نظرتُ إليه نظرة مرتابة للحظة، ثم سألته، فهزّ الرجل رأسه بتكرار.
“ن- نعم.”
مدّ يده المرتجفة نحوي.
وكان اقترابه مشهداً يذكر بأفلام الرعب: خطوٌة بعدها أخرى يقترب مني، ثم اندفع فجأة كما لو سيخطف كتفي دفعة واحدة.
“ذلك الكأس…! عليكِ أن تحطميه. حطميه من أجلنا. وإلا فسأفعل بك….”
“لحظة—!”
صرختُ وأوقفت حركته بيده الواحدة.
“أأنت شبحٌ ربما؟”
“ن- نعم. كيف عرفتِ ذلك…؟”
تنفست بعمق وهززت رأسي.
“يبدو كذلك من النظرة الأولى. هل تعتقد أنني لم أشاهد أفلام رعبٍ من قبل؟ هل أنا في حلمي الآن؟”
“نعم…”
“طبعًا. هذا كذلك أحد كليشيهاتها المألوفة. أليس من المدهش أن تظهر بهذه الطريقة نفسها بالضبط؟ لا جديد هنا. مبتذل للغاية. لا طعم ولا تجديد.”
بدى الرجل متأثرًا قليلاً من كلامي كأنما جرحت مشاعره.
ولم أُعر اهتمامًا لذلك، وسألته مباشرة:
“إذن، ما الذي تريد قوله تحديدًا؟”
حدق بي بوجهٍ مُنجمِد للحظة، ثم حاول استعادة هيبته وخفّض صوته قائلاً:
“الكأس التي حصلتِ عليها… احطميها. وإلا…”
“انتظر، انتظر. إن كنت ستتصرف بهذا الأسلوب فأنا لا أقبل.”
قلت ذلك بجدّية، فتراقصت حدقتاه بسرعة.
وضعت يدي على خصري ونظرت إليه بنوع من الاستهجان.
“من الناحية الدقيقة أنت الذي تطلب شيئًا مني، أليس كذلك؟ فلماذا تخاطبني بأسلوبٍ منادٍ؟”
“آه… هذا….”
“هذا ماذا؟ هل هذا مبرر يحتاج إلى تبرير؟”
“لا… ليس كذلك…”
ثم أضفتُ قاطعةً:
“وأمرٌ آخر. إن أردت إقناعي بفعل شيء فتُقنعني، لا تأمرني هكذا. فسّر لماذا عليّ تنفيذ طلبك، وما الفائدة العائدة عليّ إن فعلت. وبالمناسبة، اذكر من تكون بإيجاز.”
انكمش الرجل من شدّة كلامي، ثم جمع كفيه بأدب وقال:
“حسنًا، اسمي جيرونيمو لوب…”
“مهلاً لحظة!”
قاطعته بدهشة، فالتفت إليّ بنظرة مظلومة كأنه يريد أن يقول “لم أفعل شيئًا خاطئًا هذه المرة!”
‘جيرونيمو لوب… اسمٌ مألوف، أين سمعتُه…’
أغمضتُ عيني وتذكرت فجأة.
“آه!! طقس استحضار الأرواح!”
“م- ماذا؟”
نظر إليّ الرجل باستغراب. وأشرتُ إليه بيدي:
“الروح التي استدعيناها بطقس الاستحضار…! السّاحر الملكي الذي سرق كأس ڤاليرا… الذي مارس سحرًا محرمًا ولعن أهل كيلستون….”
“-لا! هذا ليس صحيحًا!”
قاطع الرجل كلامي فجأة وهو يصرخ، ثم تلوّى بوجوم واضح. تمتم متألمًا:
“لم ألقِ لعنةً… لم أكن… لم أقصد…”
أمسك برأسه وهو يهمهم بأنين، بدا عليه الألم الشديد.
حدّقتهُ بتشكّك وسألت ببرودة:
“أتنفي أنك فعلت ذلك؟ لكن السجلات الملكية تقول خلاف ذلك. وأنك اعترفت.”
