“بارون كلارك، ذلك الوغد يضمر لك نوايا سوداء. الأمر بلغ حدّ الهوس.”
“كك-“
كدت أختنق برشفة الشاي عند كلمات مارثا المباشرة.
‘الحمد لله أنني لم أحضر أركل معي.’
كنت أجلس في مكتب مارثا أستمع إلى ما انتزعته من معلومات عن بارون.
كنت قد أعددت نفسي بتصميم لمعرفة ما إذا كان قد ظهر دليل يقطع بأنه هو (K)، لكن أول ما نطقت به كان صادماً.
“وكما قلتِ، فقد ختمتُ بختمه ورفعتُ إلى القصر طلباً بالاطلاع على ملفات السحراء الذين ألقوا لعنة على كيلستون. بل واستأجرتُ ممثلاً عن كلارك ليجلب لي الأوراق متى صدر الإذن، وسيعود بها حالاً.”
“هذا رائع! لا بد أن شعورك بالارتياح أكبر الآن، إذ تستطيعين إنهاء الأمر دفعة واحدة.”
غير أن ملامحها لم تبدُ مرتاحة كما تصورت.
كانت مارثا تسند ذقنها إلى يدها وتقطّب حاجبيها وهي تتمتم وكأنها تحدث نفسها:
“فارس مقدس، إذن؟ هاه… يا للسخرية! أيُّ فارس ذاك الذي يطمع في امرأة لها زوج؟”
ألعلها مستاءة لمجرد أن بارون يكنّ لي مشاعر؟
“اهدئي يا آنسة مارثا. على كل حال، أنا متزوجة من أركل كما قلتِ. صحيح أنه عقد زواج شكلي، لكنه قائم.”
“نعم، وهذا بالذات ما يقلقني!”
وضربت مارثا بيدها على الطاولة.
كان يبدو أن ما يزعجها هو خشيتها من أن يخلّ زواجنا العقدي بما اتفق عليه.
عليّ أن أطمئنها أن العقد لن يتأثر مطلقاً.
لكن قبل أن أفتح فمي، باغتتني بكلمات لم أتوقعها:
“لماذا ما زال كثيرون ينادونك آليهايم؟”
“عفواً؟”
رمشتُ بدهشة.
“في قاعة الحفل كان الأمر كذلك، وهذا الفارس أيضاً… هل يصعب عليهم حفظ اسم ليزي كايين؟ أظنه أسهل بكثير من ليزي آليهايم.”
“آه… نعم، ربما.”
لم أجد ما أجيب به، فاكتفيت بابتسامة متكلّفة وهزة رأس.
رمقتني مارثا بوجه متبرّم ثم سألت:
“وأنت، أيهما تفضلين؟”
“هاه؟”
“ليزي كايين أم ليزي آليهايم، أيّ الاسمين يعجبك أكثر؟”
وسعلت قليلاً وهي تلوي خصلة من شعرها بين أصابعها كأنما تتظاهر باللامبالاة.
“اعذريني على سؤال كهذا بلا جدوى. مجرد فضول لا أكثر، فلا حاجة لأن تتكلفي بالجواب.”
“هاها… تقولين ذلك وأنت تنظرين إليّ بهذه العينين؟”
“كُهحم! كايين وآليهايم، أيهما أفضل؟”
كنت واثقة أن السؤال الأول كان عن اسمي، لكن فجأة صار عن العائلتين.
تسأل أيهما أفضل، كايين أم آليهايم؟
ابتسمت مارثا وأعادت الحاحها:
“لا تهتمي، أجيبي بما يطيب لك.”
لكن الأجواء لم تكن تسمح بقول شيء “بما يطيب لي”.
لا أركل ولا ناران يسألان مثل هذه الأسئلة السخيفة…
آه، صحيح، إنهم إخوة!
شعرت وكأني تذكرت فجأة حقيقة كنت قد نسيتها.
كنت أظن مارثا تختلف عن الاثنين… هاه، لكن يبدو أن الدم لا يُنكَر.
“آنسة مارثا، المهم في النهاية أن اسمي هو ليزي كايين. ما أحبه أنا لا قيمة له…”
“…لكنني أعرف أن جواباً كهذا لن يرضيك، أليس كذلك؟ إذن، طبعاً كايين! أنا سعيدة للغاية بوجودي هنا، ولو أذنتِ لي لتمنيت أن أدفن عظامي في هذا المكان!”
كان تملقاً صريحاً، ومع ذلك ارتسم الرضا على محياها.
“هكذا إذن؟ همم، كنت أتوقع هذا الجواب، لكن سماعه بلسانك أمر آخر.”
