“أليس كذلك؟ الآن لم يعد على الأثر أي لعنة، لم يبق سوى تمثال عادي.”
مع أنه كان تمثالًا عاديًا منذ زمن بعيد… لكن الإمبراطور أومأ برأسه مطمئنًا وقد بدا عليه الارتياح.
“أحسنتِ صنعًا، بفضلك أستطيع أن أنام بهدوء أكبر.”
يبدو أن قولهم إن المرء يتأثر جسده بما يعتقده صحيح فعلًا.
فقد بدا وجه الإمبراطور مرتاحًا بعد أن صدّق أن اللعنة قد زالت تمامًا.
ثم قال:
“لا يليق أن أتركك تغادرين بعد أن قطعتِ كل هذا الطريق. ألا تجلسين لتشربي فنجان شاي؟”
عندها التفتُّ فرأيت إبريقًا وفنجانين معدّين فوق الطاولة.
فلا بد أنه نوى منذ البداية أن يكرمني بالشاي.
‘حسنًا، هذا أفضل لي. أجلس وأتحدث بهدوء وأدخل في صلب الموضوع.’
“أشكرك جلالتك.”
ابتسمت بوجه مشرق وجلست إلى الطاولة، فسكب الإمبراطور الشاي بنفسه في الكأس.
ومهما مددت يدي قائلة إني سأقوم بذلك بنفسي، كان يبتسم بعينيه قائلًا بلطف:
“دَعيني أؤدي على الأقل هذا الجزاء البسيط من ردّ الجميل.”
وهكذا جلست أحتسي الشاي في مواجهة الإمبراطور.
“لن يخيب ظنكِ. إنه شاي جُلب هدية من خارج البلاد.”
وكان كما قال، فالبخار المتصاعد منه يعبق بمذاق رائع.
‘حلو، لكنه ليس مفرط الحلاوة… مذاقه عميق. ناعم!’
وبما أنني لم أكن قد شربت الشاي كثيرًا في حياتي السابقة، لم أستطع أن أخمّن نوعه، لكن طعمه هذا يصعب أن يُنسى.
“أكان ما عرفته عن هذا الأثر من أسرار، بفضل أنك صادفت ساحرًا في جبل كروم وأمسكتِ به؟”
“نعم. فالحياة هنا تتطلب معرفة كثيرة، لذا أحرص على يعملني شيئًا فشيئًا.”
وكان المقصود أن أُبلغ ضمناً أن لا أطماع لكم في انتزاعه، فهو لا يملك معرفة تفيد البلاط.
ولحسن الحظ، لم يُبدِ الإمبراطور اهتمامًا كبيرًا بـ لاكو، على خلاف ما جاء في الرواية الأصلية.
“هكذا إذن. لقد أسدى بيت كايين معروفًا عظيمًا. إذن يا آنسة أليهـايم… لا، بل يا زوجة كايين.”
تدارك كلامه كمن أخطأ، غير أني لم أترك الفرصة تفوت.
“جلالتك، عندي ما أود أن أعرضه عليك بهذا الشأن.”
“وما هو؟”
“لعلك على علم به سلفًا، لكن… لقد تزوجتُ اللورد أركل كايين عن حب.”
أتبعت كلامي بملامح يغشاها الحزن:
“غير أن والدي خطبني لرجل آخر في غيبتي من غير رضاي… وأرجو المعذرة منه، لكني لا أستطيع أن أقبل بتلك الخطبة.”
“سمعتُ خبر زواجك من اللورد كايين. لقد كان خبرًا مثيرًا للدهشة.”
“لكن يشاع أن والدي خطبني لفارس يُدعى بارون كلارك… بل إنه قدّم عريضة لجلالتك…”
“لقد بلغ الأمر مسامع القوم بهذه السرعة؟ لا عجب، فالإشاعات تنتشر بسرعة.”
وإن كان في الحقيقة سرعة جمع المعلومات عند مارثا وليست الإشاعة.
ومع ذلك أومأتُ متظاهرة بالقلق وقلت:
“أعتذر أشد الاعتذار على أن أشغلك بمثل هذه المسألة وأنت مثقل بشؤون الدولة.”
