لم يكن لديّ دليل، غير أن فكرة ما خطرت لي بغريزة فطرية.
‘K.’
لقد أخذ وجود الخصم الأخير في الأصل الذي لم يكن سوى احتمال غامض يصير أكثر وضوحاً شيئاً فشيئاً.
‘قرار جين بالانتقام في القصة الأصلية، وكذلك ما يحدث الآن… لم يكن محض صدفة.’
لا بد أن هناك من يتمنى زوال كايين بشكل مؤكد.
‘إذن، هل مارڤين هو K…؟’
لكن باعتبار مهنته كساحر، فالأرجح أنه يعمل تحت إمرة شخص آخر.
‘فهل كان مارڤين يتحرك بتحريض من بارون؟’
حتى الآن كان ذلك هو الافتراض الأقوى، لكني لم أستطع إيجاد رابط مباشر بين مارڤين وبارون.
‘ثم إن بارون كان محبوساً طوال الوقت. وحتى بعدما كُشف أن الكأس المقدسة موجودة في كيلستون… لم يكن بإمكانه إصدار أوامر.’
وبينما كنت غارقاً في التفكير شارد الذهن، سمعت صوت جيرونيمو:
“يبدو أن وقتي قد نفد الآن.”
“……؟!”
“ما أستطيع فعله يقف عند هذا الحد. أرجوكِ… أنقذي هؤلاء الناس…”
بدأ جسده يزداد شفافية شيئاً فشيئاً، والمساحة من حولنا راحت تتشوه ببطء.
من دون أن أجد فرصة للدهشة، سألت جيرونيمو بلهفة:
“كيف يمكن تدمير الكأس المقدسة؟!”
“…لا بد من قوة… معاكسة، قوة عظيمة.”
حتى صوته أخذ يضعف شيئاً فشيئاً.
“تقول إنه لا بد من قوة مناقضة لقوة الكأس؟ فهمت يا جيرونيمو!”
صرخت قبل أن يختفي تماماً، فابتسم جيرونيمو ابتسامة باهتة وقد بقي منه مجرد شبح شاحب.
“…أرجوكِ، أنقذيهم…”
“لا أعدك، لكني سأبذل جهدي.”
“حقاً… شكراً…”
وقبل أن يفرغ من كلماته الأخيرة، فتحت عيني فجأة.
‘…هل استيقظت؟’
كان سقف المبنى الخشبي يعلو رأسي.
المشهد نفسه الذي رأيته قبل أن أغفو.
نهضت بتثاقل ونظرت حولي، فلم يتغير شيء.
حتى السماء من وراء النافذة ما تزال مظلمة.
‘سيطلع الفجر قريباً… موعد إقامة الطقس.’
قبل ساعات قليلة كنت أنتظر الفجر بفارغ الصبر، لكن الآن كان شعوري ثقيلاً متخمًا بالكآبة.
‘بماذا سأواجه أركل…؟’
أفكار كثيرة تزاحمت في رأسي: حقيقة مارڤين، وكيفية تدمير الكأس… لكن أول ما خطر لي كان أركل.
“لن تقلق بعد الآن. ستتحرر أخيراً من هذا الألم.”
كنت قد زرعت فيه أملاً.
“ستنجو من العذاب الذي لازمك طوال حياتك. ألا يسعدك ذلك؟”
لقد جعلته يؤمن… وها أنا الآن لا أستطيع إلا أن ألوم نفسي على حماقتي.
“…نعم، أنا سعيد.”
لمجرد أنني استحضرت صورة أركل وهو يقول ذلك، شعرت برغبة في البكاء.
لماذا جعلته يأمل؟
‘سيحقد عليّ.’
بمجرد أن تملكتني تلك الفكرة، أحسست كأن قلبي سقط حتى أخمص قدمي.
‘ربما عليّ استخدام الكأس المقدس… على أية حال، أنا وحدي من تعرف الحقيقة…’
لكن قلبي الذي سقط للتو راح ينبض باضطراب.
‘لا يوجد أي سبيل آخر لشفاء أركل. إذا لم أنطق بشيء….’
وما إن بلغت تفكيري تلك النقطة، صفعت خديّ بكلتا يديّ.
