كما توقّعت، فبما أنّهم جمعوا نخبة النوابغ في الإمبراطورية، فالتقدّم سريع فعلًا.
“فماذا يقولون إنه ينبغي أن أفعل؟”
“السحرة جاؤوا بأنفسهم من برج السحر. إنهم في قاعة الاستقبال. من الأفضل أن تسأليهم مباشرة.”
قالتها مارثا بنبرة لينة، غير أنّها أشاعت من جديد جوًّا مخيفًا وهي تحدّق في باب غرفة الاستجواب.
“كما تعلمين، لديّ عمل أقوم به من الآن.”
“هاها… إذن سأذهب لألتقي السحرة.”
أومأت مارثا برأسها، ثم مرّرت يدها في شعرها واتّجهت إلى داخل غرفة الاستجواب.
“دعيني أُسدي لكِ نصيحة. كلّما تراكمت عليّ الأعمال، ازددتُ قسوة. إنهاء الأمر بسرعة أفضل للجميع…”
دوّي—
أُغلِق الباب الحديدي بإحكام، وكأنّ صوته جاء مؤثّرًا مرافقًا لآخر كلماتها.
وقد جعل ذلك التحذير المخيف أشدَّ وقعًا.
ابتسمتُ بفتور وأنا أحدّق في الباب الحديدي المغلق.
‘حسنًا، لن تقتله على أي حال. عليّ أن أذهب وأقابل السحرة.’
ما إن هممت بالاستدارة حتى تسلّل إلى ظهري شعور غريب بالانزعاج، كأنّ نذيرًا ما يدبّ في عروقي.
‘ما هذا؟ لعلّه مجرّد وهم؟’
لا بد أنّه مجرّد وهم.
بهذا الخاطر دخلت قاعة الاستقبال، وهناك أدركت أنّ حدسي كان مصيبًا.
“سيّدتي الحاكمة-!!”
“كفّ عن الصخب، واخرس.”
قفز لاكو من مقعده الطويل ما إن رآني، بينما كان أركل يستند إلى الجدار عاقدًا ذراعيه، يرمقه بتحذير منخفض.
هرع لاكو إليّ بعينين متألقتين غير عابئٍ به.
“آه، سيّدتي الحاكمة…! لقد كنتُ أنتظر اليوم الذي ألتقيكِ فيه من جديد. لقد أطعتُ أوامرك، لم أُثر أي فوضى، وعكفتُ على البحث بجدّ. سيّدتي الحاكمة، أرجوكِ كافئيني… كَـ-!”
“يكفي. اجلس الآن.”
ما إن قالها ذلك الرجل ذو الملامح الهادئة، الجالس إلى جوار لاكو، حتى توقّف لاكو في مكانه بالفعل.
“أحسنت، أحسنت يا لاكو.”
قالها الرجل كما لو كان يثني على طفل، ثم شعر بنظراتي فنهض وانحنى تحية.
“أنا مارڤين، المكلّف بالإشراف على البحث.”
“أنا ليزي كايين.”
ابتسم مارڤين بأدب، ثم التفت إلى لاكو.
“هيا، اجلس الآن.”
“لا تأمرني! إنني لا أسمع إلا أوامر سيّدتي الحاكمة، ولا أخدم سواها….”
“إذن قف مكانك.”
“تسك—”
نقر راكو بلسانه، ثم جلس ثانيةً متجهّم الوجه.
فلم أملك إلا أن نظرت إلى مارڤين بإعجاب.
“واو، هذه أول مرة أرى لاكو مطيعًا هكذا. مذهل! إنك مثل مدرّب كلاب…”
“سأكون كلبًا مطيعًا متى شاءت سيّدتي الحاكمة…!!”
“يقال إن تم اصطياد وحشًا في مقاطعة كايين، دعوني أنا أروضه.”
قالها لاكو وأركل في آنٍ واحد تقريبًا، ثم رمق أحدهما الآخر بامتعاض.
“الوحوش ليست للهو، قد ينتهي بك الأمر فريسةً لها قبل أن تروضها.”
“أقلتَ فريسة؟ يبدو أنّه عليّ أن أعلّمك من هو الأعلى في السُلَّم.”
تبادل الاثنان النظرات الحادّة، بينما اكتفيتُ بابتسامة صامتة.
‘أركل، لماذا أنت هنا أصلًا؟ ولاكو، ألستَ أنت من تلقّى ضربة لا تُنسى من أركل آخر مرة؟ يبدو أنك نسيتَ كل ذلك…’
كنت على وشك التدخّل لإنهاء الوضع، غير أنّ مارڤين سبقني.