والمعنى أنني أرجو أن تنتهي من هذا الأمر بسرعة ولا تتعب نفسك به.
هذه إذن هي الطريقة الدبلوماسية التي تستخدمها بنات النبلاء في الكلام الموارب.’
وأدركت أني صرت أستعمل أسلوبًا كان يظهر دائمًا في الروايات.
ارتشف الإمبراطور جرعة أخرى من الشاي بصمت.
“بالفعل، لدي أعمال كثيرة متراكمة…”
“أعتذر مجددًا يا مولاي… فلعلك تحسم الأمر هنا والآن؟”
“هاها، يؤسفني أن أخيب ظنك يا آنسة أليهـايم… أو لنقل يا زوجة كايين، غير أن هذا القرار ليس بيدي.”
“عفوًا؟”
سألتُ وأنا أحاول إخفاء دهشتي:
“إن لم يكن بأمرك، فبيد من يكون…؟”
“إنه بيد ابني. وليّ العهد الأول هاينري.”
وهاينري هذا لم يرد ذكره في الأصل إلا في شرح قصير، بصفته الأمير الأول.
‘ألم يكن ابنًا غير شرعي وُلد من جارية لا من الإمبراطورة الشرعية؟ لذا فرغم كونه الابن الأكبر، كان وضعه متزلزلًا…’
قال الإمبراطور وهو يمسح ذقنه ببطء:
“يبدو أن ذلك الفتى قد تولّى حلّ كثير من الأمور أثناء رقودي في الفراش… فعدم انهيار شؤون الدولة كان بفضله هو. أما أنا، فما قدّمت له شيئًا يذكر بصفتي أبًا.”
‘صحيح… قيل إن الإمبراطورة كانت تضيّق الخناق على وليّ العهد الأول بشدة.’
ورغم علمه بذلك، لم يمدّ الإمبراطور يد العون له، ويبدو أنه نادم على ذلك الآن، إذ تمتم بأسى:
“هو وحده كان يزورني كل يوم لعيادتي… وإن كان الكلام العاطفي الآن بلا طائل.”
بدا واضحًا أنه يندم على موقفه من ابنه في الماضي.
غير أنني في نفسي قلت:
‘تلك شؤون عائلتك الخاصة يا جلالتك، أما أنا فلي شؤون عائلتي الخاصة أود حلها!’
فلم يكن لدي وقت ولا رغبة في مجاملة مشاعره.
“هكذا إذن يا مولاي… فهل الذي تولّى أمر قضيتي هو وليّ العهد الأول؟”
سألته سريعًا بعد إظهار تعاطف فارغ، فالتفت إليّ بدهشة.
“صحيح. منذ أن نهضت من فراشي بدأت أكلّفه بمهام شتى، ومن بينها أمرك أنتِ يا آنسة أليهـايم… لا، أقصد يا زوجة كايين.”
‘إذن أعطى وليّ العهد الأول شؤون الآخرين ليستعملها مادة تدريبية في التصرّف؟’
غلى الدم في عروقي، لكني تماسكت وأبديت ابتسامة هادئة.
“فهمت يا مولاي… فهل لي أن ألتقي بوليّ العهد الأول بنفسي؟”
“بل إن هاينري نفسه أراد أن يراك ليشكر مَن عالج أباه.”
“أريد أن أشكره بدوري… فأين ينبغي أن أذهب للقائه؟”
“لا حاجة للحركة. هذه الغرفة غرفته هو. هاينري!”
ناداه الإمبراطور من عند الباب، وبعد لحظات فُتح الباب ودخل شاب باسماً بحرج.
كان ذا شعر أزرق متماوج ربطه خلف رأسه، طويل القامة متناسق الجسد، وسيماً ذا ملامح رقيقة.
خفض حاجبيه بابتسامة لطيفة وقال:
“مولاي، ألا تزال تمزح على هذا النحو؟ أرجو المعذرة يا سيدة كايين.”
