في صباح اليوم التالي، وبعد أن نمت بعمق منذ زمن طويل، ما إن فتحت عيني حتى أمسكتُ بحجر التصوير متأهبة للذهاب إلى هوان.
كنت أنوي أن أتشاور معه حول كيفية تحرير الفيلم الوثائقي الذي صوّرتُه عن سكان كيلستون.
‘حان الوقت للاستعداد للعرض…’
وفكّرتُ أيضًا في أن أدعو لويسا إلى القصر لأجل إعداد بعض المقالات الدعائية، ولأجل أن نتبادل أطراف الحديث بعد طول انقطاع.
لكن في تلك اللحظة طرق أحدهم الباب.
كانت سيلفيا.
انحنت بخفة احترامًا وقالت:
“الآنسة مارثا تطلب حضورك. أوصتني أن آتي بك إلى مكتبها حال استيقظتِ.”
“الآنسة مارثا؟”
كان الأمر مفاجئًا قليلًا أن تستدعيني بهذه السرعة، لا سيما بعد أن قضينا الليلة الماضية نتبادل كل ما نعرفه من معلومات.
‘وفوق ذلك، تطلب حضوري فورًا؟ هذا يعني…’
هل تكون قد توصّلت إلى معلومات جديدة بالفعل؟
ربما هوية خائن آخر؟
“حسنًا يا سيلفيا، بلّغيها أنني قادمة حالًا.”
“حسناً.”
ارتديتُ معطفًا خفيفًا وتوجهت مباشرة إلى مكتب مارثا.
وحين رأتني وهي جالسة على مكتبها أومأت برأسها، فرددت التحية وجلست على عجل قبالتها.
“مارثا، هل توصّلتِ إلى شيء؟ هل كان هناك خائن آخر؟”
سألتها دون أن آخذ أنفاسًا، فأجابت بنبرة مهدئة:
“اطمئني، بعد التحقيق مع ذلك الساحر تبيّن أنه لا يوجد خونة آخرون.”
“حقًا؟ الحمد لله…”
“ما زلنا نتحقق بدقة، لكن على الأقل ليس من بين سحرة برج السحر الآخرين. على كل حال، سنمضي بالتحقيق حتى نهايته.”
“هذا مطمئن فعلًا.”
رمشتُ بعيني وأنا أنظر إليها، وكأني أسأل إن كان هناك خبر آخر.
ابتسمت مارثا ابتسامة خفيفة، ابتسامة من قبض على دليل مهم.
“ثم إنني عرفتُ مَن الذي حرّض ذلك الساحر.”
“مَن؟!”
“بارون كلارك…”
قالتها مارثا بضحكة مريرة وبغض ظاهر:
“كما توقعت، ذاك اللعين. استهنّا به. حسبتُ أننا حين قبضنا عليه صار الخطر مأمونًا، ولم يخطر ببالي أنه قد استمال أحد رجالي…”
‘إذن بارون حقًا…!’
بهذا تأكد أنه هو الظل الخفي الأخير، K، كما في القصة الأصلية.
“وكيف عرفتِ أن بارون هو الذي استأجر مارڤين؟”
أخرجت مارثا رسالة من على مكتبها تحمل ختم الإمبراطورية.
“هذا رد الأمير هاينري الذي وصل بعد أن بعثتُ إليه رسالة ليلة البارحة.”
تناولت الرسالة وشرعت في قراءتها.
بعد كلمات الشكر على رفع لعنة كيلستون ووعد بالتكريم، استوقفني مقطع لافت:
[…كنتُ على وشك مراسلة الدوق كايين على أي حال. فقد وصل إلى السير كلارك قبل أيام خطاب مجهول المرسِل. وبعد فحص التعويذة التي علقت بالحمام الزاجل الذي حمل الرسالة، تبيّن أنها تعويذة للساحر مارڤين لوستيل، المنتمي إلى برج كايين. ومضمون الرسالة مثير للريبة ويحتاج إلى تفسير. سنستدعي السير مارڤين لوستيل إلى القصر الإمبراطوري، ونودّ أن نسمع أيضًا موقف برج كايين من الأمر.]
