هل من الخطأ أن يعجبني رؤية الشرير يتألم [ 62 ]
“في عيني أركل كنتُ أبدو كالحاكم الذي أوقف له عذابه… لذا أفهم الأمر تمامًا.”
ولو كنت مكانه لشعرت بالمثل.
‘أن يخطئ ويفسر ذلك الإعجاز على أنه حب، فهذا أمر وارد تمامًا.’
أركل الذي كان ينصت بصمت، فتح فمه ببطء وقال:
“حقًا، هذا صحيح. ففي كل مرة كنتِ تمدين يدك إليّ لتهدئة مجرى السحر في جسدي… كنتُ أظن أنّ ذاك هو وجه الحاكم بعينه.”
تمتم وهو يبتسم باهتًا وكأنه نفسه وجد الأمر ساخرًا:
“مع أنني لا أؤمن بالحاكم.”
“أعلم. أركل لا يؤمن بأي شيء أصلًا.”
“…….”
“لكن، كيف لك أن تصدق أن مشاعرك تجاهي هي حب إذن؟”
لم يكن سؤال عتاب، بل فضولًا صادقًا.
فأركل الذي أعرفه لا يمكن أن يتحدث بهذا اليقين عن شعور لا شكل له ولا برهان كالحب.
وكما توقعت، أجاب بحذر:
“…إن استعرتُ كلمات سمو الأمير هاينري، فأنا كذلك لا أعرف ما هو الحب.”
قالها وهو يخفض عينيه كأنه يعترف بسر، ثم رفع رأسه وحدجني بنظرة ثابتة.
وصوته الذي بدأ خافتًا، غدا صلبًا وقويًا:
“لكنني كنتُ أجد قوتك المقدّسة حين تعالجينني مهيبة، غير أنني كنت أجدكِ أشد إبهارًا حين تبتسمين ابتسامة عادية.”
“…….”
“وفي الحفل، حين غضبتِ من أجلي… شعرت بسعادة غامرة.”
“…….”
“وأدرك أن ما أشعر به ليس إيمانًا. وكما قلتُ من قبل… أنا لا أؤمن بالحاكم.”
نهض أركل من مكانه وتقدم نحوي.
“صحيح أنكِ كنتِ محقّة، لم أكن أؤمن بشيء. لكن إن منحتِني الفرصة، أريد أن أجرؤ وأعتبر ما أشعر به تجاهكِ… حبًا.”
مد يده وأمسك يدي برفق، ثم طبع قبلة خفيفة على ظاهر كفي.
رغم أنه قال إنه لا يؤمن بالحاكم إلا أن قبلته كانت مهيبة كقبلة خاضغ لحاكم.
“أتسمحين لي؟”
“…….”
ترددت لحظة، ثم قلت ببطء:
“إذن… عبّر عن نفسك بصدق.”
رفع رأسه ونظر إليّ مباشرة.
“هل تذكر ما أقوله دائمًا؟ أحب صدقك.”
“أتذكر.”
“فكن صريحًا إذن. أريد أن أراك على حقيقتك.”
لا أستطيع أن أرى وجهي الآن، لكنني متأكدة أن عيني تتلألأ من فرط البهجة.
صحيح أنني لم أستوعب بعد ما يجري بشكل كامل، لكن هناك حقيقة واحدة لا جدال فيها: لم يسبق أن رأيت أركل يحاول بهذه الجدية واليأس أن ينقل لي شيئًا.
‘وإن كان هذا الإلحاح موجّهًا إليّ حقًا…’
أمسكت وجهه بكلتا يدي وجذبته إليّ.
“إن كنتَ تحبني حقًا، فأرني كل شيء. مفهوم؟ أرني كم تحبني، وما الذي تشعر به… كل شيء. أريد أن أراه كله.”
حدّق بي بعينين متسعتين للحظة، ثم ابتسم.
“حسنًا. عندها ستصدقينني.”
“أرني وجهًا لا أملك إلا أن أصدق أنه وجه عاشق. حينها سأصدقك.”
وضعت جبيني على جبينه وقلت، فابتسم أركل وهمس:
“حسنًا. سيكون محرجًا قليلًا، لكنني سأريه لكِ وحدك.”
إلا أن ملامحه لم تكن محرجة، بل سعيدة.
لطالما اعتقدت أن أركل باستثناء قوته هو الأكثر توازنًا بين أبناء كايين الثلاثة.
