كنتُ بعد مغادرتنا كيلستون ما أزال مشغولة بالتحديق عبر النافذة لفترة طويلة، وكذلك أركل كان يبدو غارقًا في التفكير.
بعد ساعات، نزعتُ بصري عن الخارج وألقيت نظرة خاطفة على أركل.
كان جالسًا مغمض العينين بهدوء، لكن لم يبدُ وكأنه نائم.
‘يا للعجب، كم من الأمور قد وقعت. ذهبنا بحثًا عن كأس ڤاليرا، ثم انتهى بنا الأمر إلى تحطيمه والعودة…’
وفوق ذلك ألقينا القبض على جاسوس أيضًا.
أن يكون رئيس سحرة كايين الخاصين جاسوسًا؟ يكفي أن أتخيّل وجه مارثا حين تعلم بالأمر حتى أرى الغضب يتفجر أمامي.
‘لقد حصلنا على دليل حاسم، وما إن نعود ونمسك بذلك المارق مارڤين ونستجوبه كما ينبغي، فستنكشف الحقيقة.’
فهل كان من يقف خلفه فعلًا بارون؟
تثاءبتُ بخفوت ثم عدتُ لأنظر إلى أركل مرة أخرى، فكان ما يزال مغمض العينين ساكنًا.
‘أترى… هل هو نائم؟’
استبدّ بي فضول غريب، فقمت من مقعدي بخفة واقتربت منه.
وفي تلك اللحظة اهتزت العربة بقوة.
“آه—”
فقدت توازني، لكن يدًا قوية أسندت خصري، وفي طرفة عين وجدت نفسي جالسة فوق ركبتيه.
فجأة صار وجهي على مقربة من وجهه، فارتبكت بلا وعي.
“ل… لم تكون نائمًا إذن؟”
“كنتُ غارقًا في بعض الأفكار.”
أما هو فبدا متماسكًا على عادته.
‘هذا الرجل… حين يستغرق في التفكير، لا يلتفت لأي شيء آخر.’
صفة من طباع أركل لم أدركها إلا متأخرة.
كان واضحًا أنها حقيقة، إذ لم يبدُ منتبهًا حتى عندما اقتربت منه كثيرًا، ولا حتى وهو يُجلسني على ركبتيه؛ ظل ذهنه مشغولًا بأمر آخر.
‘لكن… أيمكن للمرء أن يكون على هذه الحال وهو ممسك بي هكذا؟!’
أما أنا، فشعرت بتوتر يكاد يفتك بي.
على العكس مني، كان هو يحدّق في الفراغ كأنما يبحث فيه عن أجوبة، وما زال بيد واحدة يحتضن خصري.
“……”
“……”
راقبتُ وجهه المتماسك وأنا أتنفس بتوتر، ثم تجرأت على القول:
“أ… ألا تتركني الآن؟”
“نعم؟ …آه—”
وكأنما أفاق فجأة، فسحب يده بسرعة.
“أعتذر، شردتُ قليلًا…”
“يبدو أن أركل أيضًا لا يستطيع نسيان السكان بسهولة، مثلي تمامًا، أليس كذلك؟”
“…بلى.”
أجاب وهو يهز رأسه بعد أن سرح ببصره في الفراغ.
‘لكنه يخفي أمرًا آخر فيما يبدو…’
كنتُ أهمّ بالنهوض والعودة إلى مقعدي، لكنني توقفت للحظة أتمعّن في ملامحه، وقد شعر هو بنظراتي فقال بارتباك:
“…هل تنوين البقاء جالسة هكذا؟”
“آه، الأمر يزعجك، أليس كذلك؟ عذرًا، سأعود إلى مكاني.”
“ليس مزعجًا على الإطلاق، غير أن…”
تردد قليلًا، ثم تمتم بصوت منخفض:
“بهذه الوضعية… من الأفضل أن تنهضي بالفعل.”
‘لماذا يشيح بوجهه؟’
كان أركل قد احمرّت أذناه وهو يتفادى نظري، مما أثار استغرابي، لكنني على كل حال عدتُ إلى مقعدي.
ومع ذلك ظلّ يتجنب النظر إليّ لبعض الوقت، فيما عجزتُ أنا عن كسر الصمت بشيء مناسب، فخيّم جو ثقيل من الحرج داخل العربة.
