“إذا خلطتَ دمك في هذا الكأس وشربته، فإن أمنية صاحبه تتحقق. هذه هي القدرة التي يحملها هذا الكأس.”
“…..!”
ارتجفت حدقة جيرونيمو في الماضي.
‘تماماً كما أخبرني مارڤين.’
وبما أنني كنت أعلم مسبقاً بقدرة الأثر المقدس، فقد راقبتُ رد فعله المتصنّع بالدهشة ببرود.
قال جيرونيمو الماضي بصوت مرتجف:
“إن كان ذلك صحيحاً… فهذا أعظم الأثار المقدسة الموجودة حالياً يا جلالة الإمبراطور.”
“كما تقول، هاها. ولكن هناك أيضاً قيود.”
‘هاه؟ هذا لم أسمعه من قبل.’
وإذ كان ذلك أول ما أسمعه ولم يخبرني به مارڤين من قبل، أصغيتُ أنا أيضاً بانتباه إلى كلام الإمبراطور.
“تأثير الأمنية يتجلّى بحسب روح صاحبها. هل تفهم ما أعنيه؟”
“… أي أنه مثلاً، حتى لو تمنى أحدهم قطعة من الذهب، فإن عجزت روحه عن ذلك فلن يظهر له سوى قطعة نقدية واحدة. حقاً إن الآلهة لحكماء. فلو لم تكن هناك مثل هذه القيود، لوقعت الكوارث منذ زمن…” ( باختصار مو اي حد تتحقق امنيته )
وأمام جيرونيمو الماضي الذي أخذ يفيض بالكلام دون تردد غارقاً في التفكير، هزّ الإمبراطور رأسه مسروراً.
“كما توقعت من الساحر العظيم، متميز حقاً.”
“لـ، لستُ كذلك يا جلالة الإمبراطور. هذا ثناء مبالغ فيه.”
“ولهذا أود أن أطلب منك شيئاً… هل تستطيع إزالة ذلك القيد؟”
“نعم؟”
حكّ الإمبراطور لحيته بهدوء.
“أقصد، ألا يمكنك إزالة هذا القيد غير الضروري؟”
“يا جلالة الإمبراطور، لكن… سيكون ذلك خطيراً جداً… فقد تتحقق أماني شاطحة، وإن وقع هذا الكأس في يد من يحمل أفكاراً خطيرة…”
“هذا ليس من شأنك أن تقلق بشأنه، ولن يحدث أمر كهذا.”
“لكن….”
“هذا الكأس–”
ارتجّ جسد جيرونيمو الماضي عند صدى الصوت الجهوري.
“سيصبح أعظم سلاح لهذه البلاد.”
“… سلاح… أتعني يا جلالة الإمبراطور…؟”
“لن يقع في يد أصحاب الأفكار الخطيرة. سيبقى استخدامه متوارثاً بين العائلة الإمبراطورية وحسب.”
‘ألا يُعَدّ هذا بحد ذاته فكراً خطيراً؟’
نظرتُ إلى الإمبراطور بعينين مبهوتتين.
ويبدو أن جيرونيمو الماضي كان يفكر مثلي، إذ عضّ شفتيه بوجه مرتبك.
كان واضحاً أن لديه ما يقوله لكنه كبح نفسه.
“ما أريد أن أسمعه منك شيء واحد فقط. هل تستطيع أم لا؟”
“…….”
“حسناً. سأجد شخصاً آخر. فهناك سحرة كثر غيرك. ومن الأفضل لك أن تبقى صامتاً بشأن الكأس المقدس.”
“…….”
“ولعلي أجد في هذه المناسبة شخصاً أنسب لمنصب كبير السحرة…”
“–أمتثل لأمر جلالتك…!”
“هم؟”
“سأمتثل لأمر جلالتك… وأبحث عن وسيلة لإزالة قيد الكأس المقدس.”
فانحنى جيرونيمو الماضي بعمق، بينما مسح الإمبراطور لحيته بارتياح وأطلق ضحكة عالية.
“هكذا يجب أن يكون. كما توقعت من كبير السحرة. ابدأ من اليوم، هاها.”
“… إنه ثناء مبالغ فيه.”
ابتسم جيرونيمو الماضي ابتسامة باهتة مقلداً ابتسامة الإمبراطور.
وأنا أراقب ذلك المشهد، وخزتُ جيرونيمو الذي بجانبي في خصره.
“كنت أظنك طيباً صافياً، لكنك بارع في فنون المجاملة على ما يبدو.”
“… لم أكن كذلك، وهذا هو أصل المشكلة.”
تمتم بصوت منخفض، وهو الذي ظل صامتاً طوال مشاهدته للماضي.
“إذ إنني، بعد أن أُوكل إليّ البحث، سرقتُ كأس ڤاليرا وفررت.”