“لاكو، لا تتحدث بهذه الطريقة مع صاحب العمل. مولاي، سيدتي، أرجو أن تغفرا له وقاحته.”
وبنبرة صارمة كمن يؤدّب كلبًا مشاكسًا، وبّخ مارڤين لاكو ثم اعتذر لي ولأركل.
أومأ أركل بصمت، وكأنّ الأمر لا يهمّه كثيرًا.
“إذن، هل لنا أن نعلم ما الذي دعاكم للقائنا؟”
سألني مارڤين بلباقة.
“لقد رفعنا تقرير البحث إلى ربّة الأسرة بالفعل. وكنا في طريقنا للعودة، غير أنّ هذا الرجل أصرّ على مقابلة سيّدتي الحاكمة…”
توقف مارڤين قليلًا، فابتسم لاكو بفخر.
أما أركل فقد ازدادت ملامحه كآبة وهو يطبق شفتيه بإحكام.
‘أيعقل أن وجود لاكو برفقتي يثير غيظه؟ وإن لم يكن كذلك، فهل…’
نظرتُ إليه من طرف عيني وسألت:
“أركل، هل سمعتَ شيئًا عن البحث؟”
“أنا هنا فقط لأنني أحبّ هذه الغرفة.”
لكن ملامحه لم توحِ بأي متعة، فلا يمكن أن يكون هنا لمجرّد أنّه يعجبه المكان.
يبدو أنّه لم يدرك بعد أنّ البحث الذي تحدّث عنه مارڤين هو من أجل إزالة وعائه السحري.
وأنّ مجيء مارڤين ولاكو شخصيًّا إنما كان بسبب هذا.
يبدو أنّ مارثا لا تنوي إخباره بشيء قبل أن تظهر النتائج بوضوح.
‘وأنا بدوري أوافقها الرأي.’
كما فكّرتُ من قبل، فحتى لو سمع أركل عن البحث فلن يعلّق عليه آمالًا تُذكر… لكن مع ذلك، لم أرد أن أرى لحظة انكسار ولو كان الأمل واهيًا كخيط رفيع.
‘أتراني أتأثر لأنني خبرتُ في حياتي السابقة مواقف مشابهة كثيرة؟…’
رأيت أنّ من الأفضل أن أُخرجه أوّلًا ثم أستمع للتفاصيل.
“أركل، هل لك أن تتأكد إن كان عرض الفيلم يسير على ما يرام؟ وكيف تسير إدارة المسرح، وما يقال عنه من آراء…؟ إنني أرتجف قليلًا من أن أفعل ذلك بنفسي، فهل أستطيع أن أوكلك بالأمر؟”
“بالطبع.”
أجاب أركل على الفور، ثم التفت إلى لاكو بنظرة وكأنه يقول ‘هل رأيت؟’، وخرج من قاعة الاستقبال.
ما إن غادر حتى تنفّس مارڤين الصعداء وربّت على صدره.
“شكرًا لكِ. لقد أوصت ربّة الأسرة ألا نخبر السيّد بأي شيء عن البحث.”
“وأنا أيضًا أريد أن أخدم سيّدتي الحاكمة…! سيّدتي، أعطيني أمرًا أنا أيضًا….”
تجاهلتُ نداء لاكو المتوسّل وسألت مارڤين مباشرة:
“ما الخيط الذي وجدتموه في برج السحر؟”
“لا شيء مؤكد بعد، ولكن….”
قال مارڤين بوجه جاد وبحذر:
“بعد تجارب عديدة توصّلنا إلى أنّ اللعنة المتوارثة في دماء أسرة كايين لا يمكن رفعها بقوى البشر. حتى أقوى طقوس السحرة لا تجدي.”
“فهمت.”
لحظتها أدركت أنني أحسنت صنعًا بإخراج أركل.
“هذا طبيعي. فقوة ‘ذلك’ تختلف كليًا عن القوى البشرية.”
أضافها لاكو وكأنّ الأمر بديهي.
بدا واضحًا أنّه يقصد بـ’ذلك’ الشيطان الذي تعاقد معه الجدّ الأول لأسرة كايين.
“إذن، هل تقصدون أنّ علينا الاستعانة بقوةٍ ليست بشرية؟”
فأبدى مارڤين انبهاره.
“صحيح. نحن بحاجة إلى قوةٍ تتجاوز البشر بدرجة، قوة مقدسة. أي إلى أثرٍ مقدّس تسكنه قوّة الحاكم.”