“……”
“……”
‘ما الأمر؟ ولماذا أشعر أنا أيضًا بالحرج هكذا؟’
لست أدري السبب، لكني وجدت صعوبة في أن أفتح معه حديثًا عاديًا.
‘ربما عليّ قول أي شيء فحسب…’
ولكسر هذا الجو الغريب، رفعت صوتي عمدًا وقلت:
“هذا… ما رأيك في قضية مارڤين؟ أترى أنه تلقى الأوامر فعلًا من بارون؟”
“آه…”
رمقني أركل بعينين لا تزالان تحملان شيئًا من الارتباك، غير أن بريقًا قاسيًا مرّ فيهما فجأة.
‘يا ويلي، أظنني اخترت موضوعًا خاطئًا.’
يبدو أن ذكر مارڤين وبارون أيقظ في داخله حدّة خطيرة.
تمتم أركل بنبرة تنمّ عن حزم:
“…على الأرجح. سمعتُ عابرًا أن شقيقتي استقدمت أحد السحرة إلى البلاط الإمبراطوري.”
“بمعنى…”
تلاقت نظراتنا.
“أن مارڤين كان على معرفة مسبقة بالبارون كلارك، وهذا الاحتمال كبير جدًّا.”
‘إذن كان البلاط الإمبراطوري هو حلقة الوصل.’
كان وجه أركل يعكس التفكير نفسه الذي جال بخاطري.
“لو بحثنا في فترة عمل مارڤين داخل البلاط، سنعثر بالتأكيد على خيط يقودنا.”
“أتفق معك تمامًا.”
ورغم أن الجو قبل لحظات كان متوترًا ملتبسًا، إلا أن شعورًا بالحماسة أخذ يتملكني إذ بدا أننا اقتربنا كثيرًا من كشف هوية K.
‘لو فكرتَ في الأمر، أليس هذا إنجازًا مذهلاً؟ الكشف عن هوية زعيم الظلام الحقيقي الذي لم يذكر في الأصل مطلقًا…’
بسبب ذلك أردتُ دون قصد أن أمارس مهارات الاستنتاج رغم أن ذلك ليس من طباعي؛ أتمنى فقط أن نكشف عن هوية K سريعًا كي أرتاح.
‘وبالمناسبة، سيعني هذا أنني سأظل مع أركل لفترة.’
ظننتُ حين نغادر كيلستون أن كل المانع في جسده سيتلاشى ولن يحتاج بعد الآن إلى قوى الشفاء، لكن الأمور اتخذت مسارًا آخر. وهكذا أصبحتُ مجددًا شخصية لا غنى عنها لأركل.
‘بصراحة… كنت أتساءل، حتى لو لم تعد قوى شفائي ضرورية، هل سيظل ينظر إليّ بنفس الطريقة؟’
ربما كنت أرغب أن أرى إن ظل سيحدق بي بوجهه المعتاد حتى بعد شفائه.
“كما قلتَ إنك تود أن تُريني….”
“وأنا أتحمّس لأريكِ أيضًا حتى أموت من الشوق. إن سمحتِ لي.”
ربما سيكون هذا ما سيقوله. لكن الآن لم يعد هناك سبيل للتأكد إلى الأبد. لا أدري إن كان هذا شيءٌ محمودًا أم مذمومًا….
في النهاية، صار الأمر معتمدًا كليًا على ثقتي به.
“…….”
“أركل، هل تذكر حين قلت قبل أن نغادر كيلستون إنك تريد أن تُريني كل شيء؟”
لم أُدرك حتى متى افتتح فمي بهذه الكلمات، وفور أن نطقت بها صُدمت أنا بنفسي.
‘هل أنا متعبة جدًا؟ لماذا قلتُ هذا فجأة؟ ينبغي أن أقول إنه لا شيء… لا، ليس هكذا.’
ترددت ثم تغيّر رأيي أثناء الارتباك.
‘أركل صادق معي دائمًا. أريد أن أكون صادقة أيضًا.’
أرغب في أن أثق به، وآمل أن يثق بي.
نظرت إليه بقلق خفيف.