قال الإمبراطور ضاحكًا:
“أردت أن أصطنع لكما لقاءً عابرًا، غير أن آنسة أليهـايم—بل، السيدة القديسة أذكى مما توقعت.”
وبعد أن كان يخطئ دائمًا في مناداتي بلقب سيدة كايين، صار الآن يلقبني بـ القديسة.
“الشيخ يترك المجال للشباب ليتحادثوا.”
ابتسم راضيًا، ووضع يده على كتف هاينري وأجلسه أمامي وكأنه يرتّب لقاءً للتزويج.
‘ألستُ امرأة متزوجة بالفعل؟ يا لهذا العجوز!’
ضحك هاينري بخفوت محرجًا، ثم جلس قبالتي، فربت الإمبراطور على كتفه وخرج تاركًا الغرفة.
حلّ صمت قصير بيني وبينه، ثم كاد أن أفتتح الكلام بوجه باسم حتى سبقني هاينري معتذرًا:
“المعذرة يا سيدة كايين، لا بد أنك انزعجتِ.”
هززت رأسي مبتسمة:
“لم يكن الأمر مزعجًا كثيرًا. لكن بما أنني متزوجة، فقد أربكني قليلًا.”
ارتفع حاجباه بدهشة من صراحتي، ثم انفجر بضحكة مكتومة:
“أنتِ صريحة حقًا.”
قال ذلك وهو يطأطئ رأسه مبتسمًا.
فانتهزت الفرصة وأردفت بصراحة أيضًا:
“سموّ ولي العهد، لعلك مطّلع على ظروفي؟ أنا أريد أن أواصل حياتي الزوجية مع بيت كايين.”
“أفهم مشاعرك جيدًا. فالزواج السياسي الخالي من الحب… لا شك أنه مؤلم.”
أومأ متفهمًا وأضاف:
“في عصرنا هذا، قلّ ما يتزوج أحد لمجرد إرضاء رغبة الوالدين، حتى بين النبلاء.”
‘إنه يتحدث بوعي أكثر مما ظننت!’
ابتهجت في داخلي وتابعت:
“بالضبط… لقد عشت عمري طائعة لأوامر والدي ومكرّسة نفسي لخدمة الإله، لكن هذه المرة أريد أن أقرر مصيري بملء إرادتي.”
“إنها عزيمة رائعة.”
ابتسم هاينري برقة، ثم سأل:
“إذن لا نية لكِ بالزواج من اللورد كلارك؟”
“أبدًا! ذلك قرار والدي وحده، وأنا لا أحبه.”
“لا تحبينه إذن…”
تمتم ثم ابتسم بتفهّم:
“أدركت الأمر. ينبغي أن تُقدَّم رغبة الشخص على مصلحة العائلة. سأعتبر عريضة اعتراض اللورد كلارك لاغية.”
كادت يداي أن تصفقا فرحًا.
‘إن يكن وليّ العهد بمثل هذا الانفتاح، فمستقبل الإمبراطورية مشرق!’
لكن حديثه لم ينتهِ بعد.
إذ محا ابتسامته وقال بجدية:
“غير أن الأمر نفسه ينطبق على زواجك من اللورد كايين أيضًا.”
“ماذا؟”
“سمعت قصة زواجك وأنكِ تحبينه، وهذا ليس لي أن أتدخل فيه. غير أنني…”
أسند ذقنه إلى يديه المشبكتين وحدّق بي بوجه غامض.
“قرأت في عريضة اللورد كلارك أن زواجكما ليس إلا زواجًا صوريًا لمصلحة متبادلة.”
‘كيف تسرّب إليه ذلك الكلام؟!’
وقبل أن أسأل، ابتسم هاينري مطمئنًا وقال:
“بالطبع لا أصدق ذلك كله، لكن بما أن الأمر موكول إليّ لأحسمه، فلا أستطيع أن أتجاهل ما يُقال.”
ثم نظر إليّ بعينين جادتين وسأل:
“لذا، أستأذنك بسؤال مباشر. هل تستطيعين أن تثبتي أن زواجك من اللورد كايين زواج حب حقيقي؟”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 59"