‘حمقاء! أتريدين إذن أن يفقد أركل روحه؟’
كنت قد رأيت بوضوح كم بدا جيرونيمو الذي ظل أسيراً للكأس قرناً كاملاً بائساً وممزقاً… فكيف لي أن أسمح لأركل بأن يلقى المصير نفسه؟
‘ثم من أجل أهل كيلستون أيضاً.’
صحيح أنني لم أقطع وعداً صريحاً لجيرونيمو، لكن منذ أن سمعت منه أن تدمير الكأس سيحرر السكان، كنت قد حسمت أمري في داخلي.
‘هذا الكأس السخيف لا بد أن يُحطّم. حكماء هم؟ بأي حق يعبثون بالبشر هكذا بينما يزعمون أنهم يحققون أمنياتهم؟’
وفوق ذلك، كيف تجرؤ على محاولة جرّي أنا وأركل وكايين بأسره إلى شركك؟
‘سأقبض عليك بالأدلة الدامغة يا مارڤين وأشل حركتك تماماً.’
لكن أولاً، لا بد أن ألتقي بأركل قبل بزوغ الفجر.
‘أيمكن أنه ما زال يتدرب حتى الآن؟’
رغم أن الوقت تأخر كثيراً وربما خلد إلى النوم منذ زمن، غير أن إحساسي كان يقول لي إنه ما يزال هناك.
تسللت بهدوء خارج غرفتي، واتجهت نحو القاعة التي يتدرّب فيها الممثلون.
❖ ❖ ❖
كما توقعت، كان ضوء المصابيح يتسرب من بين فرجات الباب، وصوت يتلو بهمس بعض الجمل يتردد للخارج.
‘لو كنت أعلم أنه سيتعب نفسه بهذا الشكل لخفّفت من النص… لا، لا، لم يكن ذلك ليجدي.’
ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه قضى وقتاً طويلاً في التدريب، فإن مستواه لم يتحسن كثيراً.
‘لكنه حقاً يبذل جهداً مضنياً.’
يبدو أن باقي الممثلين كانوا قد استسلموا للنوم، وبقي أركل وحده يتدرّب.
ابتسمت حين سمعت صوته يتلو الجمل وحيداً بلا شريك يبادله الحوار.
وقفت للحظة أستمع، والابتسامة على وجهي.
كان أداؤه متواضعاً إلى حد أن العبارات المتهالكة التي نطق بها بدت بعيدة كل البعد عن الرومانسية، ومع ذلك، في تلك اللحظة شعرت أن الأمر كله غاية في العذوبة.
للحظة نسيت كل شيء آخر، وأرهفت السمع لصوته.
أحسست بالطمأنينة.
‘ينبغي أن أدخل الآن.’
لكن جسدي لم يتحرك بسهولة، مع أنني كنت أعلم أن عليّ إخباره بالحقيقة عاجلاً.
‘لا بد أنه سيلومني.’
عاد قلبي يثقل من جديد، كما لو كنت طفلاً مذنباً.
‘…….’
وأخيراً، وبعد أن استجمعت أنفاسي، دفعت الباب بقوة.
فجأة، رفع أركل بصره إليّ بدهشة، وقد كان يردد جُملاً لوحده في القاعة الخالية.
وعندما واجهت اللحظة حقاً، لم أعد أخشى أن يلومني أركل بقدر خوفي من أن يغرق في اليأس.
كنت مترددة في أن أفتح فمي، أنظر إليه فحسب، حينها وضعت كفّه الكبيرة على خدي.
“هل راودك كابوس؟”
سألني أركل بوجه متجهم.
حتى في هذه اللحظة كان قلقاً عليّ، ففاض قلبي فجأة وكدت أبكي.
“…نعم. كان حلماً مريعاً حقاً.”
“لا بأس.”
مسح بلطف عند عينيّ قبل أن أدرك أنني أبكي.
“لا بأس… لا بأس.”
راح يمرر يده على وجنتي ثم رفع خصلة متساقطة من شعري وراء أذني برفق.
“أنا هنا.”
“…….”
“إذن كل شيء بخير.”
بالطبع لم يكن الأمر بخير، لكن بدا وكأنه يعرف الحقيقة كلها، ومع ذلك يطمئنني.