وبتلك الكلمات، أظلم المكان من حولنا، وتحول إلى غابة ليلية حالكة بلا نجمة.
ثم دوّى صهيل الأحصنة وصوت حوافرها.
حصان يحمل شخصاً برداء فضفاض انطلق كالبرق عبر الطريق الغابي.
ومن خلفه، فرسان على خيولهم يطاردونه بشراسة.
“–يجب أن نمسك به مهما كلف الأمر!!”
وبعد أن ابتعدوا، خرج شخص من بين الأدغال.
كان جيرونيمو الماضي.
“أحسنتُ حين جعلتُ قريني يركب الحصان… أَه…”
كان يضغط على كتفه، جريحاً. وبتمعنٍ بدا واضحاً أن ثيابه غارقة بالدم، وخيط من الدم يسيل من جبينه.
“لا يمكن أن أُقبض… هكذا…”
وقبل أن يتم كلامه، انهار وهو يلهث بأنفاس متقطعة.
ارتبكتُ وأنا أنظر إلى طيف جيرونيمو بجانبي.
“ما العمل؟”
“لا تقلقِ. فلو كنتُ قد أُمسكت حينها، لما كنتُ الآن هنا أحدثك.”
“آه… لكن كيف…؟!”
“ها هي قادمة.”
أجاب جيرونيمو بكلمات غامضة وهو يوجه نظره إلى مكان ما.
وعلى امتداد بصره، بدت امرأة تحمل حقيبة ظهر ضخمة تمشي على الطريق الغابي نحونا.
اقتربت مذعورة حين رأت جيرونيمو الماضي ممدداً، فأخذت تهزه بسرعة.
“أ، أيها السيد…! استفق. ما الذي تفعل هنا….”
لكن حين لاحظت الدم العالق في يدها، بدت وكأنها أدركت أن الأمر أخطر مما تصورت، فتراجعت عنه.
نظرتُ بدهشة إلى المرأة المبتعدة، ثم عدت ببصري إلى جيرونيمو بجانبي.
كان ينظر إلى نفسه الماضي دون أن ينبس بكلمة.
“أه… جيرونيمو؟”
ناديتُه بصوت يحمل شيئاً من الحزن، لكن سرعان ما دوّى صوت متوتر غاضب.
“تبا، لا يهم! أيها السيد! النوم في مكان كهذا يعني نهايتك!!”
لقد عادت المرأة من جديد، فألقت ذراع جيرونيمو الماضي على كتفها، ورفعت جسده بصعوبة وهي تئن من الثقل.
“تباً… يجب أن أصلح هذا الطبع…”
وبينما كانت تسبّ وتلعن، تابعت خطواتها ببطء دون توقف، وجيرونيمو ظل يحدّق مطولاً في ظهرها وهي تمضي.
“لقد أخذتني إلى قريتها، وهناك كان…”
“كيلستون، أليس كذلك؟”
أومأ جيرونيمو بصمت.
وفجأة أشرقت الأنحاء، وتحولت إلى داخل كوخ صغير.
كان جيرونيمو الماضي ممدداً على سرير في زاوية الكوخ. جسده ارتجف قليلاً وهو يطلق أنيناً مكتوماً:
“آه…”
“استيقظتَ؟”
قالت المرأة نفسها التي حملته من الغابة، وقد دخلت الكوخ للتو ورأته يتحرك.
“…أين…؟ آه، أمتعتي…!”
وقبل أن يفتح عينيه تماماً، حاول جيرونيمو الماضي أن ينهض مسرعاً.
“وضعتها بجانبك. لم ألمسها، فلا تقلق.”
قالتها وهي تعيده بلطف إلى الفراش.
“…شكراً لكِ.”
“أنت في كيلستون. قرية أسفل جبل كروم، هل سمعت بها من قبل؟ حين رأيتك على الطريق كنت في صدمة… ظننت أن قلبي سيتوقف.”
“…ذلك… أنا…”
“يكفي، لا تتابع. لا أريد أن أتورط أكثر. أعذرني إن بدا هذا فظاً، لكن… هذه أقصى مساعدة أستطيع تقديمها.”
“لا… على العكس، أنا ممتن للغاية…”
ابتسمت له ابتسامة قوية كأنها تريد طمأنته.
“سأخرج الآن. سيأتي أخي بعد قليل وسيعطيك بعض الطعام. أما أنا فعليّ أن أذهب.”
ثم أضافت وهي تأخذ سكيناً صغيراً وبعض الأدوات قبل مغادرتها:
“اسمي لينا.”
نظرتُ إليها وهي تغلق الباب وتختفي، ثم التفتّ إلى جيرونيمو الماضي المستلقي بهدوء.