وأخرج من جيب ردائه قصاصة ورقية وأراني إياها.
كانت قائمة بالأثار المقدسة، وقد شُطب على معظم أسمائها بخطوط عريضة.
“لهذا اخترنا من بين الآثار المقدسة في الإمبراطورية ما يمكن لقوّته أن تجابه قوة الشيطان. لكن كلما حسبنا الاحتمالات… وجدنا هذا، وهذا، وهذا… عاجزًا تمامًا.”
أخذ مارڤين يشير إلى الأسماء المشطوبة واحدًا تلو الآخر.
“كما ترين، جميعها لم تكن كافية. غير أنّه….”
توقف إصبعه عند الاسم الأخير أسفل القائمة الذي كان محاطًا بعدة دوائر.
“كأس ڤاليرا. هذا الكأس المقدس الذي يختزن بركة الحاكمة القديمة، قد يكون الوحيد القادر على مجابهة قوة الشيطان.”
“إذن لنسرع في الحصول عليه. أين يوجد هذا الكأس الآن؟”
“هنا تكمن المشكلة.”
قطّب مارڤين جبينه وكأنه في ورطة.
“كأس ڤاليرا موقعه الحالي مجهول. كان محفوظًا في القصر الإمبراطوري، لكنه سُرق قبل مئة عام.”
“وهل وجوده مؤكد أصلًا؟”
“مؤكد. فقد وُثّق بدقة في سجلات البلاط الإمبراطوري.”
“همم… إذن لا أدلة على مكانه إطلاقًا؟”
“ليست معدومة تمامًا.”
تلفّت مارڤين حوله مترددًا قبل أن يهمس:
“بما أن ما مضى عليه قرن كامل، كان التحقيق غاية في الصعوبة. جربنا كل الوسائل فلم نجد فائدة… فاضطررنا في النهاية إلى الاستعانة بلاكو…”
“لقد استدعيتُ روحًا ميتة داخل جسدي، فداءً لسيّدتي الحاكمة!!”
رفع لاكو يده عاليًا وهتف، ثم نظر إليّ بعينين متلألئتين مترقبًا الثناء.
“أقمتَ استحضارًا للأرواح؟ لكن ذلك محظور…”
“آه، بالطبع القانون يمنعه. لو أُجيز لجلب فوضى عارمة— هاها!”
سارع مارڤين بالقول وضحك بودّ، ثم أنزل يد لاكو المرفوعة.
“لكن رجاءً لا تسيئي الفهم. لقد فعلنا ذلك لغايةٍ عامة، دون أن نضرّ أحدًا، وتولّينا محو كل الأثر بحيث لا يخلّف شيئًا وراءه—”
لم أفهم أي غاية عامة يقصد، لكن ما داموا قد أزالوا كل أثر دون ترك خلفيات، فلا بأس.
ومع ذلك، ربما بسبب صورة آليهايم الطاهرة، بدا أن مارڤين شعر بأنني متوجسة، فأخذ يحاول طمأنتي بإصرار.
“هاها… أرجو ألا أكون قد سببتُ لسيدتي قلقًا لا داعي له. سيّدتي، رجاءً لا تسيئي الفهم. أعلم أن الكثيرين ينظرون إلى تلك الطقوس بعين الريبة، ولكن….”
“لا أدري عمّ تتحدث.”
“عفوًا؟”
“أي طقوس تقصد؟ لم أسمع بشيء من هذا.”
ابتسمتُ ببراءة، وبعد لحظة أدرك مارڤين قصدي، فبادلني ابتسامة لبقة.
“آه يا للأسف! يبدو أنني تسرعت وأربكتُ سيّدتي بلا موجب. لم يُقم برج السحر أي طقس من هذا النوع قط.”
“ماذا تقول؟! لقد استدعيتُ روحًا ميتة أمام الجميع! أنت تخشى أن أحظى أنا وحدي بمديح سيّدتي الحاكمة— مـمف!!”
وبينما كنت أتبادل الابتسامة مع مارڤين، مدّ يده وسدّ فم لاكو ببرودٍ تام.
“مـمف! مـممف!!”
“هاها. على أي حال، لقد ‘صادف’ أن عثرنا على خيط يقودنا إلى موقع الكأس.”
“يا لها من مصادفة عجيبة! وما هو هذا الخيط؟”
ناولني مارڤين القصاصة التي في يده.
“ارجعيها وانظري ظهرها.”
قلبتُ الورقة كما قال.
“هذا….”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 66"