لا أدري كم من الوقت نمت غافلةً، لكن حين فتحت عيني كان قرص الشمس يميل إلى الغروب خارج النافذة.
‘ممم… أليس آخر ما رأيته قبل النوم كان ضوء الصباح؟’
كنت قد أوصيت أركل مراراً أن يوقظني…
‘آه، الفيلم؟!’
فجأةً انتفضتُ من السرير، ارتديت معطفي على عجل، وانطلقت نحو مكتب أركل.
“أركل! لماذا لم توقظني؟! هل عُرض الفيلم كما يجب؟”
“استيقظتِ إذن.”
رفع رأسه عن الأوراق التي كان يتفحّصها، وأجاب بهدوء.
“لا يزال مسرح كايين ممتلئاً بالناس حتى هذه اللحظة.”
وأردف هوان الذي كان يقف إلى جواره:
“لقد ظهر حتى باعة السوق السوداء لشدّة الإقبال.”
ثم قال بوجه متجهم:
“صحيح أن الفرسان يحاولون ضبط الأمر، غير أنّ السيّد يبحث معي عن خطة أكثر صرامة…”
“يعني الفيلم يلقى رواجاً إذاً…؟”
ابتلعت ريقي وسألت، فابتسم هوان وهو يرفع نظارته.
“أظنّه نجاحاً منقطع النظير. بل إنّ بعضهم شاهده مرةً أخرى بعد الأولى.”
“جمهور الباب الدوّار؟!”
“الباب… الدوّار؟ لست أدري ما تقصدين، لكن ما بلغني أنّ الناس يتناقلون أنّ الفيلم يخفي معانيَ لا تُكتشف إلا مع كثرة المشاهدة.”
فئة من المشاهدين صارت تعيد مشاهدة العمل مراراً، كما لو يدورون في باب لا مخرج له، تماماً مثل أولئك الذين كانوا يُلقَّبون في حياتي السابقة بـ جمهور الباب الدوّار.
‘كنت أظنّ أنّ الموضوع قد لا يوافق أذواق الكثيرين، لكن يبدو أنّ الناس انغمسوا في متعة السينما نفسها.’
ولا عجب، فهي صدمة جديدة لم يسبق لهم أن عرفوا ترفيهاً بهذا القدر من الإثارة.
“يقال إنّ مجتمع النبلاء منشغل بتحليل كل مشهد بعمق، والجدل قائم حول موضوع الفيلم ومعانيه.”
كلمات هوان جعلتني أتنهد إعجاباً مرة أخرى.
‘لكن… لم يكن ثمة معنى خاص أصلاً.’
لقد أعددت الفيلم على عجل فلم يكن لدي وقت لغرس رسائل فلسفية، وكان مبدئي دائماً: الفيلم يجب أن يكون ممتعاً قبل كل شيء.
صحيح أنّ وجود مغزى عميق كان سيكون أمراً رائعاً، لكن هذا العمل منذ البداية استُهدف به أن يكون ترفيهاً من الدرجة الثانية؛ المهم أن يستمتع الناس.
‘لكن يبدو أنّهم مقتنعون بأنني دسست رسائل عظيمة…’
ربما لأنّ السينما أول تجربة لهم، استقبلوها بتقديس مبالغ فيه. ثم إني لم أكن بريئة تماماً، فقد صرّحت ذات مرة أنّني أؤدي مهمة إلهية…
ومهما يكن، فإقبال الناس على التحليل والنقاش خبرٌ حسن.
‘قد تولد معانٍ لم أقصدها قط، وقد يعودون للمشاهدة مراراً ليقارنوا تأويلاتهم… وهذا بحد ذاته نجاح.’
أليس يقال إنّ معنى العمل لا يصنعه المخرج، بل المتلقي هو من يخلقه؟
“أحسنتِ صنعا يا سيدتي.”
قالها أركل بصوت منخفض وهو ينظر إليّ.
“قيل لي إنّ أرباح اليوم الأول وحدها تكفي لتغطية تكاليف بناء المسرح.”
وأضاف هوان:
“بل وأكثر من ذلك، سيبقى ربحٌ معتبر.”
“ولهذا، قرّرت الآنسة مارثا أن تجعل السينما عملاً رسمياً لبيت كايين.”
“حقاً؟!”
وهذا يعني أنّ بإمكاني الاستمرار في صناعة الأفلام!
ذلك الخبر أسعدني أكثر من الأرباح ذاتها.
‘هل أصنع جزءاً ثانياً؟ أم أجرب نوعاً آخر كلياً؟!’
