تمتمت بالاعتذار على عجل وقد أربكني الموقف، لكن ما إن وقعت عيناي على وجهه حتى أفلتت منّي كلمات عجيبة.
“حقًّا، البطل لا بد أن يكون هذا الرجل.”
“عفوًا؟”
ارتسمت الحيرة على محيّا أرْكِل، غير أنّي أومأت بثقة تامّة.
إن ملامحه التي تتجاوز حدود الواقع، بل تكاد تكون فوق الواقع نفسه، كفيلة بأن تجعل أشهر نجوم السينما في حياتي السابقة يطأطئون رؤوسهم خجلاً.
أن يُحرَم وجه كهذا من دور البطولة… ذلك جُرم في حق الإنسانية.
بل بدأت أشعر أنّ من واجب البشر أن يتقاسموا النظر إلى هذا الجمال مع أكبر قدر ممكن من الناس.
‘حسنٌ، فمهما كان أداؤه ضعيفًا فملامحه قد تعوّض— لا، لا يمكن أن تغطي العيوب كلّها.’
حين تذكّرت أداءه في التمثيل، بدا من الأفضل أن أطوي الفكرة تمامًا.
‘إذًا… فلنجعله يجسّد شخصية قليلة الكلام! فما من مأزق إلا وله مخرج.’
وبينما أحسم أمري في داخلي، رمقته بنظرة حاسمة.
“أرْكِل، أما ترغب أن تكون بطل فيلمي؟”
“…..!
اهتزّت عيناه ارتجافًا خفيفًا.
قد يبدو لغيري بلا انفعال، لكن بعد أن قضيت بعض الوقت إلى جواره استطعت أن أقرأه.
هذا ارتعاش فرح لا شكّ فيه.
وبينما يحدّق بي للحظة، جثا فجأة على ركبة واحدة، ثم ألصق قبضته اليمنى إلى صدره.
“إن عهدتِ إليّ بذلك… فسيكون شرفًا لي.”
كان صوته مهيبًا جليلًا، كأنّه على أهبة القسم.
بدا واضحًا من سلوكه أنه لا ينوي بأي حال التفريط في هذا الدور.
يبدو أن وقع خيبة الأمل من فشله في كل تجارب الأداء الماضية كان ثقيلًا عليه.
قهقهت بخفّة وأضفت:
“لكن تذكّر، الشخصية قليلة الكلام، لا تتحرّك كثيرًا، ولا تُكلَّف إلا بأن تكون جميلة فقط… هل يناسبك ذلك؟”
تأمل لحظة ثم قال:
“إذن لا بد أنه رجل رصين وقور، لا يلهو بكلام فارغ ولا بحركات عبثية. سأبذل غاية جهدي.”
ثم ما لبث أن تجعّد جبينه قليلًا بتردّد:
“غير أنّ موضوع الجمال… لا أستطيع أن أعدكِ به.”
“آه، لا تقلق! كل ما عليك أن تفعله هو أن تكون على سجيتك فحسب، فلا همّ عليك.”
“على سجيتي؟”
بدا الارتباك على وجهه، لكني طبطبت على كتفه مطمئنة:
“فالجمال… أنت تؤدّيه الآن على خير وجه.”
“إذن، وقد حُسمت شخصية البطل، فلننطلق بسرعة! هل تساعدني؟”
“على الرحب.”
دخلت غرفتي مباشرة وشرعت في صياغة الخطة، متخذة من أرْكِل شخصيّة محورية ألهم بها المشروع.
“آه! لو ارتدى هنا ثوبًا كهذا… ورُبِط بالحبال في هذا المشهد فسيبدو رائعًا، أليس كذلك يا أرْكِل؟”
“بالطبع.”
كان يوافق على كل ما أقترحه، لا لأنّه يفقه مرادي، بل لرغبته الشديدة في التمسّك بالدور.
‘أخيرًا فرصة مشروعة لأوجّهه كما أشاء!’
وبينما أدوّن المشاهد التي لطالما وددت رؤيتها، وجدت أن نصف السيناريو قد اكتمل بالفعل.
بل لم يعد واضحًا إن كان ما أكتب قصّةً فعلية أم مجرد خواطر شخصية متجسّدة.
“شكرًا لك يا أرْكِل. بفضلك أنجزته بأمان.”
وبعد ساعات، كنت قد انتهيت من مسوّدة الخطة.
الميزانية أقل مما توقعت… يا للخسارة! كنت آمل في تمويل وفير.
لكن إن كان الأمر كذلك، فسأجعل الأزياء والديكورات أفخم ما يمكن.
ما دام بإمكاني الاستفادة، فلأفعلها إلى أقصى حد.
