هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 65 ]
صرير–
حين فتحت الباب رفع بارون رأسه الذي كان مطأطئًا ونظر إليّ.
كان مقيّدًا بالأصفاد في معصميه إلى الحائط، وفي كاحليه قيود حديدية أيضًا.
قلت له:
“لن أُقدِم على فعل شنيع، فاطمئن.”
“…….”
لم يُجِب.
أضفت وكأني أحدّث نفسي:
“أدقّ تعبير هو أنني لا أستطيع ذلك أصلاً.”
ثم وقفت في مواجهته، وأملت رأسي قليلًا وأنا أسأله:
“هل لصفة فارس الهيكل معنى آخر في هذا البلد؟”
“ماذا تعنين….”
“على حد علمي، الفارس المقدّس مهنته حماية الناس، لا خطف مواطنين أبرياء.”
حدّقت في عينيه مباشرة وقلت:
“ما الذي تريده؟ ولماذا بعثت برسالة إلى جين أليهايم؟”
“لا أفهم عن أي كلام تهذي.”
“يا إلهي، الأمر مكشوف تمامًا. أنت أرسلت هذه إلى جين أليهايم، أليس كذلك؟”
أخرجت الرسالة التي كانت بحوزتي وأريته إياها.
“ترى؟ كتبتَ فيها أنك تريد أن تساعد في إنقاذي، وأنني يجب أن أخرج وحدي.”
“هذا….”
ارتجفت عيناه وهو يقرأ الرسالة.
“وحين أخرج، ماذا كنت تنوي أن تفعل؟ أن تغرس في عقلي خطةً لإسقاط كايين مثلًا؟”
“لم أكتب أنا تلك الرسالة.”
“ولماذا إذًا لم تفعل ذلك بنفسك وحاولت استغلال جين؟ أتعلم أن استغلال ملهوفٍ مصيره اللعنة؟”
“قلت لكِ لم أفعل–! آآخ!”
صرخ بانفعال وهو يقطّب حاجبيه.
فجذبت شعره بقوة وأقحمت وجهي أمام وجهه:
“إياك أن تتبجح. الوحيد الذي يحق له رفع صوته هنا هي أنا.”
“ل-ليزي أليهايم….”
“قلتُ لك من قبل، ليزي كايين. أنت بلا قدرة على التعلّم، فكيف تزعم وضع خطة ضخمة كهذه؟”
“لقد جُننتِ من طول معاشرتك للشياطين.”
“قلتُ لك لا تتبجح.”
شدَدتُ على شعره أكثر، فازداد تقطيبه ألمًا. ثم نظرت إليه ببرود وأفلَت شعره.
“إذًا، تقول إن هذه الرسالة ليست منك؟”
حدّق بي للحظة ثم أجاب بضيق:
“قلتُ لكِ هذا.”
“فكيف ظهرتَ أمام الكنيسة في نفس التوقيت إذًا؟ الجملة المنشورة في الجريدة بلا فاعل، ولا يعرفها إلا من كان مطّلعًا.”
“كان وقت دوريّة لي هناك. وصلني بلاغ أن تجارة عبيد تجري في ذلك المكان.”
“ألستَ أنت مَن كان ينوي بيعه في سوق العبيد؟”
“كم مرّة عليّ أن أكرّر أنها ليست الحقيقة؟!”
صرخ بغضب، فوضعت يدي على أذنيّ وقلت ساخرًة:
“وكم مرّة عليّ أن أكرّر ألا ترفع صوتك؟ يبدو أنك لم تستوعب الموقف بعد.”
أخرجت الحجر المصوّر المعلّق في عنقي ولوّحت به أمامه.
“ترى هذا؟ إنه دليل على جريمتك بمحاولة القتل.”
“محاولة قتل…!!”
“كما سمعت. ذلك العقار الذي حاولت أن تنوّمني وسيلفيا به، أليس محظورًا؟ مجرد لجوئك لمثل هذا العقار الممنوع يعني…”
“اللعنة… ذلك كان فخًا! استُخدم خصيصًا للإيقاع بعصابة الاتجار بالبشر…”
“وهل لديك مَن يشهد بذلك؟ أحد رفاقك الفرسان مثلًا؟”
“…لا. كنت في مهمة منفردة، والمبلِّغ مجهول الهوية.”
“هكذا تبرّئ نفسك بكل بساطة، فهمت.”
“أتصدقينني إذًا؟ أنني بريء…”
فتحت عيني في دهشة ونظرت إليه كأنني لا أفهم كلامه:
“أصدق أنك لا تنوي قول شيء إطلاقًا.”
“أنا…!”
همّ بأن يصرخ مجددًا، لكنه تراجع وأطبق فمه.
