“أحفر الأرض أكثر؟ وأنت أيها اللعين لا تحرك حتى إصبعاً وتجلس هناك ساكناً…!!”
“لاكو، لقد قلت لك. أنا الآن في حالة إنهاك تام، جسداً وروحاً.”
“اصمت!! إن أردت الحفر فاحفر بيديك! فأنا أيضاً عملت دون توقف!”
“لا تصرخ. صبري بدأ ينفد الآن…”
“أتجرؤ على تهديدي-!”
صرخ لاكو وقد هاج، وانقضّ على مارڤين الذي كان جالساً منهكاً على الأرض.
غير أنّ يد لاكو الممدودة نحو مارڤين توقفت في الهواء.
مارڤين الذي كان يحدق فيه بصمت، نهض مترنحاً.
فصرخ لاكو وقد تجمّد جسده غيظاً:
“أيها الوغد، أتجرؤ أن…!!”
“لن أتحمّلك أكثر من هذا.”
“آه…!”
“كلاكما توقف.”
التفت كلٌّ من لاكو ومارڤين إليّ في اللحظة نفسها.
“لستُ ممن يرغبون في تحمل مثل هذه الأفعال.”
“يـ، يا سيدتي الحاكمة…!”
“آه… أعتذر يا مولاتي.”
كان مارڤين أسرع من أدرك الموقف، فانحنى معتذراً على عجل.
ولعله حلّ السحر الذي ألقاه على لاكو، إذ تحرّر جسده المتجمد وأصبح قادراً على الحركة.
ومنذ أن وقع بصره عليّ لم يدرِ ما يفعل، وظل يترقب نظراتي بارتباك.
“يا سيدتي الحاكمة، أنا….”
“أكرر اعتذاري. لقد فقدت رباطة جأشي للحظة من شدة الإرهاق.”
قالها مارڤين معتذراً مرة أخرى بأدب جم، فأجبته ببرود:
“لن أثير الأمر هذه المرة، لكن إن تكرر فلن أمرره أبداً.”
“سأضع ذلك نصب عيني يا مولاتي. شكراً لعفوك.”
“لقد أخطأت…! أرجوك سامحيني يا سيدتي الحاكمة…!”
ولأنني رأيت أن الجدال لم يعد إلا مضيعة للوقت، انتقلت مباشرة إلى صلب الموضوع:
“إذن، هل عثر أحدكم على كأس ڤاليرا؟”
“…….”
“…….”
تبادل لاكو ومارڤين النظرات، ثم فتح مارڤين فمه متردداً:
“في الحقيقة… كان ذلك سبب خلافنا. لم نعثر على شيء، لا في باطن الأرض ولا في داخل النافورة.”
“ذلك الوغد أمرني أن أستمر في الحفر! مع أنني كنت أعمل بلا توقف…!!”
صرخ لاكو محتجاً وهو يشير إلى مارڤين.
“خدمة سيدتي الإلهة ليست مرهقة أبداً. لكن ذلك الرجل… يجلس متعجرفاً، ويحاول أن يأمرني…!”
“كما قلت لك، يا لاكو، لقد استنفدت قوتي الذهنية والجسدية كلياً.”
قال مارڤين بنبرة هادئة كمن يريد إنهاء النزاع:
“وأنت تعلم، أليس كذلك؟ كم تتطلب العين السحرية من تركيز هائل.”
“تبا، لو كنت أنا مكانك لما أرهقني استخدامها تلك المدة القصيرة. يالضعفك.”
“حسناً، حسناً.”
بدت على مارڤين علامات أنه بدأ يستعيد هدوءه شيئاً فشيئاً، حتى وهو يتجاوز سخرية لاكو اللاذعة.
“إذن النتيجة أنه لم يُعثر على كأس ڤاليرا. لا في الأرض، ولا في النافورة، ولا حولها.”
“أتقصدين يا مولاتي أنك أيضاً….”
“نعم، لم أجد شيئاً.”
أخرجت لساني بتعب وملامح الإحباط تكسو وجهي.
“أرى….”
ارتسم الوهن على وجه مارڤين كذلك.
“أعتذر يا سيدتي الحاكمة…! سأعثر عليه مهما كلّف الأمر!”
قال لاكو بلهفة وهو يلتقط المعول عن الأرض:
“لا تحزني. إن واصلنا الحفر قليلاً فسوف نجده حتماً…!”
“يكفي يا لاكو. لقد حفرنا بما يكفي. المكان حول النافورة صار كله حُفراً، لم يعد هناك موضع آخر.”