“إذن سأعدّ الميزانية وأرفع الطلبات للآنسة مارثا. ثم نرحل مباشرة إلى كيلسْتون.”
“وهل سيكون التصوير هناك أيضًا؟”
“نعم. مجرّد التفكير بلقاء السكان مجددًا يجعلني متحمّسة. تُرى إلى أي حد تحسّنت مهاراتهم في التمثيل؟”
لقد أنشأ سكّان كيلسْتون مسرحًا حقيقيًا لمتابعة التدريب على الأداء، وما زالوا يواظبون عليه.
أرسلت إليهم مؤخرًا مجموعة كبيرة من المسرحيات الكلاسيكية ليتدرّبوا عليها فابتهجوا بها كثيرًا.
“كان بينهم من يملك موهبة حقيقية… والآن، بعد كل هذا الوقت، لا بد أنهم صاروا أفضل بكثير. أشعر بالحماس.”
“…….”
لكن بدا لي أنّ وجه أرْكِل أظلم فجأة.
ظلّ صامتًا لحظة ثم سألني بتردّد:
“هل لي أن أسأل… ما شروط الممثّل البارع في رأيك؟”
“همم… الأساس هو مخارج الصوت بلا شك. فإيصال الحوار أهم شيء.”
“النطق… الإلقاء.”
تمتم وأومأ برصانة.
“مفهوم. إذن أبلغيني حالما تحدّدين موعد الانطلاق.”
ثم غادر الغرفة، وحتى ظهره بدا مثقلًا بالجدية.
وبعد برهة، تناهى إليّ صوته من بعيد:
“همم! همم همم…! آه— آه—!”
يدرّب حنجرته.
لم أتمالك نفسي فضحكت بصوت خافت.
‘هل شعر بالضغط؟ لا داعي لذلك أبداً…’
فكما قلت، الدور الذي خصصته له لا يتطلّب أي براعة في التمثيل، بل غايته أن يُبرز جماله فحسب.
عليّ أن أنجز ما تبقى من أعمال بسرعة لأتفرغ لكتابة السيناريو.
دخلتُ مباشرة في إعداد ميزانية تفصيلية بالاعتماد على الخطة، من أزياء وديكورات وحتى أفراد الطاقم.
وحين تذكّرت أن أرْكِل صار الممثل هذه المرة، أدركت أني أحتاج إلى مساعد مخرج آخر.
لم أحتج إلى طول تفكير.
‘هو الأنسب.’
بلا تردّد دوّنت اسم هوان في خانة المطلوبين.
‘دقيق، ويتقن التعامل مع حجر التصوير، ويجيد ضبط الناس… إنه الأمثل!’
لم أستأذنه بعد، لكن لا بأس، فالرحلة إلى كيلسْتون قد تُعدّ إجازة له أيضًا.
وبعد أن سلّمت الميزانية المكتملة لمارثا، ناولتني كتابًا عتيقًا.
كان وثيقة صادرة عن البلاط الإمبراطوري، تحوي معلومات عن الساحر الذي ألقى بلعنة على كيلسْتون قبل مئة عام.
‘ولا شك أنه هو نفسه من سرق كأس ڤاليرّا…
كنت أفكر، فإذا بمارثا تعقد حاجبيها قائلة بامتعاض:
“لقد كان من العسير أن أحصل على الإذن. لولا أن المشرف على الأرشيف مقرّب من بارون كلارك لما نجحت… يقول إن هذه الأوراق تكاد ترقى إلى مصاف الأسرار العظمى.”
قلت متأملة:
“لعل ذلك بسبب هول ما جرى آنذاك.”
“ستفهمين حين تقرئين بنفسك.”
“شكرًا لكِ يا آنستي مارثا.”
عدت إلى غرفتي وأخذت أطالع الكتاب، فما لبثت أن انكشف لي مقصودها.
“ماذا؟! كان كبير سحرة البلاط؟!”
‘إذن يحقّ لهم أن يعدّوه من أسرار الدولة.’
ساحر مجنون مارس السحر المحرّم ولعن قرية بأسرها… وكان موظفًا في البلاط الإمبراطوري!
“والأدهى أنه في الأصل كان كاهنًا…”
ما الذي حمله على ارتكاب فعل بتلك الوحشية ضد سكان كيلسْتون؟ تُرى هل ثمة من لا يزال يتذكره بينهم؟
“اسمه… جيرونيمو لوب. رجل في متوسط العمر، طعامه المفضّل الفطر المشوي والسمك المشوي والخمر… ما الحاجة إلى تدوين هذه التوافه؟”
أما باقي المعلومات فكانت عن محاكمته والحكم الصادر بحقه.