“لينا… لقد التقيتَ بإنسانة طيبة.”
“نعم. لكنها وإن كانت طيبة، لم أكن متأكداً إن كان يمكن الوثوق بها. لذا عزمت أن أغادر فور تعافي جسدي….”
“آه… مجدداً، ما الذي التقطته هذه المرة؟”
دخل شاب إلى الكوخ متذمراً، ووجهه بدا مألوفاً.
ارتبك جيرونيمو الماضي وهو يحدق فيه.
“أأنت… أخو الآنسة لينا؟”
“نعم، أنا أخ تلك المتهورة. هل فقدت عقلها؟ تقول لي أن أطعم غريباً مشبوهاً مثل هذا…!”
لكن الرجل كان يقطع رغيف خبز بيديه رغم تذمره.
“صيادة، ومع ذلك تلتقط كل ضال! مرة تجلب كلباً تائهاً، ومرة قطة… ألا يكفيها الحيوانات؟ بحق الجحيم. لقد قطّعت الخبز، خذه وكله.”
“شكراً جزيلاً… أيها الأخ الصغير.”
“اسمي كان.”
“كان؟!”
لم أتمالك نفسي، وصرختُ مكمماً فمي بيدي.
بالطبع لم يسمعني أحد.
‘إنه يشبهه! صحيح أن ملامحه مختلفة تماماً عما أعرفه، لكن… هذا هو كان حقاً!’
هذا هو كان الحقيقي إذن… لم أستطع أن أرفع عيني عنه.
كان في بشريته شاباً يافعاً في ريعان القوة، عيناه تتلألآن بالنور، وبشرتاه مفعمتان بالحياة، لا أثر لفساد أو عفن.
مجرد التفكير أن هذا الشاب المليء بالحيوية سيغدو كائناً بائساً بلا حياة، محكوماً بالخلود لمئة عام، جعلني أشعر بالانقباض.
“…لماذا لم تغادر؟”
“…….”
“قلتَ إنك سترحل فور استعادة قواك.”
سألته بخفوت، لكن جيرونيمو الشبح ظل صامتاً فترة.
وحين فرغ جيرونيمو الماضي من الخبز الذي ناوله له كان، تكلّم جيرونيمو الشبح بصوت منخفض.
“كنت أنوي الرحيل. أردت مغادرة هذا المكان لاستعمال كأس ڤاليرا.”
“كنت ستستخدمه؟”
“كنت أؤمن أن الأثر المقدس يجب ألا يقتصر على خدمة الإمبراطورية فقط… بل يجب أن يحقق سعادة البشر أجمع. أقسمت أن أنمّي قوتي الروحية لأمنح كل البشر السعادة القصوى. لذلك عزمت على السفر في سبيل التدريب… لكن…”
نظر جيرونيمو الماضي إلى لوحة بجانب السرير، مرسوم فيها كان ولينا معاً.
تبعه جيرونيمو الشبح بنظره إلى نفس اللوحة.
“لكنهم لم يسمحوا لي بالمغادرة. لا هي فقط، بل كل سكان القرية.”
تتابعت المشاهد سريعاً:
جيرونيمو يخطو ببطء متكئاً على كان ولينا…
لينا تعرفه إلى سكان القرية…
عجوز كان متحفظاً في البداية ثم حيّاه بحرارة…
أطفال ضحكوا من سحر بسيط أراه لهم…
شباب ينادونه باسم “جيروم” ويحادثونه بود…
كلها وجوه مألوفة غريبة في آن واحد.
‘ألم تكن كيلستون بهذا الشكل من قبل؟’
ما عرفته أنا كان بلدة رمادية كئيبة، أما في ذاكرته فهي نابضة بالألوان والحياة.
ثم ظهرت صورة لينا وكان وجيرونيمو يتناولون العشاء معاً في الكوخ.
“لينا، أنتِ دوماً تفعلين ما يحلو لكِ–”
“من الذي اصطاد هذا اللحم؟ طعمه رائع.”
اخاها يوبخها، وهي تتجاهله ببرود، وجيرونيمو يتدخل محرجاً ليدافع عنها، فيُوبخ هو الآخر.
اللهب الصغير يضيء وجوههم، يصنع مشهداً دافئاً كلوحة.
“دون أن أشعر، نسيت كل ما يتعلق بالكأس. بل وحتى ذلك الحلم عن السعادة المطلقة… لم أعد أبالي.”
“…….”
“أظن أن السعادة البسيطة أقوى من السعادة المطلقة.”
تمتم جيرونيمو وهو يراقب الثلاثة حول النار يتحدثون ويضحكون.
ابتسامته الخفيفة ما لبثت أن تجمدت شيئاً فشيئاً.
“ثم وقع ذلك الحدث.”
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 78"