“إذن… ما الذي ينبغي علينا فعله الآن، يا سيدتي الحاكمة؟ نرجو أن تأمرينا….”
أدرت بصري نحو مارڤين في صمت، لكنه بدا حائراً بدوره.
“أيمكن أن يكون الموقع خطأ؟ ربما لم يكن التمثال هذا هو العلامة المقصودة…”
“لكن لاكو أكد أنه رآه بعينه.”
“صحيح، وأنا أيضاً وجدت الشبه كبيراً. لكن في الواقع، لاكو لم يرَه مباشرة، بل استعار منظور من أخفى الكأس، ولهذا قد يختلف الإدراك.”
ويبدو أن مارڤين قد تخلّى مؤقتاً عن حجة أن الأمر كان مجرد إلهام عابر يقوده إلى الموقع. ثم تناول المجرف من يد لاكو وقال:
“خذي مثلاً هذا المجرف، نحن نعرفه لأنه من أدوات زماننا. لكن بعد مئة عام، إن اندثرت الزراعة، فقد يختفي وجوده تماماً.”
“بمعنى أن العلامة ربما كانت شيئاً لا يعرفه إلا أهل ذاك العصر؟”
“بالضبط.”
فكرت ملياً في كلامه.
“الاحتمال وارد… لو كان بوسعنا أن نسأل صاحبه مباشرة. مارڤين، أليس في وسعك أن تستدعي روحه من جديد باستعمال استحضار الأرواح؟”
“ذلك ليس مستحيلاً، لكنه بالغ الخطورة. فاستحضار الأرواح يخالف قوانين الطبيعة، وإن استُدعيَت الروح نفسها مرتين فقد تتحول إلى شيطان يستولي على جسد بشري.”
تذكرت ما قاله لي حين كشف لي الامر في قصر كايين، حين أكد أن استحضار الأرواح ليس بالسوء الذي يظنه الناس.
لكن يبدو أنه في الحقيقة سحر خطر للغاية.
“هُمم… إذن…”
وبينما كنت ألمس ذقني مفكرة، إذا بلاكو يرفع يده فجأة بحماس.
“أنا سأفعلها.”
“هاه؟”
“سأستدعي الروح مجدداً إلى جسدي! كي أجعل سيدتي الحاكمة سعيدة…!!”
“لا، يا راكو. لقد سمعت بنفسك، هذا خطر جداً.”
“لست أخشى مثل هذا! إن مهمتي هي خدمة سيدتي الحاكمة، ولو ظللت أحتسب كل المخاطر فلن أؤدي ولائي لكِ ما حييت.”
“قلت لك لا. لا ضمان أن تستجيب الروح مجدداً، وقد تُسلب جسدك.”
“ألم أقل؟ أنا لست ضعيفاً مثلك لأتعب من أمر كهذا. حتى لو سُلب جسدي فلا يهم. فأنا لست سوى عبدٍ لسيدتي الحاكمة.”
تنهد مارڤين زافراً أنفاساً قصيرة، ثم نظر إليّ برجاء أن أوقف لاكو.
‘هُمم… ربما…’
فكرت قليلاً ثم قلت:
“حسناً. سنستدعي الروح.”
“هل سمعت يا لاكو؟ مولاتي تقول بنفسها إن الأمر… ماذا؟!”
قال مارڤين وهو يطرف بعينيه غير مصدق.
“أتقصدين أن تستدعي الروح فعلاً؟”
“تماماً.”
ابتسمت برفق، فازدادت حيرته.
“لكن، كما أوضحت… ثمة خطر أن يُسلب الجسد، ولإتمام التلبس على الوجه الصحيح هناك أشياء لازمة. لذا…”
“اصمت أيها الجبان!! هذه مهمة أوكلتها إليّ سيدتي الحاكمة! اجلس متفرجاً كما كنت!”
قاطعه لاكو كلامه بوجه متعالٍ.
“سأبدأ حالاً يا سيدتي. راقبي جيداً، سأستدعي الروح في جسدي.”
“انتظر، يا رلكو.”
التفتُّ إلى مارڤين وسألته:
“مارڤين، هل يمكن للروح أن تتلبس غير كائن حي؟”
“ليس مستحيلاً، لكن… ما الفائدة من ذلك؟ إذ لن يكون هناك سبيل للتواصل.”
“ليس الأمر كذلك.”
أجبت مبتسمة وأنا أهز رأسي.