لكنني، في تلك اللحظة، شعرت أنه ربما كان الأكثر جنونًا.
وما أهمية ذلك أصلًا؟
‘فأنا دائمًا ميولي نحو المجانين.’
وهكذا ظللنا متقابلين نبتسم لبعضنا البعض.
❖ ❖ ❖
ما إن عادت ليزي إلى قصر كايين حتى قصدت مارثا وأخبرتها أن الأزمة انتهت بسلام.
زفّت مارثا تنهيدة ارتياح قصيرة، وشكرت ليزي بحرارة. فاكتفت ليزي بابتسامة خفيفة ثم توجهت مباشرة إلى غرفة النوم.
“إن حدث أمر طارئ فأيقظني يا أركل.”
“مفهوم يا سيدتي.”
أصرّت مرارًا أن يوقظها عند وقوع أي طارئ، ثم تثاءبت طويلًا وأغلقت الباب خلفها.
ابتسم أركل وهو يراها تدخل الغرفة.
صحيح أنه وافق على وعدها بإيقاظها، لكنه في الحقيقة لم يكن ينوي إزعاج راحتها إلا لو قامت القيامة.
‘أنتِ تحتاجين للراحة.’
ظل يتأمل الباب لحظة، ثم استدار.
وعزم في نفسه أن يتكفل بكل ما يتعلق بالفيلم الذي سيُعرض بعد ساعات، كي تنعم هي بالراحة.
وقبل ذلك…
دخل أركل مكتبه ووقف أمام المرآة.
“…….”
نادراً ما وقف أمامها بإرادته، حتى كاد ينسى وجودها أصلًا. فبدت صورته فيها غريبة عنه.
رجل ذو شعر أسود وعينين حمراوين، بملامح قاتمة.
“أرني وجهًا لا أملك إلا أن أصدق أنه وجه عاشق. حينها سأصدقك.”
“…….”
حدق في صورته بالمرآة ورفع زاوية فمه.
“…بشع.”
حين كان مع ليزي، كانت ابتسامته ترتسم بلا وعي. لكن أن يحاول ابتسامتها أمام صورته هو… بدا له مقززًا.
ومع ذلك لم يستسلم وجرب مرة أخرى محركًا شفتيه المرتجفتين إلى أعلى.
هذه المرة حاول أن يضيّق عينيه قليلًا أيضًا.
لكن ما ارتسم على وجهه لم يكن صورة رجل عاشق، بل قاتل متعطش للدم.
“هاه….”
اجتاحه شعور بالمهانة مما يفعل.
مرر يده على وجهه وأطلق تنهيدة قصيرة، وهو يزداد احتقارًا لنفسه.
مسّ نفسه شعور شديد بالاحتقار، فمرّر كفّه على وجهه وأطلق زفرة قصيرة.
‘يكفي هذه الحماقات، ولأعد إلى العمل.’
هكذا فكّر، غير أنّ كلمات ليزي ظلّت ترنّ في أذنه فلم يستطع أن يبتعد عن المرآة.
كان هو من قال لها أمام ولي العهد إنّه لا حاجة لأن تثبت له شيئاً، لكن لمّا خطرت بباله فكرة أنّها قد تصدّق قلبه الآن…
‘أريد أن أسمعها.’
كلماتها بأنها تثق بمشاعره، بل وربما جوابٌ منها بأنها تبادله الشعور… لم يستطع أن يمنع نفسه من التمنّي.
“……”
لمجرد تخيّل ذلك، شعر وكأنّ رأسه يغلي ويضطرب.
وفي تلك الحالة الغريبة وضع يده على فمه ليكتم أنفاسه.
كان ذهنه يشتعل حرارة.
ولو أنّه استطاع حقّاً أن يسمع تلك الكلمات…
شدّ قبضته.
ذلك الذي لم يتمنَّ شيئاً بصدقٍ في حياته قط، كان للمرة الأولى منذ وُلد يعقد عزماً صلباً.
‘لابدّ… لابدّ أن أنجح.’
رفع يديه بخشوع، وجذب شفتيه بأصابعه ليبتسم قسراً.
وجهٌ يجعل من يراه يصدّق أنّه واقع في الحب، سيعثر عليه مهما كلّف الأمر.
“…ها… هاها.”
حاول أن يطوي عينيه مع ابتسامة هادئة متكلَّفة.
كاد أن يُمزّق وجهه من شدّة المحاولة، لعلّه يتحسّن الأمر أكثر بقليل… وإذا بالباب يُفتح.