“آآه…!”
انحنى مطويًا، يطلق صوتًا غريبًا بين البكاء والضحك. سألتُه مرة أخرى:
“أحقًا لم تفعل ذلك؟”
“ق-قلت لكِ لم أكن أقصد أبدًا… لم أفعل ذلك عن عمد…”
“هاه. هل تقول إنك لم تقصد أن تقتلهم؟”
لم أتمالك نفسي فالتقطتُ نبرة ساخرة بلا وعي.
“هل تعرف كيف يعيش هؤلاء الناس هنا؟”
“…….”
“حين جئتُ إلى هذه القرية أول مرة، قال لي أحدهم إنهم فقدوا كل شيء لكن لا يستطيعون الاندثار.”
“…….”
“على مدار أكثر من مئة عام، لقد قتلتَ هؤلاء الناس مئات المرات.”
“…….”
“هل يصلح أن تُقدّم حجة ‘لم أكن أقصد’ لتبرّر القتل؟”
“أ-أنتِ لا تدرين شيئًا…!!”
قاطعني جيرونيمو الذي كان منهكًا ومنحني الظهر فجأة وصاح ثم انقضّ عليَّ.
حدّق بعينيه واسعة وامسك بكتفي.
“لم أقصد أبدًا أن تكون النتيجة هكذا…!”
“على أي حال، فهذه هي النتيجة.”
لم أكن خائفة من نظراته الجامحة تمامًا، لكن شيئًا في داخلي رفض الاستسلام، فارتسم على شفتيَّ طرف ابتسامة شاحبة.
ربما لأنني راقبت أهل كيلستون طويلاً، فقد كنت أهمّ بمخالطة أشباحٍ بفضولٍ ما، لكن هذا الشبح الوقح بدا لي حقًا بغيضًا إلى حدٍ لا يُطاق.
“لو أردتَ قتلي فسيكون الأفضل أن تتيح للناس في القرية أن يموتوا أولًا، ثم تنتحر بعد ذلك. على الأقل سيبدو ذلك نوعًا من الاعتذار.”
“أ…أ…!”
راح جيرونيمو يحدق بي بعينين جاحظتين كأنه سيقتلني في الحال، وضغط على كتفي بقوة أكبر.
“اقتُلني إذن. لكن إن كنتَ صادقًا في ندمك، فأعد القرويين إلى بشر يمكنهم الموت حقًا.”
نظرتُ إليه بنظرة ازدراء، فخفّ ضغط يده على كتفي شيئًا فشيئًا، ثم انهار جالسًا على الأرض وهو يمزق صدره بيديه ويصرخ باكيًا.
“آه… آه… أعلم… أعلم أن ما فعلتُه لا يُغتفر…! لا يمكن… لا يمكن أن يُغفر أبدًا… آه… سامحيني… لم تمر عليّ لحظة طوال مئة عام دون ندم…”
جلس منكمشًا يجهش بالبكاء طويلًا، بينما كنت أراقبه في صمت.
“…أعتذر… آه… أعتذر حقًا…”
“…….”
حتى بعد أن هدأ نحيبه، ظل عاجزًا عن النهوض طويلًا.
“إذن، ما قصة تحطيم الكأس التي تحدّثت عنها؟”
بادرتُه بالكلام، فرفع جيرونيمو رأسه لينظر إليّ.
وعلى الرغم من كونه روحًا ميتة، كانت عيناه متورمتين من كثرة البكاء.
“شبح يبكي… سأعترف أن هذا جديد عليّ.”
“…….”
ظل يحدق بي بصمت، ثم نهض ببطء.
“ليزي أليهايم… أنتِ التي أيقظتِ الكأس، أليس كذلك؟”
“ليزي كايين.”
صححتُه بحزم، فأومأ جيرونيمو.
