناقش فيه لاحقًا… هاه، هل نكتب العقد الآن حالًا؟”
ابتسمتُ ابتسامة ماكرة، فتردّد قليلًا، ثم استعاد هدوءه وقال:
“أهمم، لعلّي فهمت قليلًا قصدك… لكني سأعدّه مزاحًا. سيدتي، أنا جادّ فيما أقول.”
“وأنا جادّة أيضًا يا صاحب السمو.”
نظرت إليه خالية من أي ابتسامة.
“إن لم تكن علاقتنا على شكل عمل تجاري كما وصفتُ، فلن أخوض في هذا الدور إطلاقًا.”
“……! سيدتي، فكّري مليًّا، واستدعِ القوة والروح التي غرستها فيك نشأتك بأليهايم.”
“ألست قد قلت آنفًا إنك تريد أن تُقيم إمبراطورية لا يشقى فيها أحد؟”
“صحيح. وأعلم أنّه يبدو مثاليًّا أكثر مما ينبغي. لكن، لو عاونتيني، فلا شك أنّ ذلك سيتحقق…!”
“آسفة يا صاحب السمو، لكن ذلك مستحيل قطعًا. حتى لو فعلتُ ما تقول، فسيظل هناك شخص واحد على الأقل تعيسًا.”
“ومن عساه يكون…!”
“أنا.”
حدّقتُ في عينيه مباشرة، فصمت مدهوشًا. ثم سألتُه بصوتٍ غاية في الجدّية:
“يا صاحب السمو، لو أنّي عشتُ في معبد كحاكمة، هل سأتمكن من الاستمتاع مع زوجي الوسيم؟”
“…..”
“إذن قد وصلت إلى الجواب، أليس كذلك؟”
****
الالحاد خرب ام الرواية حسبي الله لو يمديني بس احذف الفصول……
باقي 12 فصل وتخلص الروايه اااياساساسا
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 90"
كان بيجر رجلها عشان يستغلها، كفووووو 💃💃💃