ارتفعت زوايا فمها قليلاً مع سعال خفيف.
بدا لي المشهد مألوفاً، نفس ملامحها حين أثنيت عليها سابقاً باسم “التقييم الموضوعي”.
منذ زمن لم أر هذا الوجه…
خفضت عينيها وتظاهرت بالتماسك، لكنها لم تدرك أن ابتسامتها قد فاضت وارتسمت واضحة.
في مثل هذه اللحظات فقط، هي الأصدق بين الإخوة الثلاثة.
وأنا بدوري آثرت التظاهر بالعمى حفاظاً على صورتها التي تعبت في رسمها.
“حسناً، هل كان لبارون سبب آخر لمحاولة اختطافي؟”
“لا. لم يكن ثمّة سبب آخر.”
فركتُ ذقني متفكّرة.
‘إذن حقاً كان الأمر بسببي أنا؟’
وإن كان بارون كلارك هو فعلاً (K)، ذلك الخفي الذي لم يظهر في الرواية الأصلية حتى النهاية، فها قد تبيّن دافعه.
ثبت بصري على مارثا أمامي.
“ما الأمر؟”
خلعت نظارتها وحدّقت بي مباشرة.
“لك ملامح من يريد قول شيء.”
“آنسة مارثا… أرجو أن تطّلعي على هذا.”
وأخرجت من جيبي رسالة (K) وقدّمتها إليها.
كان هذا أنسب وقت لأريها إياها.
“هذه الرسالة وصلت إلى أخي في غيابي. كما ترين، المرسِل مجهول، وقد كتب فيها أنه مستعد لمدّ يد العون لي.”
“هكذا إذن…”
ثبتت عينيها على الرسالة وبدأت تقرؤها بتمهل.
“لكنني ارتبتُ في الأمر، فأجبتُه متعمدة عبر صحيفة. ثم ضربنا موعداً للقاء، وكان مكانه تلك الكنيسة في ذلك اليوم.”
“…….”
“والذي جاء حينها لم يكن سوى بارون كلارك. أي أنه كان…”
“يدبّر شيئاً ما، باختصار.”
وأكملت مارثا كلماتي برأس مائل.
لم أخبرها بما ورد في القصة الأصلية عن دسّه جين آليهايم خفيةً لإسقاط بيت كايين، لكن ما قلته يكفي لإقناعها.
“ويبدو أنني كنت أنا دافعه.”
“أجل، هكذا يظهر.”
“فهل عرفتِ الآن لماذا يطاردني بارون بتلك الشدة؟”
“لقد قال… إنك أنقذتِه.”
قالتها مارثا بوجه متجهم.
“ماذا؟”
كانت كلمات سمعتها من بارون نفسه من قبل.
دفعت مارثا نحوي ملفاً من الأوراق كان موضوعاً على مكتبها، يحوي بيانات عنه.
“بحسب ما تبيّن، ذلك الرجل نشأ يتيماً، ترعرع في الكنيسة عاملاً بسيطاً.”
“أها، هكذا إذن.”
بدأت أقرأ ببطء تفاصيل حياته المدونة، وما بدا منها لم يكن مسيرة سهلة أبداً.
ثم وقعت عيناي على سطر لافت.
“لقد سُجن في طفولته بتهمة سرقة؟”
“صحيح. بل كانت جريمة مكرّرة أيضاً.”
“والمسروقات… تبرعات آليهايم التي قُدِّمت للكنيسة.”
“ويقال إنه لم يخرج من السجن إلا بفضل تساهل آليهايم معه. أما من منحه ذاك العفو فكان…”
“أنا… على الأرجح.”
“أجل. وهو يعرف ذلك. لقد اعترف لي بنفسه وهو يحدّثني، أنه كان يدرك تماماً من أنقذه.”
كنت أشك حتى في حقيقة أنه تحدث معها فعلاً، لكن هذا لم يكن موضع النقاش.
ويبدو أن وجهي قد ارتسمت عليه الحيرة، إذ قالت مارثا بعد أن حدقت بي:
“لقد مضى زمن طويل، فلا عجب إنك لم تتذكري. طبيعي أن تشعري وكأنك تسمعين ذلك لأول مرة.”
والحقيقة أنني كنت أسمع به لأول مرة بالفعل.
فبارون لم يرد أصلاً في القصة الأصلية، فكيف يُذكر له مثل هذا الماضي…؟
فكرة أن تكون هناك صلة قديمة بين ليزي آليهايم وبارون كلارك لم تخطر لي قط.
