هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 84 ]
“اليوم إذن.”
رفع هوان نظارته وأخذ يتحسس حجر الرؤية.
“أستوثقين حتى من اللحظة الأخيرة…؟”
“لا بدّ من ذلك، فقد وعدنا أن نحفظها في الذاكرة.”
تنفّس هوان بعمق.
“…حسنًا. سأبذل قصارى جهدي لأُسجِّل كل شيء.”
كان في البداية كلما سنحت له فرصة، يبحث عن مخرج للهروب، لكنه الآن بدا أكثر حماسة مني.
“ألم أقل إنني اخترت مساعدًا مخلصًا؟ هل اجتمع الناس كلهم؟”
“نعم، اجتمعوا جميعًا.”
في الساحة المركزية لبلدة كيلستون، احتشد أهل القرية.
بعضهم كان يمسك بأيدي بعض، وبعضهم ضمّ كفيه كمن يرفع دعاءً.
أخذتُ أتأمل وجوههم ببطء.
لمحني كان فبادلني نظرة متوترة.
ابتسمت له ابتسامة خفيفة كأنني أقول:
“—سيكون كل شيء بخير.”
“هوان، أوصيك بالناس.”
“لا تقلقي.”
ربّتُ على كتف هوان الذي أومأ برأسه بثقة، ثم تقدّمت نحو النافورة حيث يقف لاكو وأركل.
في طرف النافورة العتيقة التي عُثر فيها لأول مرة على كأس ڤاليرا كان حبل غليظ مربوط بإحكام، وفي آخره أركل راكعًا والحبل ملتف حول عنقه.
قبل ساعات قليلة وبإصرار شديد من لاكو، قُيّد أركل بذلك الحبل السحري.
قال لاكو بوجه متحفّز:
“قد يفقد وعيه ويهيج، لا بد أن يُوثق بالسحر جيدًا. اربطوه بالنافورة كما يُربط الحيوان.”
كنت أظن أن أركل سينفجر غاضبًا عند سماع ذلك، لكنه أجاب ببرود:
“اربطوني، فذلك أفضل لي أيضًا.”
ثم نظر مباشرة إلى لاكو وقال مجددًا:
“أوثقوني بإحكام، وإن حاولت الاعتداء، فأوقعوني أرضًا مهما كلف الأمر.”
“ب، بالطبع!”
“لست واثقًا أنك قادر على ذلك… لكن لا مفر. حتى زوجتي أيضًا يجب أن تفعل المثل.”
التفت إليّ، وملامحه جادة للغاية:
“إن بدر مني أمر خطير، فلا ترحمي. اقتليني إن لزم الأمر.”
“ما هذا الذي تقوله؟!”
“أنا جاد. لو كان موتي على يدك، فلن يكون سيئًا.”
“أركل!”
مددت يدي ألتقط جانب خده برفق، وحدّقت في عينيه مباشرة.
“من قال إنك ستموت؟ لن يحدث ذلك أبدًا.”
“أتمنى أن يكون كذلك.”
“وتريدني أن أقتلك بيدي؟! ماذا تظن أن يصيبني حينها؟ سأموت بعدك كمدًا وذنبًا. لذلك عليك أن تحيا، مفهوم؟”
“لقد أخطأت في كلامي، سامحيني.”
عندها ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه.
“سأعيش مهما كان، فقد منحتني زوجتي سببًا للبقاء.”
“إياك أن تدع السحر يبتلعك.”
“لن أفعل. وإن غبت عن رشدي، فأوقظيني حتى بالشتائم.”
“ذلك أستطيع فعله متى شئت.”
ابتسمت بدوري، ثم ابتعدت قليلاً.
والآن، كانت الطقوس على وشك البدء.
‘……’
خطتنا كانت كالآتي:
أولاً، يضاعف لاكو قوة أركل السحرية بواسطة التعاوبذ. بعدها يستخدم أركل تلك القوة لمحو كأس ڤاليرا، ثم أتولى أنا تهدئته بقوة النور.
للوهلة الأولى تبدو الخطة بسيطة، لكنها محفوفة بالعقبات:
‘ينبغي أن تتجاوز طاقة أركل قوة الكأس… وأن يحتفظ بوعيه رغم الألم… وأن أُعيده أنا إلى رشده بسرعة قصوى.’
شروط كثيرة لا بد من استيفائها.