“سيدي، جئتُ بالملفّات التي طلبتها. وأيضاً، جميع قاعات عرض مسرح كايين قد امتلأت—”
تجمّد هوان، وقد رأى أركل أمام المرآة.
“……”
“آه… كنت تتأمّل المرآة. …أأعود في وقت لاحق؟”
“……”
“أعتذر، كان الباب مفتوحاً… سأنسحب فوراً.”
“…دعك من ذلك.”
أخذ أركل الأوراق من يده كمن ينتزعها، وجلس إلى مكتبه متظاهراً بالهدوء.
“إذاً، قلت إن مسرح كايين ممتلئ.”
“آه، نعم. هكذا أُبلغت.”
قالها هوان مسرعاً بعد أن كاد ينسى ما جاء من أجله.
“كنتُ أتوقّع ذلك. فقد قامت السيدة بعمل دعائي رائع.”
“ما زال الأمر حديث الصالونات كلّها.”
“حسناً. وما تبقّى فسأتولاه أنا.”
قالها أركل ببرود وهو يتصفّح الملفات.
“……”
راقبه هوان صامتاً، ثم رفع نظّارته بخفّة وقال متردّداً:
“…سيدي، هل كنت للتو—”
لكنّه ابتلع كلماته سريعاً، فقد التقت عيناه بنظرة مشبعة بالتهديد.
“لا… لا شيء. أعذرني على الإزعاج.”
“جيّد.”
أجاب أركل بنبرة راضية وهو يصرف بصره عنه.
“إن احتجت إلى أي شيء فأخبرني، هاها…”
ضحك هوان بارتباك وقد أطلق في نفسه تنهيدة ارتياح.
‘قبل قليل… لا شكّ أنّه كان يتأمّل في المرآة!’
كان ذلك مؤكَّداً.
منذ أن خدمه لم يره واقفاً أمام المرآة قط.
وفوق ذلك، كان يتدرّب بجهد على تعابير وجهه.
‘لماذا؟ هل ينوي إخافة أحد؟’
‘أم أنّه يبتكر طريقة جديدة للتعذيب؟’
لم يكن يصدّق أنّ سيّده وليس ذلك الفتى ناران هو من يحمل مثل هذه الهواية الغريبة.
$عليّ أن أكون أكثر حذراً من الآن فصاعداً…’
شعور قشعريرة غامضة دفعت هوان إلى مراجعة أفعاله… حينها:
“هوان.”
“هاااه! ن-نعم؟!”
كاد قلبه يتوقّف لمّا ناداه أركل فجأة.
لكنّ أركل الغير منتبهٍ لذعره، سأله ببرود:
“حتى أُظهر مشاعري بوضوح على وجهي… ماذا عليّ أن أفعل؟”
“عفواً؟”
أصلح هوان نظّارته وهو يحدّق فيه.
كان أركل جادّاً تماماً.
“كما تعلم، تعابيري قليلة.”
“نعم، هذا صحيح.”
“وأريد أن أتدرّب على التعبير بالوجه عن المشاعر. هل تساعدني؟”
كلماته بدت طلباً، لكن جوّها أقرب إلى أمر.
“ح… حاضر.”
“حسناً. إذاً ما رأيك بهذا الابتسام مثلاً؟”
ابتسم أركل في وجه هوان.
كان منظراً مخيفاً إلى حدّ لا يُحتمل.
اضطرّ هوان أن يبذل جهداً مضاعفاً ليحافظ على ملامحه ثابتة.
‘في هذه الحال، الذي يتدرّب على تعابير الوجه ليس سيدي، بل أنا…’
لكن رغم ذلك واصل أركل تدريبه، غير آبهٍ بشيء.
❖ ❖ ❖
في الوقت ذاته.
“هذا هراء…!!”
صرخ بارون كلارك وهو يكرمش الرسالة القادمة من ولي العهد هاينري.
انتفخت عروق يده القابضة على الورقة.
“اللعنة…”
كان محتواها أنّ زواج ليزي أليهايم وأركل كايين قد حظي بمصادقة العائلة الإمبراطورية.
فإذا باعتراضاته تأتي بنتيجة عكسية، فتجعل زواجهما أكثر ثباتاً.
“…ليزي أليهايم…”
تمتم باسمها وهو مطأطئ الرأس.
لم يكن لينسحب بهذه السهولة.
*******
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 62"