“مولاتي الحاكمة، دعيني أفعلها! خدمتك غايتي. لا تتخلي عن الأمر بسببي!”
ظن لاكو أنني أريد التراجع عن استحضار الروح خوفاً عليه.
“أنا لا أتراجع عن استدعاء الروح يا لاكو.”
“هاه؟ إذن…”
“ما الذي تنوين فعله يا مولاتي؟”
سأل كلٌّ من مارڤين ولاكو بدهشة.
“سنقوم بالاستحضار هنا، لكن لا ليتلبس الروح جسد لاكو أو مارڤين…”
ثم التقطت غصناً سميكاً متيناً من الأرض.
“بل ليتلبس هذا الغصن!”
“ماذا؟!”
“عفواً؟!”
ردّا معاً بدهشة.
قال مارڤين متردداً:
“مولاتي، أعذريني… لكن إن تلبست الروح غصناً، فلا أعلم ما الجدوى.”
“الجدوى واضحة. ما دامت الروح مستحضَرة، سنتحدث إليها.”
“لكن… إنه مجرد غصن!”
ضحكت بخفة وأوضحت خطتي.
ومع الإصغاء بدأت ملامح الدهشة على وجهيهما تتحول إلى ترقب وأمل.
“ربما ينجح هذا…! كيف لم يخطر هذا ببالنا في برج السحر من قبل؟”
“كما توقعت، أنتِ أهل لأن أخدمك.”
قلت بحزم:
“فلنبدأ فوراً. كيف تجري التعويذة؟”
“عادة نحتاج إلى شيء من أثر الميت، أو شيئاً كان يحبه… لكننا نفتقر لأي أثر. إذن علينا الاعتماد فقط على المانا.”
تغير وجه مارڤين قليلاً بالقلق.
“في البرج كان هناك سحرة آخرون يساندونني، أما الآن… لا أدري هل أستطيع وحدي.”
“سيكون الأمر بخير.”
“صحيح. وقد تكرمتِ بابتكار حل رائع، فلا بد لي من النجاح.”
ابتسمت وقلت:
“بل لديّ فكرة. أذكر أنني قرأت في الوثائق قبل مجيئنا أنه كان يحب بعض الأطعمة.”
بحثت في ذاكرتي:
“الاسم… جيرونيمو لوب. وكان طعامه المفضل الفطر المشوي، والسمك المشوي، والخمر… لماذا دوّنوا مثل هذا؟”
كنت قد حسبت ذلك تفصيلاً بلا فائدة، ولم أتوقع أن ينفعنا الآن.
“لاكو، اذهب إلى القرويين واحضر فطراً مشوياً وسمكاً مشوياً وبيرة. وإن لم تجد، فلتقط بعض الفطر على الأقل. أما أنت يا مارڤين، فأعدّ الغصن لتتلبسه الروح. وحين نجهز… سنبدأ.”
“أمرك يا سيدتي الحاكمة!”
“كما تأمرين يا مولاتي.”
فانطلق لاكو نحو بيوت القرية، وأخذ مارڤين الغصن مني وأغمض عينيه يتلو التعويذات.
‘بهذه الطريقة، سننجح.’
وضعت يدي خلف ظهري وانتظرت بصبر.
❖ ❖ ❖
“يا سيدتي الحاكمة، أحضرت الفطر والسمك المشوي.”
قالها لاكو وهو يضع ما جلبه بين يديه.
ويبدو أنه استطاع الحصول عليها بسهولة لأنه عاش بعض الوقت في كيلستون.
“أما الخمر، فلم أجده في أي مكان…”
“هذا يكفي. أحسنت يا لاكو.”
وضعت الطعام على صخرة كبيرة قريبة.
‘في حياتي السابقة… كانوا يسمون هذا مائدة التضحية…’
كنت أفكر أن لو وُجد حاجز خلفي لكان المشهد كاملاً، حين اقترب مارفين قائلاً:
“انتهيت من التلبس.”
وهو يناولني الغصن بحذر.
“جيد. فلنبدأ إذن؟”
نظرت إلى لاكو ومارڤين على التوالي، فأومآ برؤوسهما بجدية.
رسمت على الأرض كلمتي “نعم” و”لا”، وخطاً بينهما، ثم وضعت طرف الغصن على الخط. وقلت بصوت مهيب:
“أيها الروح… هل حضرت إلى هذا المكان؟”
****
تذكرت تشارلي لمه كنا بنستحضره في المدرسه بموتتتت😭
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 73"