الجريمة كانت من الفظاعة بحيث لم يجدِ أي دفاع، وأجمع القضاة على إعدامه.
وفور تنفيذ الحكم، أُزيلت كل السجلات المتعلقة به من أرشيف البلاط، ولم يبق إلا هذا الكتاب.
‘إذن لن أجد مصدرًا آخر للمعلومات.’
تمطيت وأغلقت الكتاب.
ورغم شحّ المصادر فقد حصدت ما يكفي.
‘إن كان هذا الرجل ساحر البلاط، فمن الطبيعي أن يتمكن من الاستيلاء على الكأس المقدس.’
ازدادت احتمالية أن يكون هو السارق.
‘جيد. لم يبق إلا الذهاب إلى كيلسْتون والبدء بالبحث جديًا عن الكأس. أعرف موضعه، فلن يكون عسيرًا. وما تبقى…’
أخرجت آلة كاتبة ووضعتها على مكتبي، وقد اقتنيتها بثمن كبير من أرباح «رحلة البحث عن الكأس المقدس».
“بقي أن أكتب السيناريو!”
والأفضل أن أسرع في إتمامه كي أرحل إلى كيلسْتون.
يبدو أن مخالطتي لمارثا جعلتني دون أن أشعر أهوى إنجاز الأمور على وجه السرعة.
“هممم… العنوان سيكون “هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم؟”… تبدأ المشاهد بقرية مظلمة، ورجل يسير في العتمة.”
❖ ❖ ❖
في صباح اليوم التالي.
“…وهكذا تقول المرأة ‘هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم؟’ انتهى.”
قضيت الليل أكتب بجنون حتى وضعت النقطة الأخيرة.
“هاه…”
وانهرت على المكتب من شدّة الإرهاق، وجهي مطبوع على الخشب.
ثم شددت الحبل المنسدل لأستدعي أحد الخدم.
“رجاءً انسخوا هذا في عدة نسخ… وأخبروا هوان، مساعد المخرج الخاص بي…”
بعدها غبت في نوم عميق حتى لم أعد أذكر شيئًا، ولمّا استيقظت وجدت نفسي في السرير.
وقد بلغني أن مارثا وافقت على الميزانية.
أصبحنا جاهزين للرحيل إلى كِلسْتون.
❖ ❖ ❖
“ولِمَ هذا أيضًا يصحبنا؟”
قالها أرْكِل ببرود وهو يرمق لاكو قبل صعود العربة.
ابتسمت مهدّئة:
“لا خيار لنا. يقول إن لديه أبحاثًا لا بد من إنجازها في كيلسْتون.”
فحين أبلغت برج السحرة بما اكتشفت، غمرتهم الفرحة وطلبوا أن يُرافقونا.
لم أمانع لظني أنهم سيكونون عونًا، لكن لم يخطر لي أن لاكو سيكون أحدهم.
“هاه— يبدو أنك تخشى أن أكون أكثر تفانيًا في خدمة سيدتي منك! فأنا الخادم الأكثر إخلاصًا للـحـ…”
“كُفّ أيها الأحمق!”
قاطعه هوان معتذرًا إليّ بارتباك.
“عفوًا يا مولاتي. مهما حاولت لم أنجح في تهذيب لسانه… لاكو! قلت لك هذا لا يجوز!”
“أرجوكم… اصعدوا إلى العربة وحسب.”
تنهد هوان بحرقة وهو يمسح وجهه بيده.
حين عرضت عليه أن يكون مساعد مخرجي ويرافقني إلى كيلسْتون، توسّل أن أعفيه لكثرة أشغاله، لكني اكتفيت بابتسامة وأصررت على قراري.
وهو، كالعادة، لم يخذلني.
“هيا، اصعدوا!”
صاح وهو يزجّ بلاكو إلى العربة ويغلق الباب بإحكام، بعد أن فصل بينه وبين أرْكِل قبل أن يتشاجرا.
“أحسنت! هذا هو مساعد المخرج الذي أعرفه.”
ورفعت إبهامي نحوه.
رمقني هوان بعينين مظلّمتين كأنّ في صدره كلامًا كثيرًا امتنع عن قوله، ثم أغلق فمه بإصرار.
“إذن، كل شيء جاهز؟ فلننطلق.”
وانطلقت قافلتنا التي فيها خمس عربات محمّلة بالعتاد والطاقم، متوجّهة إلى كيلسْتون.
وبعد مسافة طويلة، بدا لنا الجبل المألوف.
‘لقد وصلنا.’
كان الضباب الكثيف لا يزال يخيّم على القرية بأكملها.
وحين نزلت من العربة وبلغت مشارفها… توقفت قدماي فجأة.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 70"