في الحقيقة، بعد سماع رأي الأهالي، حاولت مرارًا أن أقنع أركل بإيجاد طريقة أخرى، لكنه كان مصرًّا.
“أنا أريد ذلك بنفسي.”
لم أره يومًا يعبّر عن إرادته بهذا الوضوح. ربما لأنني أيضًا كنت أتمنى ذلك… لكنني أيقنت أن هناك سببًا آخر.
“إن كان بوسعهم أن يتحرروا، فذلك أمر جيد.”
ما زالت صورة وجهه حين قالها عالقة في ذهني.
‘أركل يرى نفسه في أهل القرية.’
وبصراحة، لم أكره هذا الجانب منه.
‘يتجاهل مصيره الخاص ليساعد الآخرين لهذا السبب وحده… رجل عجيب فعلًا.’
وبينما يقلقني أمره، شعرت أن أركل الذي طالما بدا غريبًا عن الواقع، هو إنسان مثلنا، مما جعلني أشعر أنني اقتربت منه أكثر.
“سأبدأ الآن يا سيدتي…!”
قالها لاكو وهو يتمتم بعينين مغمضتين، ثم رفع نظره إليّ.
نظرت أنا نحو أركل، فبادلني بابتسامة هادئة وأومأ.
أومأت له بدوري.
“⦑⦓ɵßʞłđ⦑⦓….”
تمتم لاكو بكلمات غريبة وهو يمد إصبعيه ويرسم التعاويذ بسرعة.
“⦑⦓ɵßʞłđ⦑⦓, ⦑⦓ɵßʞłđ⦑⦓, ⦑⦓ɵßʞłđ⦑⦓….”
تسارعت وتيرته شيئًا فشيئًا.
فجأة انحنى أركل إلى الأمام وهو يئن:
“كـ…غغ…!”
“أركل…!”
ناديت باسمه بلا وعي، لكنه كان مطأطئ الرأس غارقًا في الألم، ولاكو غارق في إنشاد التعاويذ، فلا أحد يجيب.
عضضت شفتي بقوة، وكل ما رجوتُه أن أتمكّن من معالجته سريعًا.
“ßɵŋʞɵ, ⦑⦓ɵßʞłđ⦑⦓, ßɵŋʞɵ…!”
وجه لاكو محتقن ومقطب، عيناه مغمضتان بعنف، وقد مد يديه بكل ما أوتي من قوة نحو أركل.
عندها انفجر من أركل صراخ وحشي النبرة:
“آاااااه… غغغغغغآآآآآآاااه…!”
كان واضحًا أنه ألم يخترق العظام حتى نخاعها.
غرز أركل أصابعه في التراب بقوة، وأوردة يده منتفخة حتى كادت تنفجر، فأصابني الرعب.
‘أما زال لم يكتمل؟’
بتوتر نظرت إلى لاكو، لكنه ما زال يواصل إنشاده ويداه ممدودتان.
ارتفع صراخ أركل أكثر فأكثر.
‘لاكو، أسرع…’
قبضت على كأس ڤاليرا في يدي بكل قوتي وأنا أرمق لاكو بقلق.
“łɵʞØ, ßɵŋʞɵ ßɵŋʞɵđ ßɵŋʞɵ, ⦑⦓ɵßʞłđ⦑⦓…!”
وفجأة، ساد الصمت، وانقطع الصراخ الوحشي.
ظل أركل مطأطئ الجسد، لا حراك فيه.
“أركل؟! لاكو، هل أركل بخير؟”
“س… سيدتي… الآن—الكأس…!”
قالها لاكو وهو يلهث بصعوبة، ينظر إليّ بعجلة.
“مفهوم!”
أسرعت وأنا أمسك بكأس ڤاليرا، متجهة نحو أركل.
“أركل…! هل تسمعني؟ خذ هذا بسرعة….”
“…….”
رفع أركل جسده المنحني ببطء، ورفع رأسه شيئًا فشيئًا، فبانت من بين خصلات شعره الأسود المتهدّل عينان حمراوان.
‘ذلك البريق….’
إنه تمامًا كما كان حين أوشك على أن يبتلعه السحر سابقًا، لكن هذه المرة بدا أشدّ خطورة، بل أضعافًا مضاعفة.
‘لا مجال للارتباك، لقد قال لاكو إنه قيده بالسحر جيدًا. وكلما تأخرنا ازدادت الخطورة. لا بد من إنهائه بسرعة.’