أيمكن أن يكون قد حمل حباً صامتاً لها منذ أن أنقذته وهو صغير؟
“يا له من رجل غريب…”
“بل يا له من مقزّز.”
قطعت مارثا كلامي بصرامة.
“على كل حال، لم يعد هناك ما يدعو للقلق. فلن يستطيع التسبب بمشكلات لفترة من الزمن.”
قالت ذلك وهي تمسح نظارتها بهدوء.
وكانت محقة، إذ إن بارون بات الآن خلف القضبان، فلن تسنح له فرصة لتنفيذ ما خطط له في الأصل.
لكن…
‘هل حقاً انتهى الأمر هكذا؟’
مع أن الدافع قد كُشف، وكل القرائن تشير إلى أن البارون هو (K)، إلا أن شعوراً بالضبابية ظلّ يثقل صدري.
“تبدين غير مرتاحة.”
أسندت مارثا ذقنها بيدها وأمعنت النظر في وجهي.
“ألديك ما يشغلك بعد؟”
“هاها… لا شيء محدد الآن، لكن غريب أن قلبي لا يهدأ.”
“أفهمك جيداً. عشتِ طوال هذا الوقت في توتر دائم، فطبيعي أن يصعب عليك الاسترخاء.”
وبالفعل، أيام إقامتي هنا لم تكن إلا سلسلة متواصلة من الحوادث.
‘صحيح أن لحظات ممتعة كثيرة شغلتني عن التفكير في التعب، لكن حين أنظر إلى الوراء، أجد أنني لم أتوقف عن الركض للحظة…’
غير أنني لم أشأ أن أبدو شاكياً، لا سيما وأمام أكثر شخص مهووس بالعمل في القصة كلها.
“لا تقلقي، أنا بخير! ما عانيتُه لا يُذكر مقارنة بما تتحملينه أنتِ يا آنسة مارثا.”
“هذا صحيح.”
أقرت بذلك على الفور، ثم ابتسمت بخفة.
“لكن الفرق أنني اعتدتُ على هذا النمط من الحياة. أما من يحاول تقليدي دفعة واحدة، فسيؤذي نفسه.”
“امم، أجل، معك حق.”
“لهذا، ما رأيك أن تأخذي استراحة قصيرة؟ ثم إن مسرح كايين بحاجة إلى عمل ثانٍ قريباً.”
“آنستي مارقا، هل تقصدين….”
“أودّ منكِ أن تزوري كيلستون. وسأوفر لك كل الدعم الذي تحتاجينه لإنجاز العمل.”
‘يا لفرصتي! أن أتمكن من إنتاج فيلم ثانٍ بهذه السرعة، ومع تمويل وفير هذه المرة!’
هل هكذا يشعر الفنان الذي بدأ بمشروع متواضع ثم حقق نجاحاً باهراً؟
ارتفعت نشوة الإنجاز داخلي حتى قبضت يدي بقوة.
“وأيضاً، أريدكِ أن تشرفي على العثور على الكأس المقدس لڤاليرا المزعوم وجوده هناك. أعلم أنني أطلب منك أمرين في وقت واحد بينما أقول لك ارتاحي، فاعذريني. ألن يكون الأمر ثقيلاً عليك؟”
“أبداً، ما دمت سأذهب هناك فسأنجز المهمتين معاً! لم أكن أطمئن لترك هذه المهمة لغيري على أي حال، لذا فالأمر أنسب لي.”
أجبت ضاحكة بثقة، فابتسمت مارثا بدورها.
“أشكرك. إذن، انطلقي متى كنت مستعدة. كما قلت، لن أبخل عليكِ بشيء، مهما بلغت التكاليف.”
“شكرًا جزيلاً، آنسة مارثا…!”
حتى بعد أن خرجت من مكتبها، كان قلبي يخفق بعنف.
صحيح أنني وجدت نفسي مكلفة بمهمتين دفعة واحدة، لكن الحماسة غمرتني أكثر من القلق.
والآن، المسألة الأهم…
‘ما نوع الفيلم الجديد؟’
عليّ أن أضع تصوراً مبدئياً، ليتم إعداد الميزانية والانطلاق إلى كيلستون.
أفأختار فيلماً ضخماً بميزانية هائلة، أم أتابع بسلسلة “ابحث عن الكأس المقدس”؟
أو ربما…
‘عملاً ناضجاً جريئاً على مقاسي تماماً؟’
وفي تلك الحال، فالبطل سيكون بلا شك…
غرقت في الخيال وأنا أخطو، حتى اصطدمت فجأة بشخص ما.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 69"