عندها فقط شعرت بمرارة في أنفي وكدت أنفجر بالبكاء.
“…آسفة يا أركل.”
“ماذا تقصدين؟”
“ذلك الكأس… لا بد أن ندمّره. لم يكن ينبغي استخدامه منذ البداية. لو فعلنا لانتُزعت الأرواح.”
“…….”
“خذلتك، أليس كذلك؟ آسفة جداً… كنت أريد فقط أن أخلصك من الألم.”
“…….”
“آسفة، يمكنك أن تغضب مني.”
“إن كان كذلك…”
قال أركل بعد أن صمت طويلاً وهو يرمقني بعينيه.
“فأنت إذاً لم تحلمي كابوساً حقاً؟”
رمشت مرتبكة ثم همست:
“…لا.”
خفض بصره مبتسماً ابتسامة صغيرة.
“هذا يكفيني.”
‘يكفي ماذا بالضبط؟’
كنت قد حطمت أمله الوحيد للتو الأمل الذي تمسّك به، ومع ذلك يقول إن الأمر يكفي ما دمت لم أرَ كابوساً.
في تلك اللحظة لم أعد أدري هل أغضب منه أم أعتذر له.
“فإذاً… كيف ستواصل العيش في هذا العالم…؟!!”
خرجت كلماتي في صوت متوتر غامض، لا هو غاضب ولا هو ضاحك.
“بفتت….”
انفجر أركل ضاحكاً بخفة، عاجزاً عن كبح نفسه.
“أهذا وقت الضحك؟!”
“المعذرة… لكن…”
اقترب مني أكثر، ووجهه محمّر وهو يحدّق بي مباشرة.
“أنا سعيد جداً.”
“…….”
“هل كنتِ تقلقين عليّ؟ خشيتِ أن يخيي أملي…؟”
“طبعاً! ألستَ تشعر بخيبة؟”
“بلى… لكن ألم أقل لك منذ قليل؟”
ولمس طرف أنفي بإصبعه بخفة.
“هذا يكفيني.”
“…لا أفهم إطلاقاً ما الذي تقصده.”
“يكفيني أن أرى وجهك هذا يا زوجتي.”
“…….!”
كان يتحدث بوجه ضاحك وهدوء مدهش، حتى خُيّل إلي أنني تلقيت ضربة غير متوقعة.
“تلك جملتي أنا…!”
اعترضت بلهجة غاضبة قليلاً، فضحك أركل من جديد ضحكة عذبة صافية.
“بفتت… فهاهاها….”
نظرت إليه بعينين تقولان ‘لا أفهم ما يضحكك، لكن حسناً… اضحك كما تشاء’. وفي النهاية لم أتمالك نفسي وانفجرت ضاحكة بدوري، وإن لم أدرِ ما المضحك بالضبط.
نظر إليّ أركل وابتسامة لم تزل على وجهه، ثم سأل بصوت منخفض:
“إذاً… ماذا تريدين أن تفعلي الآن؟”
“…لا بد أن ندمّر كأس ڤاليرا. أريد أن أنقذ أهل هذه القرية.”
قصصت عليه كيف التقيت بروح جيرونيمو العالقة بالكأس، ورأيت من خلاله ما وقع في كيلستون قبل مئة عام، وكيف أن مارڤين مثير للريبة.
“…الفجر يقترب.”
“هل نأتي بذلك الساحر ونُجبره على الاعتراف بكل شيء؟”
“لا بأس. لدي طريقة للحصول على الدليل القاطع. دع الأمر لي.”
“حسناً. ولكن… لتدمير الكأس لا بد من قوة مناقضة له، أليس كذلك؟”
ألقى أركل نظرة إلى كفّيه.
بدا أنه يفكر بما أفكر فيه أنا أيضاً.
“صحيح. لا أحد سواك يستطيع فعل ذلك.”
“سأفعل.”
أومأ برأسه.
“إن كان بوسعنا تحرير أولئك الناس… فهذا أمر جيد.”
كان في ملامحه شيء من الحزن، لكنه بدا أيضاً كمن يحسدهم على ذلك التحرر.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 80"