اقتربتُ منه بخطوات ثابتة، وانحنيت نحوه، ثم مددت الكأس أمامه.
“أركل، أتسمعني؟ اتفقنا أن نحطم هذا الكأس، أليس كذلك؟”
“…….”
“أمسك به بسرعة، يكفي أن تلمسه حتى يضمحل.”
“…….”
“أركل؟ أسرع—”
“…اصمتي.”
صوت خالٍ تمامًا من أي انفعال، بارد حدّ الاستحالة.
كان كما في تلك المرة حين كاد السحر يبتلعه.
وحوله أخذت تحوم هالة سوداء ثقيلة.
أدركت غريزيًا أن الأمر خطير، لكنني لم أتراجع وقلت بحزم:
“تماسك يا أركل. لقد وعدت ألا تدع السحر يبتلعك.”
“…اصمتي. صداع مزعج يطرق رأسي….”
“أركل….”
“قلت لكِ اصمتي. وإن لم تصمتي فسأ….”
“استفق أيها الأحمق!!”
صرخت بقوة، فانتقل بصر أركل من الشرود في الفراغ إلى عيني مباشرة.
‘إن غبت عن رشدي، فأوقظيني حتى بالشتائم.’
قلت له بوجه صلب:
“أنت من طلب مني أن أشتمك، أليس كذلك؟”
“…….”
“أنا أوفيت بوعدي، فلا تكن أنت من يحنث بالوعد.”
ارتجفت عيناه فجأة، وأمسك رأسه بتوتر.
“آآغغ… أآآه… لِـ… ليزي….”
وقد عاد البريق المألوف إلى عينيه، وإن كان مضطربًا وضعيفًا.
“أركل، هل تسمعني؟!”
“…ليزي….”
“لا تقلق، سينتهي الأمر قريبًا.”
“…آهغغ…”
كنت أود لمسه ومداواته في الحال، لكن لو فعلت لما استطاع تحطيم الكأس. فعضضت على باطن شفتي حتى كدت أجرحها.
“أركل، حطّم الكأس الآن. عندها أستطيع أن أريحك من الألم.”
“…….”
ما زال قابضًا برعشة على رأسه، فأدنيت الكأس من عينيه.
“ها هو أمامك. أنت من قال إنك تريد ذلك بنفسك.”
“…أنا….”
“أنت من قال إنك تريد أن تحررهم.”
التفتُّ إلى سكان كيلستون الذين كانوا يتابعون المشهد من بعيد بقلوب واجفة. وانتقل نظر أركل إليهم أيضًا.
“…….”
كانت على وجوههم علامات الخوف والقلق، لكن معها بارقة أمل.
“آآآآغغغ… أووووه…!!!”
زفر أركل نفسًا مضطربًا وهو يعتصر رأسه ويطلق أنينًا ممزوجًا بالألم.
‘لا…!’
خشيت أن يفقد وعيه للسحر مرة أخرى، فمددت يدي نحوه.
كنت واثقة أنه لن يحتمل أكثر.
“…..!!!!”
وفجأة، فتح أركل عينيه بقوة، وانقضّ على الكأس من يدي.
سلمته إياه بلا مقاومة. وبمجرد أن لامست يده الكأس، انبعث منه ضوء ساطع وحرارة هائلة.
تذكرت لحظة عثورنا عليه أول مرة، لكنه حينها لم يكن سوى استجابة خفيفة للقوة المقدسة، أما الآن فقد بدا كأنه ينهار تحت طاقة لا تحتمل.
‘يا ترى… أركل، هل يحتمل هذه الحرارة؟’
البخار الكثيف كان يتصاعد من الكأس، وحرارته تتزايد لحظة بعد أخرى.
ومع ذلك ظل أركل قابضًا عليه بلا تراجع.
‘وهو يعاني أصلًا من فيض السحر في جسده…’
لكنه بدل أن يتركه، شدّ قبضته كأنه يريد أن يحطمه بالقوة.
العرق سال من جبينه، وأوردة يده برزت تكاد تنفجر.
“غغغغغ….”
بعيون متقدة، ظل يحدق بالكأس الباثق للبخار وهو يعتصره. تلألأت عيناه الحمراوان بوميض حاد.
تشرررخ—
وفي لحظة، ظهر صدع في الكأس الذي ظل عصيًّا على التغيير طوال الوقت.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 84"