تملّكني الحماس، لكن وجوه آخرين خطرت لي في تلك اللحظة:
“بعد سنوات من الجمود، ها نحن نتحرك أخيراً.”
“كم مضى منذ أن سعيتُ بشغف إلى شيء ما… لقد كان الأمر ممتعاً حقاً.”
“سأتدرب جيداً، فالوقت أمامنا طويل. لذلك… عودي لا محالة.”
‘لقد تمكنت من الوفاء بالوعد.’
يمكنني العودة إلى كيلستون بفخر، وأخبرهم أنّ فيلمنا نجح نجاحاً باهراً بفضلهم.
يمكنني أن أرفع صوتي متعهدةً بعمل جديد، ونحن متكاتفون.
لمحتُ في خيالي وجوههم المتهلّلة بالفرح، فارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهي.
‘وهكذا حفظتُ ماء وجهي كمخرجة.’
“سيدتي.”
ناداني أركل وأنا غارقة في التفكير بأهل كيلستون.
التفت إليه بابتسامة رائقة، لكنني تجمّدت في اللحظة التالية.
“أهنّئك.”
كان يبتسم ابتسامة عريضة مصطنعة، عيناه تحدقان بي بحدّة غريبة.
“يبدو أنّكِ مسرورة، وذلك يسعدني أنا أيضاً.”
لو لم ينطق بهذه الكلمات لظننت أنّه يستفزني.
وقفت عاجزة عن الردّ، وحائرة في كيفية التصرّف، لكن عيني التقتا بعيني هوان.
-تجاوبي معه فقط.
كان يرجوني بعينيه بكل جدية.
‘بما أنه هنّأني، فلا بد أنّ ما يفعله أركل بدافع حسن النية.’
“شكرًا لك يا أركل.”
أجبته بابتسامة مشرقة، فتمتم أركل بارتياح وكأنّه راضٍ عن نفسه.
“… يبدو أنّ التدريب الخاص قد أثمر.”
“ماذا؟”
“لا شيء.”
ثم أشار خفية بإبهامه نحو هوان.
ورغم أنّ ملامح هوان لم تكن تحمل تعبير المنتصر مثل أركل، إلا أنّه رفع إبهامه بدوره مسايرةً له.
“صحيح، وصلت أشياء تخص السيدة ليزي.”
“لي أنا؟”
“يُقال إنّها من قِبَل اللورد أليهـايم. هناك هدايا أرسلها النبلاء إليكِ، إضافةً إلى وثائق مهمّة…”
‘رسالة من K.’
“رجاءً انقلوا كل شيء إلى غرفتي.”
“نعم، سأتولى الأمر حالًا.”
أومأ هوان برأسه ثم خرج من المكتب.
آن أوان الإمساك بخيط الجاني الحقيقي، ذلك الذي خدع جين أليهـايم وحوّل القصة الأصلية إلى رواية مظلمة مليئة بالبؤس.
❖ ❖ ❖
‘… أو هكذا ظننت.’
لكن لم أستطع أن أركز على قراءة الرسالة.
فالهدايا التي بعث بها النبلاء إلى ليزي التي ظنوا أنها اختفت، كانت هائلة بحق.
غرفتي التي كانت واسعة بما يكفي لتحتوي سريرًا ضخمًا وعدة خزائن كبيرة، امتلأت حتى لم يعد فيها موطئ قدم.
الهدايا تنوّعت بين ما أُرسل في علب أنيقة وما جاء بلا تغليف، حتى غصّت الغرفة بها.
‘الكثيرون إذن استفادوا من قدرتها على الشفاء.’
لكن وسط المرسلين، كان ثمة من لهم نوايا أخرى.
“خُطّاب؟! أيها الأوغاد الوقحون، كيف تجرؤوا على إرسال هدايا خطبة لليزي؟!”
“هدايا خطبة لامرأة متزوجة… يبدو أنهم فقدوا عقولهم.”
بين ناران الغاضب الذي كان يثور بجنون، وأركل الذي كان يطلق هالة قاتمة ببرود، لم يسعني إلا أن أضحك بخفة.
‘أيها الأخ الأحمق جين أليهـايم… كيف ترسل أيضًا هدايا الخُطّاب مع باقي الهدايا؟’
فقد بعث جين لا بهدايا الممتنين فحسب، بل أيضًا بهدايا الخُطّاب، ليجعل ناران وأركل يحدّقان في وجهي بعيون متقدة ويأبيان مغادرة غرفتي.
