ما إن انفصلت شفتانا حتى خرج منّي صوتٌ متقطع بسبب أنفاسي المتسارعة.
“…أعتذر.”
تمتم أركل بصوتٍ عميق خافت، لكنه أعاد ضمّ شفتيه إلى شفتيّ من جديد. فكان شعورًا يذهلني مرة أخرى حتى انقبضت أصابعي على عنقه.
تباعدنا وعُدنا، وتكرّر الأمر أكثر من مرة، حتى غرقنا لبعض الوقت في انشغال تام أحدنا بالآخر.
“…هاه.”
“…….”
فتحتُ عيني ببطء، وأنا ألتقط أنفاسي وأحدّق فيه.
أركل بدوره كان يلهث ووجهه محمَرّ، وعيناه تلمعان كساحرٍ مسحور.
ثم تبادلنا نظراتٍ مذهولة قبل أن ننفجر معًا بضحكةٍ قصيرة.
مددتُ يدي أُداعب مؤخرة رأسه وقلت بمزاحٍ خفيف:
“يا إلهي، كدتُ أُلتَهَم للتو.”
فأشاح أركل ببصره محرجًا.
“أعتذر… لقد تمالكت نفسي كثيرًا.”
اتسعت عيناي دهشة.
‘هذا وهو يتمالك نفسه؟!’
فما الذي قد يحدث لو أطلق العنان لنفسه حقًا….؟
فكّرت في ذلك، فإذا بحرارةٍ تسري في رأسي، فلم أتمالك نفسي من الضحك عاليًا.
“هاها… هل تسمح بفتح النافذة؟ أشعر بالحر.”
“بـ، بالطبع.”
كان على غير طبيعته مرتبكًا.
‘قبل لحظات كان جريئًا بلا تردّد، فما باله الآن…؟’
لم يلبث أن خطر ببالي أنّها المرة الأولى له أيضًا، فعندها بدا لي ارتباكه منطقيًا… بل وغاية في الجاذبية.
اجتاحني فجأةً شعور بالرغبة في مشاغبته.
أسندتُ ذراعي على النافذة وألقيت عليه نظرة ماكرة وهو يعود إلى مقعده.
“همم، لم يكن عليك التقيّد، ألسنا اتفقنا أن نُظهر كل شيء؟”
احمرّ وجه أركل أكثر، رفع يده ليحجب ملامحه وقال بتمتمة دفاعية:
“…أنا فقط….”
فأضافت رغبتي في المشاغبة بريقًا أكبر إلى كلامي:
“كنتُ منشغلة بملاحقتك، بينما أنت لديك فسحة للتصرّف، هذا ليس عدلًا. المرة القادمة يجب أن تبذل قصارى جهدك.”
“كح، كح—”
سعل أركل متفاجئًا حتى كاد أن يختنق.
‘يا له من ردّ فعل! متعة مشاغبته لا تُوصف.’
الرجل الذي يُخيّل للمرء أن وخزه بإبرة لا يُخرج منه دم، صار الآن يتلوى بهذا الشكل… شعورٌ رائع.
وبدا أنه أخذ كلامي على محمل الجد، إذ أزاح بصره وتردد مراتٍ عدة قبل أن يقول بصوتٍ خفيض:
“إذن… في المرة القادمة… سأكون جادًا.”
“كنت أمزح! لا داعي لأن تقولها بكل هذا الوقار.”
رفع بصره إليّ متهمًا وكأنه وقع في الفخ.
“…لا تُمازحيني.”
كان منظره ممتعًا للغاية، هممت أن أعتذر له، لكنه خطا نحوي بسرعة وانحنى أمامي.
اختفى ارتباكه السابق وقال بجدية:
“لكنني لا أمزح.”
“…هاه؟”
اقترب ببطء، فأغمضت عيني لا إراديًا.
غير أن شفتاه لم تلمسا شفتي، بل هبطت على جبيني لمسة دافئة.
“انتقام.”
فتحتُ عيني، فإذا بأركل يبتسم ابتسامة هادئة وهو ينظر إليّ.
حينها فقط تذكّرت أنّ هذا الرجل ليس ممن يُستهان بهم.
فأخرجتُ لساني بخفّة في وجهه، بينما ظل هو يبتسم كمن يرى أمرًا مضحكًا.
وبعد أن تأملني قليلًا، قال بصوتٍ خافتٍ أشبه بحالم:
“…لا أصدّق.”
“لا تصدّق ماذا؟”
“أنكِ تشاطرينني الشعور… لا يزال صعبًا عليّ أن أصدّق.”
“وأنا أيضًا أجد الأمر عجيبًا.”
فلم يخطر ببالي حين التقيت به أول مرة أنني سأجلس هكذا وأتبادل معه هذا الحديث… مع أركل كايين بالذات.
‘كنتُ أظن أنّ مجرّد رؤيته يُظهر مشاعره يُعد إنجازًا.’
في البداية كان هدفي أن أرى دموعه، لكن الآن… لم أعد أرغب بسماع أنينه الموجوع بقدر رغبتي في سماع نبرته حين يمازحني بخبث، ولا برؤية نظراته المليئة بالعذاب بقدر رغبتي في مشاهدة ابتسامته الهادئة.
لم يتغيّر ذوقي القاسي؛ فما زلت أرى أن الأكثر قسوة وإثارة هو الأفضل.
لكن…
‘يقولون إن الحب الحقيقي يتجاوز الميول… يبدو أنّ ذلك صحيح.’
فهو غيّرني رغم أنني عشت حياتي كلها محكومةً بتلك الميول. كان لابد من الاعتراف.
“إذن… ماذا سيكون مصيرنا الآن؟”
سألتُه بهدوء وأنا غارقة في دفء اللحظة.