‘مارڤين بعث برسالة إلى بارون؟!’
بعد أن أنهيت قراءتها، نظرتُ إلى مارثا.
هزّت رأسها مؤكدة:
“كانت رسالة تقرير عن سير المهمة على الأرجح.”
“أجل، يبدو كذلك…”
تذكرت حين ذهبتُ متأخرة ليلًا إلى غرفة مارڤين في كيلستون، كيف أنه تردد قليلًا قبل أن يفتح الباب.
“كما ظننت. لقد عمل مارڤين في القصر من قبل، فلا شك أنه التقى بارون في تلك الفترة.”
“نحن نتحرى ماضيه بدقة الآن.”
“وهل خرجتم بمعلومة مفيدة؟”
“لا شيء حاسم بعد، سوى أنه خدم في القصر ثماني سنوات.”
“ثماني سنوات مدة طويلة. كافية ليلتقي ببارون أكثر من مرة.”
“صحيح.”
برقت عينا مارثا بحدة، ثم زفرت بتثاقل:
“لكن الأمر مزعج… لقد صرتُ محل ريبة أحد الأمراء.”
تقصد الأمير هاينري الذي تلقى الرسالة بدلًا من بارون.
‘حقًا، لا بد أنه ارتبك…’
فمن وجهة نظره، بدا أن ساحرًا من برج كايين يتواصل سرًا مع فارس إمبراطوري.
‘مبرر لشكه ببرج كايين بالفعل.’
وإذا كان ينوي استدعاء مارڤين إلى القصر، فقد يكون الموقف خطيرًا أكثر مما توقعت.
كان لا بد من توضيح الموقف قبل أن تتفاقم القضية وتُتهم كاين بالخيانة.
وقد بدا من نظرات مارثا أنها تفكر في الأمر نفسه.
‘لحسن الحظ أنه وعد بأن يمنحنا فرصة للتوضيح…’
“الأجدر أن أدخل القصر بسرعة قبل أن يتسع سوء الفهم.”
هزّت مارثا رأسها موافقة:
“أوافقك. بل أرى أن…”
“سأذهب بنفسي.”
ما إن بادرت بالقول حتى بدت في عينيها لمحة امتنان واعتذار وهي تهمس:
“أحقًا ستفعلين ذلك؟”
ثم اضافت:
“لقد حمّلتُكِ من الديون ما يكفي.”
“لا عليكِ. أنا من عايشت الأمر، ويجب أن أشرح بنفسي. ثم إن سمو الأمير طلب حضور المعني بالأمر.”
وأخرجت لساني قليلًا بمرح أتابع:
“كما أنني قصّرتُ حين لم ألحظ أن مارڤين أرسل رسالة… وبما أن لي معرفة سابقة بالأمير هاينري، فالأفضل أن أذهب بنفسي.”
سكتت مارثا لحظة وهي تحدق بي، ثم قالت بجدية:
“أنا ممتنّة لك حقًا.”
كانت كلماتها قليلة، لكنها أنبل ما سمعته منها يومًا.
فهي حين تكون صادقة لا تتكلّف ولا تطيل.
“خذي معك من شئتِ من الحرس.”
فكرتُ قليلًا ثم قلت:
“بما أن الأمر يحمل شبهة خيانة، فلا داعي للذهاب بموكب كبير.”
أومأت مارثا موافقة:
“صحيح، ثم إن فرسان الإمبراطورية سيأتون قريبًا لاصطحاب ذلك الساحر، فلن تحتاجي إلى قوة أخرى.”
“إذن سأكتفي باصطحاب سيلفيا كحارسة شخصية.”
“كما تشائين.”
ثم أضافت بعد لحظة:
“وجودك هنا نعمة فعلًا.”
“وأنا أشعر بالمثل.”
ابتسمتُ بصدق، فارتسمت على محياها ضحكة صافية وهي ترفع حاجبيها.