صحيح أن هذه الهدايا أُرسلت قبل أن يعلموا بزواجي من أركل، لكن ناران وأركل لم يكونا من النوع الذي يقدّر مثل هذه الأعذار.
“ليزي، فلنرمِ هذه القذارة. سأجهّز لكِ ضعفها بدلًا عنها.”
“هاها، لكن إذا شاع خبر أنّي تخلصت من الهدايا، فلن يكون الأمر لائقًا.”
“هؤلاء هم من بدأوا بالوقاحة، فلا ضير. ثم إنكِ زوجتي الآن.”
“ص… صحيح!!”
قال ناران ذلك وهو يرتجف، مؤيدًا كلام أركل.
“ليزي متزوجة من… من هذا الرجل!”
لم أتخيل أن يأتي يوم يقول فيه ناران مثل هذه الكلمات.
ورغم أنه وصف شقيقه بـ”ذلك الرجل”، إلا أن وجود عدو مشترك جعله وأركل يتجاهلان هذه التسمية ويتفقان على غير العادة.
“لن يضر سمعة سيدتي أن تتجاهل مثل هذه الوقاحة.”
“وإن تجرأ أحد وقال كلمة بحق ليزي، فسأتكفّل بإسكاته فورًا قبل أن تنتشر القصة.”
“صحيح.”
منذ أن عشت في هذا القصر، لم أرَ هذين الاثنين متفقين إلى هذا الحد.
“حسنًا، في هذه الحالة، رجاءً بيع كل تلك الهدايا وتحويلها إلى مال، لكن دون أن يُشاع أنني أنا من فعلت ذلك. يمكنكم التكفّل بهذا، أليس كذلك؟”
“بالطبع يا سيدتي.”
“أكيد يا ليزي! سأهتم بالأمر على أكمل وجه!!”
وقبل أن أنطق بكلمة أخرى، تعاون أركل وناران وحملا كل هدايا الخُطّاب من الغرفة.
رغم شجاراتهما المعتادة، كان من السهل أن أرى بوضوح أنهما في النهاية شقيقان بالفعل.
‘حسنًا، هكذا صارت لدي بعض المساحة.’
بعد أن تخلصا من الهدايا المزعجة، استعادت الغرفة بعض النظام.
عندها جلست بهدوء قرب السرير وأخرجت الرسالة التي قيل إنها من K.
‘فلنرَ ما بداخلها.’
بدأت أقرأها ببطء.
لم يكن فيها أي معلومة قد تكشف عن هوية المرسل.
‘يخفي نفسه بإحكام.’
لكن نبرة الرسالة كانت مهذبة للغاية، تعكس قلقًا صادقًا عليّ، وهذا ما جعل جين لا يشكك في نواياه.
جاء في مضمونها أنّه يريد المساعدة في العثور عليّ، وأنه يعرف مكانًا يُحتمل أن أكون فيه، بل ويملك طريقة مؤكدة لإخراجي منه.
بوجه عام، كان ما كتبه مطابقًا لما رواه جين، لكن هناك أمرًا جديدًا لم أكن أعرفه.
‘يقول إنه سيخبرني بكل شيء شرط أن أخرج بنفسي وحدي…؟’
في الحفل، بدا جين وكأنه يقول إنه لو لم يقابلني لكان خرج لملاقاته.
هذا يعني أنّ جين في القصة الأصلية التقى بالفعل بذلك الشخص.
‘لقد كان جبانًا، ألم يخَف؟’
لا، لا بد أنه كان خائفًا. لكن رغبته في استعادة ليزي فاقت خوفه.
حتى لو كان الأمر مشبوهًا، ربما كنت سأُقدِم عليه أنا أيضًا لو لم يكن أمامي خيار آخر.
‘موعد اللقاء… بعد ثلاثة أيام.’
المكان: أمام معبد مهجور يُسمى لوس.
في الوقت الراهن، هذا هو الخيط الوحيد للإمساك بهذا الشخص.
‘لكن هناك مشكلة.’
الآن وقد انكشف أنني موجودة في كايين، لم يعد للرسالة أي جدوى.
والمرسل نفسه لا بد أنه يعلم ذلك، مما يجعل من المشكوك فيه أن يظل عرضه قائمًا.
‘وفوق ذلك لم يترك عنوانًا أرد عليه… آه.’
وبينما كنت أفكر مليًّا، خطر لي فجأة حلّ واحد.
فأمسكت القلم وكتبت على الفور رسالة لشخص ما.
******
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"
باين أن k هو بارون كلارك ☝🏻