ولو كان قد صرخ مرّة أخرى، لكنت وضعت لجامًا في فمه، فاختياره الصمت كان صائبًا.
ظلّ محدّقًا في الفراغ قليلًا، ثم سأل بصوت متهدّج:
“…تلك الشياطين من كايين، ماذا سيفعلون بي؟”
“الذي يقرّر مصيرك أنا. ثم إني واحدة من أولئك الشياطين من كايين.”
“أنتِ…!”
قالها بحدّة ثم عضّ شفتَه، وعيناه الخضراوان ترتجفان.
وبدا وكأنه يريد أن يقول شيئًا، ثم أطرق رأسه وهمس:
“أنت لستِ شيطانة… كيف يمكن أن تكوني شيطانة؟”
“لو عرفتني قليلًا ما كنت لتقول هذا.”
فتمتم بصوت ملهوف:
“أنا أعرفك. أنتِ… المنقذة.”
“يا للعجب.”
وضعت يدي على فمي كأنني مصدومة.
“هناك رجل آخر يلقبني بالمنقذة… سيكون جميلًا أن أعرّفكما إلى بعض، فتصبحان صديقين.”
“مهما سخرتِ فلا يهم. لأنكِ أنتِ بالفعل.”
قال ذلك بابتسامة مريرة.
تأملت ملامحه بصمت.
لم أدرِ حقيقة ما إذا كان صادقًا في تبريره السابق، لكن في هذه اللحظة شعرت أنه لا يكذب.
فسألته بوجه خالٍ من التعابير وصوت هادئ:
“هل تريد فعلًا أن تدمر كايين؟”
“إن كان ذلك ممكنًا.”
أشرت إلى نفسي بيدي وسألته:
“بسببي أنا؟”
“…….”
أما هذا السؤال فلم يجد له جوابًا، فصمت بعدما كان قد أجاب بلا تردد عن سابقه.
أجاب بارون عن السؤال السابق بلا تردّد، لكنه عند هذا السؤال لاذ بالصمت.
لم يفعل سوى أن يواجهني بنظراته دون أن ينبس ببنت شفة.
ومع ذلك، كان في ملامحه ما يكفي لأفهم.
ابتسمت ساخرة وقلت:
“تلك نظرة اعتراف.”
لكنه لم يؤكد ولم ينفِ، وكأنما قرر أن يردّ بالصمت لا غير.
فطرحت آخر سؤال:
“لماذا تكره كايين إلى هذا الحد؟ أهو لأنني تزوجتُ من أركل؟”
“…….”
“همم، فهمت. الصمت اختيارك، لكن احفظ هذا جيدًا.”
“……..”
“كوني أُحسن معاملتك لا يغيّر أنك ارتكبت جريمة.”
شهق متفاجئًا.
“وفي مثل حالتك، ففقدان رتبة فارس مقدس أمر مفروغ منه، بل قد يصل الأمر إلى نفيك خارج البلاد.”
“…….”
“ومهما أنكرت، فليس عندك ما يثبت براءتك. بينما الأدلة التي تدينك متوافرة في كل مكان.”
حين أوضحت له الأمر نقطةً نقطة، ازداد وجهه سوادًا وهو يعضّ على أسنانه.
ابتسمتُ له بودّ وربّتُ على كتفه كأنني أنصحه.
“ولو أن ذلك مستحيل، لكن إن لم تكن الفاعل حقًا، فلن يضيرك شيء إن تكلّمت. من الأفضل أن تبوح قبل صدور الحكم. فأنا كما ترى مستعدّة لأن أصغي إلى أي شيء.”
تمتم أخيرًا:
“ليس عندي ما أقوله سوى كلمة واحدة.”
“أوه، وما هي؟”
“لا علم لي…”
فقاطعته وأنا ألوّح بيدي:
“باستثناء هذه العبارة، أسمع منك أي شيء.”
ثم غادرت غرفة التحقيق.
❖ ❖ ❖
خارجها، أسندت ظهري إلى الجدار، وضغطت صدغيّ بأصابعي عابسة.
كنت قد شدّدت اللهجة أمام بارون، لكنني في الحقيقة شعرت بالارتباك.
‘لماذا يصرّ على النفي؟ هل يخفي شيئًا آخر؟ لا يكون… بريئًا فعلًا؟’
غير أن جميع الأدلة كانت تشير إليه، وفوق ذلك بدا لي من حديثه أن هناك دافعًا شخصيًا.
‘من كلامه، يُخيّل إليّ أن بينه وبين ليزي ماضٍ ما…’
لكن للأسف، ماضي ليزي لم يُفصّل في الأصل، إذ إنها ماتت قبل أن تبدأ القصة، فلم تَرِد إلا لمامًا في ذكريات جين.