فكّر قليلًا قبل أن يجيب:
“إن كان يناسبكِ، أود تعديل شرط العقد.”
“وكيف ذلك؟”
“أن نُلغي الأجل. بدل أن ينتهي حين تصيرين قادرة على الاستقلال، سأجعله أبديًا.”
كان جادًا لدرجة أثارت ضحكتي.
“هذا لا يُسمى عقدًا بل زواجًا عاديًا.”
ابتسمتُ ضاحكة، بينما بدت على أركل علامات الحرج.
“وهل يعني ذلك أنكِ ترفضين؟”
توقفت عن الضحك تدريجيًا، وأجبت بابتسامة رقيقة وأنا أحدّق فيه:
“بل يعجبني. تزوجني يا أركل. أحبك.”
“لقد سبقتِني.”
انحنى نحوي مجددًا، وهذه المرة جاءت قبلته أبطأ وأرقّ من سابقتها.
❖ ❖ ❖
حين عدتُ مع أركل وهوان إلى بيت كايين، عرضنا على مارثا بالتفصيل ما جرى في كيلستون.
ولما قدّم لها أركل حجر التصوير الذي يوثّق خيانة مارڤين، تفجّر غضبها كما توقّعنا.
فقد كانت هي بنفسها من اختاره، ولذلك ضاعف ذلك شعورها بالقهر. بلغ بها الغيظ أن نادرًا ما رأيتُها تكشف انفعالها بهذا الشكل أمامي.
ظلت ترتجف وتفور من الغضب حتى هشّمت قلمين وحطمت ثلاثة ملفات قبل أن تتنفس بعمق محاولة استعادة هدوئها.
“هُووف… إذن، من غيركم يعرف بهذه الحقيقة؟”
“أنا وأركل ولاكـو وهوان فقط.”
أجبتُ سريعًا، ثم أضفت:
“وأؤكد أنني شدّدت على لاكو ألّا يتفوه بشيء بخصوص مارڤين. وقد تعهّد لي بالطاعة كعادته.”
بدت ملامح مارثا وقد خفّت قليلًا من حدة القلق، فقالت:
“أحسنتِ. كما توقعت، أنتِ جديرة بالثقة. أما أركل وهوان فلن يثرثرا، لكنني سأعيد التنبيه عليهما بنفسي.”
“حكمة بالغة يا آنستي مارثا.”
كانت تنوي أن تفتّش في بقية السحرة أيضًا، لتتأكد إن كان بينهم خائن آخر.
‘لو كان بيننا خائن حقًا، فلن يعرف أننا اكتشفنا أمر مارڤين، وسينتهز الفرصة ليهاجمنا ونحن غافلون.’
ولا حاجة لأن نذيع في أرجاء المدينة نبأ أن هناك خائنًا بين كايين، فلو بدونا سهل المنال فقد نصبح هدفًا مرة أخرى.
كما توقعت، خرجت نفس الفكرة من فم مارثا حرفيًا.
“عليّ أن أتقصّى بدقة إن كان هناك جرذ آخر بيننا. سأفتّش ليس السحرة فحسب، بل كل مجموعةٍ لها أي صلةٍ بكايين واحدةً تلو الأخرى.”
راحت مارثا تنطق حرفًا حرفًا بنظرةٍ ثاقبة خلف نظارتها، بدا عليها أنها عازمة على جرّ كل شبر وكشفه.
“سأطارده حتى آخر الجحيم. لنرى أين سيقودنا.”
‘هاها، يشبه إعلان حرب حقًا…’
امتلأ رأسي بشعور الامتنان لأنها في صفنا.
حين انتقل الحديث إلى السكان الذين وجدوا ملاذًا في كيلستون، همست مارثا وهي تهز رأسها: “حسنًا. هذا لخيرًا لهم.”
“فيما يتعلق بهذا الأمر، من الأفضل أن نعدّ ذلك منسوبًا لكايين ونبلغ به البلاط. نضع أنه أثناء تصوير ‘فيلم’ وقع حادثٌ ما.”
وبدأت مارثا فورًا تكتب خطابًا موجهًا إلى البلاط بسلاسةٍ تامة.
‘حقًا سريعة…’
وأثناء كتابتها السريعة للرسالة سألتني مارثا:
“ما كان اسم ذلك؟ وثائقي، أليس كذلك؟ المقطع الذي يوثّق نهايتهم.”
“نعم. اسم ليس باليسير، لكنكِ حفظته من الوهلة الأولى، كما توقعت من آنستي مارثا.”
حتى في انشغالها بدا إشراقة السرور على وجهها حين مدحتها.
“كم من الأشياء أحفظ يوميًا، فمثل هذا الاسم يسهل حفظه.”
ثم أضافت:
“لو عُرض ذلك الوثائقي في السينما فسأحرص على مشاهدته.”
“حقًا؟ سُعدت لأنكِ أبديتِ اهتمامًا يا آنسة مارثا.”
لم تكن مجرد مجاملة؛ فمارثا التي لا تهتم بشيءٍ لا يهمها بأي قدرٍ كان، أبدت اهتمامًا مباشرًا بهذا الموضوع…
“أريد أن أريه لعددٍ كبير من الناس.”
“حتى بعد اختفائي… أريد من يبقي ذكرى لـ لينا.”
تركت عبارتها معلقةً كما لو كانت تخاطب أحدًا اسمه كان.
‘وأنا كذلك أريد مزيدًا من الناس ليذكروا أصدقائي.’
نظرت إليّ مارثا للحظة ثم أومأت برأسها.
“إن كان العمل من صنعك، فسيكون كذلك هذه المرّة أيضًا.”
“أشعر بالخجل. إنه ليس عملًا بالمعنى الحقيقي… بل مجرد تسجيل تركته لأنني أردت أن يرونه الناس.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 87"