“ليزي كايين… بفضلك أيقظ هذا الكأس، وتمكنتُ من الحديث معكِ. سأخبركِ بكل شيء… كيف انتهى بي الأمر لاقتراف جريمة كهذه، ولماذا أطلب منكِ تحطيم الكأس.”
وبينما يتحدث، تبدّل المشهد من خلفه: الفراغ الأبيض الذي كنا فيه انقلب فجأة إلى مكتبة واسعة.
رفوف كتب شاهقة متصلة بسلالم لا تنتهي، وأشخاص يرتدون نفس زيه يسيرون في الأرجاء.
تطلعتُ حولي بدهشة، فقال مطمئنًا:
“ما ترينه مجرد انعكاس من الماضي. لا تقلقي، فهم لا يروننا.”
“أين نحن الآن؟”
“نحن في مكتبة القصر. كنتُ أقضي فيها أكثر من نصف وقت عملي.”
وما إن انتهى من قوله، حتى مرّ أمامنا رجل يحمل ذراعًا مكدسة بالكتب.
“…! ذلك الرجل…”
“…إنه أنا قبل مئة عام.”
كان وجهه مطابقًا لوجه جيرونيمو، غير أن شعره الطويل كان مربوطًا بإحكام، وملامحه أكثر شبابًا وإشراقًا.
نظر جيرونيمو الواقف إلى نسخة الماضي منه بعينين يملؤهما الأسى.
وفجأة، نادته امرأة متوسطة العمر ترتدي زي السحرة ذاته:
“يا جيروم! أأنت تقرأ من جديد؟”
كانت على ما يبدو زميلة له.
التفت جيرونيمو الشاب مبتسمًا ابتسامة مشرقة وقال:
“آه، نعم…! كنت ذاهبًا لقراءتها في غرفة أبحاثي الخاصة.”
“لقد انتهيت من البحث الذي كنت تعمل عليه، ألن تستريح قليلًا؟”
“نعم، سأستريح… هكذا!”
ورفع الكتاب بابتسامة عفوية.
ضحكت المرأة بخفة وهزت رأسها.
“أجل، بالنسبة إليك الراحة تعني القراءة. فقط لا تُرهق نفسك.”
“شكرًا على اهتمامكِ يا كارلا.”
“ألن تذهب للقصر مساء اليوم لمقابلة جلالة الإمبراطور؟ هذه المرة لا تتأخر.”
“لا تقلقي.”
ابتسم مودعًا وهو يترنّم بلحن صغير ويغادر المكتبة.
تبدّل المشهد مرة أخرى، فإذا به يجلس إلى مكتب ضخم غارق في الكتب.
كان يقرأ في تركيز شديد، ثم أغلق الكتاب وتنهد بأسى:
“لم أجد شيئًا بعد هذه المرة أيضًا…”
سألت بفضول:
“ماذا تقصد؟”
أجاب جيرونيمو، وهو يراقب صورته القديمة بنبرة منخفضة:
“كنتُ في ذلك الحين أحمل همًا واحدًا… كيف يمكن أن أُزيل الحزن من هذا العالم.”
“…….”
“لقد كانت حياتي سعيدة. لم أواجه صعوبات تُذكر، وعملي كساحر ملكي كان يناسبني، وكنت فخورًا بقدراتي. ولأنني عشت بتلك السعادة، أردتُ أن يحيا جميع الناس مثلها.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، ونظرته يملؤها المرارة:
“يا لها من سذاجة…”
وبينما كنتُ أنظر إليه صامتة، انتفضت صورته القديمة فجأة:
“آه! كارلا أوصتني ألا أتأخر عن الموعد!”
جمع أوراقه على عجل وهرول خارج الغرفة. وإذا بالمشهد يتبدل مرة أخرى.
كنا الآن في قاعة عرش شاهقة السقف، مزخرفة بعظمة.
ركع جيرونيمو الشاب على ركبة واحدة أمام رجل مسنّ بدا بوضوح أنه الإمبراطور.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"