‘في هذه الحال، عليّ أن أنبش ماضي ليزس أليهَايم… ربما أجد الرابط بينها وبين بارون كلارك، فينكشف دافعه.’
على الأقل، سيكون أسهل من أن أبحث في شأني أنا.
تنفست بعمق وأطلقت زفرة طويلة.
“يبدو أنك متجهمة.”
“السيدة مارثا!”
التقت عيناي بعيني مارثا، فابتسمت بمكر.
“هل استخلصتِ شيئًا؟”
“لا….”
أجبتُ بهزّة رأس واهنة.
ولم أخبرها، ولا غيرها، بحكاية الرسالة.
‘بما أنني أعرف القصة الأصلية، أعلم أن بارون قد يكون الشرّ المستتر الأخير. لكن الآخرين، حتى لو رأوا الرسالة، فلن يرتابوا في شيء.’
ولا أستطيع أن أبوح لهم بأن المقدر هو أن يُستَدرَج جين أليهَايم بذلك الخطاب ليُدمّر بيت كاييِن.
‘لكن بما أن هجوم بارون عليّ شاهده الجميع، فهذا يكفي الآن لإدانته.’
أما الرسالة، فسأكشفها لاحقًا حين يتأكد أنه وراء كل شيء.
بينما مارثا تتحسس ذقنها وتنظر نحو باب التحقيق، قالت:
“كنت أتوقع أن ذاك الأحمق لن يعترف بسهولة. كثير من فرسان الهيكل يضمرون الكراهية لكايين…”
وكان السبب سهل التخمين.
“بسبب سحر أركل، أليس كذلك؟”
هزّت رأسها صامتة.
ثم قلت بحذر:
“لكن هذا الرجل… بدا كأنه يضمر حقدًا شخصيًا أشدّ من مجرد كراهية عامة.”
فعقدت مارثا حاجبيها بغيظ ونقرت بلسانها.
“ليتهم كانوا قلة… تبا. لو علمتُ من قبل…”
“هل تندمين لأنك لم تحسني التعامل معهم أكثر؟”
“لا. أبدًا.”
قالتها بجدّية لا يداخلها تردّد:
“لقد كنتُ دائمًا أختار الصواب. وحتى لو عدتُ إلى الوراء، سأفعل الشيء نفسه. كل ما يحزنني أنني لم أُحطّمهم أكثر.”
“حقًا كما توقعت من اللآنسة مارثا.”
رفعتُ إبهاميّ الاثنَين ملوّحة لهما.
“همم… على كل حال، جئتُ لأن عليّ أن أستجوبه بنفسي. مع أن أمامي أعمالًا متراكمة.”
تمتمت بفتور وهي تحدّق ببرود قاتل نحو باب التحقيق.
وتدفقت من عينيها نظرة موحشة، جعلتني أرتجف للحظة.
كانت نسخة طبق الأصل من أركل… ليس غريبًا فهما شقيقان.
“أتراكِ قادرة على ذلك؟ هو قد أغلق فمه تمامًا. ولا نستطيع إرغامه على الكلام…”
“ليس دائمًا يلزم العنف لانتزاع الكلام. الإنسان أضعف أمام الضغط النفسي، فإيلامه في روحه أقسى من إيذائه في جسده.”
خلعت نظارتها ومسحت شعرها ببطء وهي تقول ذلك، فتألقت عيناها البنفسجيتان ببريق حاد.
شعرتُ بعطشي وأنا أبتلع ريقي جافًا.
‘صحيح… هذه عائلة أشرار.’
ما يخصّ بارون كلارك لا يعنيني، لكن للحظة شعرت بالشفقة عليه.
فقلت بتوسل خافت:
“إذن أرجوكِ يا مارثا. وإن توصّلتِ إلى شيء، فهلاّ أخبرتِني؟ أريد أن أعرف لماذا فعل بي ذلك…”
“سأفعل. فأنا أيضًا أموت فضولًا. أي جرأة جعلت ذاك الوغد يتطاول على فرد من بيت كايين؟”
غليت عروق جبينها وهي تطحن أسنانها.
بدا الغضب صادقًا لا شك فيه.
‘مطمئنة…’
ازددتُ شفقة على بارون، لكن اطمأن قلبي بوجودها إلى جانبي.
‘إن كانت مارثا من ستتولى الأمر، فلا بد أن تكتشف شيئًا حقًا.’
حينها أترك لها التحقيق، وأتفرغ أنا لبقية البحث…
“آه، صحيح. هناك خبر لك.”
انتزعتني من أفكاري.
“ماذا؟”
“ورد اتصال من برج السحر. لقد وجدوا خيطًا قد يقود إلى رفع لعنة أركل.”
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 65"
حاساه اتلعب بيه و اللي ورا ده كله هو الأمير