بدا على أركل أيضًا بعض الدهشة من كلامي، لكنه سرعان ما أجاب بصوت هادئ:
“…أذكر ذلك.”
“هل ما زلت تعتقد ذلك؟”
سألتُ فجأة وابتلعت روحي توترًا.
بدا الوقت طويلاً جدًا وأنا أنتظر أن يفتح هو فمه. بعد لحظة أومأ لي أركل برأسه.
“نعم. ولكن…”
لم يكمل أركل عبارته فورًا. تردّد ثم تمتم بهدوء:
“لست متأكدًا إن كان ذلك سيجوز.”
“…….”
‘ليس متأكدًا…’
كانت إجابة غامضة إلى حد ما، لكني شعرت أنني أفهم ما يدور في قلبه.
“…أركل، هل أنت أيضًا خائف؟ خائف من أنني سأبغضك إن رأيت كل ما في داخلك؟”
“…….”
نظر أركل إليّ بلا كلام.
لم يقل شيئًا، لكني استطعت قراءة ما في داخله.
‘لأنني كنت أخاف نفس الشيء.’
ابتسم أركل ابتسامة صغيرة كمن لا يحتمل.
” لا أستطيع إخفاء شيء أمامكِ.”
ثم محا ابتسامته ببطء وقال بنبرة خافتة:
“حين كاد السحر أن يلتهم عقلي، لم أرغب مطلقًا أن تري ذلك الجانب مني.”
“…….”
“أردت أن أقول إن ذلك الوجه الشبيه بالوحش ليس أنا، لكنني… لم أعد متأكدًا.”
“…….”
“هل فعلًا ذلك ليس أنا؟ هل ستعاملينني كما كنتِ من قبل لو رأيتِني هكذا؟ وهل يحق لي أن أتوسّل إليك؟ لم أعد واثقًا.”
خفض أركل بصره وابتسم مبتسمًا لنفسه كما لو أنه يرى سخفه.
“أمرٌ مضحك. أنا لا أعرف حتى من أنا، ومع ذلك أريد أن أحظى باعترافك.”
“…وأنا كذلك يا أركل.”
تكلّمتُ كأنما سحرٌ قد سيطر عليّ.
“ليس لدي ثقة لأُريك كل وجوهِي. كنت خائفة.”
“…….”
“ربما لهذا كنت أهرب بلا وعي. حتى عندما قلت إنك تريد أن تُري كل شيء.”
“…….”
نظَرَ أركل إليّ باندهاش كما لو أن ما أقوله يصعب تصديقه.
“كنتِ قلقة بشأن أمور كهذه… لكنني لا أظن أن هناك جانبًا منك يمكن أن أكرهه.”
كانت ضحكتي المكبوتة ردّي على حسمه.
“قد تكون لا تعرف ذلك بعد؛ هناك جوانب كثيرة فيّ لا يزال أركل يجهلها.”
“حينئذٍ أريد أن أعرفها كلها.”
“ستندم… في الواقع لدي ميول غريبة جدًا.”
مازحتُ بوضع مرفقي على حافة النافذة وسندتُ ذقني بيدي بنبرةٍ مازحةٍ نصف جدية.
“لو عرفتَ ما أفكّر فيه، قد تهرب مني.”
“لن يحدث ذلك.”
وقف أركل واقترب مني وانحنى قليلًا.
التقى بنظري وهمس بوضوح:
“ولو كان فيك شيءٌ شِرير، فسأحِبّهُ كذلك حتى النهاية.”
تأملتُه للحظة ثم نطقت أخيرًا:
“…وأنا كذلك، أركل.”
أدركت أن الكلمة التي كنت أتجنب قولها لم تعد ممكنة لتفاديها.
“ربما نعيش كلانا حاملين في داخلنا شيطانًا. لكن، وما المشكلة في ذلك؟”
لم أكتسب شجاعةً أو ثقةً جديدة؛ فقط لم يعد يهمني أن يكون هناك جانب فيّ لن أراه أبدًا بعد الآن.
“لم يتبقَ لنا خيار سوى أن نُظهر كل شيء بعضنا لبعض.”
وضعتُ ذراعي حول رقبة أركل وهو يحدق بي بصمت، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة، فقد اقترب ليضمّ شفتيه إلى شفتي.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 86"