“سأشغل نفسي بما تبقى من الأمور الأخرى. أما الفيلم الجديد، فستسند مقالته إلى تلك الصحفية لويسا، أليس كذلك؟”
“بالضبط…! كيف عرفتِ يا مارثا؟”
ابتسمت بثقة وكأن الأمر هين عندها:
“لقد تواصلتُ معها بالفعل. وكانت مسرورة للغاية. يمكنكما اللقاء حال عودتك.”
“أنتِ رائعة بحق.”
‘وكأنها عرّافة، كيف عرفت ما أفكر به وجهزت كل شيء مسبقًا؟’
هل هذا ما يليق فعلًا برئيسة أسرة كايين؟
رفعتُ إبهامي لمارثا بإعجاب، أما هي فاكتفت بابتسامة هادئة.
“قراءة أفكار العائلة ليست بالأمر الصعب.”
‘عائلة…’
نظرتُ إليها بعينين دامعتين من التأثر.
“مارثا…”
لكنها لوّحت بيدها كأنها تطلب مني الكف.
“ارتاحي على الأقل حتى يحضر فرسان الإمبراطورية.”
“نعم، سأتم المهمة وأعود سالمة!”
قلت ذلك وأنا أضرب صدري بثقة.
❖ ❖ ❖
خرجتُ من مكتبها، ثم أسرعت للاستحمام والتهيؤ لدخول القصر.
‘المرة الماضية ذهبتُ على عجل، أما هذه المرة فقد دُعيت رسميًا، فلا بد أن أبدو لائقة.’
ملابس مهذبة وأنيقة، لكن من دون مبالغة أو بهرجة.
كنتُ أردد هذا في بالي وأنا أختار ما أرتدي.
‘علينا أن نُظهر أننا أبرياء تمامًا، لا نشكل أي خطر على أحد.’
وحين أخبرت سيلفيا بمقصدي وهي تمشط شعري، ابتسمت وقالت إن ملامحي وحدها كافية لتعكس تلك البراءة، فلا داعي للقلق.
وبالفعل، بدا كلامها صائبًا.
‘حسنًا، سأستغل حتى ملامحي ما دمت أستطيع. المهم أن أعود وقد زال عنّا هذا الاتهام الباطل. بعد أن صرتُ على هذه الحال مع أركل، لا يمكن أن أُعدم مختومة بعار الخيانة.’
ارتديت فستانًا أبيض بسيطًا مع عباءة خفيفة، ورفعت شعري في تسريحة أنيقة.
‘أشبه بمن يستعد لمقابلة عمل…’
وبينما كنتُ أنظر إلى صورتي في المرآة راضية عن مظهري، دخل أركل الغرفة.
استدرتُ نحوه، فالتقت عينانا للحظة وهو يمعن النظر بي.
“ستذهبين إلى القصر الإمبراطوري إذن.”
“صحيح. سيأتي الفرسان لأخذي قريبًا. في الحقيقة جاؤوا لاعتقال مارڤين، لكن… على أي حال، سأعود بسرعة.”
“…….”
بدا وكأن في صدره كلامًا يريد إخراجه.
“سمعتُ من شقيقتي أننا قد نُتّهم بالخيانة.”
“لا تقلق، كايين ستكون بخير-“
“ما يقلقني ليس ذلك.”
عيناه الحمراوان استقرتا عليّ بثبات، كأنني أمام لهب لا يزول.
“أنا دائمًا… لا يهمني إلا أنتِ. أنتِ وحدك.”
كانت نبرته عادية، لكنني صرتُ أميز فيها حرارة المودة.
“لو أنني أنا الذي ذهبتُ مكانك…”
ابتسمتُ له مطمئنة:
“هل تظن نفسك قادرًا على إزالة سوء الفهم؟ ليس كل أحد يفهمك كما أفعل أنا.”
“…….”
أطال النظر إليّ، ثم ابتسم بمرارة وكأنه استسلم.
“صحيح، أنا معتاد أكثر على أن أُساء فهمي، لا أن أُزيل سوء الفهم.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 88"